أثارت نازلة نقل جثة قتيل فرنسي على متن سيارة إسعاف خاصة بالجديدة، جدلا وردود فعل متباينة. وتعتبر هذه النازلة الخطيرة استهتارا في أبشع تجلياته بالأمن الصحي للمغاربة.
إذ لا تجد ما يبررها من الوجهتين الواقعية والفقهية، سيما في ظل وجود فتوة فقهية تجيز نقل جثث الموتى غير المسلمين، على متن سيارات نقل أموات المسلمين، وكذا، بالنظر إلى كون سيارات الإسعاف، جماعية كانت، أم تابعة لوزارة الصحة العمومية، أم خاصة، معدة، ليس في المغرب فحسب، بل في العالم برمته، لنقل المرضى والمصابين.
وحتى أن بعض سيارات الإسعاف في المغرب، هي مجهزة ومهيأة خصيصا للتعامل مع نوع معين من المرض، ونقل نوع محدد من المرضى، من قبيل الذين يحملون فيروس "إبولا"، والذي لم تسجل أي حالة منه، لحد الساعة على أرض الوطن. ورغم ذلك، فإن الدولة المغربية وضعت، من باب الحيطة والحذر، وحرصا منها على السلامة والأمن الصحي للمواطنين، سيارات إسعاف خاصة، لهذه الغاية، رهن إشارة ثكنات الوقاية المدنية، في جهات وأقاليم المملكة.
هذا، وقد لقي مواطن فرنسي مصرعه، إثر جريمة قتل بشعة وقعت فصولها الدموية، داخل شقة يملكها في عمارة سكنية بحي السلام، في عاصمة دكالة. حيث عثر عليه، مساء الجمعة مساء الجمعة 7 غشت 2015، داخل غرفة محكمة الإغلاق، جثة هامدة، صدره وذراعاه مكبلين إلى كرسي. وكان نزف دما من فمه وأنفه. ولم تكن الجثة في حالة تحلل، أو تفوح منها الرائحة. ما يرجح أن يكون الضحية قضى نحبه منذ يوم أو يومين، بفعل فاعل أو فاعلين، علما أنه كان دخل على متن عربة كبيرة الحجم، في الأول من غشت 2015، إلى تراب المغرب، وحل بعاصمة دكالة في ال5 من الشهر الجاري.
وقد كان من المفترض والمفروض أن يتم نقل جثة الضحية على متن سيارة لنقل الأموات، يجوز أن تكون حتى سيارة نقل الأموات المسلمين، وفق فتوة دينية كان أصدرها رئيس المجلس العلمي بالجديدة. وهي الفتوة التي كانت "الجديدة24" ضمنتها في مقال صحفي تحت عنوان: "المجلس العلمي بالجديدة يجيز مقل جثث غير المسلمين على متن سيارة نقل المسلمين"، نشرته، في ال21 ماي 2015، على أعمدة موقعها الإلكتروني، وتناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي، وأخذت في حينه علما بها عليها السلطات بجهة دكالة-عبدة، وإقليم الجديدة، إلى حد أن عبد الفتاح البجيوي، والي جهة دكالة-عبدة وعامل إقليم آسفي، تفاعل معها إيجابا، وترجمها على أرض الواقع، باتخاذ قرارات بشأنها غير مسبوقة، خلال المجلس الإقليمي.
هذا، فلا تخفى خطورة تسخير سيارة الإسعاف لنقل جثت الهالكين، مسلمين كانوا أو غير مسلمين، والذين يكونون قضوا نحبهم في اعتداءات إجرامية أو بشكل طبيعي، أو جراء سبب أمراض خطيرة، وفي الآن ذاته استعمالها في نقل المرضى والمصابين. ما قد يعرض حياتهم أو صحتهم للخطر، جراء العدوى التي قد تنتقل من الجثث.
وبالمناسبة، فقد درب البركاوي بالجديدة اهتز، خلال العشرية السابقة، على وقع جريمة دم بشعة، راح ضحيتها شاذ أجنبي. حيث عمدت السلطات وقتها إلى نقل جثته إلى مستشفى محمد الخامس، على متن سيارة نقل أموات المسلمين. ما أثار وقتها ردود فعل متباينة.
وكان مواطن إيطالي قضى نحبه، منتصف ليلة الأربعاء 20 ماي 2015، في ظروف غامضة. حيث طفحت فوق السطح معضلة دينية وفقهية، تتعلق بنقل جثث غير المسلمين. إشكالية أحرجت السلطات الأمنية والمحلية، في غياب سيارة لنقل جثت الأموات غير المسلمين، الذين يدينون بديانات سماوية غير الإسلام، أو بمعتقدات وضعية، أو الملحدين.
وعقب انتهاء الضابطة القضائية من المعاينات والتحريات الميدانية، ومن الإجراءات المسطرية والقانونية في "مسرح الجريمة"، حضرت "سيارة نقل الأموات المسلمين"، لكي تقل جثة الضحية الإيطالي إلى مستودع حفظ الأموات بالمركز الاستشفائي الإقليمي بالجديدة. لكن سائق السيارة سرعان ما انصرف إلى حال سبيله، بعد أن راوده الشك في صلاحية وشرعية نقل جثة الأجنبي غير المسلم ،على متن سيارة نقل أموات المسلمين.
وبعد مضي وقت بغير القصير، حضرت سيارة إسعاف تابعة للوقاية المدنية، وبعدها سيارة إسعاف أوفدتها عمالة إقليم الجديدة، تابعة ل"المبادرة الوطنية للتنمية البشرية". لكن سائقا العربتين فطنا إلى كونهما لا يحق لهما في أي حال من الأحوال، نقل جثة الإيطالي، على متن سيارتي الإسعاف المكلفين بقيادتهما، بحكم أنهما مهيأتان خصيصا لنقل المرضى والمصابين. ما جعلهما يغادران بدورهما المكان. وهكذا، بقيت "عالقة" جثة الضحية الإيطالي غير المسلم "ظاهريا".
وقد مكنت تدخلات قائد المقاطعة الحضرية الثالثة، والذي يعتبر تجسيدا حيا للمفهوم الجديد للسلطة، من حل الأزمة. حيث حصل، بعد مضي حوالي 3 ساعات من البحث وتكثيف الاتصالات، واستعمال علاقاته الخاصة، على عربة قديمة من نوع "فوركونيت" تابعة لبلدية الجديدة، جرى إخراجها من "أرشيف" المصالح الجماعية.
وعمد رجال الوقاية المدنية إلى نقل الجثة، بعد لفها في قطعة بلاستيكية كبيرة، ووضعها في العربة الجماعية، التي انطلقت لتوها، في حدود الساعة الثالثة والنصف من صبيحة اليوم (الخميس 21 ماي 2015)، إلى وجهتها المحددة (المستشفى).
هذا، وكان للجريدة اتصال، في اليوم الموالي للنازلة، بالفقيه الجليل عبد الله شاكر، رئيس المجلس العلمي بالجديدة، لاستفساره، رفعا للبس والالتباس، عن مدى شرعية نقل جثة غير المسلم، على متن سيارة نقل أموات المسلمين. فكان جوابه أن أجاز ذلك، معللا الأمر بكون الأجنبي، عندما كان حيا يرزق، وفي كامل قواه البدنية والعقلية، فإنه كان مسؤولا عن دينه وعقيدته وأعماله وتصرفاته، وعلاقته مع الله تعالى. وعندما وافته المنية، وأصبح جثة هامدة، عاجزا عن الحركة، فقد أصبحنا نحن بنو البشر مسؤولين عنه. ومن ثمة، فمن حقه علينا كبشر، ومن واجبنا عليه كبشر، أن نتكفل، في حال تعذر الأمر على أسرته وذويه، وفي غياب وسيلة سيارة لنقل الأموات غير المسلمين، (أن نتكفل) بنقله على متن سيارة نقل أموات المسلمين، إلى بيته، أو إلى مستودع حفظ الأموات، أو دفنه في مقبرة الأجانب، حتى لا تبقى جثته عرضة للحيوانات المفترسة، التي قد تنهش جسده ولحمه، إذا ما حدثت الوفاة في أرض خلاء. والشيء ذاته، يتعين أن نقوم به، في حال وفاته داخل مسكنه، حتى لا تتحلل وتتعفن جثته.
وأضاف الفقيه الجليل عبد الله شاكر أن ما لا يجب قطعا القيام به، هو انتشال جثة غير المسلم من مثواها في المقبرة، ونقلها إلى مكان آخر، على متن سيارة نقل أموات المسلمين.
وبالرجوع إلى ديننا الحنيف، فإننا لا نجد البتة، سواء بصريح العبارة أو ضمنيا، لا في القرآن، ولا في الحديث والسنة، ولا حتى في اجتهاد الفقهاء والعلماء الأجلاء، ما يحرم نقل جثة غير المسلم على متن وسائل النقل ذاتها المخصصة لنقل أموات المسلمين.
والأكثر من ذلك أن الإسلام كرم بني البشر حتى بعد حياته، مصداقا للحديث النبوي الشريف: "إكرام الميت دفنه". حديث لم يخصص الميت لا بذكر جنسيته، أو جنسه، أو لون بشرته، أو انتمائه، أو أي شيء من هذا القبيل.
وبالمناسبة، فإن ثمة 3 أشياء محرمة على المسلمين، وهي: غسل الميت غير المسلم، وإقامة صلاة الجنازة عليه، ومواراته الثرى في مقبرة المسلمين.
هذا، وبالرجوع إلى نازلة نقل جثة القتيل الفرنسي، مساء الجمعة 7 غشت 2015، على متن سيارة إسعاف خاصة، فإن الأمر في غاية الخطورة، وفيه استهتار للمسؤولين والسلطات بصحة المواطنين المغاربة، رعايا صاحب الجلالة. ما يحتم على وزير العدل والحريات ووزير الداخلية، إصدار تعليماتهما على التوالي إلى النيابة العامة المختصة، وإلى السلطة الإقليمية الأولى ممثلة في عامل إقليم الجديدة، من أجل فتح بحث، لتحديد الجهة التي رخصت بنقل جثة القتيل، على متن سيارة إسعاف، ومن ثمة ترتيب التبعات والإجراءات القانونية، بغية صيانة كرامة المغاربة مستقبلا، والحفاظ على أمنهم الصحي.
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة