''العقبة الحمرا''.. منعرج الموت
''العقبة الحمرا''.. منعرج الموت

أبدا لا يريد سكان دكالة من مواليد ما قبل 1985 أن يتذكروا إطلاقا نقطة مرورية تسمى «العكبة الحمراء» بوضع ثلاث نقط فوق الكاف، لأنها تمثل ذاكرة مشتركة موشومة بأحزان ومآس،  إن لم نقل أنها مثلث برمودا الذي ابتلع أرواحا لا عد ولا حصر لها، في عدد كبير من حوادث السير.

تقع «العقبة أو العكبة الحمراء» عند النقطة الكيلومترية 45 على مشارف مركز زاوية سيدي إسماعيل على الطريق الوطنية رقم 1 الرابطة بين الجديدة والكويرة عبر الجديدة، سميت بالحمراء لكثرة الدماء التي سالت فوقها من حوادث سير أليمة، وشمت ذاكرة مستعمليها بأحزان غائرة.

جيومورفولوجية وعرة

«العكبة الحمراء» تقع في مقطع طرقي يتميز بجيومورفولوجية وعرة، عبارة عن منعرج مزدوج يميل إلى ارتفاع يصل مداه إلى أزيد من 4 أمتار، شكل منذ بداية بناء الطرق ببلادنا مع دخول الحماية الفرنسية سنة 1912 وإلى حدود 1985 تاريخ إزالة «العكبة الحمراء»، نقطة مرورية سوداء قهرت سيارات وحافلات نقل عمومي، كانت بالكاد تجتاز هذا الحاجز، لمحركاتها التي لم تكن من القوة لقلة أحصنتها ومحدودية سرعتها .

قال لنا سائق حافلة كانت تنقل مسافرين بين الجديدة ومراكش مرورا بـ»العكبة الحمراء»، فعلا كانت حمراء لأنها تلطخت بدماء كثيرة، بل أكثر من ذلك، «كانت قاهرة لنا وكنا نضرب لها ألف حساب، وعندما كنت أنقل نساء على الحافلة وبمجرد وصولي للعكبة الحمراء ترتفع أصوات النساء مكبرة اللهم صل عليك أ رسول الله آجاه النبي، وبمجرد تجاوزها، تعلو زغاريد النساء وتصفيقات الرجال، وكأن الأمر يتعلق بربان طائرة حط بها على أرضية مطار بأمان».

 نوادر العكبة الحمراء

كثيرة هي الأحزان المترتبة عن حوادث «العكبة الحمراء»، ولكن أيضا تختزن الذاكرة المشتركة للسكان قصصا ونوادر عن هذه النقطة السوداء. يتذكر مسن من سكان المنطقة، أنه في يوم قبل أربعين سنة، كانت أمطار غزيرة تتهاطل، والساعة تشير إلى ما بعد منتصف الليل بقليل وحركة المرور بطيئة على العقبة، لحذر شديد من السائقين مخافة انزلاقات، وما هي إلا لحظات حتى انقلبت سيارة سوداء اللون وسقط منها صندوق خشبي محكم الإغلاق. سارع شابان من عائلة واحدة مشطا المكان بعيونهما، وتعاونا على حمل الصندوق الخشبي نحو منزلهما الذي لا يبعد عن مكان الحادث إلا بنصف كيلومتر، بينما كانت والدتهما تكثر الحمد لله على هذه الخزنة التي من شأنها أن تضع حدا لعوزهم الشديد، وستكون معبرا لهم إلى عالم الغنى.

أحضر الأخوان «لقاطا» أزالوا به مسامير الصندوق الخشبي، وكانت المفاجأة صادمة عندما عثروا بداخل الصندوق على جثة مسجية، وتبين في ما بعد أن السيارة السوداء المنقلبة كانت مخصصة لنقل الأموات غير المسلمين .

مازال المقطع الطرقي بين «مصور راسو» وسيدي إسماعيل، حتى وإن تمت إزالة العقبة الحمراء، يحمل مشعل الموت على الإسفلت الأسود، بتصدره لعدد حوادث السير بإقليم الجديدة، وما تخلف من فواجع لعائلات الضحايا.

 مصائب قوم عند قوم فوائد

بالقدر الذي كانت فيه «العكبة الحمراء» مصدر مصائب وويلات لا حصر لها، كانت بالنسبة إلى السكان المجاورين لها من قبيلة أولاد بوعزيز الوسطى، وبالخصوص الدواوير القريبة من مركز سيدي إسماعيل، مصدر فوائد جمة، فإذا انقلبت شاحنة أو حافلة وفي وقت كان فيه وصول الدرك والوقاية المدنية من الجديدة يتطلب مدة زمنية تزيد عن الساعة، يستغل بعض السكان الفرصة لجمع ما يمكن جمعه من مسرح الحوادث. وحكى لنا أحد السكان المجاورين للعكبة، أنهم أول من كان يتذوق الفواكه الموسمية القادمة من مراكش وأكادير، نظير المشمش والبطيخ الأحمر والخوخ، متى انقلبت شاحنة محملة به، ويزداد فرحهم لانقلاب شاحنات محملة بأسماك متنوعة وفواكه البحر، وواصل، «كانت الحافلات المنقلبة ليلا أكثر عرضة للتخوشيف».


عبد الله غيتومي 


الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة