عدوى حظر''البوركيني'' بفرنسا تنتقل بصيغة أخرى إلى مدينة البئر الجديد (فيديو)
عدوى حظر''البوركيني'' بفرنسا تنتقل بصيغة أخرى إلى مدينة البئر الجديد (فيديو)

فجرت المواطنة المغربية سعيدة التامري، نازلة "حقوقية" من العيار الثقيل، بعد أن منعتها مشغلتها، شركة متخصصة بمدينة البئر الجديد، من ارتداء النقاب أثناء عملها. نازلة  قد تخلق زلزالا  لا يقل في وقعه وتبعاته  عن قضية "البوركيني" التي أحدثت، صيف السنة الجارية، ضجة وجدلا واسعين داخل الأوساط السياسية والحقوقية والإعلامية في فرنسا.

هذا، وفي خرجة إعلامية "جريئة" بالصورة والصوت (الفيديو رفقته)، كسرت المغربية سعيدة التامري جدار الصمت، وعرت عن المستور، وعن الخطر المحدق الذي يتهدد المغرب والمغاربة في تقاليدهم العريقة، وهويتهم الإسلامية–المغربية، وفي الحقوق الشخصية والحريات الفردية التي نص عليها دستور المملكة.

فبعد أن قضت سعيدة التامري حوالي 8 سنوات في الخدمة بتفان وانضباط لدى الشركة المتخصصة، قررت، منذ حوالي 3 سنوات، أن  ترتدي لباسا تقليديا فضفاضا، يغطي الجسم بكامله، باستثناء الوجه. وهو ما لم تعترض عليه لا في حينه ولا حتى لاحقا الشركة المشغلة. كما أن ذلك لم يثر أية مشاكل أو عرقلة العمل أو الحد من مردودية العمال، ومن إنتاجية الشركة.

 وقد ارتأت مؤخرا سعيدة التامري، عن قناعة واقتناع وبرضا زوجها، وتماشيا والحقوق الشخصية والحريات الفردية  التي يضمنها الدستور، أن تضع خلال العمل، النقاب، كأي فتاة مسلمة، على حد تصريحها للجريدة. حيث عرضت الأمر، شهر يوليوز الماضي، على المسؤولة عن مصلحة الموارد البشرية بالشركة المشغلة. لكن الأخيرة عارضت المسألة. ما استدعى عقد جلسة جمعت، بتاريخ: 15 يوليوز 2016، كلا من المسؤولة الإدارية، والعاملة المتمسكة بحقها المشروع في وضع الخمار، وممثلة عن عمال الشركة (مندوبة). ولم تمانع الأخيرة (المندوبة) على رغبة العاملة سعيدة التامري، من منطلق أن ذلك يدخل في إطار الحقوق الشخصية والحريات الفردية، كما أنه لا يؤثر سلبا على سير العمل داخل الشركة.

 وأمام تشبث الشركة المشغلة بموقفها الرافض لارتداء النقاب، لجأت العاملة إلى مفتش الشغل،  لحسم النزاع القائم. حيث وجه الأخير استدعاء إلى إدارة الشركة، لحضور جلسة في مكتبه، حدد موعدا لعقدها. إلا أن إدارة الشركة تخلفت عن الحضور.

هذا، وحرر مفتش الشغل لفائدة العاملة "المطرودة"، كتابا مؤرخا في: 25 يوليوز 2016، في موضوع: "وثيقة المعلومات الموجهة لمحكمة الشغل بالجديدة"، من أجل "التعويض عن الفصل، والفصل التعسفي، والتعويض عن فقدان الشغل، والتعويض عن الساعات الإضافية"، ابتداء من 15 يوليوز 2016.

وبعد أن استوفت العاملة جميع الإجراءات والطرق المتاحة، جراء فصلها، حسب تصريحها، عن العمل بشكل تعسفي، ودون تبرير من الوجهتين الواقعية والقانونية، لجأت إلى القضاء.

وبتاريخ: 10 غشت 2016، عمدت الأستاذة نوال المريني، المحامية بهيئة بالجديدة، إلى تبليغ إدارة الشركة المشغلة، "رسالة إنذار" مؤرخة في: 8 غشت 2016 (تتوفر الجريدة على نسخة منها)، جاء فيها  أن موكلتها سعيدة التامري، وهي عاملة مرسمة، قد اشتغلت لدى الشركة المتخصصة، منذ شهر دجنبر 2008، إلى تاريخ منعها من العمل، صبيحة  ال15 يوليوز 2016. حيث فوجئت برسالة موجهة من طرف إدارة الشركة، مؤرخة في: 18 يوليوز 2016،   تعلمها، بعد أن أبدت رغبتها في ارتداء لباس فضفاض ونقاب يغطي الوجه، بأنه لا يمكن مزاولة العمل بارتداء النقاب، نظرا لإجراء مراقبة روتينية من طرف الحراس. إذ يتعين عليها كشف الوجه، للتأكد من هويتها، ومن الانتماء إلى الشركة، وأنها ملزمة بارتداء اللباس الموحد داخل مقرات العمل.

وأبدت الأستاذة نوال المريني في "رسالة إنذار"، اندهاشها من موقف الشركة المشغلة الذي قالت أنها رتبت عنه نتائج خطيرة، تتمثل في طرد العاملة سعيدة التامري. وأخبر الدفاع الشركة في الرسالة المرجعية، أن ما قامت به، يعد مسا خطيرا بالحريات الشخصية، وبالحقوق المنصوص عليها في الدستور المغربي، وتدخلا لا يسمح به القانون لإدارة الشركة، في اختيار عقيدة العمال. وأبدى دفاع العاملة أمله في أن تراجع  إدارة الشركة موقفها في أجل قريب، وإلا فإن موكلته ستكون مضطرة لرفع دعوى أمام القضاء، للمطالبة بحقوقها، وترفع تظلمها أمام جميع الجهات الدولية والوطنية، الساهرة على حماية الحريات والحقوق الفردية، بما في ذلك المؤسسات التابعة للأمم المتحدة، سيما لحنة حقوق الإنسان. كما أن العاملة المطرودة لن تتوانى، حسب دفاعها، عن عرض تصرف الشركة المشغلة، الذي وصفته ب"غير اللائق"، على المؤسسات الإعلامية الوطنية والدولية، في لباس الزي الذي ترتاح إليه، لأن رب المؤسسة لا يملك الحق في التدخل في الاختيارات الدينية والعقائدية لعماله.

وأضافت العاملة سعيدة التامري، في الحوار الصحفي، أن مشغلتها (الشركة المتخصصة) بلغتها في ال7 شتنبر 2016، بكتاب في موضوع: "إشعار رسمي بسبب غياب غير مبرر (الرسالة الأولى)"، تتوفر الجريدة على نسخة منها. وتحيطها إدارة الشركة في هذه الرسالة علما  أنها لم تلتحق بعملها، منذ يوم الاثنين 11 يوليوز 2016، وأن الإدارة لم تتوصل منذ ذلك التاريخ، بأي خبر منها، رغم أنها ملزمة بإخبار مشغلها بأي غياب وتبريره. واعتبرت إدارة الشركة، حسب الرسالة الموجهة إلى العاملة، أنها في غياب غير مبرر، منذ يوم الاثنين 11 يوليوز 2016، وأن غيابها حتى الآن،  يعطل سير العمل.

وتعقيبا على مضامين الرسالة (الإشعار)، المؤرخة في 7 شتنبر 2016، أكدت العاملة سعيدة التامري أنها كانت أيام 11 و12 و13 و14 يوليوز 2016، في رخصة مرضية، حسب الشهادة الطبية التي وافت بها الشركة المشغلة، والتي تبرر  من الوجهتين الواقعية والقانونية، غيابها خلال تلك الفترة (4 أيام). كما أن الرسالة (الإشعار) أدرجتها إدارة الشركة، حسب موضوعها ("إشعار رسمي بسبب غياب غير مبرر/ الرسالة الأولى"، على كونها "الرسالة الأولى" التي وجهتها إلى العاملة. في حين أنها تعتبر "الرسالة الثانية"، باعتبار أن العاملة  كانت توصلت من الشركة ذاتها، ب"رسالة أولى"،  مؤرخة في: 18 يوليوز 2016، موضوعها: "الرد على طلبكم المدلى به يوم 15 يوليوز 2016"، وتتوفر الجريدة على نسخة منها.

هذا، ونفت العاملة سعيدة التامري نفيا قاطعا أن تكون انقطعت عن طواعية ومن تلقاء نفسها عن العمل. وتشبثت بكون  الشركة المشغلة هي من منعتها بسبب ارتداء النقاب.

 وأفاد 3 شهود عيان وهم: (ه. ق.) و(م. م.) و(ع. ف.)، في إشهاد مصادق عليه لدى السلطة المختصة، بتاريخ: 23 شتنبر 2016، تتوفر الجريدة على نسخة منه، أنهم شاهدوا وعاينوا، على الساعة الواحدة والنصف من ظهر ال9 شتنبر 2016،  الحارس المتواجد بباب الشركة، المسمى (ع.)، يمنع السيدة سعيدة التامري من الدخول، لمزاولة عملها كالمعتاد. وهذا بسبب النقاب الذي ترتديه، حسب ما جاء في الإشهاد المصادق عليه.

وبالمناسبة، وتقيدا بأخلاقيات الصحافة، واستحضارا لمبدأ الرأي والرأي، وتنويرا للرأي العام، واستجلاء للحقيقة،  اتصلت الجريدة بإدارة الشركة المشغلة، على هاتفها الثابت، وتحديدا بالمسؤولة عن مصلحة الموارد البشرية. وبعد الإدلاء بالهوية والصفة الصحفية، وموضوع المهاتفة، تقدمت المسؤولة الإدارية، في الحوار الصحفي،  مدته 17 دقيقة و56 ثانية،  بإفادتها التي سرعان ما تراجعت، وطلبت عدم نشرها. وأمهلت الجريدة المسؤولة الإدارية.. قبل نشر المقال الصحفي على أعمدة صفحاتها.

وبعد مرور حوالي 16 ساعة، عاودت الجريدة الاتصال هاتفيا بالمسؤولة لدى الشركة. وكان ردها، في الحوار الصحفي الذي استغرق حوالي دقيقتين، بالتحفظ.. والثني عن نشر المادة الإعلامية المحرجة.

إلى ذلك، فإن النازلة "الحقوقية" المزلزلة، من العيار الثقيل، التي فجرتها المواطنة المغربية سعيدة التامري، التي لجأت إلى القضاء، بغية إنصافها ورد الاعتبار إليها، والتي (النازلة) يتابعها عن كتب "المرصد الدولي للإعلام وحقوق الإنسان"، تعيد إلى الواجهة إشكالية الحقوق الشخصية والحريات الفردية التي نص عليها دستور المملكة. ناهيك عن كونها تأتي في ظرفية حساسة، موسومة  بالجدل القائم حول عدم تسييس الدين، وعدم أخونة السياسة والمجتمع المغربي.

ومن جهة أخرى، فإن نازلة ارتداء النقاب تعيد كذلك إلى الواجهة، قضية "البوركيني" (bodykini) التي هزت فرنسا التي كان صيفها "ساخنا"، جراء القرار المثير للجدل الذي وقع عليه عمدة مدينة "كان"، أفخر المدن السياحية والفنية الفرنسية، والذي قضى بحظر ارتداء ملابس البحر النسائية "البوركيني" (كلمة مركبة من "البرقع" و"بكيني")، على الشواطئ الفرنسية، وإعلانه لا يحترم الأخلاق الحميدة والعلمانية، ولا يتماشى وعاداتها وقيمها التي تمثل أسس الدولة. وهي النازلة المسيسة في الأصل، وتمت المزايدة عليها في الجمهورية الفرنسية التي اتخذت من "حرية – مساواة - أخوة" شعارها الوطني. لكن القضاء في فرنسا، بلد "الأنوار"، التي كانت  قدمت "البكيني" للعالم، استكمالًا لتقليد طويل من تأثير ونفوذ المرأة، انتصر (القضاء) في النهاية لحقوق الإنسان وللقيم الكونية، بعد أن حسمت المحكمة الإدارية العليا الفرنسية، الأزمة، بإصدار  حكمها برفع الحظر عن منع "البوركيني"،  مبررة فرض حظر ارتداء "البوركيني" بكونه "انتهاكا واضحا وخطيرا للحريات الأساسية في الحركة والعقيدة والحريات الشخصية".

هذا، فإذا كان ارتداء النقاب من مبررات الطرد التعسفي في المغرب، البلد الإسلامي، المتشبع بحقوق الإنسان، كما هو متعارف عليها كونيا،  فإن ذلك يعيد عقارب الساعة والتاريخ إلى الوراء، ويضرب في العمق دولة الحق التي يبقى قيامها رهينا بمدى سيادة القانون.

 

 

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة