تستأثر قضية "الجمعية
المغربية لمحاربة داء السكري بالجديدة" باهتمام الرأي العام والفعاليات الحقوقية،
سيما في شقها الحقوقي، الذي يعتبر شرطا من شروط المحاكمة العادلة. فالإخلال بهذا الحق
يعتبر انتكاسة لدولة الحق التي يبقى قيامها رهينا بسيادة القانون، وضربة موجعة لما
حققه المغرب والمغاربة من مكتسبات في مجال حقوق الإنسان، في ظل العهد الجديد، تحت القيادة
الرشيدة للملك محمد السادس، الذي وضع، في قطيعة مع الماضي البائد، حدا للممارسات الجائرة،
والذي لن يرضى ويقبل "الظلم" لرعاياه.
هذا، وتحظى قضية جمعية
محاربة داء السكري، باهتمام ومتابعة وتتبع الجريدة.. حتى تتدخل الجهات المعنية والوصية، وإن اقتضى الحال،
أعلى سلطة في المملكة، الملك محمد السادس الذي تصدر الأحكام القضائية باسم جلالته،
تداركا لما شاب هذه القضية من انتهاكات صارخة، وأساسا في ما يتعلق بخرق سرية البحث التمهيدي، وما ترتب ويترتب عن ذلك من تأثيرات على سير الملف المعروض على أنظار
العدالة، وعلى الإجراءات القبلية، المتخذة بشأنه، وربما حتى على الحكم الذي ستصدره
هيئة القضاء الجالس لدى الغرفة الجنحية، في حق مواطن مغربي، من المفترض والمفروض أن
يحظى بمحاكمة عادلة، من قواعدها وأسسها "قرينة البراءة"، وأن المتهم بريء
إلى أن تتثبت إدانته. إدانة قضت بها للأسف وبشكل استباقي ببعض وسائل الإعلام، في مرحلة
"الاشتباه"، وليس حتى في مرحلة "الاتهام".
وتجدر الإشارة إلى أن دفاع
(م. ط.)، الأستاذ سامي سلمان، المحامي بهيئة الجديدة، رفع ملتمسا إلى وكيل الملك والوكيل العام للملك بقصر العدالة بالجديدة،
في موضوع: "بطلان البحث التمهيدي لخرق
شرط السرية"، الذي شاب المسطرة القضائية المرجعية عدد: 3049/ج. ج./ش. ق.، بتاريخ:
1 أكتوبر 2016، والتي أنجزتها الضابطة القضائية لدى الفرقة الاقتصادية والمالية، التابعة
للمصلحة الإقليمية للشرطة القضائية. كما رفع شكايات لمقاضاة قناة تلفزية، وجريدتين وطنيتين مستقلتين، وشكايات إلى وزير العدل والحريات،
والمدير العام للأمن الوطني، والهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري (HAICA).
وبالمناسبة، فقد التمس
الأستاذ سامي سلمان، الثلاثاء أكتوبر 2016،
في جلسة المحاكمة أمام الغرفة الجنحية، تمتيع موكله (م. ط.) بالسراح المؤقت،
معللا ملتمسه من الوجهتين الواقعية والقانونية، بما يلي:
أولا: كون موكله يتوفر
على ضمانات شخصية ومادية وتاريخية. فهو رب أسرة، ومتقدم في السن. شغل طيلة عمره، مربيا
للأجيال (أستاذا)، إلى أن تمت إحالته على التقاعد. ناهيك عن كونه انخرط في العمل الجمعوي
والخيري (...)؛
ثانيا: إن الدفاع وموكله
يخشيان أن يكون قرار الاعتقال (اعتقال م. ط.)، جاء نتيجة تأثيرات خارجية، خارج قصر
العدالة، في إشارة إلى وسائل الإعلام والصحافة،
من جرائد وطنية مستقلة (وازنة)، ومواقع إلكترونية، وقناة تلفزية، وبلاغ رسمي أصدرته
هيئة نقابية تابعة للصيادلة، وتقاسمته على نطاق واسع صفحات "الفيسبوك" ومواقع
التواصل الاجتماعي. وسائل الإعلام هذه، تناقلت تفصيليا وبالصور الفوطوغرافية، الوقائع
والإجراءات القانونية، المضمنة في المسطرة القضائية المرجعية عدد: 3049/ج. ج./ش. ق.،
بتاريخ: 1 أكتوبر 2016، والتي يكون وكيل الملك بابتدائية الجديدة، اطلع عليها، وعلى
غرار الرأي العام، الخميس والجمعة 29 – 30 شتنبر 2016، عبر وسائل الإعلام، قبل أن تحيلها عليه الضابطة
القضائية، بمعية الأطراف الذين كانوا وقتها
لايزالون، إلى غاية صباح السبت 1 أكتوبر 2016، تحت تدابير الحراسة النظرية.
هذا، وظهر العميد الممتاز
مصطفى رمحان، رئيس المصلحة الإقليمية للشرطة القضائية، في النشرة الإخبارية التي بثتها القناة التلفزية، وهو يعرض
تفصيليا وقائع النازلة، والإجراءات التي باشرتها الضابطة القضائية لدى الفرقة الاقتصادية
والمالية، خلال مرحلة البحث، وذلك قبل انقضاء فترة الحراسة النظرية، التي تم تمديدها
في حق المشتبه به ب24 ساعة، وبالتالي، قبل إحالته والمسطرة المرجعية، على النيابة العامة
المختصة، وقبل تحريك الدعوى العمومية، وتسطير فصول المتابعة الجنائية.. ومن ثمة قبل
رفع السرية عن القضية.
وأظهرت القناة التلفزية
التي استضافها رئيس الشرطة القضائية في مكاتبه، في نشرتها الإخبارية، (م. ط.)،
"المشتبه به" والذي لم يكن يرقى وقتها قانونا إلى درجة "متهم"،
(أظهرت) صورة حية له (من دون الرأس)، بلباسه، وفي يديه الأصفاد، وذلك خلال مرحلة البحث
التمهيدي. كما بثت قناة التلفزة صورة حية لعمليات عد المحجوز (الأدوية)، خلال مرحلة
البحث التمهيدي.. وسردت الخبر على أساس "تورط" المشتبه به (م. ط.) في القضية،
قبل أن تتابعه النيابة العامة المختصة، من أجل الأفعال المنسوبة إليه، وحتى قبل أن
تصدر المحكمة حكما بإدانته.
وبالمناسبة، فإن الضابطة
القضائية تخضع، طبقا لمقتضيات قانون المسطرة الجنائية، لسلطة وإمرة وكيل الملك والوكيل العام، ونوابهما في دائرة نفوذهم
القضائي والترابي، والذين يعتبرون رؤساء قضائيين مباشرين للضابطة القضائية ولضباط الشرطة
القضائية. حيث إنهم (ضباط الشرطة القضائية والضابطة القضائية) يستمدون ويتلقون التعليمات
من النيابة العامة المختصة. وهذا ما يجر إلى التساؤل عن مدى قانونية دعوة القناة التلفزية،
واستضافتها من قبل رئيس المصلحة الإقليمية للشرطة القضائية، للتصوير والتغطية الإعلامية، خلال مرحلة البحث التمهيدي، أي خلال فترة سريان
سرية البحث، التي هي شرط من شروط المحاكمة العادلة، وحق من حقوق الإنسان.. كما يجر
ذلك أيضا إلى التساؤل عن الجهة (مسؤولا قضائيا كان أو أمنيا أو أيا كان)، التي أذنت
أو رخصت، في خرق صارخ للقانون، للقناة التلفزة
للقيام بما قامت به.
إلى ذلك، أشاد الأستاذ
سامي سلمان، في ملتمسه الذي تقدم به إلى الهيئة القضائية، والقاضي بتمتيع موكله بالسراح
المؤقت، بدور وكيل الملك، الضامن لسير العدالة السليم، والساهر على المحاكمة العادلة
وإحقاق الحق، والذي تصدى لمهزلة كادت أن ستترتب عنها مهازل، وذلك بمنعه، عند التقديم،
طاقم القناة التلفزية من الولوج إلى المحكمة، لتغطية الملف، قبل عرضه على القضاء.
ثالثا: تساءل المحامي عن
مدى قانونية وجود وحضور شخصين غريبين عن الضابطة القضائية، ويتعلق الأمر (م. ح.) و(ي.
ف.)، من هيئة نقابية للصيادلة، التي تقول أن
لها الصفة والمصلحة للانتصاب كطرف مشتك ومتقاض، وذلك خلال إجراءات البحث والتفتيش التي
باشرتها الضابطة القضائية لدى الفرقة الاقتصادية والمالية. الشخصان المعنيان يطهران
في الصورة المركبة رفقته، التي التقطت لهما داخل مسرح النازلة، مقر "الجمعية المغربية
لمحاربة داء السكري بالجديدة"، أثناء عمليات الانتقال والمعاينة والتفتيش والحجز
والجرد
(..).
وبالرجوع إلى الإرسالية
النيابية المرجعية عدد: 3147/3101/2016، المؤرخة في : 28/09/2016، الموجهة إلى الضابطة
القضائية، فإن تعليمات وكيل الملك جاءت محددة وواضحة وصريحة. إذ قضت بإجراء بحث وتفتيش.
ومن ثمة، فإن السماح ل(م. ح.) و(ي. ف.)، بحضور
إجراءات البحث والتفتيش، لم يتم بإذن من النيابة العامة المختصة. كما أن حضورهما يعتبر
"غير قانوني"، لكونهما طرفا "غير محايد"، كونهما يمثلان
"الجهة المشتكية" (هيئة نقابية للصيادلة).
والمثير أن ثمة صورا فوطوغرافية،
التقطتها آلات تصوير (هواتف نقالة..)، أثناء البحث، ومن داخل مسرح النازلة (مكاتب الجمعية
المغربية لمحاربة داء السكري بالجديدة)، والتي هي أماكن مغلقة، يمنع قانونا على أي
كان الولوج إليها، باستثناء الضابطة القضائية، وأحيانا ذوو الخبرة والاختصاص، عند الضرورة
والحاجة، بإذن من النيابة العامة المختصة، وأن يكون هؤلاء محايدين (ليسوا طرف أو أطرافا
في النازلة..)، وذلك تقيدا بسرية البحث، وحفاظا على الأدلة والمعالم والآثار التي من
شأنها أن تفيد البحث القضائي.
وتجدر الإشارة إلى أن الطرف
المشتكي غالبا ما يتم استبعاده من الإجراءات التي نص عليها قانون المسطرة الجنائية
(المداهمة – المعاينة – التفتيش – الحجز – الجرد..). حيث قد يقتصر دوره على إدلاء الضابطة
القضائية على مسارح الجريمة، والأماكن المستهدفة بالتدخل الأمني، التي يتم إبقاؤه خارجها،
وبعيدا عن فضاءاتها.. باستثناء عندما تكون
الأماكن المزمع مداهمتها أو الولوج إليها أو تفتيشها وفقا للقانون، هي في ملكية المشتكي أو تقع تحت تصرفه واستغلاله.
حيث تباشر الضابطة القضائية، في هذه الحالات المحددة، الإجراءات المسطرية، بموافقة
وحضور المشتكي، تفاديا لما قد يعتبر انتهاكا
لحرمة البيوت، ومن ثمة شططا في استعمال السلطة التي يخولها القانون في إطار
مقيد ومحدود. ما قد يترتب عنه الطعن في الإجراء المسطري، وبطلانه.
هذا، ونصت المادة 15 من
قانون المسطرة الجنائية على ما يلي: "تكون المسطرة التي تجرى أثناء البحث والتحقيق
سرية. كل شخص يساهم في إجراء هذه المسطرة، ملزم بكتمان السر المهني، ضمن شروط وتحت
طائلة العقوبات المقررة في القانون الجنائي".
ونصت المادة 59 من قانون
المسطرة الجنائية على ما يلي: "إذا كان نوع الجناية أو الجنحة مما يمكن إثابته بحجز أوراق ووثائق أو أشياء أخرى في حوزة أشخاص، يظن أنهم شاركوا في الجريمة، أو يحوزون مستندات أو أشياء تتعلق بالأفعال
الإجرامية، فإن ضابط الشرطة القضائية يتنقل فورا إلى منزل هؤلاء الأشخاص، ليجري فيه
طبقا للشروط المحدد في المادتين 60 و62، تفتيشا
يحرر محضرا بشأنه. وفيما عدا حالات المس بأمن الدولة، أو إذا تعلق الأمر بجريمة
إرهابية، فلا يحق إلا لضابط الشرطة القضائية ومعه الأشخاص المشار إليهم في المادة
60، وحدهم الاطلاع على الأوراق أو المستندات، قبل القيام بحجزها. وفيما عدا حالات المس
بأمن الدولة، فلا يحق إلا لضابط الشرطة القضائية ومعه الأشخاص المشار إليهم في المادة
60، وحدهم الاطلاع على الأوراق أو المستندات،
قبل القيام بحجزها.".
فيما نص الفصل 266 من القانون
الجنائي على ما يلي: "يعاقب بالعقوبات المقررة في الفقرتين الأولى والثالثة من
الفصل 263 على: 1/ الأفعال أو الأقوال أو الكتابات العلنية، التي يقصد منها التأثير
على قرارا رجال القضاء، قبل صدور الحكم غير القابل للطعن في قضية ما. 2/ الأفعال أو
الأقوال أو الكتابات العلنية، التي يقصد منها تحقير المقررات القضائية، ويكون من شأنها
المساس بسلكة القضاء أو استقلاليته.". (وللجريدة متابعة للتطورات والمفاجئات التي
ستفجرها الشكايات التي رفعها الأستاذ سامي سلمان إلى الجهات القضائية والأمنية..).
هذا، ويستنكر بقوة
"المرصد الدولي للإعلام وحقوق الإنسان" الانتهاك الصارخ لسرية البحث الذي
شاب المسطرة القضائية المرجعية عدد: 3049/ج.
ج./ش. ق.، بتاريخ: 1 أكتوبر 2016، والذي من شأنه أن يؤثر سلبا على المحاكمة العادلة،
التي هي حق من حقوق الإنسان، وعلى تحقيق العدل والعدالة. إذ يطالب وزير العدل والحريات،
والمدير العام للأمن الوطني، بفتح بحث قضائي في النازلة، يعهد بإجرائه إلى الفرقة الوطنية
للشرطة القضائية، أو إلى الدرك الملكي.
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة