'الطرومبة ' أو "السقاية" التي كانت تشكل جزءا من ذاكرة الدكاليين، اندثرت كتراث، و زال أثرها من مدينة مازغان.
فدخول "الطرومبة" الى مدينة الجديدة، يعود تاريخه الى فترة دخول الاستعمار
الفرنسي الى المغرب، عندما شيد المعمرون خزانا كبيرا للماء بضواحي مدينة الجديدة، وهو ما أصبح يعرف
فيما بعد باسم "شاريج الما"، وذلك بهدف توفير الماء بشكل منتظم للإنسان والدواب
على السواء.
فبوجود الماء و باختراع الإناء الذي سيحتوي الماء (الڭربة) ظهر بائع الماء الذي عرف باسم "الڭراب" و بهما ظهرت أول مهنة، و كان درب وهران، المحاذي لدرب شرشيل الذي
كان يطلق عليه قديما بـ ' الدرب الجديد '، كان دربا يقطنه مجموعة من بائعي
الماء (الڭرابة ) إلى أن سمي بـ ' درب الڭرابة ' و كان ' أبّا الحسن ' أمينهم و زوج
بنته هو المسؤول البلدي على فتح و غلق صنبور ' الشاريج ' بإذن من البلدية.
و للإشارة فـأمين " الڭرابة "
(أبّا الحسن) سمي بـ ' الحسن ' تيمنا بالسلطان
مولاي الحسن الذي مر و موكبه من وسط دواره يوم ازدياده، لذا سُمِّي بالحَسَن، و هو
أول من كان يوزع " ڭربات الما " بجل أحياء مدينة الجديدة.
يحكي لنا حفيده عبد الكريم الذي لا
زال يقطن بنفس الدرب (درب وهران) و الذي في نفس الوقت هو إبن أول مسؤول على مفاتيح
"الشاريج "، فـ ' الحسن ' هو أب اللاعب عبد الله فيزي المعروف باسم ' عبدالله
الڭوشي أو عبد الله ابعيوي ' الذي لعب للدفاع الحسني الجديدي و الرجاء البيضاوي أواخر
السبعينات. فــ' أبّا الحسن ' هذا كان يستيقظ فجرا من "دوار ڭراج الطيارات "
إلى "شاريج الما" ليملأ 4 "ڭربات " على مثن دابته لينطلق إلى أحياء
المدينة. و هو أول ' الڭرابة ' الذي بنى مسكنه بدرب وهران و كان السبب في دعوة "الڭرابة
" إلى السكن بدرب وهران، و كل "ڭراب " كان يعيش معه حماره، مصدر رزقه
إلى أن توفي آخرهم و هو "أبّا موسى " . و إلى متم كتابة هذه الكلمات لا زالت
عائلة "أبّا موسى" و بنات و أحفاد " أبّا الحسن" يقطنون بدرب وهران أو
"درب الڭرابة" '.
لقد تحولت ' الطرومبات ' التي كانت بالمدينة، و التي شملها الاندثار والانقراض، إلى أطلال، و نسي دورها الاجتماعي في تزويد سكان المدينة بالماء، و كذلك دورها الإقتصادي باعتبارها من أول مآثر المدينة التي تعمل على إنعاش الحياة. كما نسي ' الڭراب ' كمهنة و كإنسان كان يوزع أغلى شيء كان في زمن لا ماء و لا كهرباء و لا أنترنيت.
لأن ' الطرومبة ' شكلت منذ الاستعمار نظاما فعالا في التزويد المسترسل للساكنة
بهذه المادة الحيوية، حيث كانت مدينة الجديدة تتوفر على شبكة مهمة من ' اطرومبات '
، يقول السيد المصطفى لغنيمي أحد أبناء هاته المدينة، الذي سبق له أن تقلد مجموعة من المهام تخص العمل الجماعي و مسؤوليات شتى بالإدارة
العمومية والمجالس الإدارية ومجلس جامعة شعيب الدكالي، شملت أحياء باب البحر بالحي البرتغالي ومخرج الحي البرتغالي
و سيدي الضاوي وساحة عبدالكريم الخطابي و سانية الكرابة ودرب غلف و زنفة سوس ومارشي
بير إبراهيم و المرس والقلعة والصفا والغزوة وسانية المراقب و ابرارك حسن وغيرها.
و في حديث مع كل من الاستاذ عبدالإله زخروف و الاستاذ حمودة الزاوي عن جمعية
الفنانين التشكيليين، تقرر رسم تصميم كل "طرومبة " بالإسمنت و الجبص أو بالرخام
يتوسطها نحث رأس حصان كرمز للفروسية أو صقر كرمز للبيازة بدكالة على شكل صنبور قديم
و على أعلى النحث لوحة تذكارية تكتب عليها أسماء العائلات التي ارتوت من مائها، وذلك
في إطار برنامج التحسيس بقيمة الماء و الحفاظ عليه ، و تحسيس هذا الجيل بأهمية ' الطرومبة
' و المحافظة على هذا الثرات العتيق والتعريف بالدور الذي كان يلعبه ' الڭراب ' في
تزويد سكان المدينة بالماء الصالح للشرب.
وتبقى " سانية الڭرابة "
التي بنيت في فترة الإستقلال ، والمتواجدة بدرب فرنسا، على مقربة من دار ولد الخطيب،
أشهر ' الطرومبات ' بمدينة الجديدة. كما تبقى
' الطرومبات ' الأخرى التي أزيلت من خريطة المدينة، وكأنها ماتت في حرب صامتة
، من أجل استغلال أماكن تواجدها و إصابتها بالاندثار والانقراض، بعد أن كان لها دور
إجتماعي و بيئي في تزويد المدينة بالماء، في زمن ' الماء منبع الحياة
'.
البشير بوخيرات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة