يروج أمام الغرفة
الجنائية الاستئنافية لدى محكمة الدرجة الثانية
بالجديدة، ملف جنائي من العيار الثقيل، يتابع في إطاره شرطيان من مفوضية أزمور،
في حالة سراح، بتهمة "الضرب والجرح بواسطة السلاح، المفضي إلى الموت، دون نية
إحداثه". وهي الأفعال المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصول 401 و403 و410 و303
من القانون الجنائي.
هذا، وكانت الغرفة
الجنائية الابتدائية قضت بموجب قرارها الجنائي، بعدم مؤاخذة الشرطيين من أجل ما نسب
إليهما، وبالحكم ببراءتهما، وتحميل الخزينة العامة الصائر.
وقد جاءت متابعة الشرطيين العاملين بالقسم
المحلي للشرطة القضائية بمفوضية أزمور، من أجل الأفعال الجنائية المنسوبة إليهما، بناء
على الأمر بالإحالة، الصادر عن الغرفة الجنحية، بعد بثها في التصريح بالاستئناف الذي تقدمت به النيابة العامة،
ضد القرار الصادر عن قاضي التحقيق الجنائي، والذي قضى بكون جناية الضرب والجرح بواسطة
السلاح، المفضي إلى الموت، غير ثابتة في حق المتهمين، وبعدم متابعتهما من أجل ذلك.
وكان قاضي التحقيق
اطلع على وثائق ملف القضية، سيما الشكاية المباشرة
المرجعية، التي تقدم بها ذوو حقوق الهالك عبد
الرحيم العاطي، في شخص نائبهم بوعزة العاطي، بواسطة دفاعهم، في مواجهة الشرطيين المتهمين. حيث استمع إلى المتهمين اللذين أنكرا المنسوب إليهما،
كما استمع إلى شاهد عيان محمد الرامي، الذي تشبث بشهادته وعرضه لوقائع النازلة، خلال
مرحلة التحقيق التفصيلي، وأمام الغرفة الجنائية الابتدائية. كما تلقى قاضي التحقيق الملتمس الذي تقدم به الوكيل
العام للملك، بإصدار أمر بإحالة المتهمين على غرفة الجنايات، لمحاكمتهما من أجل المنسوب
إليهما، طبقا للقانون.
وجاء في قرار قاضي
التحقيق الجنائي أن الشاهد محمد الرامي أكد، بعد أداء اليمين القانونية، أنه
"كان رفقة الهالك بالسوق الأسبوعي بمدينة أزمور، وفوجئا بشخصين وهما المتهمان.
وكان أحدهما يحمل قضيبا حديديا. فانهال على الهالك عبد الرحيم العاطي الذي سقط أرضا،
وتمكن هو (الشاهد) من الفرار".
ومن ضمن الحيثيات
التي جاءت في قرار قاضي التحقيق:
• أن شهادة
الشاهد محمد الرامي، تتناقض مع التشريح الطبي، ومع شكاية المشتكية التي تم تسجيلها
في نفس اليوم، بل في وقت قريب من إلقاء القبض على الهالك؛
• وأن
شكاية الشاكي لم تعززها أية قرينة أو دليل
بوجود علاقة بين وفاة الهالك، وتدخل المتهمين اللذين هما شرطيان مكلفان بالسهر على
الأمن (...)؛
• وأن
التشريح الطبي يفيد أن الوفاة ناجمة عن انتحار بالشنق، وليس بسبب الضرب والجرح، بل
أن التشريح أكد عدم وجود أي أثر للعنف على جسم الضحية، باستثناء مكان الشنق.
وبالرجوع إلى الشكاية
المباشرة التي تقدم بها ذوو حقوق الهالك عبد
الرحيم العاطي، عن طريق دفاعهم،، في اليوم الموالي لنازلة الوفاة الغامضة، إلى قاضي
التحقيق الجنائي، يستشف أنه (الهالك) كان يتجول بمعية صديقه محمد الرامي، في حدود الساعة
الحادية عشرة والنصف صباحا. وعند خروجهما من السوق، وعلى مقربة من المذبحة الخاصة بالأبقار،
فوجئا بشخصين (شرطيين بالزي المدني) ينهالان
عليهما بواسطة قضيب حديدي، يستعمل لرفع الشمسيات. وفي الوقت الذي استطاع فيه محمد الرامي
الإفلات من قبضة الشرطيين ، استمر الأخيران في ضرب الهالك، حتى أغمي عليه. حيث قاما
بتصفيد يديه، وحملاه إلى مخفر الشرطة، حيث وافته المنية متأثرا بجروحه. وحسب الشكاية
المباشرة، فإن المشتكي (بوعزة العاطي، النائب
عن ذوي حقوق الهالك) لاحظ، عندما عاين جثة شقيقه داخل مستودع حفظ الأموات بالمستشفى
الإقليمي محمد الخامس بالجديدة، عدة رضوض على مستوى عنقه، وكونه حافي القدمين. واعتبر
المشتكي أن الفرق الزمني بين وقوع الفعل ووفاة الهالك، دليلا قويا على قوة ورعونة الاعتداء .
وجاءت الشهادة التي
أدلى بها شاهد عيان المسمى محمد الرامي، وهو بدون سوابق عدلية، عند الاستماع إليه،
بعد أدائه اليمين القانونية، ونفي أية عداوة أو قرابة بالشرطيين المتهمين، المضمنة في محضر ملف التحقيق، مطابقة لما تضمنته
الشاكية المباشرة المرجعية.
وتعتبر الشهادة المدلى
بها من قبل شاهد عيان محمد الرامي، بحكم وقوة
القانون، وسيلة من وسائل الإثبات المادية، التي تلزم الأخذ بها أمام مؤسسة قاضي التحقيق،
والقضاء الجالس. ولا يمكن الطعن فيها إلا بالزور، مع ما يترتب عن ذلك قانونا.
ومن جهة أخرى، كان
رئيس القسم المحلي للشرطة القضائية بمفوضية أزمور، رفع إلى الوكيل العام للملك لدى
استئنافية الجديدة، تقريرا إخباريا بشأن
"وفاة شخص موضوع تحت الحراسة النظرية"، مما جاء فيه أن شرطيين عاملين بالقسم،
قدما على الساعة 12 و45 دقيقة، أمامه بمقر القسم المحلي للشرطة القضائية، الضحية المسماة (كريمة)، والمسمى عبد الرحيم العاطي، وسلماه
هاتفا محمولا من نوع "نوكيا
2100"، تم حجزه من الأخير، أفادت الضحية بشأنه أنها تعرضت لسرقته عن طريق النشل،
من قبل المسمى عبد الرحيم العاطي. الشيء الذي اعترف به الأخير، عند البحث الأولي معه.
وحسب التقرير الإخباري،
فإن رئيس القسم لم يعاين على عبد الرحيم العاطي أية أثار للعنف أو ما شابه ذلك، وأنه
يتمع بكامل قواه، و لا تبدو عليه أية اضطرابات، ويبدو في صحة جيدة. وبناء على حالة
التلبس، تم وضعه تحت الحراسة النظرية، على الساعة 12 و45 دقيقة، لفائدة البحث. كما
تم إشعار عائلته في شخص شقيقه بوعزة العاطي، بهذا الإجراء (...).
ودائما حسب التقرير
الإخباري، فإنه على الساعة 15 و00 دقيقة من هذا اليوم (يوم النازلة)، أخبر هاتفيا رئيس
القسم المحلي للشرطة القضائية بأزمور، من طرف قاعة المواصلات، أنها تلقت إشعارا عبر
الهاتف، بأن المسمى عبد الرحيم العاطي، الموضوع تحت الحراسة النظرية، قد فارق الحياة
داخل الزنزانة. وعلى التو، التحق بعين المكان، وبعد تأكيد الوفاة من طرف عناصر الوقاية
المدنية، أشعر نائب الوكيل العام للملك باستئنافية الجديدة، الذي حضر إلى عين المكان،
وانتدب طبيبا محلفا. وبالزنزانة، عاينوا جثة شخص ذكر ممدة على الظهر، يرتدي قميصا أبيض
اللون (قبية)، وسروالا "دجين" أزرق اللون، لا يحمل أي أثر ظاهر للعنف، باستثناء
ثلاث ندوب قديمة على مستوى البطن، وثلاث ندوب أخرى قديمة على مستوى ساعد يده اليسرى،
وأثار زرقة على شكل خط على مستوى العنق (...).
هذا، وفي حوار صحفي
خص به الجريدة، شكك بوعزة العاطي في أن يكون
شقيقه عبد الرحيم العاطي، انتحر داخل محبس مفوضية الشرطة، اللصيق مباشرة بمقر
القسم المحلي للشرطة القضائية، مستدلا بما يلي:
1/ غياب ما يفيد ويزكي من الوجهتين الواقعية
والمادية، نازلة الانتحار "المفترضة"، من قبيل الوسائل التي يستعملها الشخص
الذي يقدم على وضع حد لحياته بطريقة من الطرق المعتادة (حبل – حزام سروال - سكين – زجاج – أدوية ...)
2/ كيف لشخص موقوف أن ينتحر بأية وسيلة من
الوسائل، علما أن أول عمل يقوم به ضابط الشرطة القضائية، بمجرد أن يتسلمه قانونيا،
وقبل وضعه تحت تدابير الحراسة النظرية، وإشعاره بحقوقه المنصوص عليها في المادتين
66 و67 من قانون المسطرة الجنائية، هو تجريده من جميع الأشياء التي من شأنه أن يستعملها
للاعتداء على نفسه أو على غيره ؟
3/ كيف يقدم الهالك على الانتحار داخل المحبس، وهو موضوع تحت
تدابير الحراسة النظرية، أي أنه يخضع لمراقبة صارمة وعن كثب، من قبل حارسي أمن تابعين
للهيئة الحضرية ؟
3/ كيف للهالك أن ينتحر، دون أن يكون ثمة سبب
... سيما أن التقرير الإخباري الذي رفعه رئيس القسم المحلي للشرطة القضائية إلى الوكيل
العام للملك باستئنافية الجديدة، جاء فيه: "أنه (رئيس القسم) لم يعاين على عبد الرحيم العاطي أية أثار للعنف أو ما شابه ذلك،
وأنه يتمع بكامل قواه، و لا تبدو عليه أية اضطرابات، ويبدو في صحة جيدة" ؟
4/ وحسب التقرير الإخباري، فإن رئيس المصلحة
الإقليمية للشرطة القضائية بأمن الجديدة، وعناصر مسرح الجريمة (مصلحة الشرطة العلمية
والتقنية)، انتقلوا بدورهم، إلى جانب نائب الوكيل العام، ورئيس القسم المحلي للشرطة
القضائية، إلى مسرح النازلة. حيث باشروا جميع
الإجراءات القانونية والمسطرية (المعاينات ...). ومن ثمة، كان يتعين عليهم إنجاز تقرير
يتضمن تفصيليا تلك الإجراءات، وما استجمعوه من وسائل إثبات داخل المحبس، تفيد وقوع
عملية الانتحار "المفترضة"، وكذا،
ظروف وملابسات النازلة، للاستعانة به في البحث القضائي.
5/ أين تبخرت وسيلة الانتحار، في في الحالة
التي تخص الهالك عبد الرحيم العاطي، والذي تم العثور عليه، حسب التقرير الإخباري، جثة ممدة على الظهر، يرتدي قميصا أبيض اللون (قبية)،
وسروالا "دجين" أزرق اللون، لا يحمل أي أثر ظاهر للعنف، باستثناء ثلاث ندوب
قديمة على مستوى البطن، وثلاث ندوب أخرى قديمة على مستوى ساعد يده اليسرى، وأثار زرقة
على شكل خط على مستوى العنق ؟
6/ من غير الممكن أن تكون نازلة الانتحار
"المفترضة" وقعت، في حال حدوثها على أرض الواقع، بعيدا عن أعين حارسي
الأمن من الهيئة الحضرية، المكلفين بالمراقبة الصارمة وبتدابير الحراسة النظرية، وبعيدا
عن أعين باقي الأشخاص الموقوفين، الموضوعين وقتها تحت تدابير الحراسة النظرية، من قبل
المصالح الشرطية التابعة لمفوضية أزمور (القسم المحلي للشرطة القضائية – الدائرة الأمنية...).
فهؤلاء الأشخاص الموقوفون "المفترضون"، قد يكونون شاهدي عيان على حقيقة ما
حصل، يوم وساعة النازلة. حيث يتعين الرجوع إلى سجلات الاعتقال، المودعة لدى المصالح
الشرطية بمفوضية أزمور، لتحديد هوياتهم، واستدعائهم للمثول كشهود عيان، أمام الغرفة
الجنائية الاستئنافية.
7/ ورد في التقرير الإخباري ما يلي:
"أن الضحية (كريمة) أفادت أنها تعرضت لسرقته هاتفها النقال، عن طريق النشل، من
قبل المسمى عبد الرحيم العاطي. الشيء الذي اعترف به الأخير، عند البحث الأولي معه..
وبناء على حالة التلبس، تم وضعه تحت الحراسة النظرية..".
وتجدر الإشارة إلى
أنه ليس ثمة أي محضر استماع قانوني، يحمل توقيع الهالك، "االفاعل لمفترض"، ويتضمن تصريحاته وما نسبته إليه الشرطة من اعتراف
بالسرقة، و حتى بوقوعها، وما بالك بحالة التلبس. ويتعين تبعا لذلك استدعاء الضحية
"المفترضة" (كريمة)، الواردة هويتها وعنوانها في التقرير الإخباري، من قبل
الغرفة الجنائية الاستئنافية، للاستماع إلى إفادتها كشاهدة عيان.
هذا، وشكك ذوو حقوق
الهالك، في شخص نائبهم بوعزة العاطي، في نازلة الانتحار "المفترضة"، على
غرار ما ذهبت إليه منابر إعلامية وطنية وازنة، من قبيل جريدة "الصباح"، التي
كانت أوردت في حينه على أعمدة صفحتها الأولى، مقالا صحفيا تحت عنوان: "رجال الأمن يسارعون إلى نشر أخبار عن وفاة متهم تحت الحراسة
النظرية، دون انتظار نتائج التشريح.. الموت بسبب وعكة صحية.. وصفة جاهزة للهروب من
المسؤولية". مقال مما جاء فيه أن: "بعض رجال الأمن لديهم وصفات جاهزة من
أجل الإفلات من العقاب، بعد وفاة شخص بمركز أمني، خلال فترة الحراسة النظرية. فبمجرد
وقوع الحادث، يخرج المسؤول مطبوعا لا يفارقه،
كتبت عليه عبارة "وفاة مواطن نتيجة وعكة
صحية". ويضيف الاسم العائلي والشخصي للضحية، وظروف اعتقاله، ثم يبعثه إلى وكالة المغرب العربي للأنباء، من أجل
تعميمه وإخماد الاحتجاجات، وسد باب الفرضيات،
من قبيل تعرض الضحية لاعتداء أو تعذيب خلال
التحقيق معه..".
ومن جهة أخرى، وحتى
إن تعلق الأمر بانتحار "مفترض"، فإنه قد يكون نتيجة حتمية، أو ذي علاقة سببية
بين فعل اعتداء الشرطة بالضرب على الضحية، الهالك عبد الرحيم العاطي، كما جاء في الشكاية
المباشرة المرجعية، وشهادة شاهد عيان، وإحساسه ب"الحكرة والظلم".. رغم أن
هذه "الفرضية" مستبعدة جدا.
وبالرجوع إلى القرار
الجنائي الذي قضى بعدم مؤاخذة الشرطيين المتهمين من أجل ما نسب إليهما، والحكم من ثمة ببراءتهما، وتحميل الخزينة العامة الصائر،
فإن الهيئة القضائية لدى الغرفة الجنائية الابتدائية، التي كان يرأسها القاضي نور الدين
الفايزي، استندت أيضا في تعليل وحيثيات قرارها
الجنائي، إلى وثائق ملف القضية، وإلى تقرير التشريح الطبي، ناهيك عن شهادة شاهد عيان
التي أدلى بها، بعد أداء اليمين القانونية. كما استحضرت الهيئة القضائية القرار الصادر
عن الغرفة الجنحية، والذي قضى بإلغاء الأمر المستأنف، والتصريح بمتابعة المتهمين من أجل جناية الضرب والجرح بواسطة
السلاح، المفضي إلى الموت، طبقا للفصول 401 و403 و410 من القانون الجنائي، وإحالتهما
على غرفة الجنايات الابتدائية، لمحاكمتهما طبقا للقانون.
ومن ضمن الحيثيات
المضمنة في قرار الغرفة الجنحية، ما يلي: "وحيث إن التشريح الطبي المجرى على جثة
الهالك، وإن استنتج في خلاصة منجزه، بأن الهالك
انتحر، فإن هذه الواقعة ليس عليها دليل،
باعتبار أن مصلحة الشرطة لم يرد عليها أي تقرير،
يفيد حصول عملية الانتحار داخل مرافق أقسامها، بتاريخ الواقعة، ولا حجز أو معاينة الحبل الذي استعمل في ذلك. ومن جهة أخرى،
فإنه يؤكد (أي التشريح) بأن سبب وفاة الهالك
هو اختناق، نتج عن عملية شنق. وهو ما ينسجم مع الظروف والملابسات المرافقة لأطوار عملية
إلقاء القبض عليه، وأقوال الشاهد محمد الرامي الذي أكد من خلالها أن أحد المتهمين كان يحمل قضيبا، واستعمله في عملية القبض على الهالك،
التي لم تسفر عن إصابته إلا بتلك الإصابات التي على مستوى العنق، والتي أكد التشريح
بأنها من أعراض الوفاة بالشنق..".
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة