فندق مرحبا بالجديدة.. بات فيه الحسن الثاني ومنه أخد أمهر الطباخين الى القصور الملكية
فندق مرحبا بالجديدة.. بات فيه الحسن الثاني ومنه أخد أمهر الطباخين الى القصور الملكية


أماكن كثيرة بهذه المدينة لازالت شاهدة على أن التاريخ ذات مرة مر منها، وجدرانها تنطق بحكايات وقصص نادرة هي طبعا جزء من تاريخ هذا الوطن الكبير.
سأتوقف اليوم عند معلمة سياحية سرت بذكرها الركبان، ويحز في النفس أن تصبح الآن أطلالا شاهدة على الزمن الجميل لهذه المدينة التي كانت فعلا جميلة، الأمر يتعلق بفندق مرحبا أول مؤسسة فندقية عصرية بالجديدة ، الذي كان بناؤها إيذانا بدخول الجديدة قائمة المدن المغربية التي يتوفر بها فندق يليق بأعيانها وبالوفود الأجنبية القادمة إليها.
 ففي سنة 1952 أكملت مقاولة إسبانية بناء فندق مرحبا بالمكان الذي يوجد به حاليا ، ورفع فوقه العلم الفرنسي من إدارة شركة "باكي" الفرنسية التي كانت صاحبة المشروع.
وجاء تصميم فندق مرحبا على شكل سفينة وكان ذلك من براعة مهندس إسباني كلفته شركة " باكي" بذلك.
تحكي روايات متطابقة أن شركة "باكي" الفرنسية ، كانت تمتلك بواخر تجارية ترسو بميناء الجديدة، وكان العاملون بتلك السفن والقادمون على متنها، يبيتون في محل كبير تمتلكه الشركة وقامت بتجهيزه، والمكان هو حاليا مقر المقاطعة الحضرية الثانية وأول مقر لبلدية الجديدة قبل نقلها إلى المقر الحالي.
وتؤكد روايات شفوية أن موسى سعيد أول رئيس لأول مجلس بلدي للجديدة، اقترح على شركة "باكي" الفرنسية قطعة أرضية مطلة على الشاطئ كانت عبارة عن مرجة مليئة بالدوم والسمار بمقابل ذلك سلمته محلها الذي هو الآن مقر المقاطعة الحضرية الثانية الذي كان أول مقر للمجلس البلدي للجديدة إلى غاية نقله إلى البلدية الحالية سنة 1982.
وكانت شركة "باكي" الفرنسية اشترطت لبناء فندق مرحبا، ضرورة هدم كازينو المدينة الذي كان بني بين 1935 و1936 ، وذلك حتى لا ينافس الكازينو الفندق الجديد المتطلع إلى فرض نفسه كمنتوج جديد، وفعلا جرى هدم الكازينو سنة 1953 لتطوى بذلك صفحة من تاريخ الجديدة ارتبطت بهذه المعلمة السياحية البحرية.
وبمجرد افتتاح فندق مرحبا الذي كان يشتمل على 30 غرفة و8 غرف سفلية ومسبح وحانة وملهى ليلي، أصبح مكانا مفضلا للوافدين على الجديدة ولعلية القوم بها.
 واستمر الحال كذلك إذ يذكر جديديون أنهم حيوا طلعة المغفور له محمد الخامس وهو يزور فندق مرحبا.
وفي سنة 1963 أمضى جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله تراه ليلة بفندق مرحبا، في طريقه إلى مدينة أسفي التي كان يخصها يومذاك بزيارة رسمية، قطعها بكيفية مفاجئة وعاد إلى الرباط العاصمة بفعل اندلاع حرب الرمال بين المغرب والجزائر في 14 أكتوبر 1963 ، والتي كان قادها الجنرال إدريس بن عمر واستولى فيها الجيش المغربي على تنجوب وحاسي بيضة ، وكانت الجزائر مدعومة في هذه الحرب من طرف قوات مصرية جرى أسر البعض منهم وضمنهم الرئيس المصري السابق حسني مبارك.
وتذكر الروايات أن جلالته أعجب كثيرا بطريقة طهي الأطعمة التي قدمت إليه أثناء مقامه بفندق مرحبا ، فأمر بالتعرف على "الشاف" الذي برعت يداه في حضرة صاحب الجلالة، ولم يكن الطباخ الماهر سوى لحسن جوهري، بربري قادم من تفراوت، راكم تجربة كبيرة في ميدان الطبخ وأنواعه ، ومعه طاقم من الطباخين المهرة ضمنهم سعيد الشنيوي و آخرين ، جرى نقلهم للاشتغال بمختلف القصور الملكية.
 وتستطرد الروايات أن الشاف لحسن جوهري هو من تولى الإشراف على كل الأكلات التي قدمت إلى المدعوين في حفل زفاف المرحوم الأمير مولاي عبدالله سنة 1964 ، وأن سعيد الشنيوي كان طباخا لجلالة الملك محمد السادس بقصر سلا لما كان وليا للعهد.
وخلال فترة اشتغال فندق مرحبا والتي امتدت من سنة 1952 إلى متم شهر يونيو 1986 تاريخ إغلاقه ، استقبل شخصيات بارزة من عالم السياسة والفن ، ففي سنة 1965 أحيى فيه أعجوبة الأغنية الفرنسية المغني العالمي شارل أزنافور ، سهرة خالدة غنى خلالها العديد من أغانيه الشهيرة وفي مقدمتها أغنية الذائعة الصيت " الوالدة "، ومن دكان للتبغ آنذاك عند "أوكريون" بوسط المدينة اشترى علبة سجائر "جيتان" وأخذ معه بعض من سكان الجديدة صورا تذكارية. 
ومن الشخصيات التي زارت فندق مرحبا الوزير الأول السابق أحمد عصمان ومحمد بوستة الأمين العام السابق لحزب الاستقلال وعبدالرحمان الخطيب الوزير الأسبق للداخلية وإدريس البصري وأحمد بن سودة والداي ولد سيدي بابا الرئيس الأسبق لمجلس النواب والفقيه العلامة المكي الناصري ومامون الطاهيري وعالم كاتب الدولة في الداخلية وشخصيات لاحصر لها ولاعد.
وكان فندق مرحبا يحظى بتقدير سلطات المدينة ، فذات يوم كان طائر "عوا" ، تكاثر بشكل كبير وعشش في أشجار بالفندق ذاته ، فأمر الباشا مولاي الطيب العلوي بإطلاق رصاص لإزعاج طيور "عوا" ، كي تغادر أشجار الفندق ولاتزعج زواره ونزلاءه بضجيجها وبرائحة فضلاتها الكريهة ، وفعلا حدث ما أمر به الباشا ، أطلق الرصاص ورحلت طيور "عوا" غير بعيد ، رحلت لتستقر بأشجار مشابهة ولكن هذه المرة بإقامة العامل وكان يومذاك هو فريد الوراق، الذي استدعى الباشا على عجل ليطلق الرصاص مرة أخرى على طيور "عوا " لإرغامها على العودة من حيث أتت ، لينعم الوراق بالراحة والطمأنينة التي كان بحاجة إليها وهو الذي كان يقضي اليوم كله لإرجاع الدفاع الحسني الجديدي إلى حظيرة القسم الوطني الأول ، الذي كان غادره سنة 1986.
وفي الثمانينات من القرن الماضي بدأت مشاكل تدب داخل فندق مرحبا ، عجلت بإغلاقه في شهر يونيو1986 واستمر الحال كذلك إلى أن تحولت ملكيته إلى محمد الزهراوي الذي أعاد فتحه مطلع سنة 1992 لكن الأمر لم يستمر طويلا ليغلق بصفة نهائية مخلفا وراءه صفحات مشرقة من تاريخ هذه المدينة ، ومن غرائب صدف هذا الزمان أن الفندق تحول إلى فندق بفتح الفاء لما اتخذه مصور بالشاطئ مبيتا لناقة وصديقها الجمل ولكن تلك أيام نداولها بين الناس ، ضمن مسلمة لا يجادل فيه إثنان أن دوام الحال من المحال.
 

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة