لماذا تحول
الرأي العام تدريجيا من مناقشة أزمة تشكيل الحكومة إلى مناقشة ارتداء البرقع من عدمه؟
ماذا استجد في الشارع حتى يصدر بلاغ رسمي يمنع إنتاج وتسويق لباس البرقع، ويحذر من
أخطار ارتدائه ؟ هل يعتبر ارتداء
البرقع اكتشافا جديدا، أم لباسا مبتذلا يستسيغه المجتمع ؟ كيف تحول البرقع من لباس
معبر عن هوية متدين متمذهب إلى تهديد للسلم الاجتماعي في هذا الظرف السياسي بالذات؟
لماذا بدأ يطرح مشكلا الآن؟ ألا تقوم أجهزة الدولة المختصة بإحصاء دقيق لكل متمذهب
ملتحي أو مُنقّب؟ أليس الغرض من إثارة قضية البرقع إلهاء الجمهور عن مشاكل أهم، و
تحويل انتباههم عن قضاياهم السياسية، والتغييرات التي ستققرها النخب الحاكمة في
أزمة البلوكاج الحكومي؟
وفقا
لتشومسكي، تعتبر إستراتيجية الإلهاء سلاحا قويا للتحكم في المجتمعات و السيطرة على
المجال العام، إذ تعتمد عدة أسلحة كاتمة تستخدمها لامتصاص المعارضة والقضاء على
الخصوم، و التخفيف من حدة الضغط الجماهيري، و ما يهمّنا في هذا السياق، هو
استخدام النخبة الحاكمة لسلاح خلق المشاكل وانتظار ردة فعل المجتمع لاقتراح الحلول
المناسبة والمتوقعة، إذ قد تتصاعد مثلا وتيرة العنف و "التشرميل"، و
بالتالي تلتجأ الجماهير إلى المطالبة بقوانين أمنية حتى لو جاء ذلك على حساب
الحقوق و الحريات الفردية، أو قد تلتجأ بعض الجهات النافذة إلى خلق أزمات اقتصادية
لتمرير بعض القرارات كتقاسم تكاليف الدراسة و ضرب مجانية التعليم مثلا، أو كإصلاح
صندوق التقاعد باقتطاع من أجور الموظفين، و الأمثلة عديدة من الماضي القريب،
حيث تم افتعال عدة مشاكل اجتماعية لإلهاء الجمهور عن حراكه الشعبي، فمنذ انطلاق
حركة عشرين فبراير والمجال الافتراضي يعج بمشاكل أخلاقية واحدة تلو الأخرى، حاولت
إبعاد الرأي العام عن النقاش السياسي، و عن انتقاد النخب وتقريعها على فشلها في
إدارة شؤون البلاد، وهكذا انتقل الرأي العام من الاهتمام بقضاياه المصيرية إلى
الانغماس في تحليل قشور قضايا أخلاقية نذكر منها فتيات انزكان والمثليين و
فيلم نبيل عيوش و فضائح السياسيين و الفنانين و رجال الدين وغيرها من الفضائح
الجنسية.
إن إستراتيجية
الإلهاء التي تمارسها النخب السائدة منذ انطلاق حركة عشرين فبراير تجلت في عدة
مظاهر منها تفكيك الخلايا الإرهابية التي يعلن عنها في أوقات دقيقة و حساسة يكون
الرأي العام منشغلا بقضية سياسية أو اقتصادية كإضراب الأساتذة المعطلين مثلا، و
تأتي قضية البرقع اليوم لإلهاء الجماهير الإسلاموية وتهييجها لمناقشة هذا الموضوع
و الدفاع عن البرقع، مما قد يفتّت انشغالها بالدفاع عن زعيمها السياسي و
مساندته ضد خصومه، هذا مع العلم أن هذا "الزعيم الوهمي" قد استُهلِك و أُكِلَ
يوم أُكل الثور الأبيض ( حركة عشرين فبراير) في مسرحية سياسية نشاهدها منذ 2011
بالمباشر تحت عنوان "المخزن والثيران الثلاثة."
ذ. محمد
معروف، أستاذ بجامعة شعيب الدكالي
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة