يعتبر قرار
إغلاق مدارس "محمد الفاتح" التابعة لمنظرها فتح الله كولن مجحفا بجميع
المقاييس في حق التلاميذ المغاربة الذين هم الآن بصريح العبارة يسدّدون فاتورة
الانقلاب في تركيا، لأن هذا القرار بالرغم من بواعث التخوف التي يطرحها، يظل قرارا
سياسيا بامتياز يخضع لحسابات وشروط إقليمية و دولية، لكنه غير مناسب بتاتا
للتلاميذ المغاربة في هذا التوقيت بالذات، و عملية الإغلاق ستترتب عنها عواقب
اجتماعية وخيمة سوف تكابدها العوائل التي اختارت هذه المدارس لأسباب اجتماعية
محضة، كعامل القرب، و عامل الجودة، و عامل الثمن، و غيرها من العوامل. هل تتوفر
الدولة على بحوث سوسيولوجية تؤكد أن العائلات أرسلت أبنائها إلى هذه المدارس
بأهداف إيديولوجية، أو أن هذه المدارس نجحت في تكوين تلاميذ متمذهبين؟
إن المبررات
التي يتضمنها القرار لا تبدو مقنعة من حيث الشكل أو المضمون، و لو افترضنا أن هذه
المدارس زاغت عن المحجة البيضاء، و أصبحت الآن تهدد السلم الاجتماعي، لماذا لم
تفكر السلطات المعنية بهذا الملف بشكل استباقي من قبل، كما نشاهدها الآن و هي تقوم
بتفكيك الخلايا الإرهابية النائمة؟ لماذا تأخرت في قرارها و سارت تقلّد تركيا في
إغلاقها لمدارس كولن؟ هل يمكن اعتبار هذا القرار نتيجة مخاض إملاءات تركية؟ هل
لرئيس الحكومة المعين علاقة بهذا القرار؟ لماذا تركت الدولة هذه المدارس تشتغل
لأزيد من عقد من الزمن، و الآن بجرة قلم أُريد لها الإغلاق؟
إذا كانت
تركيا تهدف إلى تجفيف منابع تمويل جماعة الخدمة التابعة لكولن بأي ثمن، هل نحن
الشعب المعنيون بدفع الثمن؟ أليس هذا يشبه القول المأثور في ثقافتنا، إذ يشيع أنه
إذا "طاحت الصومعة علقوا الحجام"، لماذا ستدفع هذه العائلات المغربية و
فلذات أكبادها ثمن الانقلاب في تركيا؟ لماذا نطرح الإشكال على هذا النحو؟ هذا لأن
القرار لا يحمل في طياته بدائل مريحة للعائلات التي تدرّس أبنائها في هذه المدارس،
ثم نطرح سؤالا آخر: ما هو التعويض الذي ستدفعه لنا تركيا عن هذا الإغلاق؟
إذا
افترضنا، و نؤكد على كلمة "افترضنا" في غياب دراسات علمية تتبث انتشار
الفكر الكولوني الهدام، حيث تغيب في مجال التدين الشعبي و الإسلاموي دراسات ميدانية
أنجزت حول هذا الموضوع، إذن نكرر إذا افترضنا أن كولن يروج الآن لفكر يهدد السلم
الاجتماعي بالمغرب، حيث كما قرأنا لباحث في العلوم السياسية بجريدة هسبريس يقول
بأن تحولات طرأت على جماعة الخدمة و بدأت تتبنى منطق تجييش القواعد لتنفيذ مخطط
الفوضى الخلاقة، نتساءل هل هذا منحصر في هذه المدارس فقط، أم هو ممتد ليشمل أتباعا
في الجامعة المغربية و المدارس الحكومية، وغيرها من المؤسسات، فما هو الحل يا ترى
في هذا السياق؟ هل سيصدر قرار آخر بإغلاق بعض المؤسسات أو توقيف بعض الأطر؟
حسب علمنا،
إن الفكر يُحارَب بالفكر، و ليس بالإغلاق، حيث تتم مقارعته بالحجة و البرهان،
ومعالجة انتشاره بالمراقبة و التيارات الاستقطابية المضادة، وغيرها من الوسائل
الفكرية المتاحة، و عند هذه النقطة بالذات نتساءل عن مصير السلفية الوهابية التي
نخرت ظهورنا و تغلغلت بين صفوفنا؟ فيما مضى، انتشر هذا الفكر بشكل مؤسساتي في
المغرب ، حيث وزعت جوائز في الإعدادي و الثانوي لفائدة الطلبة، و هي عبارة عن كتب
إسلامية تضم فكر محمد بن عبد الوهاب. لماذا لم تتم مراقبة تلك الجوائز مثلا وغيرها
من الكتب آنذاك أيام ادريس البصري و جبروته؟ و هل يرفض المغرب هدايا و جوائز الدول
الصديقة؟
هذا القرار
تجاهل أن المدارس تتوفر على بنايات مجهزة، و أطر مدربة، و بأن لها وضعا قانونيا في
البلد، إذن كيف ستُغلق بأمر من وزارة ليست بجهة وصية على القطاع؟ و ما هي
هذه الأخطاء التي ارتكبتها هذه المدارس؟ و هل هناك أدلة دامغة ستجد أذنا صاغية في
حالة مقاضاة الوزارة التي أصدرت القرار من لدن مسؤولي هذه المدارس؟ إذا كان لابد
من إرضاء الصديق التركي، أليس هناك بدائل للاستفادة من هذه المدارس والطاقات التي
تتوفر عليها، إما بتأميمها أو تفويتها للخواص بمشاركة المستثمر التركي اللامنتمي
عوض السعي إلى إقفالها؟ نحن في حاجة إلى مدارس مجهزة لاستيعاب التلاميذ و تقديم
الخدمات التعليمية ذات الجودة العالية.
هناك أسئلة
عديدة تطرح حول هذا القرار الذي تجاهل كذلك مصير التلاميذ و الأطر العاملة في هذه
المؤسسات، حيث لما وُضعت هذه الأطر اليوم في قفص الاتهام، و أُلصقت بها تهمة
الترويج للفكر المتطرف، و تجييش قاعدة ناعمة لأخونة المجتمع، هذا يعتبر حكما قاسيا
بدون محاكمة على هؤلاء الأطر بالضياع؟ مٓن من المدارس التي ستقامر مستقبلاً
بتوظيف إطار سيئ السمعة لزقت به تهمة "مروج لمخدرات فتح الله كولن"، حتى
لو كان هذا أستاذ فلسفة سيتهم بأن فكره كولنيا، و ما مصير هذه العوائل التي يشتغل
أفرادها في هذه المدارس؟ أليس منهم من اشترى شققا بالتقسيط، وله
التزامات بنكية و قروض، كيف ستتم إعانة هؤلاء وحل أزماتهم الاجتماعية؟ أليس لهم
أطفالا في المدارس؟ وربما مسنيين يقومون برعايتهم؟ هل نرمي بهم إلى الشارع تماهيا
مع القرار التركي بإغلاق مدارس "الخائن الانقلابي"؟ فالولايات المتحدة المدججة بمؤسسات استخباراتية
عالمية لا زالت تطالب تركيا بالمزيد من الإيضاحات والأدلة التي تدين كولن. و ما هي
الدراسات التي تصنف كولن في خانة التطرف؟
لماذا
الإصرار على تنفيذ قرار الإغلاق في هذا الوقت بالذات الذي لم تتشكل فيه حكومة
منتخبة بعد، و لم تتم فيه احترام نهاية السنة الدراسية على الأقل؟ أليس من الأجدر
التريث حتى نهاية الموسم الدراسي؟ إن تطبيق هذا القرار في منتصف السنة الدراسية
سيحولها إلى سنة بيضاء بالنسبة للكثير من التلاميذ، نظرا للانتقال المفاجئ و اللامدروس
الذي سيحدُث بشكل عشوائي، حيث سيُربك لا محالة العائلات والأبناء و الأساتذة
المعنيين باستقبال هؤلاء التلاميذ.
و في الختام،
نطرح سؤالا آخر: لو وُجدت حكومة منتخبة عوض حكومة تصريف الأعمال هذه، هل سيتم
اتخاذ مثل هذا القرار؟ هل نوقش هذا القرار في البرلمان؟ أم هذه المؤسسة في عطلة
مفتوحة؟ هل هذا القرار له علاقة بتصفية حسابات سياسية داخلية مع المتعاطفين مع فتح
الله كولن، و هل لهذا القرار علاقة من بعيد أو من قريب بحلحلة المياه الراكدة في
البلوكاج الحكومي؟
ذ.
محمد معروف أستاذ بجامعة شعيب الدكالي
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة