يعاني الباحثون والأساتذة
الجامعيون بالجامعة المغربية من عدة عراقيل وصعوبات من بينها غياب الدعم لإجراء
البحوث العلمية والميدانية مع كل ما يتطلبه ذلك من تنقل ولوازم ولوجستيك. وتتفاقم
هذه الأمور مع صعوبة إيجاد الموارد المالية والسند لتنظيم الندوات الوطنية
والدولية بما في ذلك استقبال الضيوف والوافدين وإيواءهم... كل هذا ناتج عن وسط
هجين لا يعطي للبحث العلمي قيمته كاستثمار على المدى المتوسط والبعيد ومقاولات لا
تعير أهمية لدور البحث العلمي في ميدان التنمية البشرية والتنافسية الاقتصادية.
كما توجد صعوبات إدارية كتعقد المساطر والإجراءات الخاصة بالمالية وعـقد وإبرام
الصفقات مما ينعكس سلبا على المحيط الجامعي عامة والبحث العلمي على الخصوص.
فالكلام عن تأهيل الإنسان والرفع من الجودة وإعطاء قيم مضافة للصناعة والسياحة
ومختلف المرافق والقطاعات يمر حتما ولزاما عبر البحث العلمي وتطويره. ومما لا شك
فيه أن من بين المؤشرات المهمة لقياس مدى تقدم بلد ما هي تلك المرتبطة بعدة عوامل
يـأتي على رأسها نسبة الميزانية المخصصة للبحث العلمي وقياس معدل المهندسين
والباحثين والطلبة بالنسبة لعدد الساكنة إجمالا ...وهذه المؤشرات تبقى جد متواضعة
بالمغرب قياسا ومقارنة مع بعض الدول التي هي في مثل وضعيته كتونس والأردن على سبيل
المثال. وإن كانت هذه الوضعية الموضوعية مشتركة بين مختلف المؤسسات الجامعية بشكل
عام هناك شق آخر يتعلق بالتسيير والتدبير والحكامة الجيدة وهو موضوع تفاوتات بين
المؤسسات. هذا الجانب الأخير بالرغم من كونه محليا فهو يلعب دورا لا يستهان به في
إعطاء دينامية وتنافسية للبحث العلمي أو بالعكس إدخاله في حالة سبات وركود. ورغم
إلحاحنا على الدور المحوري الذي يقوم به الباحث/الفرد فإنه يبقى دورا محدودا إن
لـم يجد المحيط الملائم من هياكل البحث (المختبرات والوحدات...) وكذلك وجود مشاريع
وتصورات في إطار رؤية جماعية وشمولية بعيدة المدى. لهذا يستحق الباحث الجامعي
بالمغرب كـفرد كل التنويه والتقدير لما يبذله من مجهودات في هذا المحيط الغير
الملائم إن لم يكن المضاد والمعاكس(hostile). لهذا اخترنا عرض بعض العوامل المحيطة مباشرة بالباحث في
محيطه والتي لها تأثير على عملية البحث العلمي بالمؤسسات. وهذه العوامل، عكس
العوامل الموضوعية والعامة، يمكن التحكم فيها لأنها تتعلق بالتسيير والتدبير
والحكامة وإعمال مبادئ الديمقراطية. فإذا كانت العوامل الأولى تتجاوز المؤسسة أو
فوق المؤسسة supra
établissement، العوامل
الذاتية الأخرى المتعلقة بالقدرات والمهارات التسييرية والتدبيرية والممارسة
الديمقراطية هي داخلية رهينة بالمؤسسة ذاتها (intrinsèque). واخترنا كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة نظرا لمعرفتنا بها
ولإحاطتنا بظروف اشتغال البحث العلمي سواء حوافزه، عراقيله أو مطباته العديدة.
يعرف ميدان البحث العلمي
بكلية الآداب ومركز دراسات الدكتوراه لـنفس المؤسسة عدة عراقيل وتعقيدات مسطرية
نذكر من بينها:
لعل أكبر خرق يواجه
الباحثين بمركز دراسات الدكتوراه بكلية الآداب والعلوم الإنسانية يتمثل في عدم
تجديد هياكله بعد مرور أزيد من سنتين عن إعادة تجديد المختبرات. فقد تم في أواخر
سنة 2014 تجديد المختبرات وكافة وحدات البحث العلمي القاعدية بالمؤسسة وكان من
المفترض أن ينعقد مجلس عام للمختبرات ووحدات البحث وتكوينات الدكتوراه تـتـم خلاله
هيكلة هذا المركز بانتخاب/اختيار مدير جديد وفق مسطرة واضحة وكذا مكتب مسير وتسطير
برنامج عمل وبحث تصورات بخصوص تأطير الطلبة وتـأهيلهم لذلك وهو الأمر الذي لم يحدث
لحد الساعة أي بعد انصرام أزيد من سنتين ونصف.
فبعد مرور أزيد من سنتين
على تجديد المختبرات وتحديثها أين هي البرامج الجديدة وخطط العمل لهذه المرحلة
ولماذا لم يتم تسطيرها لحد الساعة وأين هي اللجان الجديدة التي كان من المفترض أن
تنبثق عن مجلس مركز دراسات الدكتوراه؟ وسنتين ونصف تمثل أكثر من ثلثي (2/3) العمر
الافتراضي لهذا المركز الذي لا يتعدى في مجمله ثلاثة سنوات. ألسنا أمام حالة من
حالات تفريط (لكيلا نقول تقصير أو إخلال) المسؤولين في القيام بالواجب وفي تطبيق
القانون؟ كيف يمكن للبحث العلمي أن يتقدم ويتطور بكلية الآداب بينما الهياكل
الخاصة بذلك تظل جامدة وفي حالة سبات لا تواكب المتغيرات بتجديد هياكلها. كما أن
مركز دراسات الدكتوراه بكلية الآداب لم يجعل من حصص بعض المواد، التي من المفروض
أن تبرمج للطلبة الباحثين بتكوين الدكتوراه مثل اللغات الحية كالفرنسية
والإنجليزية وكذلك الإيبستيمولوجيا والمناهج، موادا إلزامية. فالجارة كلية العلوم
تبرمج حصصا لهذه المواد بغلاف زمني محدد يتوجب بالضرورة على الطالب استيفاءه قبل
إقدامه على مناقشة أطروحته. كما أن التوصيات والمذكرات الوزارية التي ألحت في
مجملها على أن تكون مجموعة من المراجع الأجنبية وخصوصا باللغة الإنجليزية يجب
التقـيد بها وتطبيقها بكليات الآداب بصفة عامة. وهنا نبدي استغرابنا، عند تصفحنا
لبعض الأطروحات لـبعض المترشحين لنيل الدكتوراه ببعض الشعب كالدراسات الإسلامية
والآداب العربي كيف أن الطلبة لا يتقنون سوى لغة واحدة ويجدون صعوبة كبيرة في
التواصل والمطالعة بلغات أخرى.
ويتم بشكل غريب إبعاد وحرمان بعض الأساتذة الباحثين من
تأطير رسائل الدكتوراه لطلبتهم بالرغم من أهليتهم وأحقيتهم لذلك. فعندما بدأ تسجيل
الطلبة الحائزين على شهادة الماستر والمرشحين للتسجيل بالدكتوراه خلال نهاية 2016
وبداية 2017، تم استثناء مجموعة من الأساتذة المنتمين لبعض المختبرات التي لا
تتوفر على تكوين دكتوراه من ربط الاتصال بالطلبة والاجتماع بهم لتأطيرهم. ونذكر
على سبيل المثال لا الحصر تكوين الدكتوراه التابع لشعبة اللغة الفرنسية وآدابها
وآخر تابع لـشعـبة اللغة الإنجليزية وآدابها.
وكما هو معلوم فإمكان جميع الأساتذة تأطير الطلبة إذا توفر لديهم شرطان
وهما: أن يكونوا أساتذة مؤهلين أو أساتذة التعليم العالي وأن ينتموا لأحد مختبرات
البحث العلمي. لكن رغم توفر هذين الشرطين في مجموعة من الأساتذة بشعبة اللغة
الإنجليزية وشعبة اللغة الفرنسية آدابها واللغة العربية وآدابها تم حرمانهم من هذا
الحق. فتكوينات الدكتوراه هي بمثابة مشتـل للطلبة الباحثين يتم تأطيرهم حسب
اختصاصاتهم من طرف كافة أساتذة المؤسسة الذين يتوفر فيهم الشرطان السالفان كل حسب
اختصاصه وميدان اشتغاله. وهذا ما تسير وفـقه مختلف مراكز تكوين الدكتوراه في جميع
المؤسسات بدءا من الجارة كلية العلوم التي لا يفصلنا عنها سوى سور صغير.
وتم ذلك، للأسف، بنية مبيته
وإصرار مسبق بالرغم من وجود رسالة واضحة وصريحة صادرة عن السيد عميد المؤسسة يحث
فيها جميع المسؤولين بتكوينات الدكتوراه على تمكين جميع زملائهم من تأطير أطروحات
ورسائل الدكتوراه للطلبة الباحثين. وقد وجهت هذه الرسالة لسائر المسؤولين بما فيهم
نواب العميد والمشرفون على تكوين الدكتوراه بعد أن تناهى إلى علم السيد رئيس
الجامعة وجود إرادة لدى البعض في عدم إشراك بعض الزملاء بشكل غير مفهوم ويتعارض مع
القوانين الجاري بها العمل بالجامعة المغربية. وقد نصت هذه الرسالة على ضرورة
إشراك الزملاء الأساتذة المؤهلين وأساتذة التعليم العالي في اجتماعات تكوين
الدكتوراه وتمكينهم من تأطير الطلبة الباحثين إسوة بزملائهم. وعندما أصر أساتذة
شعبة اللغة العربية وآدابها على المشاركة في تأطير طلبة الدكتوراه والمساهمة في
فرز واختيار العناصر المؤهلة، لكن في الأخير حدث ما لم يكن في الحسبان إذ تمت
عرقلة صدور اللائحة النهائية للطلبة /الباحثين المقبولين وهو الأمر الذي أدخل
الشعبة والمؤسسة في متاهات وانتظارية سماها البعض "بلوكاج" كلية الآداب
بالجديدة. فما ذنب هؤلاء الطلبة الباحثين حتى تعلق نتائجهم بدون وجه حق بعد انصرام
ثلاثة أشهر؟ لماذا لا تتدخل الجهات المسؤولة للإفراج عـن النتائج أم أن البلوكاج
صار موضة مغربية يتسابق على تطبيقها الجميع؟
وكان أحد المختبرات الذي
يحمل اسم
"Traductologie, Communication, Littérature (T.C.L)" قد تقدم بمشروع تكوين دكتوراه خلال الموسم الجامعي
2015/2016 لكي يسهم في تأطير الطلبة الباحثين والرفع من قيمة البحث العلمي
بالمؤسسة. وهكذا هيئ أعضاء الفريق العلمي مـلف تكوين الدكتوراه كاملا غير منقوص
وفق ما تقتضيه المساطر الإدارية والنصوص القانونية وأودعـوه لدى المصالح الإدارية
المختصة خلال الآجال المحددة لذلك. لكن فوجئ الجميع، بعد ذلك وفي سابقة من نوعها،
برفض مجلس الكلية للمشروع باللجوء للتصويت عليه بالرغم من أن مركز دراسات
الدكتوراه الذي فحصه قبليا أبدى حوله ملاحظات شكلية دون الاعتراض عليه. وزادت
دهشتنا عندما تم إخبارهم رسميا، بعد إلحاحهم على معـرفة دواعي الرفض، بأن سبب
الرفض يتمثل في "غياب الانسجام العلمي والفكري بين أعضاء الفريق المكلف
بالتأطير" وهو ما يعتبر بالنسبة لنا تبريرا غير مسنود قانونيا ويفتقد كامل
الحجية من الناحية الواقعية والعلمية. فطبيعة التكوين خصوصا في شقه المرتبط
بدراسات الترجمة يتطلب فريقا علميا ينتمي لـتخصصات متنوعة وشعب مختلفة. كما تعد
هذه المسألة المشينة سابقة بالجامعة المغربية لأن مجلس المؤسسة تجاوز صلاحياته ولا
يتوفر على حق التقرير في المسائل العلمية المحضة وإلا لماذا جعل المشرع لجانا
مركزية هي التي تبث في تكوينات الدكتوراه. فمجلس المؤسسة بطبيعة تكوينه لم يتم انتخابه
للبث في المشاريع العلمية والحسم فيها بل فقط للتأشير عليها قبل أن تحال على
الجهات المختصة مركزيا لتفحصها من منظور علمي دقيق وتصدر في الأخير ملاحظاتها
حـولها (أي المشاريع). وكل تدخل لإيقاف مشروع تكوين دكتوراه بالمؤسسة وحتى قبل أن
يصل لمجلس الجامعة هو بشكل ضمني إعطاء فرصة أكبر للمشاريع الأخرى المنافسة وانعدام
لشروط المساواة.
وكانت آخر حلقات هذه
السلسلة الطويلة هي ما حدث خلال شهر فبراير 2017 الأخير عندما عرف مجلس الكلية
اعتراضات غير مفهومة على مشروع ماستر تقدم به بعض الأساتذة الباحثين بشعبة
السوسيولوجيا بذريعة أن المشرف عليه باحث حديث الالتحاق بالمؤسسة وقام بعمل ₺فردي₺
ولا يتوفر على فريق عمل متكامل. لكن استغربنا لهذه التبريرات فبدل إسناد الباحث
وتقديم الدعم له وتـوفـير كافة الوسائل لذلك من طرف الجميع، وعلى رأسهم رئيس
المؤسسة الذي ينتمي لنفس الشعبة، اختار بعض أعضاء المجلس الموقر الاعتراض على
المشروع الفتي في المهد وكأن الأساتذة "القدامى" هم فقط من يحق لهم أن
يتقدموا بالمشاريع. بالتأكيد لا يوجد باحث مبتدئ إلا إذا كان الإطار والمحيط العام
الذي يندرج فيه لا يدعمه بالشكل المطلوب وعلى الخصوص من طرف العنصر البشري. كما أن
الاقتصار على الحكم على أي مشروع انطلاقا من الناحية الشكلية البحتة قد يكون فيه
إجحاف في حق من تقدم به. فمن غير المعـقول أن يخضع مشروع الماستر المقترح لتقييم
قبلي ومسبق فيتم معارضته في حينه، بينما لم ولا تخضع الماسترات التي بدأ العمل بها
منذ سنوات للتقييم والتقويم البعدي بالرغم من المشاكل العديدة التي تعرفها بل و
يتم التمديد لها كما هي دون تعديلات ولا إصلاحات ولو طفيفة، إذ أن الحرص على جودة
مختلف التكوينات والتحصيل بها يجب أن يكون شاملا وعاما. هذا دون حاجتنا للتأكيد
على أن دور المجالس واللجان لا يجب أن ينحصر في الاعتراض والرفض بل يجب أن يمتد
للتقييم والتقـويم مع تقديم النصيحة عند الضرورة قصد الرفع من شأن البحث العلمي
وتشجيع الباحثين وتحفيزهم وعـدم زرع الإحباط لديهم. فبدل الانكباب على المسائل
الجوهرية التي تقع في صميم اختصاصات المجالس واللجان ينصب الاهتمام على المشاكل
الفرعية والثانوية التي تستنزف الوقت دون حصيلة فعلية.
ارتأينا إصدار هذا المقال بشكله التقريري هذا لرصد كافة التجاوزات
والعراقيل التي عرفها البحث العلمي ومركز دراسات الدكتوراه بكلية الآداب والعلوم
الإنسانية خلال ولاية واحدة من عمر هذا المركز الذي من المفروض أن يتجدد كل ثلاثة
سنوات مع تجدد قواعده، هدفنا من ذلك هو التحسيس بالأمر وتوثيقه للتاريخ بل وفتح
نقاش عام إذا أمكن ذلك. فبدون ذاكرة وبدون استحضار ما جرى وما يجري لا يمكن التقدم
إلى الأمام وستتكرر الأخطاء والهفوات لا محالة. آثرنا كذلك ألا نثير مشاكل مجلة
الكلية والطبع والنشر بصفة عامة رغم ارتباطهم الوثيق بالبحث العلمي لكيلا نطيل على
القارئ.
(ع.م) أستاذ وعضو مختبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة