فاجعة الزمامرة: مصباح انطلقت منه شرارة الموت والناجون منحت لهم عطلة وسيعرضون على طبيب نفسي
فاجعة الزمامرة: مصباح انطلقت منه شرارة الموت والناجون منحت لهم عطلة وسيعرضون على طبيب نفسي

رغم مرور أزيد من ثلاثة أيام على فاجعة مدرسة عتيقة لحفظ القرآن وتلقين علوم الدين أودت بحياة ثلاثة من نزلائها ، فإن مدينة الزمامرة لم تبلسم جراحها بعد ، فكل الساكنة تطرح تساؤلات متعددة عن السبب الذي أشعل شرارة نار غدرت بأطفال  صغار في عز النوم ، دون أن تمهلهم لحظة وهم يمنون النفس بختم القرآن الكريم ، وبدل أن يحملون على الأكتاف احتفاء بذلك حملوا نعوشا مسجية ، كان لطف الله في الموعد ليحول دون تكرار مأساة حريق سجن سيدي موسى سنة 2003 والذي أودى بحياة 51 من النزلاء .


 مدرسة السلام

باب المؤسسة يوحي للناظر إليه أن الأمور طبيعية ، لكن ونحن نتخطاه لنلج إلى الداخل ، استقبلتنا رائحة دخان شاهدة على أن النار الغادرة مرت قبل 4 أيام من هنا مخلفة ضحايا وخسائر فادحة بمرقد جماعي مساحته 30 متر مربع ، كان يؤوي لحظة الحريق 28 نزيلا من حفظة كتاب الله وتعلم علوم الدين ، من أصل 200 من نزلاء شدوا الرحال إلى المدرسة من أقاليم الجديدة والصويرة والرباط وسيدي بنور كما من الدارالبيضاء ، هي مدرسة مرخصة من طرف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ويرعاها أحد المحسنين من ماله الخاص ، وهي الرعاية نفسها التي يوفرها لمركز تصفية الدم وقسم للأمراض العقلية والنفسية



لحظة الفاجعة

تناول النزلاء عشاءهم كالعادة في الساعة 8 ليلا وتوجهوا إلى المرقد سالف الذكر ، كل واحد استقر بسريره إلا طفل اختار أن ينام في غير سريره دون أن يدور بخلده أنه سرير الموت الذي سيلفظ عليه أنفاسه اختناقا .

بعد وقت يسير خلد نزلاء المرقد للنوم ، وفي عمق النوم انطلقت شرارة غذت نارا ملتهبة أتت على جميع أفرشة وملابس الأطفال المتراوحة أعمارهم بين 10 و16 سنة في ظرف قياسي ، تعالى الصراخ والعويل ليصل إلى آذان حارس الداخلية الذي لم يكن قريبا من المرقد ، تفتح النوافذ يهب هواء من الخارج أجج ألسنة اللهيب ، استيقظ جيران المدرسة الذين هبوا لتقديم يد المساعدة وسط دخان كثيف حاجب للرؤية ، ليكتشفوا جثامين محمد سحنون 11 سنة من الغنادرة وأيوب أجميل 12 سنة من الوليدية وعبدالرحمان السحنوني 16 سنة من أولاد اسبيطة لم يتبق له سوى 4 أحزاب لختم القرآن وأن والدته اشترت "ضروبة" استعدادا لحفل الختم هي نفسها التي ذبحت في عشاء نعيه .


الحديث عن مسؤولية تقصيرية

هل كان باب المرقد مغلقا على الطلبة ؟ ذاك هو السؤال الذي لاكته ألسنة العديدين من سكان الزمامرة ، لكن سفيان إن شاء الله مشرف على المدرسة ينفي نفيا قاطعا ذلك ويؤكد أن المؤسسة تتوفر على حارس للداخلية وحارسي خارجية ، وأن النزلاء مشمولون برعاية دائمة ، دون أن يعارض في كون المدرسة لا تتوفر على قنينات خاصة لإطفاء الحريق ولا على تصميم أوخطة إجلاء  ، وأن تصميم قسمها الداخلي ليس به أدراج نجاة تستعمل لحظة حدوث كارثة ، وهي بالطبع مسؤولية مندوبية الأوقاف والشؤون الإسلامية بسيدي بنور ، التي لا تتفقد هذه المدارس التي في عهدتها إلا لماما ، كما أن تصميم المدرسة بصفة عامة لا يوفر ضمانات السلامة اللازمة .

كما أن المشرف ذاته لم يجب بالوضوح اللازم عما إذا كانت المدرسة تتوفر على تأمين لنزلائها والعاملين بها .



مصباح سبب الفاجعة

ساد الاعتقاد بداية أن النار اندلعت بسبب شاحن صيني كما الحال في فاجعة سلا وهناك من قال بفرضية شمعة منسية أوعقب سيجارة دخنت خلسة من حراس المدرسة ، كلها فرضيات سلكها فريق من الشرطة العلمية الذي قام برفع جميع الآثار المفيدة في البحث بما في ذلك رماد من الحريق أرسل من أجل الخبرة

وبين هذا وذاك استمع المحققون إلى مسيري المدرسة وإلى بعض الناجين ، الذين نفوا فرضية الشاحن لعدم وجود مقبس كهربائي بالمرقد ، فيما يشدد سفيان إن شاء الله على كون مصباح استخرج منه خيط كهربائي لتغذية كاميرا مراقبة بالمرقد ، غير مستبعد أن يكون سبب الكارثة ، وهو ما دفع الشرطة القضائية إلى الاستماع إلى كهربائي هو من تولى جر الخيط الكهربائي من المصباح نحو الكاميرا


الوقاية المدنية في قفص الاتهام

كثير من الناس أكدوا أن الوقاية المدنية تأخرت بنصف ساعة ، وتعاملت مع الحريق بأساليب بدائية جرى فيها تضييع الوقت لحظة مد خراطيم المياه ، لأن حاوية المياه كانت شبه فارغة وأنه تمت الاستعانة بتعزيزات من سيدي بنور الذي يبعد من الزمامرة بحوالي 30 كيلومتر

واعتبرت جهات متتبعة أن حريق مدرسة السلام عرى عن ضعف تجهيزات الوقاية المدنية بالزمامرة ، ما يفرض إعادة النظر في هذا المرفق العمومي الحيوي لصيانة أرواح الناس وممتلكاتهم .


العامل يتفقد المدرسة المكلومة

مباشرة بعد علمه بالحريق زار المصطفى الضريس عامل سيدي بنور ، مدرسة السلام العتيقة وتفقد مرافقها بما في ذلك المرقد المنكوب ، ووقف على حالته المتردية وأعطى أوامر بإعادة إسكان نزلائه في جناح آخر فيما تكلفت الجماعتين الترابيتين لكل من الزمامرة وأولاد اسبيطة بتوفير 154 غطاء والعدد نفسه من الأفرشة تكلفت به جماعة الغنادرة .

وفي الإطار ذاته قال المشرف على المدرسة أن الناجين من الجحيم منحت لهم عطلة 3 أيام لتجاوز الصدمة ، وأن المرقد المنكوب أغلق في انتظار إصلاحه

مؤكدا أن بداية من يومه السبت سيتم عرض الناجين على طبيب نفسي سيما وأنهم عاينوا أصدقاءهم الثلاثة يلفظون أنفاسهم في مشهد مأساوي ، قبل أن يضيف أن الإدارة ستتولى شراء ملابس ومستلزمات مدرسية لهم ، لأن ما كان في دواليبهم احترق عن آخره



آخر الكلام

فيما يشبه الختم يتعين اعتبار فاجعة الزمامرة لفتح حوار جدي ومسؤول عن الأوضاع بهذه المدارس العتيقة وأيضا بالأقسام الداخلية التابعة لوزارة التربية الوطنية ، في أفق استراتيجية جديدة بحس استباقي لمنع تكرار مثل هذه الفواجع ، التي حاول أستاذ بالمدرسة المنكوبة التقليل من وقعها وهو يودعنا عند باب المدرسة مرددا  "من لم يمت بالسيف مات بغيره تعددت الأسباب والموت واحد "


جريدة الصباح

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة