هل يستدعي
بناء منزل بمساحة 100 متر تقريبا تخريب إسفلت الشارع و احتلال أرصفة المنازل و
تشويه جمالية التجزئة، هذا الملك العمومي الذي أنفقت عليه الدولة ملايين الدراهم
من أموال المواطنين لتجهيزه؟ لماذا لم تتخذ السلطات المحلية إجراءات جزرية في حق
هذا المقاول بإيقاف الأشغال والغرامة، حتى يقوم بتنظيم ورشته؟ مما يدفعنا
لوضع سؤال جوهري بكل مسؤولية حول من يقوم بحماية هذا النموذج من مافيا العقار
بمدينة الجديدة؟ ماذا يقع ببلدية الجديدة، قسم التعمير تحديدا؟ على السيد عامل
مدينة الجديدة فتح تحقيق عاجل فيما يقع بقسم التعمير، خصوصا و أن هذا الملف أخذ
بعدا وطنيا بعد عرضه على أنظار الرأي العام، و بعد عزم الساكنة على طرح المشكل على
طاولة وزير الداخلية.
لا نفشي سرا،
إذا قلنا إن أزمة المغرب الحقيقية تتفتق من بلدياته وجماعاته القروية، تلك
المؤسسات التي تشكل بؤرة توتر وصراع حول السلطة، فهي المعنية بتطبيق السياسيات
الجهوية وتشجيع الاستثمار وخدمة المواطن عن قرب، هي نوات تَشَكُّلِ ذهنية التعامل
مع الإدارة العمومية، لهذا فإصابة مثل هذه المؤسسات بأعطاب وظيفية أو إفلاسها، قد يؤدي
حتما إلى إفلاس الأسس المتينة التي تقوم عليها الدولة، فمن خلال معركتنا
الأخيرة مع شركة البناء البلطجية التي قامت بفوضى البناء بحي السلام، اصطدمنا
بالوسيط ببلدية مدينة الجديدة، ذلك الموظف التقني البسيط الذي يحتل مرتبة دونية في
هرمية السلطة، لكنه متنفذ و يتمتع بعلاقة القرب مع مراكز القرار في إطار هرمية
الزبونية، حيث يستطيع هذا الموظف البسيط أن يوفر حماية للمخالفين مقابل رشاوى
يتسلمها، و هو بدوره قد يوزع حصصا على جهات نافذة حسب نظام المصالح المتبع في
تراتبية الزبونية.
في السياق
نفسه، لاحظنا أن مدير مكاتب بلدية الجديدة يشاطرنا رأيا مماثلا حين انتقد
موظفيه أمام أعيننا، ثم استفسرهم عن امتناعهم الامتثال لأوامره، قائلا لهم
بأنهم يبحثون عن الإكراميات قبل بحثهم عن تأدية واجبهم الوظيفي، نظرا لأنهم
رفضوا ضمنيا الذهاب إلى ورشة المخالف، حيث عادوا من منتصف الطريق، بل منهم من بادر
شفويا إلى التوسط بيننا وبين المقاول بشكل حبي، و كأننا في نزاع حول ملكية الشارع
العمومي، بينما نحن نطالب فقط بتطبيق القانون في دولة القهيوة و الكويميلا. فمن يا
ترى يوفر الحماية لهذا المقاول؟ هل هو أحد الموظفين الحاضرين في اللجنة؟ أم هو
الغائب الحاضر عبر الهاتف....آلو آلو؟
تأملوا معنا
كيف يتم الصراع حول السلطة ببلدية مدينة الجديدة عبر هذه الدراما الواقعية التي
تنذر بانفجارات احتجاجية مستقبلا إذا استمر تفسّخ السلطة عن مركز القرار، و
بعثرتها في وظائف ميكروفيزيائية. إليكم حكايتنا كما يلي: لقد قمنا
بمراسلة السلطات المحلية بما فيهم عامل وباشا مدينة الجديدة بتاريخ 12/06/17،
وقائد المقاطعة الثالثة بتاريخ 08/06/17، و السيد رئيس المجلس البلدي بتاريخ
08/06/2017، و قمنا بتقديم عرائض احتجاجية، فضلا عن نشر هذه القضية بالجرائد
الالكترونية المحلية و الوطنية منددين بخروقات شركة البناء، ومع ذلك، تم إهمال كل
هذه الشكايات، بل وإقصائها من تنفيذ برنامج لجنة المجلس البلدي على مدار أسبوعين
متتاليين (الثلاثاء 13 يونيو/ الثلاثاء 20 يونيو) بالرغم من برمجتها، مما يستدعي
فتح تحقيق حول عدم احترام تنفيذ برامج اللجنة المسطرة، إذ كيف قام قسم الشكايات
بإدراج شكايتنا في برنامج لجنة المجلس لأسبوعين متتاليين، لكن بقدرة قادر أو بقدرة
مكالمة هاتفية، كما وصف إياها أحد موظفي البلدية مستخدما قاموس الدار، أقصي الحي
من زيارة اللجنة في آخر لحظة، وهكذا لم تتم معاينة الأضرار التي يعانيها السكان،
بالرغم من أن الشكاية موثقة بالصور و محضر رسمي لمفوض قضائي؟ هل هذا الإقصاء مرتجل
في مؤسسة منتظمة المواعيد، أم هو إقصاء ممنهج تطفّل فيه الوسيط لحماية الشركة التي
تقع تحت نفوذه، و هل هذا ما يبرر تهاون جهات أخرى لها السلطة التنفيذية في التدخل؟
لكنها ماطلت في حسم المشكل لصالح الساكنة المتضررة.
لنكن صرحاء
مع بعضنا البعض، إن بلدية مدينة الجديدة تعيش ميكروفيزياء السلطة بجميع تجلياتها
الفاسدة من زبونية و محسوبية وارتشاء و آلو آلو، حيث أصبحت تعج بموظفين وسطاء
يحترفون التسول في أوراش البناء باحثين عن "التدويرة" عوض تطبيق
القانون على الرغم من وجود موظفين نزهاء، حيث تناهى إلى علمنا بأن بعض
موظفي قسم التعمير يتقاضون إتاوات مقابل حماية المقاولين من تسجيل المخالفات، بل
منهم من قسّم المدينة إلى منطقة نفوذ تابعة له، و هكذا قد يحتفظ الموظف التقني من
قسم التعمير بدفتر الورشة، ويتفق مع صاحبها بأن يهاتفه إذا جاءه أي تفتيش سواء من
المقاطعة أو من البلدية، علما أن لهذا الوسيط أعينا في قسم الشكايات، و في اللجن
المختلطة. وهكذا، أمام هذا الوسيط المرتشي، قد يضيع تطبيق القانون في سبيل قهيوة
أو كويميلا، حيث يتم توزيعها وفق نظام زبونية مُحكٓم داخل مجموعة من الأقسام
الإدارية.
قام بعض
ساكنة حي السلام الذهيبية بإنزال في مكتب باشوية المدينة يوم الخميس 22 يونيو
2017، حيث استقبلهم خليفة الباشا و مدير مكاتب البلدية، نظرا لغياب الباشا ذلك
اليوم، و بعد الحديث عن النازلة التي تزامن نشرها في الصحافة المحلية مع هذا الإنزال،
قرر السيد مدير مكاتب البلدية بإيفاد لجنة من قسم التعمير إلى الحي لاتخاذ
الإجراءات القانونية اللازمة، لكن لأسباب غامضة، تبخرت سيارة اللجنة في منتصف
الطريق، و تم تعويضها بموظفين إثنين من قسم الجبايات في نفس المصلحة. لماذا انسحبت
اللجنة الأولى؟ هل الأمر يتعلق مرة أخرى بآلو آلو...؟ إن ما يدفعنا لهذا التساؤل
هو كلام المدير نفسه الذي وبخ أحد أعضاء اللجنة أمامنا، حين اكتشف أنها لم تذهب و
لم تقم بواجبها في معاينة الورشة، بل هدد باستفسار الأعضاء كتابيا لعدم امتثالهم
لأوامره وتنفيذها. هل الأمر يتعلق مرة أخرى بالوسيط؟ ما يثير الاستغراب في هذا
الملف هو لماذا يقامر بعض موظفي بلدية الجديدة بحماية مافيا العقار المخالفين
للقانون؟
قامت اللجنة
الثانية بتسجيل مخالفة للمقاول، يصل مبلغها حوالي 14400 درهم، وهذه الغرامة، قد
تفرمل فٓرْعٓنَةُ هذا المقاول و تماديه في احتلال وتخريب الملك العمومي، خصوصا لما
يتطاول على خلط الإسمنت فوق الإسفلت وعلى أرصفة منازل المواطنين في تحدٍّ سافر
لأخلاق المواطنة وحسن الجوار. إن السؤال المحير في هذا الملف هو: بعد انتهاء فصول
المسرحية الأولى باختفاء اللجنة المكلفة بمعاينة الضرر، هل نحن أمام مشهد جديد من
نفس المسرحية بحلول اللجنة الثانية، أم سيتم فعلا تطبيق القانون بإنجاز محضر و
تنفيذ العقوبة في حق المخالف؟ واستخداما لقاموس البلدية، هل سيتم إلغاء
الغرامة برنة هاتف الوسيط ...آلو آلو، ليتبخر مبلغ الغرامة الذي كان من المفروض أن
يلج الخزينة العامة للدولة؟
كل يوم نزداد
قناعة بأن محاربة الفساد في الإدارة المغربية يجب أن تبدأ بميكروفيزياء السلطة،
ذلك الموظف الوسيط الذي يوجد في أحد المكاتب المتواضعة، بأحد أركان الإدارة، و هو
من يتملك سلطة حل المشاكل، حيث يشتهر بقضاء المآرب دون تماطل من خلال اتصاله
بمراكز القرار...هذا لا يعني بأن المسؤول بريء لا يعلم خبايا الأمور، بالعكس، هو
عنصر رئيسي في مثلث الزبونية، لكن نادرا ما تجد المسؤول يدخل في علاقة زبونية أو
ارتشاء بشكل مباشر مع المواطن...هو دائماً في حاجة إلى وسيط من ميكروفيزياء السلطة
ليقوم بالدور. إنه مثلث الفساد الذي تأصّل و ترسخ بالإدارة المغربية، حيث أسس
تحالفات واشترى ولاءات، ووضع ثوابت و قواميس وسلوكيات تُطبّع مع الفساد.
ذ. محمد
معروف، أستاذ بجامعة شعيب الدكالي
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة