عشية التصديق على انضمام المغرب إلى
"المنظمة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا" المعروفة اختصارا ب CEDEAO، نظمت الندوة الوطنية
الخامسة من "قافلة المغرب الإفريقي" في موضوع التوجهات الإفريقية للمغرب
ورهاناتها، لتسليط الضوء على هذه العلاقات تاريخيا وحاضرا ومستقبليا. ويتم تنظيم
قافلة المغرب الإفريقي هذه عبر تراب المملكة بمبادرة من "منظمة مغرب –
إفريقيا للتنمية والثقافة"، وقد نظمت هذه الندوة في محطتها الخامسة بالجديدة
التي أقيمت بمدرج المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير يوم الأربعاء 13 دجنبر 2017
بشراكة مع جامعة شعيب الدكالي ومركز دراسات وأبحاث التراث المغربي البرتغالي
وتنسيق مع جمعية طلبة المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير والمدرسة ذاتها. وحضر الندوة
جمهور من الطلبة والباحثين ومسؤولين وجمعويين وإعلاميين، وطلبة أفارقة يدرسون
بالمؤسسات الجامعية التابعة لجامعة شعيب الدكالي بالجديدة
وكما أوضح السيد أبوالقاسم الشــبري مدير مركز
دراسات وأبحاث التراث المغربي البرتغالي في معرض تقديم الندوة فإن هذه القافلة تأتي
لتأكيد انخراط المثقفين والباحثين وجمعيات المجتمع المدني في مواكبة الديناميكية
التي تعرفها علاقات المغرب مع دول ما وراء الصحراء ودول إفريقيا عموما والتي دشنت
بعودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي وحضنه الطبيعي بتعبير المتحدث، وذلك تتويجا
لمسلسل حكيم وعقلاني يقوده جلالة الملك منذ سنوات على قاعدة "رابح –
رابح". ولم يفته أن يشدد على ضرورة تجند كل القوى الحية لتثمين هذه التوجهات
مؤكدا على دور البرامج التعليمية والإعلام والبحث الجامعي والإنتاج الثقافي وعمل
المنظمات المدنية في إنجاح مسلسل طويل لإعادة ترميم البيت الإفريقي وتمنيعه ضد
الاختراقات من أجل بناء عملية تنموية شاملة، دائمة ومستديمة، إفريقية-إفريقية.
وفي هذه الندوة التي أدارتها باقتدار الأستاذة
بديعة التبياوي مديرة المدرسة تناوب على منصتها عدد من الباحثين كل في باب تخصصه.
وقد كان الافتتاح مع كلمة للسيد رئيس الجامعة يحيى بوغالب ألقاها نيابة عنه نائبه
الأستاذ رشيد هلال والتي ركز فيها على دور الجامعة في ترسيخ وإنجاح كل مبادرات
تمتين علاقات الجنوب – جنوب مبرزا ما قامت وتقوم به الجامعة المغربية من مبادرات
تجاه دول إفريقا سواء على مستوى التكوين المستمر أو التكوين الأكاديمي بفسح المجال
أمام طلبة دول الساحل والصحراء خصوصا لمتابعة دراساتهم الأكاديمية بمختلف تخصصات
كليات ومعاهد ومدارس الجامعة المغربية، ومنها جامعة شعيب الدكالي التي تستضيف قدرا
كبيرا من هؤلاء الطلبة الأفارقة في المؤسسات الجامعية الخمسة التي تتكون منهم هذه
الجامعة.
وباسم "منظمة مغرب – إفريقيا" OMA، شدد السيد فريد فرحات
في مداخلته على توضيح مختلف مداخل مقاربة جديدة متجددة للتنمية في مختلف أبعادها
وهي المداخل التي تمشي عليها برامج وفلسفة منظمة مغرب – إفريقيا التي ومنذ تأسيسها
عام 2011 راكمت تجربة هامة في هذا الباب وهي التي تحكمها في تسطير برامجها
والموجهة على وجه الخصوص إلى تثمين العلاقات المغربية الإفريقية ومواكبة
ديناميكتها بل وتوقع آفاقها من منظور استباقي. وتتميما لهذه المداخلة جاء العرض
المستفيض للسيد نجيب الكتاني رئيس المنظمة ووزير دولة سابق في غينيا بيساو والذي
ركز بالأساس على كل ما يحيط بمشروع انضمام المغرب إلى المنظمة الاقتصادية لدول
الغرب الإفريقي وتداعيات ذلك على اقتصاديات هذه المجموعة وعلى شعوبها ثقافيا
واجتماعيا وسياسيا وما ستجنيه هذه الشعوب من هذا التكتل الذي سيصبح قوة ضاربة، لها
شأن ووزن على الساحة الدولية، سياسيا واقتصاديا وبشريا. وقدم المحاضر، بفعل تجربته
وتخصصه، معطيات مستفيضة عن كل التنظيمات والتكتلات الإقليمية الموجودة بالقارة
السمراء في عرض معزز بالأرقام والبيانات، مع شرح المقومات والمؤهلات وكذلك
المثبطات والإشكالات. وتتلخص فلسفة عرض السيد الكتاني في كون تعزيز المغرب لتنظيم
مثل المنظمة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا سيتيح فرصة لا تعوض من أجل الانعتاق
والتخلص من التركة الاستعمارية الثقيلة التي ما زالت تطوق عنق دول إفريقيا وتكبح
جماحها نحو التطور والنماء لخدمة الإنسان وصون كرامته. وإن عزم المنظمة على توحيد
العملة في أفق 2020 سيكون أكبر إنجاز يغير وجه إفريقيا ويصفي مآسي الاستعمار
القديم المستمر اليوم بالتحكم في أنفاس اقتصاديات وسياسات إفريقيا.
أما عرض أبوالقاسم الشــبري فقد جاء لوضع تأطير
تاريخي وثقافي تراثي للعلاقات المغربية الإفريقية مؤكدا أن عودة المغرب اليوم إلى
حضنه وموضعه الطبيعي في إفريقيا هو إحياء وتقليب وتجديد لصفحات تاريخ طويل من
التمازج والبناء الجماعي كان المغرب فيه في موقع الريادة. وبالخرائط والمعطيات فصل
هذا الباحث الأثري كيف أن المغرب كان إمبراطورية تمتد من نهر السينغال إلى تخوم
مدريد وشرق ليبيا قبل أن يتم قضم تراب البلد من طرف الاستعمار الأوربي فتقزمت
خريطته الجغرافية إلى ما هي عليه اليوم، ناقصة منقوصة. وركز الباحث أيضا على تداخل
الأعراق والأجناس والثقافات في محيط هذه الرقعة الكبيرة من القارة الإفريقية حيث
كان المغرب رائدا في نشر الإسلام بالغرب الإفريقي (بلاد السودان قديما) ومعقلا
لخريطة القوافل التجارية التي كانت تجوب كل أطراف القارة. وقد أوضح كيف أن طرق
القوافل التجارية، بموازاة مع نشر الإسلام أفرزت تلاقحا ثقافيا عميقا بين مختلف
شعوب إفريقيا طيلة القرون الوسطى مما تمخض
عنه اختلاط بشري عارم فاختلطت الدماء بالتزاوج واغتنت الثقافات القطرية بالتأثير
المتبادل وهو مازال مستمرا فينا إلى اليوم حيث نجد كثيرا من التشابه العميق بين
ثقافات شعوب إفريقيا، في المعمار والعادات والتقاليد والطبخ والنسيج والفنون وحتى
في دفء العلاقات الإنسانية. وقد خلص إلى أن كل هذه المعطيات التاريخية لابد أن
تكون اليوم عنصر التحام من جديد لإحياء وتجديد روح التآخي والتضامن والانتماء
الواحد التي طبعت ماضينا الإفريقي وصنعت عزة وأنفة إفريقيا.
ولشرح التأطير القانوني لانضمام المغرب إلى
منظمة غرب إفريقيا خصوصا وعودته إلى الاتحاد الإفريقي عموما قدم عبد الرزاق بياز
بصفته أستاذا للقانون بالكلية المتعددة التخصصات بالجديدة، عرضا قانونيا قدم فيه
معطيات تخص التشريعات الوطنية والقارية والدولية وكيفية ملاءمة التشريعات المحلية
مع القوانين التي تؤطر التنظيمات الإقليمية. وقد استلهم فصول الدستور المغربي وبعض
القوانين القطاعية ليوضح أين تتلاقى مع القانون الدولي ومع القوانين المؤطرة
لمنظمة غرب إفريقيا. وكل هذه القوانين لا تخص فقط السياسات العمومية والاقتصاد
وحركة الرساميل، بل تهم أيضا حركة البشر وعمل التنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع
المدني ملفتا الانتباه إلى الآفاق الهامة التي يتيحها انضمام المغرب إلى المنظمة
الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.
وفي الختام جاءت حصة المناقشة لتغني ما جاء به
المحاضرون لتأكيد الجميع على ضرورة التجند لمواكبة التحولات الجديدة والجيدة التي
يتيحها انضمام المغرب إلى منظمة غرب إفريقيا وعودته القوية إلى الاتحاد الإفريقي.
لكن مع التنبيه إلى ضرورة العناية بالمشاكل الناجمة عن التحولات الاجتماعية التي
تصاحب من كلا الجهتين صيرورة انضمام المغرب إلى المنظمة الاقتصادية لغرب إفريقيا
وما سيرافق ذلك من رفع الحواجز الجغرافية والجمركية.
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة