قطعت الدولة المغربية مع بعض السلوكات
والممارسات، لوضع حد لاستغلال النفوذ، وتخليق الحياة العامة، واحترام سيادة القانون، ومع المظاهر التي توحي
إليها أو تنم عن الاستقواء أو الاستعلاء والتباهي والظهور بمظاهر خداعة.. من قبيل
وضع شارات خاصة ببعض الهيئات والمؤسسات، على الواقيات الزجاجية للسيارات، أو
استعمال لوحات معدنية ذات ترقيم وعلامات خاصة.
نموذجان في التخليق:
1/ المديرية العامة للأمن
الوطني:
عممت المديرية العامة للأمن
الوطني على مصالحها المركزية واللاممركزة،
دورية مديرية تقضي بمنع إلصاق وإشهار شارة الأمن الوطني، على الواقيات
الزجاجية الأمامية لسيارات موظفيها.
وبعد أن كانت بطاقة التعريف الوطنية، الوثيقة
الرسمية التي تثبت الهوية والجنسية، تحمل في صيغتها القديمة، إشارة صريحة وواضحة إلى مهنة حاملها، في حال
مزاولته لمهنة ما، أو "بدون"، في حال العطالة، أو صفة التلميذ والطالب،
في حال متابعة الدراسة، عمدت
المديرية العامة للأمن الوطني إلى استبدالها بالبطاقة الإلكترونية، مع عدم تضمينها البيانات
الشخصية، التي تشير إلى مهنة صاحبها.
وقد جاء هذا التعديل الجوهري، تكريسا لدولة
الحق والقانون، ولدستور المملكة الذي اعتبر المغاربة، دون ميز أو تمييز، متساوين في المواطنة، وفي الحقوق
والواجبات.
وبالمناسبة، فقد كان إدراج المهنة في بطاقة التعريف القديمة، ينم، رغم عدم توفر
النية والقصد، عن تخصيص حاملها باعتبار خاص، كان يجعله يستفيد من معاملة وتعامل
خاصين، عند قضاء أغراضه وحاجاته التي تستدعي الإدلاء للجهات المعنية ببطاقة
الهوية. وكانت هذه الوثيقة الثبوتية، الشبيه نوعا ما بالبطاقة المهنية، تفتح الأبواب أو تسدها في وجه حاملها، وتعرضه
أحيانا لممارسات وسلوكات، قطع معها المغرب
في ظل العهد الجديد.
وحتى عند نقاط المراقبة الطرقية، والسدود
الإدارية والقضائية، كانت بطاقة التعريف المتضمنة
للمهنة التي يمارسها حاملها، سيما إن كان موظفا
لدى بعض إدارات ومؤسسات الدولة، (كانت) تفي بالغرض، شأنها في ذلك شأن شارة الشرطة التي كانت
توضع على الواقيات الزجاجية.. وتعطي الأحقية والأسبقية.. وحتى، في حال ارتكاب
مخالفة مرورية، فقد كانت تعفي من تدوين محضر المخالفة، ومن أداء الغرامة المترتبة قانونا.
2/ وزارة الداخلية:
علامات (W) و"المغرب"
و"ج":
من جهتها، عممت وزارة الداخلية مرارا وتكرارا
على ولايات الجهة وعمالات الأقاليم والعمالات وعمالات المقاطعات، دوريات وبرقيات
وزارية، تمنع سيارات المصلحة الخاصة بالولاة والعمال، وبموظفي السلطات الجهوية
والإقليمية والمحلية، ومجالس الجهات والمجالس الإقليمية، والجماعات الترابية، من استعمال
اللوحات المعدنية التي تحمل ترقيما تسلسليا، بعلامة (W)، الحرف الذي يرمز إلى كلمة "ولاية" (Willaya).
ومن ثمة، كانت وزارة الداخلية تتوخى من إجرائها هذا، تنظيم السلطات الترابية
والهيئات المنتخبة.. وتخليق الحياة العامة، والبعد عما من شأنه أن يكرس "المفهوم
القديم للسلطة"، والممارسات
والسلوكات "السلطوية".
فسيارات المصلحة الخاصة برجال السلطة المحلية
بالجهات والأقاليم، والموظفين العاملين لدى ولايات الجهات، وعمالات الأقاليم
والعمالات وعمالات المقاطعات.. تحمل لوحات معدنية بترقيم تسلسلي، مع علامة
"المغرب" أو "M"،
باللون الأحمر. فيما تحمل سيارات المصلحة الخاصة
بالجماعات الترابية، وبمجالس الجهة، والمجالس الإقليمية.. لوحات معدنية، بترقيم
تسلسلي، مع علامة "ج" باللون الأحمر، الحرف الذي يرمز إلى الجماعة
الترابية، حضرية كانت أم قروية.
علامة (W).. الجديدة "الاستثناء":
إذا كانت ولايات الجهات وعمالات الأقاليم والعمالات
وعمالات المقاطعات في ربوع المملكة المغربية، من طنجة إلى لكويرة، قد التزمت
بمقتضيات المراسلات الوزارية، فيما يتعلق بمنع استعمال سيارات المصلحة، للوحات المعدنية
بعلامة (دوبل في)، فإن ما يقع في إقليم الجديدة، يشكل الاستثناء للقاعدة
السائدة في المغرب برمته، وحتى في جهة الدارالبيضاء–سطات، التي أصبح إقليم الجديدة
ينتسب إليها ترابيا، بعد تفعيل الجهوية المتقدمة أو الموسعة، والتي تتكون، ناهيك
عن إقليم الجديدة، من عمالات وأقاليم
الدارالبيضاء والمحمدية والنواصر ومديونة وبنسليمان وبرشيد وسطات وسيدي بنور.
هذا، فإن ثمة موظفين ورؤساء أقسام بعمالة الجديدة، يضعون على سيارات المصلحة
لوحات معدنية، تحمل علامة (دوبل في)، عوض علامة "المغرب"، في خرق صارخ للدوريات
والبرقيات الوزارية، وللقانون الجاري به العمل. وقد انتقلت العدوى إلى مسؤولين جماعيين، ضمنهم رئيس
بلدية، ورؤساء مجالس قروية، ورئيس وأعضاء هيئة منتخبة، عمدوا، فور استلامهم وتسلمهم سيارات المصلحة
الجديدة، إلى تزويدها بلوحات معدنية تحمل علامة (دوبل في)، عوض علامة
"ج" باللون الأحمر، العلامة التي ترمز إلى انتسابهم إلى الجماعة
الترابية.
. وحتى أن بعضهم وضع اللوحات المعدنية بعلامة (دوبل في)، على سيارات فارهة من "آخر صيحة"، يكونون
اقتنوها، في حال إن لم تكن في ملكيتهم الخاصة ومن مالهم الخاص، بمبالغ طائلة، هي من الميزانية العامة، ومن أموال الشعب..
مثل السيارة (هاي كلاس)، التي تظهر في الصورة المركبة رفقته، والتي يبلغ ثمنها 100
مليون سنتيم. هذا في الوقت الذي كان بإمكانهم اقتناء سيارات عادية، وبأثمنة غير
مكلفة، كتلك من نوع "داسيا" التي
يستعملها رجال السلطة .وهذا ما يطرح أيضا إشكالية أخرى، تكمن في غياب التخليق، وعدم ترشيد النفقات، وإهدار المال العام.. كما يقول المثل الفرنسي: (jeter l’argent par la fenêtre). هذا بغض النظر عن كون بعضهم يستغلون
سيارات المصلحة، في السفر والتنقل أيام العطل، وخارج أوقات العمل، وفي قضاء
أغراضهم الشخصية.. من قبيل التبضع في الأسواق، ونقل أفراد أسرهم إلى الحمام أو إلى
البحر (..).
تصريحات.. وإجماع:
في تصريحات للجريدة، أجمع مسؤولون رفيعو
المستوى من ولاية جهة و3 عمالات أقاليم، ورئيس بلدية، ومستشار جماعي، أن وزارة
الداخلية منعت استعمال علامة (دوبل في) في اللوحات المعدنية الخاصة بسيارات المصلحة. حيث عممت إرساليات في الموضوع، على ولايات
الجهات وعمالات الأقاليم، والعمالات وعمالات المقاطعات. إذ يتعين استعمال لوحات معدنية بعلامة "المغرب" باللون الأحمر. ويشمل أيضا المنع الجماعات الترابية
والهيئات المنتخبة (مجالس الجهة والمجالس الإقليمية..).
وأضاف المستشار الجماعي في تصريحه للجريدة، أن إقليم
الجديدة يعيش على إيقاع ما اعتبره "السيبة"، فيما يتعلق اللوحات المعدنية بعلامة (W)، التي
يستعملها بعض المستشارين الجماعيين في سياراتهم، عوض علامة "ج" التي ترمز إلى الجماعة
الترابية.
وأفاد المصدر الجماعي ذاته، فيما يخص كيفية الحصول
على علامة (دوبل في)، التي، قبل منعها، كان يستعملها الولاة وبعض الموظفين
السامين، أن بعض المستشارين الجماعيين، عوض أن يتقدموا
بالملفات الخاصة بسيارات المصلحة، عند تسلمها وهي جديدة، إلى المكتب الوطني للنقل،
للحصول على لوحات معدنية، تتضمن ترقيما تسلسليا بعلامة "ج" باللون
الأحمر، الخاصة بالجماعات الترابية، حضرية كانت أم قروية، يتوجهون عند أحد صناع
اللوحات المعدنية، ويطلبون منه صنع لوحات معدنية، استنادا إلى ورقات الاستعمال المؤقتة (W W)، وذلك بتضمينها الترقيم التسلسلي الأصلي
للسيارات، مع حذف حرف واحد من أصل الحرفين بالفرنسية (W W)، والإبقاء
من ثمة على حرف واحد (W).
فوضى.."دون حسيب ولا رقيب":
إن سيارات
المصلحة المخالفة للإرساليات المرجعية..غالبا ما تتحرك، خلال الأنشطة الرسمية
والزيارات الميدانية والتفقدية، مع الموكب العاملي، على غرار بعض مستعمليها الذين
يلازمون المسؤول الترابي كظله. هذا في
الوقت الذي يستعمل ممثل السلطة الإقليمية، محمد الكروج، في خرجاته الرسمية وغير
الرسمية، إحدى عربتيه، سيارة من نوع "مرسيدس"، ذات الترقيم العاملي الخاص "96".
والجدير بالذكر أن السيارات التي لا تتقيد بما نصت عليه مراسلات
وزارة الداخلية، تظل مستوقفة، طيلة أوقات
العمل، من الساعة الثامنة والنصف، إلى ما بعد الساعة الرابعة والنصف مساءا، على جنبات مقر عمالة إقليم الجديدة، غير بعيد عن
مدخلها الرئيسي، من حيث يلج صباح–مساء، المسؤول الترابي الإقليمي الأول.
وما يصدم حقا المتتبع للشأن العام، أن السيارات التي تحمل، في انتهاك صارخ للإرساليات
الوزارية، علامة (دوبل في)، ضمنها
سيارات فارهة (آخر صيحة)، تكون مستوقفة بأعداد كبيرة، بمناسبة انعقاد اجتماعات رسمية
بمقر عمالة إقليم الجديدة.. من الاتجاهين، على جنبات شارعي المقاومة وحمان الفطواكي، اللذين تطل عليهما بناية العمالة، وفي "باركين" وأرض خلاء
بالجوار.
تدخل الوزير لفتيت:
إن خرق تلك السيارات ومن يستعملها ويستغلها، المراسلات المرجعية، ومخالفة القانون الجاري به العمل، يحتم تدخل وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، بحزم
وصرامة، وإيفاد لجنة تفتيش مركزية إلى الجديدة، لإجراء بحث في الموضوع.
كما يتعين على العامل الكروج، ومن خلاله قسم الشؤون الداخلية بالعمالة، أن يتحرك.. وأن يحصر اللوائح المعدنية لتلك السيارات ومستعمليها، وكذلك قوائم بأنواعها وماركاتها المصنفة في خانة السيارات الفارهة (آخر صيحة)، التي قد يكون أصحابها اقتنوها بمبالغ باهضة، من الميزانية العامة، ومن أموال الشعب.. أو سيارات المصلحة التي قد يكون جرى استبدالها من أجل الغاية نفسها، بسيارات شخصية. بحث يقضي بتحديد الأسباب والظروف والملابسات التي عمدوا فيها إلى تغيير لوحاتها المعدنية الأصلية، التي من المفترض والمفروض أن تكون تحمل علامة "ج"، واستبدالها
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة