''كازينو مازغان'' وأسراره التاريخية النادرة.. قمار واغتيال وماسونية !!!
''كازينو مازغان'' وأسراره التاريخية النادرة.. قمار واغتيال وماسونية !!!


لا يعدو أن تكون بقايا كازينو مزغان، من ركام الأحجار وبقايا السواري، عند الجديديين سوى أجزاء  من صخور البحر مطمورة في الرمال، مزركشة بالطحالب والمحار، وملجأ للأطفال لصيد السمك والقنافذ من الحفر، ومنظرا للشباب الرومانسي من أجل التقاط الصور، غير آبهين بأن أقدامهم تدوس على جزء مهم من عمر مدينة الجديدة، يعود تاريخه لأزيد من 97 سنة، يخزن في طياته قصصا وأسرارا خطيرة طمرتها الرمال، وتتلاعب بها الأمواج والرياح.
كانت موسوعة المعارف الفرنسية لمستعمرات ما وراء البحار، في بداية القرن الماضي، ترمز الى منطقة دكالة او لمدينة الجديدة بمعلمة “كازينو مزغان”، على اعتبارها تحفة نادرة في العالم، كما أن عامة المغاربة يذكرون فقط من الجديدة مآثر الحي البرتغالي، المسقاة والمنارة …، ولا أحد منهم يذكر تاريخ “كازينو مزغان” الحقيقي، الذي ميز مدينة الجديدة عن باقي المدن الساحلية المغربية آنذاك، تلك البناية العائمة فوق مياه المحيط، التي كانت تشق الأمواج شقا وكأنك راكب على باخرة “التيطانيك”.
احتضن هذا الكازينو الكثير من الحفلات والأنشطة، العديد من السهرات وعروض الأزياء، شاهدة على أناقة الطبقة الارستوقراطية من عائلات المعمرين الفرنسيين ، وحينما يلج الليل في النهار تبدأ “قهقهات” الزبائن تشق السكون الدامس، وتسافر “طقطقات” رقصة “الطانغو” نحو المشائين على جنبات الرصيف، ممزوجة بروائح الطحالب البحرية العبقة، أما زجاج النوافذ فضيائها يشع كقناديل البحر في الهواء،  لتزيد في جمال المكان بهاء، كل هذه المواصفات جعلت من جزيرة “الكازينو” العائمة سرابا حقيقيا، يسلب انتباه الزائرين من بعيد سلبا.
كان شاطئ مدينة مزغان هو المكان المفضل لذى “المارشال ليوطي”، الحاكم الحديدي للمغرب المحتل، من سنة 1912 الى غاية 1925، فسمى الجديدة آنذاك بمدينة “دوفيل المغربية” نسبة الى “دوفيل الفرنسية” الجميلة سنة 1913، ليزيد ذلك من اهتمام المعمرين في التشييد والتعمير والفضاءات الترفيهية، خاصة على يد مهندس المناظر الطبيعية لإدارة الحماية الفرنسية “مارسيل زابورسكي”، فعلى يده جاءت فكرة بناء الكازينو كما تذكر بعض الروايات.
انبثقت فكرة بناء كازينو على البحر من فكرة كازينو مدينة نيس الفرنسية، المشيد فوق مياه  البحر الابيض المتوسط على “ساحل الازور”  سنة 1882، فوق سواري إسمنتية، قبالة منتزه البريطانيين، كان هذا الكازينو تحفة عالمية ناذرة، إلى أن تم هدمه خلال الحرب العالمية الثانية سنة 1944 من طرف الجيش الالماني، بهدف استعمال معادنه من حديد ونحاس في صناعة الأسلحة.



يعود تاريخ تشييد “كازينو مزغان” الى ما قبل العشرينيات من القرن الماضي، من مادة الخشب،  خاصة وأن خليج الجديدة كان يتميز بهدوء أمواجه مع تواجد الحيد البحري، بعدها تمت إعادة البناية بإضافة سواري وأسوار من الإسمنت المسلح وسط المياه ابتداء من سنة 1925، مع تشييد قنطرة تصل البحر بالبر فوق الشاطئ الرملي، لتشكل امتدادا لشارع “لويس بارتو” الذي هو الجيش الملكي حاليا.
كان “كازينو مزغان” يضم مقهى ومطعم وفضاء للقمار وغرفا للمبيت، تزين حانته “كونطوار” من النحاس الذهبي، وتحتل الكراسي بطاولات لامعة فضاء المطعم، عليها  غطاءات بيضاء مطرزة بالنمط الفرنسي، ومزينة بكؤوس بلورية، وقنينات من نبيذ “بوردو” العنابي، ولهذا السبب كان فضاء الكازينو حكرا على الزبناء الاوروبيين الذين استقروا مبكرا في الجديدة، زيادة على الفرنسيين هناك أيضا الايطاليين والاسبانيين والبريطانيين، بل حتى بعض المعمريين من أمريكا الجنوبية كالارجنتين أمثال عائلات “باليسترينو” التي استقرت بالجديدة قديما.
كان المكان خاصا بالأجانب وضيوفهم من مختلف بقاع العالم، مادام أن “كازينو مزغان” قد كسب شهرة عالمية، وكان بتحفه ورونقه مفخرة للعائلات الفرنسية، فاستضافتها لصديق عزيز بالكازينو يعد قمة في الكرم الحاتمي، أما أهالي مدينة مزغان من المسلمين فكانوا يتحاشون دخول هذا المكان لتفادي شبهة التعاطي للمحرمات كالخمر والقمار.
ترسو بقايا هذا الكازينو الشهير الآن تحت مياه ورمال شاطئ الجديدة، وترسو معها الكثير من  المعلومات والاسرار الغريبة والخطيرة، لا يعرفها كل الجديديين الذين يفتخرون بهذا المكان الغامض.
لقد كان الهدف الأساسي لبناء الكازينو هو لعب القمار المحرم دينيا، وبناؤه فوق الماء جاء من أجل الابتعاد أكثر عن الساكنة المسلمة، نظرا لحساسية المسلمين من لعب القمار، فحتى العائلات اليهودية المزغانية لا تحب تواجد كازينوهات القمار بالقرب من مساكنهم، لأنه محظور في شريعتهم اليهودية.
كما كانت هذه البناية مقرا رئيسيا لتجمعات “الماسونيين”، التي عرفت أوج نشاطها في المغرب المستعمر بين سنوات 20-1925 ، بهدف نشر المذهب الماسوني بين المغاربة، لكن بسبب التعارض السياسي القوي بينهم وبين “المارشال ليوطي”، أسسوا “فدرالية الماسونيين المغاربة” بالجديدة من أجل إنهاء حكمه العسكري بالمغرب وتبديله بحكم مدني، فنجحت هذه الجماعة، انط لاقا من “كازينو مزغان”، في إيقاف أقوى حاكم فرنسي في عهد الحماية، بعد مصادقة “بول بانلوفي” رئيس المجلس الفرنسي على القرار.
كما شهد هذا الكازينو سنة 1953 جريمة بشعة في حق مالكه الحقيقي، وتروي حكايات الكثير من “المزغانيين” بأن صاحب هذا الكازينو الفرنسي الجنسية تم اغتياله من طرف مجهولين، لكن روايات المسنين الجديديين، الذين عايشوا هذا الحادث، تحكي أن ذلك ناجم عن تصفية حسابات مع المدمنين على القمار، والمهددين بالإفلاس وكثرة الرهونات، وهناك من يقول أن ذلك الاغتيال له علاقة بالجماعات الماسونية، أما الطرف الأخير فيقول بأن تصفيته جاءت على يد رجال من المقاومة الجديدية.
جل المصادر تشير الى أن قرار تهديم بناية الكازينو، وإزالتها بصفة نهائية، راجع بالأساس لمشروع بناء فندق “مرحبا”، الذي صممه المهندس الاسباني على شكل سفينة، ولما أكملت الشركة الإسبانية بناء الفندق بالمكان الذي يوجد به حاليا عام 1952، بدأت مباشرة عملية هدم هذه المعلمة السياحية البحرية سنة 1953، حتى لا ينافس مشروع الفندق السياحي الجديد، لتطوى بذلك صفحة أخرى من صفحات تاريخ مدينة الجديدة المنسي.
 
بقلم حسن فاتح  (ذاكرة دكالة)


الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة