في الوقت الذي ينزل فيه الملك محمد السادس، الفنانين مقام
التشريف، ويشملهم، سيرا على نهج والده المغفور له الحسن الثاني، بعطفه المولوي، ويكرمهم بالأوسمة ملكية ورسائل الشكر،
كما فعل جلالته مع الفنانة دنيا باطما، والفنان الصويري.. فإن مسؤولينا باصمة
دكالة، من سلطات إقليمية، وقائمين على تدبير الشأن العام، وحتى الساهرين على
المجال الفني والثقافي، يتنكرون للفنانين،
ولا يعيرون أي اهتمام، لا في الأوقات العصيبة، التي يمرون منها، ولا حتى عند حدوث
مآس وكوارث قد تعجل برحيلهم إلى دار البقاء. ولعل هذا ما يمكن لمسه من حالة الممثل
المسرحي والسينمائي المقتدر، مصطفى الجلبي. حالة إنسانية "لاإنسانية"،
هي وصمة عار على جبين من تقلدوا مناصب المسؤولية، ومن وضع فيهم جلالته ثقته المولوية،
ومن أوصلهم الجديديون إلى قمة هرم الشأن العام المحلي.
إنها حقا فضيحة مدوية، يجب أن يصل صداها إلى الملك
محمد السادس، الأب الحنون، بأن ثمة فنانا من رعاياه الأوفياء، وخدام الأعتاب
الشريفة، الفنان المقتدر، مصطفى الجبلي، الذي لم يبخل قط في الاستجابة إلى نداء
الوطن، وإلى الدعوات التي توجهها إليه السلطات بالجديدة، لأداء أعمال فنية في
المناسبات الوطنية وغير الوطنية. هذا الفنان الذي التهمت النيران جسده وجسد شريكة
حياته، بعد أن اهتز منزله في الحي البرتغالي
(الملاح) بعاصمة دكالة، أمس الأحد، حوالي ساعة عن موعد أذان الإفطار الرمضاني، على
وقع انفجار قنينة غاز من الحجم الصغير. ما ألحق بهما حروقا بليغة، استدعت نقلهما
على وجه السرعة إلى المستشفى الإقليمي بالجديدة.
هذا، فهل يكفي لوحده ظهور مسؤولين من رتب معينة، دون غيرهم من المسؤولين
والمعنيين، في مسرح النازلة، كرئيس الأمن
الإقليمي، أو السلطات المحلية.. رغم أن سبب حضورهم كان هو الهاجس الأمني.. ؟!
ولماذا يكلف المسؤولون لدى السلطات الإقليمية والجماعية، وعن قطاع الثقافة
والفن.. أنفسهم عناء الانتقال، إلى مدينة أزمور، والتهافت على الكراسي الأمامية، لحضور فعاليات مهرجان
"الملحونيات"..؟!
ولماذا لم يكلفوا أنفسهم، ولو من باب "السينما"،
عناء الانتقال إلى المستشفى الإقليمي بالجديدة،
الذي لا يبعد عن مقرات عملهم، وحتى عن إقاماتهم، إلا بمسافة لا تتعدى 10 دقائق، بغية
الاطمئنان، ولو من باب "الرسميات"، على صحة الفنان المقتدر مصطفى
الجلبي، الذي التهمت النيران جسده وجسد زوجته؟!
وما يثير حقا للغرابة والاستغراب، وفي الآن ذاته، للاستياء والاستنكار، أن الضحية وزوجته هما من تكلفا بإحضار سيارة
أجرة من الحجم الكبير، أقلتهما في ظروف صعبة، ممقابل 800 درهم، سدداها من مالهما
الخاص، إلى مستشفى "موريزكو" (20 غشت) بالدارالبيضاء، حيث مازالا يخضعان
للعلاج..!!
فما هو إذن دور المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ومصلحة الشؤون
الاجتماعية بعمالة إقليم الجديدة (..)؟!
فأين أين هي تلك الخطابات والشعارات "المناسباتية" الرنانة،
التي يرفعها المسؤولون، والذين يتسارعون للظهور أمام عدسات الكاميرات، والتقاط
الصور، في المناسبات، وهم يوزعون المعونات..
؟!
ألم تكشف فضيحة الممثل مصطفى الجبلي وزوجته، اللذين تخلى عنهما
المسؤولون، عن زيف تلك الخطابات والشعارات الفضفاضة والجوفاء..؟!
فأين هم المحسنون.. ومن في قلبهم ذرة من الإنسانية، سيما في هذا
الشهر، شهر الصيام والرحمة والغفران؟!
إلى ذلك، فليعلم الجميع أن التاريخ يسجل.. وبالمناسبة، فالرحمة على
عامل إقليم الجديدة الأسبق، محمد الفاسي الفهري، الرحمة عليه في حياته ومماته، بعد
أن أنقذ، سنة 2002، حياة عميد شرطة من موت محقق، إثر إصابته بمرض عضال في الدماغ.
حيث تكلف المسؤول الترابي الإقليمي بإجراء العملية الجراحية في مستشفى الشيخ زايد،
بالرباط، كلفته من ماله الخاص حوالي 250000 درهم.
فالجديديون، وحتى هذا الموظف الأمني الذي أحيل
على التقاعد، والذي كتب له عمر جديد، مازالوا يتذكرون العامل الأسبق، محمد الفاسي
الفهري، الذي بصم بعطاءاته وب"إنسانيته"، مروره من على كرسي السلطة الإقليمية
الأولى، بالطابق الأول من عمالة الجديدة.
هذا، وقد كان للجريدة اتصال هاتفي بالفنان المقتدر، مصطفى الجبلي،
والذي أعرب عن شكره للفنانين المغاربة، الذين كلفوا أنفسهم، أمس الأحد واليوم
الاثنين، عناء السفر في شهر رمضان، من الرباط والدارالبيضاء، وزاروه في مستشفى 20
غشت. وناشد من هذا المنبر الملك محمد السادس بأن يشمله جلالته بعنايته المولوية،
ودعا لجلالته ولأفراد الأسرة العلوية المجيدة بالصحة وطول العمر.
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة