في مغرب الألفية الثالثة.. يحتل إقليم الجديدة مراكز جد متقدمة في الأمية
وجحافل الأميين الذين لا يعرفون القراءة والكتابة، وفي
عدد وفيات الأشخاص بسبب الإصابة بالسعار أو داء
الكلب المرض الفيروسي، الذي ينتقل من الحيوان إلى الإنسان (la rage humaine).
فنسبة الأمية بإقليم الجديدة زادت عن 50%، حسب الإحصاء العام للسكان
والسكنى لسنة 2014. فيما يحتل الإقليم المرتبة الأولى بجهة الدارالبيضاء–سطات،
والمرتبة الثانية على الصعيد الوطني في عدد وفيات الأشخاص بسبب داء الكلب، ب23
حالة وفاة خلال الفترة ما بين يناير 2000 وشتنبر 2017.
فالأمية والوفيات بسبب السعار، وارتفاع معدلاتها المسجلة، مؤشرات غير مشرفة،
تنم بالواضح والملموس عن ضعف التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية، وعن
حقيقة الخطابات والشعارات التي ترفعها السلطات، والمسؤولون الترابيون، والمنتخبون،
والقائمون على الشأن العام، والتي يسعون من خلالها جادين وجاهدين إلى إظهار صورة
"وردية"، هي في حقيقة الأمر مخالفة لحقيقة الواقع المعاش في
المغرب.
والجريدة بصدد إجراء آخر اللمسات على التحقيق الاستقصائي هذا، لقي طفل (12
سنة) من جماعة "حد أولاد افرج"،
حتفه، ليلة أمس الأربعاء – الخميس 16 – 17
يناير 2019، جراء إصابته المحتملة بداء الكلب، بعد تعرضه، منذ حوالي شهر، لعضة
كلب.
وتأتي هذه النازلة المأساوية التي اهتز على وقعها إقليم الجديدة، بعد مضي أزيد
من سنة عن "الأيام الدراسية والتحسيسية
حول محاربة داء الكلب"، التي احتضنتها عمالة الجديدة، في ال28 وال29
شتنبر 2017؛ وتزامنا مع المؤتمر الوطني الرابع الذي تنظمه "الجمعية
المغربية لأطباء وقاية الصحة العامة والمحافظة على البيئة"، الجمعة – السبت
18 – 19 يناير 2018، بكلية الطب والصيدلة بالرباط، والذي من أهم محاوره "محاربة
الكلاب الضالة".
هذا، فإن الوقائع والحقائق التي تعرضها الجريدة في "التحقيق
الاستقصائي"، تدعو حقا للقلق، وتسائل بقوة المسؤولين، كل من موقع مسؤولياته
وواجباته، بغية إيجاد حلول ناجعة واستعجالية.
1/ الأمية بإقليم الجديدة.. أرقام مهولة:
باتت دكالة، أرض العلم والعلماء.. التي أنجبت كبار رجالات الفكر والفقه والفلسفة
والسياسة.. الذين بصموا التاريخ بعطاءاتهم.. من طينة أبي شعيب الدكالي، وعبد الله العروي.. "مرجعا مهينا" في الأمية وجحافل الأميين. هذا ما
يستشف من خطاب معاذ الجامعي، المسؤول الترابي السابق، الذي تربع على إقليم الجديدة
حوالي 7 سنوات، دون أن تشمله في حالة استثنائية، حركات الانتقالات والتعيينات التي
همت الولات والعمال في جهات وأقاليم المملكة، والذي كان يتحدث في حفل رسمي إلى
المسؤولين بالجهة الشرقية، التي عين عليها واليا، شهر يونيو 2017، وأطلعهم
في أول فرصة سانحة أنه قدم من إقليم الجديدة، حيث تزيد نسبة الأمية عن
50%، حسب ما تم التوثيق له
ب"الفيديو".
إن خطاب معاذ الجامعي، رغم كونه تضمن إشارة فيها إهانة لإقليم الجديدة
ولساكنته، ولمنطقة دكالة التي كان المسؤول الترابي، ابن مدينة فاس، يتغنى في
المحافل والمناسبات تحت تصفيقات الرسميين وفعاليات المجتمع المدني بالجديدة، بكونه
ينتسب إليها (دكالة)، يعكس على أرض الواقع حقيقة تفشي سرطان الأمية، وتناسل جيوش
الأميين بالإقليم، الذي تخضع لنفوذه الترابي 27 جماعة ترابية، منها 3 جماعات
حضرية (الجديدة، أزمور، والبئر الجديد،)، و24 جماعة قروية.
هذا، فبعد أن انتقل عدد ساكنة إقليم الجديدة، حسب الإحصاءين العامين للسكان
والسكنى لسنتي 2004 و2014، من 662961 نسمة إلى 786716 نسمة (بزيادة
123755 نسمة)، مازالت نسبة الأمية بالإقليم، بالنسبة للجنسين، الذكور والإناث من
سن 10 سنوات وما فوق، "غير مشرفة".
ووفق معطيات موثقة علاقة بالإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2014، فقد بلغت
نسبة الأمية بإقليم الجديدة، 51.1% في الوسط القروي، الذي
وصلت ساكنته 474441 نسمة (60.30% من عموم سكان
الإقليم)، أي أن 242439 نسمة لا يعرفون القراءة والكتابة. فيما بلغت
نسبة الأمية 20% في الوسط الحضري، الذي وصلت
ساكنته 312275 نسمة، أي أن 62455 نسمة أميون.
وتبعا لذلك، فإن عدد الأميين في الوسطين القروي والحضري بالإقليم، قد
بلغ 304894 نسمة، من أصل عدد السكان الذي حدده الإحصاء العام لسنة 2014، في 786716
نسمة. وقد شكلت نسبة الأمية عند النساء 63.9%، أي أن 146886 امرأة لا
يعرفن القراءة والكتابة.
الأمية + الجهل.. النتيجة الحتمية:
إن ظاهرة استفحال آفة الأمية وتكاثر جحافل الأميين، ينجم عنها حتما تفشي
الجهل. والطامة الكبرى أن يجتمع الأمية والجهل وانعدام الوعي، سيما في ظل سلبية
السلطات والمتدخلين والمسؤولين الترابيين، وعدم تفعيل اختصاصاتهم وصلاحياتهم،
وخاصة فيما يتعلق بحماية الصحة والبيئة والنظافة؛ وانتشار بعض الخرافات
والمعتقدات؛ وغياب حملات التحسيس والتوعية، وعدم قيام هيئات المجتمع المدني بالأدوار المنوطة بها. ما يؤثر سلبا على نمط
الحياة وعيش الساكنة. ولعل هذا ما يفسر ويبرر ارتفاع عدد الوفيات لدى الأشخاص في
المغرب بسبب داء الكلب، والتي بلغت 365 حالة وفاة، في الفترة ما بين سنتي
2000 و2017، أي ما يعادل 20 وفاة في السنة، حسب إحصائيات وزارة الصحة.
2/ الاستراتيجية الوطنية لمحاربة السعار:
تعريف "السعار":
السعار أو داء الكلب، مرض فيروسي يسبب التهاب حاد في الدماغ، ويصيب الحيوانات ذات الدم الحار. وهو بطبيعته مرض حيواني المنشأ، ما يعني أنه ينتقل من
فصيلة إلى أخرى، من الكلب إلى الإنسان مثلاً،
وغالباً ما يكون ذلك عن طريق عضة من الحيوان الحامل لداء الكلب. فهو يصيب الجهاز العصبي المركزي، ما يؤدي إلى إصابة الدماغ بالمرض، ثم الوفاة.
ففور ظهور أعرض الإصابة عند الإنسان، ذكرا كان أم أنثى،
ومن مختلف الأعمار، فإن المرض الفيروسي يفضي إلى الموت، إلا في حالة تلقي
الوقاية اللازمة في الوقت المناسب، والتي تكمن في اللقاح ضد داء الكلب (vaccin antirabique).
ينتقل فيروس السعار إلى الدماغ عبر الأعصاب المحيطية، وغالباً ما تستغرق فترة حضانة المرض وقتا طويلا، حسب
مسافة وصول الفيروس إلى الجهاز العصبي المركزي، والذي بمجرد وصوله إليه (الجهاز العصبي المركزي)، تبدأ
الأعراض بالظهور، ولا يمكن معالجة العدوى، التي غالبا ما تؤدي إلى الوفاة في
بضعة أيام.
وتتجلى الأعراض المبكرة لداء الكلب في الشعور
بالضيق، والصداع والحمى التي تزداد حدة، لتتحول إلى ألم حاد، وفي حركات
عنيفة وتهيّج لاإرادي، والاكتئاب، ورهاب
الماء أو الكلب، والقصور في التنفس. وفي النهاية، تنتاب المريض نوبات من الجنون
والخمول. ما يسفر عن الغيبوبة.
الاستراتيجية الوطنية:
65000 شخصا تعرضوا، سنة 2016،
لعضات حيوانات بالمغرب. وقد خضع 200 ألف حيوان أليف (الكلاب) لعملية التلقيح من
قبل الأطباء البياطرة، وصرفت الدولة 40 مليون درهم للتكفل بالعلاج والتلقيح، سواء
أكانت تلك الحيوانات حاملة أو غير حالمة لداء الكلب، وذلك من باب
الحيطة والاحتياط، لكون جل العضات تكون ناجمة عن حيوانات مجهولة أو غير
ملقحة.
وقد بلغ معدل الوفيات لدى الأشخاص المصابين بداء الكلب بالمغرب، 365
حالة وفاة في الفترة ما بين سنتي 2000 و2017 (بمعدل حوالي 22 حالة وفاة سنويا)،
ورسميا، بمعدل 20 حالة وفاة في السنة، حسب الإحصائيات الرسمية.
وتأتي عضات الكلاب في المقدمة ب94%، ثم القطط ب5%،
و1% (خيول وفئران..). وبالنسبة
للجنس، فقد شكل الذكور 82% من نسبة الوفيات؛ وبالنسبة
للفئات العمرية، فإن 143 حالة وفاة سجلت عند الأطفال دون 15 سنة. ويحتل العالم
القروي المرتبة الأولى في الوفيات بنسبة 77%.
هذا، واعتمدت الدولة المغربية استراتيجية وطنية، الغاية منها الحد على المدى
القريب من داء الكلب، وعلى المدى البعيد، القضاء عليه نهائيا، بالوصول إلى صفر
(00) حالة إصابة. وهي استراتيجية انخرطت فيها وزارة الداخلية، والجماعات
الترابية، ووزارة الصحة، ووزارة الفلاحة (..). إلا أن هذه الاستراتيجية تبقى
نجاعتها في التصدي لآفة المرض الفيروسي جد محدودة، لعوامل منها: عدم
انخراط بعض الجماعات الترابية في هذه الاستراتيجية؛ وعدم تفعيلها للاختصاصات
والصلاحيات الموكولة إليها بموجب القانون التنظيمي رقم: 113.14، المتعلق
بالجماعات، وخاصة فيما يهم الصحة والنظافة والبيئة؛ وعدم الإلمام بداء الكلب
وخطورته، وبالأساليب الوقائية التي يجب اتباعها، سيما في غياب مكاتب جماعية لحفظ
الصحة والنظافة العموميتين، وعدم التوفر على أطباء وأطباء بيطريين، وتقنيين في حفظ
الصحة والنظافة (..)؛ وغياب التكوينات المستمرة لفائدة المتدخلين، والحملات
التحسيسية التي تستهدف المواطنين، من خلال تنظيم لقاءات تواصلية، وتقديم وتنشيط
برامج على التلفزة والراديو، وفي المساجد (خطبة الجمعة..)، وفي المؤسسات التربوية،
وإدراج مواد في المقررات التعليمية لوزارة التربية الوطنية؛ وعدم رسم خريطة
لتتبع المرض الفيروسي، وعدم مراقبة الكلاب الملقحة وغير الملقحة، وغياب إحصائيات
حقيقية تعكس واقع داء الكلب وانتشاره في المغرب (..).
الوفيات بالجهة.. أرقام مخيفة!:
أحدثت جهة الدارالبيضاء–سطات بموجب الجهوية المتقدمة، التي دخلت حيز
التنفيذ سنة 2015. فهذه الجهة التي تعتبر القطب الاقتصادي الأول بالمغرب، بلغت
ساكنتها 6 ملايين و861739 نسمة، حسب الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2014، بعد
أن أصبح نفوذها الترابي يغطي، حسب التقسيمات الإدارية، 16 عمالة وعمالة مقاطعة
وعمالة إقليم، منها عمالات أقاليم مديونة، النواصر، الجديدة، سيدي بنور، المحمدية،
بنسليمان، سطات، وبرشيد.
وعلاقة بوفيات الأشخاص بداء الكلب، تبوأت جهة الدار البيضاء–سطات الصدارة، باحتلالها المركز الأول على
الصعيد الوطني، ب82 حالة وفاة في الفترة ما بين سنتي 2000 و2017. واحتل
إقليم الجديدة المركز الأول بهذه الجهة، ب23 حالة وفاة خلال الفترة المحددة،
ما يفوق ربع (¼) الإصابات المسجلة بجهة الدار البيضاء–سطات. وبالجهة
ذاتها، يأتي إقليم سطات في المركز الثالث وطنيا، ب22 حالة وفاة.
وبالمناسبة، فإن إقليمي الجديدة وسطات التابعين لجهة الدارالبيضاء–سطات، قد
سجلا معا، في الفترة المحددة (ما بين سنتي 2000 و2017)، 55 حالة وفاة لدى الأشخاص
المصابين بداء الكلب، أي ما يزيد بكثير عن نصف الحالات المسجلة في جهة
الدارالبيضاء–سطات، والتي بلغت 82 حالة وفاة؛ وما يعادل عدد الوفيات المسجلة بجهة
الرباط–سلا–القنيطرة (55 حالة وفاة). وهذا ما جعل هطه الجهة الفتية، جهة
الدارالبيضاء–سطات، التي مركزها العاصمة الاقتصادية الدارالبيضاء، تنتزع
بدون منافس المركز الأول على الصعيد الوطني.
وتأتي جهة الرباط–سلا–القنيطرة، ومركزها العاصمة الإدارية الرباط، في المرتبة
الثانية وطنيا ب55 حالة وفاة، منها 25 حالة وفاة بإقليم القنيطرة، و16 حالة وفاة
بإقليم سيدي قاسم. ما يجعل إقليم القنيطرة يحتل المركز الأول وطنيا.
وتحتل جهة مراكش–آسفي المركز الثالث وطنيا ب49 حالة وفاة؛ وجهة سوس–ماسة
المركز الرابع وطنيا ب41 حالة وفاة؛ وجهة فاس–مكناس المركز الخامس وطنيا ب35 حالة
وفاة.
الجديدة.. واقع يدعو للقلق:
بعد أن خرج من رحمه إقليم سيدي بنور، واستقل ترابيا سنة 2009، أصبح
إقليم الجديدة يضم فقط 27 جماعة ترابية، منها 3 جماعات حضرية، وهي بلديات الجديدة
وأزمور والبئر الجديد، و24 جماعة قروية. وفي السنة ذاتها، عرفت عاصمة دكالة توسعا
عمرانيا وترابيا، وكثافة سكانية، بعد أن بات مدارها الحضري يغطي حوالي 10 دواوير
وتجمعات سكنية عشوائية، منها دواوير الطجين، الغربة، الرقيبات، الغنادرة، المسيرة
(..).
وبعد انفصاله عما كان يعرف بجهة دكالة–عبدة، أصبح إقليم الجديدة يخضع للنفوذ
الترابي لجهة الدارالبيضاء–سطات، المحدثة بموجب الجهوية المتقدمة، التي تم تفعيلها
سنة 2015.
هذا، وأضحت عاصمة دكالة عبارة عن سوق قروي، طيلة أيام الأسبوع، بعد أن تنامت
الهجرة القروية، واحتل الباعة المتجولون و"الفراشة" الملك العمومي،
شوارع المدينة وساحاتها وأرصفتها.. التي باتت تغطيها الخيم و"العشاش"،
وتعرف انتشار الأزبال، والعربات المدفوعة والمجرورة بالدواب. وحتى الشاطئ الرملي
للجديدة، أصبح مرتعا تتعايش فيه الحيوانات (الخيول والجمال..) مع الزوار والمصطافين،
في مشهد صار مألوفا.
وباستثناء بعض الحملات المناسباتية، أو التي تفرضها الظرفية، فإن السلطات
بالجديدة والإقليم لا تخضع الأماكن العمومية والتجارية والخدماتية، للمراقبة، من
مجازر الذبيحة التي تنعدم فيها شروط النظافة والصحة، ومطارح النفايات غير المسيجة،
ومحلات وعربات الماكولات السريعة. ما سمح للكلاب العيش في بيئة توفر لها
ظروف الراحة والتناسل والتكاثر الطبيعي والعددي (la prolifération)..
حتى أن موظفة علقت على الوضع المقلق، بكونها تخشى التنقل للقيام بمهامها
الميدانية، مشيا على قدميها بمدينة الجديدة، خوفا ليس فقط من الاعتداءات
الإجرامية، وإنما أيضا من اعتداءات الكلاب الضالة.. التي تمشي على "أربعة
قوائم".
إلى ذلك، فإن حملة الإبادة في حق الكلاب الضالة بعاصمة دكالة، التي تشنها
بين الفينة والأخرى، السلطات المحلية.. لم ولا تجدي نفعا، وهي جد مكلفة من حيث
المصاريف المالية والطاقات البشرية.. وهي أشبه ما يكون بحرب "دون كيشوت على
مطاحن الهوى!". فالمتوخى إيجاد حل ناجع، يضمن القضاء على داء الكلب،
والمحافظة على الكلاب.. فهي حيوانات لها الحق في الحياة، كسائر الكائنات الحية.
حيث إن القضاء على الكلاب، ستكون له انعكاسات غير مرغوب فيها، لكونها تندرج في ما
يعرف ب(la lutte intégrée)، وتحافظ
من ثمة على التوازن في الطبيعة.
وضع داء الكلب.. بإقليم الجديدة:
حسب المصلحة البيطرية الإقليمية، التابعة للمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية بالجديدة (SVP/ONSSA)، فإن حملة التلقيح التي نظمتها برسم سنة 2018، همت تلقيح 103 كلب ضد داء الكلب، بتراب إقليم الجديدة، وتوجيه 124 شخصا على المراكز الصحية (centres antirabiques
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة