تعد البيروقراطية أهم الأدوات التي توصل إليها
العقل الغربي في بناء تنظيمات محكمة ساهمت في بناء الحضارة و الإزدهار و التقدم.
حيث تحول العمل التنظيمي من عمل إرتجالي ضعيف الإنتاج، الى عمل مسؤول واضح يحقق
أكبر مردودية، حيث تم التخلص من العمل الأحادي الشخصي للرجل المستبد، الى عمل
الفريق وفق تخصصات و صلاحيات مضبوطة و مراقبة، وفق برامج و إستراتيجيات واضحة.
حيث تقوم البيروقراطية على
مبدأ الالتزام المرفق بالمحاسبة، و على مبدأ التعامل وفق علاقات غير شخصية، و على
الكفاءة و التخصص، عكس العمل الجمعوي القائم على التطوع و الهواية و ضعف الخبرة...
يهدف هذا المقال الى الوقوف
على أوجه الإختلاف بين العمل البيروقراطي و العمل التطوعي، و محاولة إيجاد توفيق
بين العملين من أجل الرقي بالعمل الجمعوي.
يعتمد التنظيم البيروقراطي
على أسس متينة في الغالب تخالف الأسس التي يقوم عليه العمل التطوعي؛
تعتمد البيروقراطية على
تقسيم العمل و التخصص و الكفاءة؛ حيث يؤدي ذلك الى عدم تداخل التخصصات و عدم تداخل السلط، الذي يؤدي الى
التمكين للكفاءات و عدم هدر الطاقات، حيث يوضع الموظف المناسب في المكان المناسب.
في حين يقوم العمل الجمعوي على التطوع و ليس الإنخراط، و على الهواية و ليس
الكفاءة، و على الإرتجال و ليس التخصص، مما يفقد العمل الجمعوي المردودية و
الإنتاج المرتقب.
كذلك التنظيم البيروقراطي
قائم على التراتبية و التسلسل الهرمي "Hiérarchie"؛ مما يساعد على توزيع السلط و المراقبة و الإشراف على العمل. عكسه في
العمل الجمعوي الذي يقوم على القيادة الناجحة و الكاريزما، و ضعف هذه الأخيرة في
غياب للبيروقراطية يؤدي الى الإختلاف و تضارب الأفكار و الآراء، و بالتالي تضارب المصالح، الذي يؤدي في الغالب الى
إنشقاقات حادة داخل التنظيم الواحد، و الى الفتور و التراجع في الأداء.
كذلك تقوم العلاقة داخل
التنظيم البيروقراطي على أساس غير شخصي؛ حيث يتم التمييز بين الشخص و بين الوظيفة الموكلة
إليه، حيث يساعد هذا الأخير على القطع مع المحسوبية و الزبوينة و القطع مع الشطط
في إستعمال السلطة. أما في العمل الجمعوي فالعلاقات شخصية بالدرجة الأولى قائمة
على الإستقطاب و ليس الإنخراط؛ علاقات بين الأعضاء و الممونين و علاقات بين
الأعضاء أنفسهم و بين الأعضاء و النشطاء المشتغلين في اللجان، و الذي يحدث داخل
الجمعية نوعا من الأحادية القطبية بين أعضائها، فتجد في الغالب شخصا أو إثنين هم
مركز العلاقات و نواة التنظيم، مما يهدد استمرار الجمعية و أداءها الجيد و
الإشتغال في فريق موحد.
كذلك تقوم البيروقراطية على
الرقابة و المحاسبة؛ الذي يساعد على عدم هدر المال العام و الى الإنضباط و الإنخراط الجيد.
عكس العمل الجمعوي الذي يرفض أي سلطة فوقية سواء رقابة أو محاسبة، و أي شعور بسلطة
فوقية يدفع العضو الى الانسحاب و الإستقالة...
إن ما تقوم به البيروقراطية
من ضبط و رقابة و إنخراط و تكوين للموظفين و العمال و تقوية للخبرات و المهرات؛
يؤدي الى مزيد من الإنتاج و المردودية و بالتالي التقدم و الإزدهار. على عكس العمل
الجمعوي القائم على التطوع بالوقت الثالث، و على ممارسة الهِواية، الموسوم بضعف
التكوين و التخصص. مما يفرض على الجمعيات نوعا من التعاقد الداخلي بين أعضائها
مبني على مشروع واضح و حد أدنى من القوانين و تقسيم للعمل؛ الذي يسمح بتأسيس نوع
من الإلتزام الداخلي بعد التطوع.
عبد الرحيم بودلال: باحث في علم الاجتماع
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة