اغتيال قاسم سليماني ومداخل لمناقشة الحدث
اغتيال قاسم سليماني ومداخل لمناقشة الحدث

 أثار اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني، قائد فيلق القدس قي الحرس الثوري الإيراني والرجل الأكثر إثارة للجدل داخل النظام الإيراني، أثار العديد من ردود الأفعال المتباينة والسجالات داخل الأوساط العربية والإسلامية، وقد تباينت المواقف وتعددت بتعدد المنطلقات وزوايا النظر التي يتداخل فيها العديد من الاعتبارات والمعايير والمنطلقات، غير أن ما نحتاجه لتقديم قراءة متوازنة وموضوعية أن نميز بين ثلاثة مستويات للتحليل والنقاش تتراوح بين العقدي المذهبي، والسياسي والأخلاقي الحقوقي.

1-على المستوى العقدي المذهبي:

ليس بالضرورة ان نذكر أن التشيع مذهب سياسي تحريفي منشق عن الإسلام، لكنه مازال متمسك نظريا بجل أصول الإسلام مع تبنيه لتأويلات تخالف المجمع عليه، والعلاقة بمذاهب الشيعة ينبغي أن لا تخرج عن أصول التعايش والتساكن الواجبة مع كل المؤمنين من أهل الكتاب، ونزيد على ذلك بعدم تكفيرهم وإخراجهم من الملة ما لم يخرجوا أنفسهم منها، وجواز الترحم على فضلائهم ممن لم يسفكوا دما معصوما ولم يجاهروا بالعداء لعامة المسلمين.

2-على المستوى السياسي:

مر المشروع الإيراني الشيعي بعدة منعطفات إذ ظل يحصد التعاطف الشعبي العربي معه بوصفه مشروعا قام على الأصالة الدينية والشرعية الثورية، وكذلك لما يقدمه من دعم مستمر للمقاومة الفلسطينية واللبنانية ضد إسرائيل، ثم بدأت حساباته الطائفية الخاطئة مع تفاهمات إيران غير المعلنة مع الأمريكيين لتسهيل غزو العراق والتخلص من نظام صدام، لكن القاصمة التي كشفت حقيقة المشروع الإيراني هي الانخراط المخزي قي الثورة المضادة لإجهاض الثورات العربية بسوريا واليمن والعراق والتورط في مساندة نظام الاسد بقتل وتشريد ملايين السوريين بدعوى حماية محور الممانعة.

وفي هذا السياق يجدر بالمتتبع أنه لا بد من التمييز بين الشيعة المذهب وإيران الدولة، واستحضار أنه ليس كل شيعة العالم جزءا من هذا المشروع السياسي، رغم أن النظام الإيراني ذهب بعيدا في اختطاف التشيع واحتكار التمثيل الشيعي في العالم من خلال تكريس مرجعية الولي الفقيه الذي ينوب عن الإمام الغائب، ويجسد هذه المرجعية حاليا المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنائي، والتي لا ينازعها سوى بعض المراجع الأقل تأثيرا وأتباعا في لبنان والعراق وعلى رأسهم السيستاني النجفي، كما ينبغي إدراك أن نقد أولوية الأهداف ذات الصبغة الطائفية والقومية التوسعية في المشروع الإيراني على حساب الأهداف الجامعة المشتركة للأمة في المشروع الإيراني لا يعني أن هذا المشروع لم ينطو على إيجابيات ولم يقدم تضحيات سياسية ملحوظة على رأسها الدفاع عن القضية الفلسطينية، بغض النظر عن النوايا، لكنها جهود تضحيات لا ترق لحجم الخطايا المرتكبة في حق البلدان العربية المجاورة وعلى رأسها الخطيئة السورية والخطيئة العراقية، والتماهي مع دور الفزاعة لبلدان الخليج الضعيفة والمنهكة مما قدم لساستها المسوغات للارتماء في أحضان السياسات الأمريكية طلبا للحماية، وهي مسوغات لا يمكن القبول بها على حال.

3-على المستوى الأخلاقي والحقوقي

وبغض النظر عن المستهدف في جريمة الاغتيال، وكونه بطلا قوميا وشهيدا في نظر الإيرانيين ومن يتعاطف مع مشروعهم السياسي، أو مجرما قاتلا في نظر العديد من السوريين واليمنيين وباقي العرب الرافضين للسياسات الإيرانية، فإن طريقة الاغتيال لشخصية عامة داخل بلد عربي ذي سيادة يعد جريمة ووقاحة وإرهاب دولة، لأن طريقة معاقبة الخارجين عن القانون ومجرمي الحرب تتم وفق القانون الدولي وليس بأساليب الاغتيال السياسي على طريقة العصابات الإرهابية، والمطلوب أن تحترم الدول الأعراف الدبلوماسية وأخلاقيات الصراع السياسي ومقتضيات القانون الدولي ولا تكون هي أول من يخرقها.

فاغتيال قاسم سليماني جريمة سياسية لا تقل عن الجرائم التي كان يخطط لها هو نفسه ضد رجال المعارضة السورية وضد قادة حزب البعث العراقي وضد المعارضة اليمنية وغيرهم.

إن خلاصة ما حصل تؤكد نهاية الزواج الأمريكي الإيراني في العراق، والمطلوب أن تقوم إيران بمراجعة وتقييم شامل لسياساتها وأولوياتها في التعامل مع الشعوب العربية الإسلامية، وأن تدرك أن عمقها الحقيقي هو العالم الإسلامي رغم الظروف الصعبة التي تعيشها شعوبه سياسيا واقتصاديا، وأنه لابديل عن مشروع الأمة الجامع الذي تذوب فيه كل النزوعات الطائفية لصالح القضايا والأهداف المشتركة.


الدكتور فؤاد بلمودن / أستاذ جامعي بكلية الآداب و العلوم الإنسانية بالجديدة


الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة