ذكريات عن ''الكيران'' والمحطة الطرقية بمدينة الجديدة
ذكريات عن ''الكيران'' والمحطة الطرقية بمدينة الجديدة


ظلت دكالة وكبقية المناطق ببلادنا تعتمد الوسائل التقليدية في تنقلات الأشخاص والبضائع ، إذ  كان الاعتماد بالدرجة الأولى على الدواب ، ولم تحدث الطفرة في اتجاه اعتماد وسائل نقل  إلا بدخول فرنسا إلى  المغرب سنة 1912 ، التي كانت مضطرة لمد الطرق وتطوير المواصلات ، ليس  لسواد عيون المغاربة ، ولكن ذلك كانت تمليه رغبتها في تيسير الوصول إلى خيرات بلادنا وتسريع نقلها نحو البلد الأم 
ومنطقة دكالة هي الأخرى عرفت نزوعا لتطوير وسائل نقلها ، تذكر مصادر من عائلات امتلكت حافلات مسافرين بالجديدة ، أن النقل العمومي بدأ بكيفية ملموسة مع مطلع سنة1920.
بدأ الأسطول بحافلات ليس كما اﻵن ، سرعتها محدودة إذ كانت المسافة بين الجديدة وسطات وطولها 120 كيلومتر ، تقطع في ظرف أربع ساعات أي بمعدل 30 كيلومتر في الساعة ، وهي حافلات كما في الصورة كان يطلق عليها الأهالي آنذاك " رأس الخادم " و" باكير "
وتشغل ب" المانيفيل "  من صنع فرنسي ، وكانت الشاحنات مشغلة بالفحم " الفاخر " وكان " الكريسون " يتولى زيادة كميات من الفحم طيلة مشوار السفر ، وكانت أيضا مشغلة بالغاز وجين .
ومن العائلات التي امتلكت حافلات لنقل المسافرين يومذاك ، بوشتية والعروصي والنحيلي والحمري وبولقنادل وبوملحة وولد الجزار وفتحي وبلفقير ومازدات والشرقاوي وبن إدريس ، وكانت هذه العائلات هي التي تعد من علية القوم ، وتشكل طبقة أرستقراطية في مجتمع كانت معظم فئاته خاصة بالمدينة من الطبقة الفقيرة .
وعلى سبيل المثال لا الحصر وفي سنة 1920 اشترى " بوشتية " المزداد في 1896  وكان عاملا في البناء من الذين بنوا بنك المغرب سنة 1925 والبريد والمحافظة العقارية والمسرح البلدي بالجديدة ، وكان الناس يلقبونه " المعلم " حافلة نقل مسافرين هي التي تظهر في الصورة ، وكان " الكراج " الذي تنطلق منه بدرب الصوميك ، وكانت تعبر شارع ابن خلدون في اتجاه سطات عبر أولاد افرج 
وبعد وفاته ورث عنه الحافلة ابنه سي بوشعيب بوشتية بن محمد ولد خديجة ، وهو الذي سيترأس لاحقا الدفاع الحسني الجديدي خلال الموسم الرياضي 1959/1958 ، واضحت الحافلة معروفة لدى عموم الناس ب " كار ولد المعلم " وكان ثمن الركوب على متنها درهمان تزيد أوتنقص بحسب المسافة  ، وكما يظهر في الصورة في إحدى رحلاتها إلى مدينة سطات سنة 1920 ، ان البعض من المسافرين يركبون في الأعلى مع الأمتعة والدواجن ، وذلك راجع لسببين ثمن التذكرة الرخيص ثم في بعض الأحيان الضغط على الحافلة خاصة في فصل الصيف .
ورغم قلة حوادث السير في ذلك الوقت كان الناس يثقون في بعض " السواق " شايفورات ومنهم آنذاك غراب وولد العكدة وموسى الهايج وموسى ولد برشيد ، ويرفضون السفر مع سواق آخرين .
في بداية عهد الجديدة بحافلات نقل المسافرين لم تكن هناك محطة طرقية كما اضحت تفرضه الحاجة اليوم ، بل كانت كل حافلة لها " كراج خاص بها ، فحافلات بوشتية بدرب الصوميك وحافلات بلفقير في المكان الذي تحول اﻵن إلى مقهى " بالميي " قبالة المحافظة العقارية وحافلات بوشريط قرب مسجد الباشا حمو ومنها جاءت تسمية شارع بوشريط قبل أن يحمل فيما بعد شارع محمد الزرقطوني وحافلات ولد الجزار بشارع الحسن الثاني قرب مارشي النصارى .
بينما كانت حافلات مقرها بالبيضاء تمر عبر الجديدة في اتجاه آسفي والصويرة ومنها " الكشاف السريع " و" الصباغ " وكان لأهل المدينة  قصة مع حافلة تأتي من البيضاء بولمان ويسمونها " الكار السلوقي " لأنها تحمل رمز كلب سلوقي في إشارة إلى سرعتها ، لأنها كانت بمحركين اثنين واحد في الأمام وواحد في الخلف ، وكانت تمر ليلا على الساعة الثانية صباحا وتملأ الدنيا صخبا ، وكانت تساعد الناس في رمضان لأنها توقظهم من نومهم لتناول وجبات السحور خاصة في اﻷحياء التي تمر بجوارها وخاصة درب البركاوي ، ودأب الناس كذلك على " تحقيق ساعاتهم " على وقت مرورها المضبوط .
وبزيادة عدد الحافلات بالمدينة بدت الحاجة ملحة  إلى محطة طرقية ، وبالفعل كانت المحطة الطرقية أو كما كان يطلق عليها الأهالي " كارج الكيران " ، وكانت بجوار ميناء المدينة عبارة عن أكشاك صغيرة لأخذ التذاكر ، ومما يحكى من طرائف مرتبطة بذلك أن سينيما " مدام ديفور " كانت قريبة من المحطة ، وأن أحد أهل البادية عندما رأى الناس مصطفين أمامها لأخذ تذاكر مشاهدة أحد الأفلام ، اصطف معهم ولما جاء دوره لأخذ تذكرته سأله " با صالح " أحد أشهر مسيري الدفاع الحسني الجديدي ، " واش بغيتي ورقة بالكون ولا بروميير " أجابه البدوي " بغيت ورقة لأولادعبو " ظنا منه أن السينما هي المحطة الطرقية .
ولازلنا نذكر ونحن صغارا أنه قبل انطلاق أي رحلة على متن حافلات المسافرين ، كان يصعد بعض الباعة ويعرضون منتوجاتهم ومنها نوع من " الكعك " يضم عشرة قطع في شريط من الدوم .
وعلى جوار كراج الكيران نشطت الكثير من المقاهي الشعبية كمقهى تافيلالت والنهضة وسوس ، والمطاعم كمطعم السمك تشيكيطو ومطعم البيضاوي .
وكان أول عهد للمدينة بالفنادق هي تلك التي نشأت بوسط المدينة ، بالقرب من المحطة كفندق بروفانس وبروكسيل وبوردو فرنسا 
وكانت المحطة الطرقية القديمة قرب الميناء شهدت نشوب حريق في حافلة صغيرة كانت تؤمن النقل بين الجديدة وأزمور ، كانت تعرف بالرونو ، وأسفر الحريق عن تفحم ركابها لأنها كانت مشغلة بالبنزين ، وأبوابها كانت مقفلة ولا تفتح إلا عند انتهاء الرحلة .
ولأن الناس الذين كانوا يمتلكون سيارات كان عددهم قليل ، فإن النقل العمومي هو الذي كان يؤمن تنقلات الناس بين المدن والأرياف بنسبة 95 بالمائة ، لم تعد المحطة الطرقية قرب الميناء ، قادرة على استيعاب عدد الحافلات المتزايد ، فقر رأي المسؤولين على تحويلها إلى حي الصفاء في المكان الذي توجد به حاليا ، وكان ذلك سنة 1980 في عهد المجلس البلدي الذي كان يترأسه المرحوم محمد أرسلان الجديدي ، وبعد 40 سنة تقرر أن تحول إلى مكان قرب محطة القطار وتلك الأيام نداولها بين الناس.

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة