هل يمكن اعتبار ما بعد كورونا نهاية الأحزاب المغربية؟
هل يمكن اعتبار ما بعد كورونا نهاية الأحزاب المغربية؟


  عهد كرونا بالمغرب، دفع بالعديد من المهتمين بالشأن السياسي الى تتبع الكيفيات  والممارسات والمواقف والتناولات التي صدرت عن معظم الأحزاب السياسية المغربية، حول تعاملها مع جائحة كوفيد19 ، والخدمات والمهام التي ساهمت بها لتوعية المواطنين والمواطنات، وتحسيسهم بأهمية الانخراط الفعلي والفعال، في مواجهة أخطار وعواقب هذه الجائحة.
 بكل تأكيد، وبإجماع أغلب المهتمين بالشأنين السياسي والتنموي يعتبرون أن هذه الأحزاب  لم تستطع أن تقدم الخدمات الضرورية للمساهمة في تطويق انتشار هذه الجائحة، والتخفيف من حدة تناميها وتطورها وخطورتها وانعكاساتها السلبية على مجتمعنا واقتصادنا وتنميتنا الشاملة، إذ أنها لم تشارك بشكل فعلي وفعال، في مختلف المحطات التي شهدتها مجريات وأطوار هذه الجائحة، ولم تتمكن من تسخير مواردها البشرية والمادية والمالية لمساعدة ودعم الفئات الهشة من المجتمع التي تضررت من تداعيات هذا الوباء، ولم ترق أيضا، الى مستوى المساهمة في تأطير المواطنين والمواطنات، وتوجيههم وتوعيتهم بالشكل الذي يجعلهم قادرين على الالتزام بالتوجيهات الرسمية، والقواعد والإجراءات الضرورية، للوقاية أو الحد من انتشار هذه الكارثة الوبائية، ولم ينخرط جلها كذلك، وبكيفية جدية، في تقديم اقتراحات للحلول والبدائل والسيناريوهات التي يمكن اللجوء اليها للخروج من هذه الانتكاسة الاقتصادية والاجتماعية التي ألمت ببلادنا، وألحقت بجل قطاعاتنا ومجالاتنا الحيوية العمومية والخصوصية، أضرارا جسيمة. فإلى ما يمكن ارجاع ذلك؟ وهل يمكن اعتبار هذا الموقف السلبي راجع بالأساس، إلى كون الانتخابات الجماعية والتشريعية قد اقترب موعدها، وبالتالي ، فإن أي تحرك لهذه الأحزاب في هذه الاونة، قد يفسر بأنه حملات انتخابية سابقة لأوانها، أم أن معظم هذه الأحزاب اعتادت تجميد أنشطتها وأعمالها، طيلة المدة التي تفصل بين الاستحقاقات الانتخابية السابقة واللاحقة،أم أنها لا تريد أن تستنزف مواردها البشرية والمادية وامكانياتها المتنوعة، في مثل هذه الكوارث الوبائية، لتجعل كل قواها وطاقاتها ووسائلها رهن اشارة انتخابات 2021 المقبلة؟
   إن المتأمل في القوانين الأساسية والبرامج والمشاريع والخطط المرتبطة بأحزابنا السياسية يدرك على أن جل هذه الأحزاب تعلن التزامها بممارسة وانجاز المهام والوظائف التالية:
    •تعبئة وتوعية وتأطير المواطنين والمواطنات من مختلف الشرائح والفئات الاجتماعية، بكيفية مستمرة ودائمة، والدفع بهم إلى الانخراط في العمل السياسي والاجتماعي والثقافي النقي، والبعيد عن المصالح الانتهازية الشخصية؛
    • توجيه المناضلين والمنتمين والمتعاطفين معها...والعمل على تكوينهم واطلاعهم وإخبارهم بكل الحقائق والمستجدات والمعلومات التي تعنيهم وتعني خط وتوجه هذه الاحزاب، والسعي إلى استقطاب واجتذاب عناصر بشرية أخرى؛
    • مساعدة المناضلين والمنخرطين على القيام بالمهام والأدوار التي تناط بهم، وتحميلهم المسؤوليات والصلاحيات، والاهتمام بهم، والتعامل معهم بأساليب وقيم الديمقراطية والشفافية والوضوح والانصاف، وفسح المجال للكفاءات والمؤهلات التي تستحق الترقي واحتلال مواقع المسؤولية والقرار؛
    • العمل على تطوير برامجها ومناهجها ومشاريعها وخططها بالشكل الذي يجعلها تساير المستجدات وتستجيب للرهانات وتواجه التحديات وتقاوم الاختلالات والانحرافات، وتتصدى للمشكلات والصعوبات، وتساهم في التحولات والتغييرات والتطورات الايجابية التي ينتظرها مجتمعنا؛
    • انفتاحها الايجابي والتفاعلي على محيطها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، بالكيفية التي يجعلها قادرة على المساهمة في ايجاد الحلول والبدائل للمعضلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية  الثقافية التي تعاني منها بلادنا؛
    • سعيها الدائم لتحقيق التكامل والتلاحم والانسجام والترابط بين مختلف مكوناتها ومسؤوليها ومنخرطيها ومناضليها بالشكل الذي يمكنها من ارساء أسس ومبادئ الديمقراطية الداخلية، والحوار الهادئ والتشاور المثمر.
   بعد عرضنا لأهم المهام والوظائف والأدوار التي من المفروض على أحزابنا  السياسية أن تقوم بممارستها باستمرا، وعلى مدار السنة، وكلما دعت الضرورة الى ذلك، نجد أنفسنا أمام سيل من الأسئلة التي ننتظر من المهتمين بالشأن الحزبي السياسي البحث عن ايجاد أجوبة عنها: لماذا لا تمارس أحزابنا هذه المهام والأدوار بكيفية مستمرة ودائمة ؟ ما الذي يمنعها من ذلك؟ أوليس من  واجبها المساهمة في تأطير وتوعية المواطنين والمواطنات ؟ وكيف أنها لم تنخرط بفعالية، في عملية التصدي لجائحة كورونا التي اجتاحت بلادنا كما اجتاحت باقي بلدان العالم؟ وماذا بقي لهذه الاحزاب أن تقوم به وتمارسه؟ وما الغاية من بقاء تواجدها؟ وهل أصبح دورها الأساس، يكمن الآن فقط، في استجماع قواها ومواردها وامكانياتها لخوض غمار الانتخابات  والفوز فيها بأية وسيلة، حتى وإن تطلب الأمر منها ، اللجوء الى استخدام طرق التوائية وتضليلية وتغليطية؟ ألا يمكن اعتبار وجودها الحالي، بما هي عليه، وبما تمارسه، بمثابة إعلان صريح بموتها ونهايتها، ودعوة واضحة للبحث عن بدائل تعوضها، وتستوعب المرحلة، وتستجيب لمطالب وانتظارات الشعب المغربي بكل طبقاته وشرائحه الاجتماعية؟
   هكذا، حاولنا رسم صورة واضحة للموقف السلبي الذي اتخذته معظم الأحزاب السياسية بالمغرب تجاه مختلف مجريات وأطواركارثة كوفيد19 التي  فاجأت مجتمعنا وهاجمته، ملحقة به أضرارا جسيمة بشرية ومادية ومالية.هدفنا من ذلك، أن نثير الانتباه الى  أن أحزابنا السياسية انتهت صلاحيتها، وانتهى مفعولها. فهل من بديل  بعد انتهاء جائحة كورونا؟
د.عبداللطيف الجابري
أستاذ مكون بالمركز الإقليمي لمهن التربية والتكوين بالجديدة

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة