الورقة التأطيرية
تحظى دراسة الدينامية السكانية بأهمية كبيرة في الدراسات الجغرافية الريفية والحضرية على حد سواء، وغالبا ما يستعين الجغرافي عند تحليل هذه الدينامية بالمقاربة التي تعتمدها جغرافية السكان، والتي تقوم بمعالجة خصائص السكان في إطار علاقاتها المجالية الجدلية (تأثير وتأثر). كما تهدف دراسة الدينامية الديمغرافية إلى وصف تغيرات السكان اعتمادا على الولادات والوفيات والهجرة والتحولات السوسيو مهنية. وفي هذا الإطار، تهدف هذه الندوة إلى إلقاء الضوء على أهم القضايا المرتبطة بالمجال والديناميات السكانية.
إن المتتبع لمنحنى التطور السكاني في المغرب، يستشف عمق الدينامية السكانية. تبرز الإسقاطات السكانية حسب المندوبية السامية للتخطيط أن المغرب عرف نموا سكانيا متزايدا خلال النصف الثاني من القرن الماضي وبداية الألفية الثالثة، بحيث وصل عدد سكانه حسب الإحصاء العام للسكان والسكنى الأخير ما يناهز 34 مليون نسمة، مما أفرز دينامية مهمة طبعت المجال المغربي بكل مكوناته.
اتسم تزايد ساكنة المجالات الريفية بالاستقرار، الشيء الذي جعل السمة الرئيسية للتطور السكاني حضرية بفعل الهجرة الريفية أساسا، وبتحول المناطق الريفية إلى مناطق حضرية، حيث تشير الإسقاطات أن نسبة السكان الحضريين من مجموع السكان ستصل بحلول عام 2030 إلى 67,8 % عوض 60,3 % المسجلة حسب إحصاء 2014. يمكن أن تتسبب هذه الدينامية في الضغط على الموارد وخلخلة التوازنات المجالية للمغرب، الشيء الذي يمكن معه طرح تساؤلات التنمية والتنمية المستدامة بالمجالات المغربية. اقترن تنامي ظاهرة التوسع الحضري في المغرب بالزيادة السكانية واتساع مساحة المدن وتزايد عددها، وهو الأمر الذي يفرز معيقات سوسيو-اقتصادية وإشكالات عميقة في تدبير الأرياف والمدن والمجالات البيحضرية والضواحي، مما يستلزم معه اتخاذ قرارات على مستويات متعددة لمواجهة هذه المشاكل، خاصة مشكل الهجرة من الأرياف نحو المدن، أو بسبب تيارات العودة (الهجرة العكسية) وغيرها من أشكال الديناميات السكانية، وبالخصوص التراقص بين المدينة- مقر عمل، والضاحية القريبة - مقر سكن.
أصبحت الدينامية السكانية وتبعاتها السوسيو-اقتصادية والبيئية، مشكلا مطروحا بحدة لدى مختلف العلوم، فقد اهتم بتناولها المختصون في التخطيط الحضري ودراسة السكان والاقتصاد والخدمات الاجتماعية والبيئية...وغيرها، وبات من اللازم تتبع أشكال تطور السكان في الوسطين الريفي والحضري، والكشف عن العوامل المفسرة له، مع رصد حجم الجاذبية السكانية التي تمارسها المجالات الحضرية على محيطها وكيفية التحكم فيها.
إن تداخل وتعدد الآليات المسؤولة عن الدينامية السكانية، يدفعنا إلى ضرورة النظر إلى الأمور بأبعادها الثلاثة (الماضي والحاضر والمستقبل)، بناء على أسس علمية بهدف مواجهة كافة المتغيرات والمستجدات وخلق بيئة اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية متوازنة داخل إطار عيش ملائم.
وفي هذا الصدد، ومن أجل رصد القضايا والإشكاليات التي يثيرها موضوع المجال والديناميات السكانية، فإن تنظيم هذه الندوة جاء لمعالجة مواضيع تتطرق إلى المحاور التالية:
المحور الأول: المتغيرات الديمغرافية وإشكالية التنمية السوسيو-اقتصادية؛
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة