الاستيلاء على العقارات عن طريق التزوير من الجنحة الى الجناية
الاستيلاء على العقارات عن طريق التزوير من الجنحة الى الجناية


قيمة الأرض الموروثة أو المبتاعة، أو الممتلكة بكل صور التملك القانونية عند كل البشر، قيمة لا تقدر بثمن وارتباط الشخص بها يفوق كل تصور ، حتى قيل بأنه إلى جانب الحق في الحرية ، يعتبر حق الملكية أهم حق فردي يكفله الدستور ( وليام هوارد تافت) وقيل أيضا، أن البياض هو ملكية الأرض ( اورسلاك لوجين ) ، والمغاربة لهم حكم وأمثال  مأثورة ومعبرة تبين مدى تمسكهم بملكية الأرض إلى حدود قد تصل إلى حد التشجيع على الموت في سبيل دفع الاعتداء على ملكية الأرض ، ومنها ( الراجل هو الي يموت على أرضو وعلى ولادوا) وكذلك قولهم بحكمة قد تكون لها معاني شتى وتأويلات كثيرة قولهم ( الي تلف يشد الأرض ) ، ويشكل الاستيلاء على العقارات مشكل ليس وليد السنين الأخيرة بل هو مشكل قديم قدم الزمن، كم سفكت من الأرواح في سبيل  أجل الدفاع عن حقه، وكم من الرجال والنساء سجنت كذلك من أجل ذلك، وكم من مثلهم قُتلوا وسُجنوا وهم يحولون أو بعد هضم حقوق غيرهم في ملكية أرض.
ونظام التحفيظ العقاري في العالم وُجد لكفالة حماية مستدامة للعقار المحفظ، وفي المغرب حين وضعه المستعمر، كان الهدف الخفي منه هو حماية الأراضي التي يستولي عليها الفرنسيون أو يشترونها بحماية مطلقة لا يمكن بعدها لأي كان أن يدعي حقوقا عليها، إلا ضمن وفي حدود ما نص عليه قانون التحفيظ العقاري، ولكن نظام التحفيظ العقاري الذي أوجد المستعمر كان الهدف المعلن والنبيل في مرماه هو تسييج الأراضي قانونيا، لكي لا يتم الاستيلاء عليها بأي شكل من أشكال الاستيلاء التي كانت معروفة.
وبحكم أن بعض المتلهفين على الاستيلاء على حقوق البعض العقارية، يلجؤون إلى تزوير العقود الرسمية التي كانت تحرر لدى السادة العدول أو الموثقين، أو يعمدون إلى تزوير بعض العقود العرفية التي يتم المصادقة عليها لدى السلطات المحلية، وكانت تنقل الملكية من مالك حقيقي إلى مستول عليها عن طريق التزوير.
كانت نوص القانون الجنائي الذي عرف تحولات بطيئة جدا، لمحاربة هؤلاء المجرمين الذين يستولون على ملكية العقارات وأملاك الغير باحتراف التزوير.
وحتى سنين قليلة كنا نعرف نوعين من التزوير في ملكية العقارات التي تمس العقارات، فكان الجرم المترتب عنها إما يتخذ وصف تزوير رسمي ويعتبر جنايات ويحاكم مرتكبوه أمام غرفة الجنايات، ويكون حين يقع التزوير بواسطة وثيقة مزورة محررة من طرف العدل، أو من طرف الموثق.
ويمكن أن يتصف التزوير الذي يمس ملكية العقارات بوصف الجنحة، ويحاكم مرتكبوها أمام المحكمة الابتدائية كلما تعلق الأمر بالتزوير في العقود العرفية والتي تكون موقعة من طرف الأشخاص فقط حتى دون المصادقة عليها أو بعد المصادقة عليها.
واستمر الأمر كذلك باعتبار التزوير الذي يمس عقود ملكية العقارات قد يكون جناية أو جنحة حسب محرر العقد، فإذا كان محرر بواسطة عدل أو موثق اعتبر التزوير اللاحق به جناية، وإذا كان محررا وموقعا بين أطرافه فقط كان الفعل جنحة فقط.
وبعد انتشار الاستيلاء على العقارات عن طريق التزوير والذي كان أغلبه يكون في المحررات العرفية وكان تجريمه فقط يكتسي صبغة الجنحة التي قد لا يعتقل صاحبها في حالة المتابعة ـ، وكانت التزوير في مثل هذه المحررات العرفية يمكن أن تكون نتيجتها وضع اسم شخص مستولي على عقار محفظ مهم قيمته المالية تُعد بالملايير مكان مالك حقيقي لا علم له بالتزوير الذي مس ملكه عن طريق عملية بيع وشراء مزورة، مالك حقيقي لم يفوت ملكه لأي شخص في يوم من الأيام. فيضيع عقاره وقد يدخل في متاهات المحاكم التي قد لا تنتهي في صالحه، خصوصا وأنه يكون أمام عصابات منظمة ومدربة تقوم بعد البيع الأول المزور بوقت وجيز وتسجيله في الرسم العقاري، بتعويم للبيع المزور الأول عن طريق بيعه أو إجراء عدة بيوعات عليه، وقد يبيعون العقار لأشخاص حسني النية بملايين الدراهم، دون أن يكونوا مالكين حقيقيين للعقار بل يملكون فقط مفاتيح التزوير الذهبية والتي كانت تدر على هذه العصابات أموالا بدون عدد.
وبعد أن أصبح سوق الاستيلاء على عقارات الغير بالتزوير في العقود العرفية ، وأزكمت رائحته الأنوف وأصبح ضحاياه يخرجون إلى العلن في مواقع التواصل الاجتماعي ، ونقلوا معاناتهم وآلامهم من مكاتب المحاكم إلى محاكم الشعبية التي تعج يعج بها الأنترنت ، وبعد تناسل وتكاثر الشكايات عن أفعال إجرامية سرقت  أملاك المغاربة خفية عن طريق التزوير، استفاق المشرع المغربي متأخرا بشكل كبير ليقرر في شهر نونبر من سنة 2011 وضع مادة جديدة في مدونة الحقوق العينية وهي المادة 4  تنص على أنه يجب أن تحرر- تحت طائلة البطلان - جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية أو بإنشاء الحقوق العينية الأخرى أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها وكذا الوكالات الخاصة بها بموجب محرر رسمي ( أي عن طريق الموثق أو العدل ) ، أو بمحرر ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض ما لن ينص قانون خاص على خلاف ذلك.
يجب أن يتم توقيع العقد المحرر من طرف المحامي والتأشير على جميع صفحاته من الأطراف ومن الجهة التي حررته.
تصحح إمضاءات الأطراف من لدن السلطات المحلية المختصة ويتم التعريف بإمضاء المحامي المحرر للعقد من لدن رئيس كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية التي يمارس بدائرتها.
ولكن هذه المادة تم التنصيص في القانون المضمن به، أنه لن يتم العمل بهذه المدونة والمادة إلا بعد ستة أشهر من نشرها بالجريدة الرسمية، وبما أن النشر بالجريدة الرسمية كان في 24 من شهر نونبر 2011، فهذا يعني أن العمل بهذا القانون والقطع مع العقود العرفية التي كانت تتم بين الأطراف ويُصادق على توقيع أطرفه لدى السلطات، منحت له فترة راحة قانونية، ومنح لمن كانوا يحبذون إبرام عقودهم بهذه الطريقة مهلة استرحامية من طرف المشرع، ليستمروا في إبرام عقودهم وتسريه المؤجل منها قبل انتهاء مدة الستة أشهر. حتى علق على الأمر بعض الظرفاء وقالوا، أن المشرع المغربي حكيم وغير متسرع، ويمنح فرصة للاستدراك والتوعد علة الوضع الجديد، وهو لا يفرق في هذا بين مواطن صالح فالح ومواطن مجرم متوعد، وكان يمكن للمشرع أن يُلجم لسان مثل هذه التعاليق بالتنصيص على أنه يبدأ العمل بالمادة 4 من مدونة الحقوق العينية بمجرد نشرها في الجريدة الرسمية كما يفعل مع الكثير من القوانين. 
وبدأ العمل بالمادة 4 من مدونة الحوق العينية في أواخر شهر ماي 2012، وأصبحت العقود العرفية التي كان يُصادق على توقيعها في الجماعات في خبر كان.
وصدرت التعليمات الى رؤساء الجماعات بعدم المصادقة على أي بيع يتعلق بعقار لا يتم وفق مقتضيات المادة 4 من مدونة الحقوق المدنية، وأصبحت هذه الجماعات تصادق فقط على توقيعات أطراف العقد الذي يكون محررا من طرف المحامين المقبولين لدى محكمة النقض.
والعقد المحرر من طرف المحامي لا يعتبر عقدا رسميا بصريح المادة 4 من مدونة الحقوق العينية، ولكنه يسمى عقدا ثابت التاريخ.
ولكن شهية واجتهاد محترفي التزوير لا تخفت ولا تضعف، فقد بدؤوا ينشطون في عقود لم ينتبه إليها فلاسفة المادة 4 من مدونة الحقوق العينية ومنظري الفصل 2 -359 من القانون الجنائي، وبحكم علاقة القرابة الكبيرة والقديمة التي جمعتهم بالعقود العرفية المحررة  والتي يصادق على إمضاء أطرفها في الجماعات، فكروا بعمق ودهاء أجرامي فطري، ليبدؤوا في  معازة نشاطهم الإجرامي انسجاما مع النوص الجديدة بمفتاح إجرامي يتكأ على وسائل قديمة ومتيسرة ، فبدؤوا يبرمون وكلات مزورة خاصة لبعض مساعديهم في الاجرام لبيع العقارات الخاصة بأصحابها دون علمهم ودون أن يوكلوا أي أحد، وتتم المصادقة عليها لدى الجماعات، وموظفوا الجماعات كما هو معلوم غير مسؤولين عن مضمون الوثيقة بل يتأكدون فقط من صحة توقع أطراف الوكالة، وليست لم الإمكانيات الكافية لكشف وسائل التزوير الماكرة التي يستعملها هؤلاء لعدم انكشاف أمرهم أمام موظفي الجماعات،  وهذه المرحلة تكون مبنية على توكيلات لبيع العقارات يكون ساسها مزورا، لتبدأ العملية الثانية التي تكون أمام الموثقين أو العدول أو المحامين، وتكون صحيحة وسليمة ولكن مع الأسف تكون مبنية على وكالة مزورة . فبدأ من جديد مسلسل إجرام عصابات الاستيلاء على عقارات الغير بالتزوير ينتعش ويحيى بعد أن تم تضييق الخناق عليه. ليظهر الضحايا من جديد، ويتم اكتشاف لعبتهم الإجرامية الجديدة، ليتدخل المشرع المغربي مرة أخرى في رتق خفيف وسريع لبكارة المادة 4 من مدونة الحوق العينية التي هتكها هؤلاء المجرمون الدهالقة، ويتدخل المشرع المغربي سنة 2021 ويغني المادة 4 بجعل كل التوكيلات المتعلقة بنقل الحوق العينية يجب أن تكون بنفس طرق المادة 4 ، أي يجب أن تكون بواسطة موثق أو عدل أو محامي مقبول لدى محكمة النقض ، ليسد المغربي العين الاجرامية التي فتحها هؤلاء المجرمون، وكان معينها يبدأ من الجماعات. ونصت المادة 4 ه بمقتضى المادة الفريدة من القانون رقم 69.16 الصادر بتاريخ  30 غشت  2017، ونشر  بالجريدة الرسمية عدد 6604 بتاريخ 14 سبتمبر 2017، ص 5068  على ما يلي (يجب أن تحرر- تحت طائلة البطلان - جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية أو بإنشاء الحقوق العينية الأخرى أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها وكذا الوكالات الخاصة بها بموجب محرر رسمي، أو بمحرر ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض ما لن ينص قانون خاص على خلاف ذلك.
ليبدأ مشكل قانوني آخر أخطر يتعلق بالتزوير الذي قد يمس العقود التي يحررها المحامي  أو الوكالات العرفية ويتبين أن المشرع حين أوجد المادة 4 لمحاصرة التزوير الذي كان يمس العقود العرفية، أصبح أمام مشكل أعمق وأخطر ، فإذا كان التزوير الذي يمس العقود المحررة من طرف الموثقين أو العدول يعتبر جناية  لأنه عقد رسمي، وكل تزوير يمس العقود الرسمية يعتبر جناية، ويحاكم مقترفوه أمام  غرفة الجنايات ، فإن العقود أو الوكالات المحررة بواسطة المحامين المقبولين لدى محكمة النقض، والتي قد يقترفها المحامي نفسه هي ليست بعقود رسمية بصريح القانون ، بل هي عقود ثابتة التاريخ فقط ، وظهر اختلاف كبير بين المختصين ورجال القانون والقضاء، هل التزوير الذي كان يمس العقود والوكالات  الذي يحررها المحامون تعتبر تزويرا في محررات رسمية بحكم أن رئيس كتابة الضبط يضع تأشيرة المحكمة الرسمية عليها أم أنها مجرد عقود عرفية، لأن رئيس كتابة الضبط يتأكد فقط من المحامي محرر العقد فقط وهل تتوفر فيه صفة مقبول لدى محكمة النقض. واتجه العمل القضائي بصفة عامة إلى اعتبار التزوير الذي يمس العقود المحررة من طرف المحامين المقبولون لدى محكمة النقض هو تزوير في محرر عرفي ويحاكم مقترفوه أمام المحكمة الابتدائية فقط باعتبار الفعل الجرمي جنحة وليس جناية.
لتبدأ ظاهرة جديدة وخطيرة  بعثت الأمل والحياة في ممتهني التزوير، ومحترفيه وبدِؤوا يتوجهون لمكاتب بعض المحامين الذين يحررون هذه العقود والوكالات الخاصة ببيع العقارات، وكان أغلب هؤلاء المحامين لا يعلمون بأمر هذه العصابات وخططها الجهنمية للاستيلاء على بالعقارات فيقعون في شرك شباكهم، ويحررون عقودا ظاهرها أبيض لا لبس فيه وصحيح لا مرض ينخره ، ولكن دواخله مزورة ومريضة وأطراف العقد فيه، مجرمون يلبسون حلل المالكين الحقيقين وهم ليسوا كذلك ، وغالبا ما كانت هذه العمليات تمس عقارات محفظة  ثمنها يُقدر بالملايير، فيسجل العقد المزور المحرر من طرف المحامي، وبعد تسجيله بقليل يتم بيعه لأشخاص حسني النية أو متواطئين، وهي علاقة تكون بين البائع الذي استولى على العقار بالتزوير ومشتري آخر قد يكون شخص ذاتي أو شركة  ويكون من الصعب جدا أن تعرف خبايا العلاقة بين البائع المزور والمشتري منه، هل هي علاقة بين بائع مزور ومشتري يعلم حقيقة التزوير وسيء النية أم مع مشتري حسن النية لا علم له بأمر التزوير، وبعد عملية البيع لعقار محفظ يتم الاستيلاء عليه بالتزوير، كانت هذه العصابات التي تنشط في هذه العمليات تربح ملايين الدراهم بدون أن تخسر الكثير.
لتتعالى الأصوات محتجة كيف للعقود والوكالات المحررة من طرف الموثقين والعدول إذا مسها التزوير يعتبر الفعل فيها جناية، والعقود المحررة من طرف المحامين إذا مسها التزوير تعتبر جنحة، معتبرين أن هناك تمييزا بين المهنيين، وأن القانون متحيز للمحامين بشكل فاضح، معتبرين أن الآثار المدنية التي تترتب عن هذه العقود سواء حُررت من طرف العدول أو الموثقين أو المحامين تعتبر واحدة، ولكن آثارها الجنائية والمسؤولية الجنائية فيها تفرق بين الفعل حين يرتكب من طرف موثق وعدل، وتعتبره جناية وحين يقترف من طرف المحامي يُعتبر جنحة فقط، معتبرين أن هناك نوع من الا مساواة في المسؤولية الجنائية بخصوص  مقترفي الفعل حين يتعلق الأمر بالمحاسبة الجنائية، وأن هناك تخفيفا على المحامين ، وتشددا واضحا مع الموثقين والعدول 
فتدخل المشرع المغربي في مارس 2019 هذه المرة ليجري جراحة تعزيزية لفصل جديد للقانون الجنائي تم الإعلان عنها ونشره بالجريدة الرسمية عدد 6763، ويتم تعزيز الهيكل العظمي الجنائي المغربي بضلع جديد وهو الفصل 1 – 359، لينص على ما يلي (استثناء من أحكام الفصل 358 أعلاه، يعاقب بالعقوبات المقررة في الفصلين 352 و353 من هذا القانون، كل محام مؤهل قانونا لتحرير العقود الثابتة التاريخ طبقا للمادة 4 من القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية، ارتكب أحد الأفعال المنصوص عليها في الفصلين المذكورين).
ويعتبر فيه أن التزوير الذي يمس العقود المحررة من المحامين يعتبر تزويرا كالتزوير الذي يمس المحرر الرسمي، ليصبح الفعل جناية متى ارتكبه المحامي كذلك، ليساوي المشرع بشأن المسؤولية الجنائية بين الفعل المرتكب من كل المسموح لهم بتحرير العقود قانونا، ويصبح الفعل وجرم التزوير جناية مهمة كانت صفة مرتكبه.
بعد هذا التعديل، أصبح فعل التزوير الذي يمس العقود المتعلقة بالأراضي كيفما كان محرره يعتبر جناية، وأعدم المشرع جنحة التزوير في العقود  والوكالات المتعلقة بالعقارات واعتبر كل فعل يقع عليها جناية يحاكم مرتكبوها أمام غرف الجنايات، وهو توجه سليم وقانوني وعادل ، فمن غير المقبول أن يستمر اعتبار التزوير الذي  يمس العقود المحررة من طرف المحامين جنحة  كلما تعلق الأمر بالمسؤولية الجنائية وتعتبر آثاره القانونية المدنية كآثار المحرر رسمي، رغم أن فعل التزوير هذا يمكن أن تترتب عليه أضرار مادية فادحة وخسارة كبرى للمالكين الحقيقيين الذي تم الاستيلاء على عقاراتهم بعقود محررة من طرف محامين، وكان الفعل فيها يعتبر جنحة فقط، وقد لا يعتقل أصحابها وقد تصدر ضدهم عقوبات قد تكون موقوفة التنفيذ رغم أن الفعل المقترف خطير جدا والأضرار الناتجة عنه قد تكون فادحة ومؤلمة جدا.
وبهذا التعديل الذي جعل الجنحة في تزوير العقود التي تمس العقارات تموت ويصبح كل فعل جرمي يمسها يعتبر جناية، ضيق المشرع المغربي الخناق بشكل نسبي على بعض محترفي التزوير والعصابات التي تنشط فيه.
لكن والمناسبة شرط  كما يقال،  كما تلقينا بارتياح كبير إعدام الجنحة في الفعل الجرمي الذي يمس العقارات تلقينا بغرابة كبيرة التعديلات التي مست العقوبات التي يتم إنزالها على مرتكبي التزوير، وخففت منها وجعلتها مطلقة تهم كل حالات التزوير التي تمس العقارات كيفما كانت، دون أن تجعل لها على الأقل محددات بحسب نوع الأضرار التي أصابت المستولى على عقاراتهم بالتزوير، فقد تم تعديل القانون الجنائي ونشر في الجريدة الرسمية  عدد 6763 في 25 مارس 2019 بمقتضى القانون رقم 33.18 ، وتم تعديل الفصل 352 من القانون الجنائي المغربي، ومس التعديل بالخصوص عقوبة جريمة التزوير في المحررات الرسمية     حيث إنه بعدا أن كان هذا الفصل يعاقب مرتكب التزوير في محرر رسمي  بعقوبة من عشر سنوات إلى السجن المؤبد نتناول التعديل العقوبة وخفضها ، وجعلها تكون بين سنتين في حدها الأدنى وعشر سنوات في حدا الأقصى وغرامة من 10 ملايين سنيتم إلى 20 مليون سنتيم ، وهذا يعني أن المحكمة إذا ما متعت مرتكب التزوير في محرر رسمي يمكن أن تنزل بالعقوبة في تزوير محرر رسمي عن سنتين، وهذا يعني أن محرر العقد المزور والأطراف المزورة معه، يمكن يستولوا على عقار يساوي الملايير، وتبيعه وتربح الملايير من بعد تزوريه وبيعه، وبعد محاكمتهم يمكن أن تكون العقوبة سنتين إذا لم تمتعهم المحكمة بظروف التخفيف، أما إذا متعتهم فيمكن أن تهبط العقوبة إلى مدة غير معقولة في مثل أفعال كهذه.
وإذا كان أمر هذا التعديل قد يكون مقبولا ومستساغا بالنسبة لبعض من يقترفون التزوير في محررات رسمية، وتكون النتيجة هي أضرار بسيطة أو أموال قليلة جدا، ويكون من القسوة جدا أن تكون عقوبتهم  بين العشرة سنوات والسجن المؤبد، فإن الأمر بالنسبة لمن يقترفون التزوير من أجل الاستيلاء على العقارات وتكون غنيمتهم كبيرة وخسارة المالكين الذين اغتصب ملكهم بالتزوير فادحة، كان على المشرع المغربي  أن يستثنيهم من أمر التعديل،  ويخص التعديل بمقترفي التزوير في المحررات الرسمية الذي تكون نتيجته وأضراره بسيطة، ويجعل مثلا القيمة المالية للعقار المستولى عليه الذي يتجاوز مثلا خمسين مليونا يعاقب مرتكبوه بين العشر سنين والمؤبد حتى يستمر سيف ردعهم وإيخافتهم من أمر اقتراف مثل هذه التزويرات التي تكون نتيجتها فادحة جدا.
وختاما يجب أن ننبه إلى أن الآلة الاجرامية لمحترفي التزوير ومخها لا تكف عن التفكير لإيجاد الحلول لكل التدخلات التشريعية التي تعالج وتحد من إجرامهم، ولكن سرعة الآلة الإجرامية أكبر وأسرع من التدخل التشريعي، لذلك يجب أن يعمل المشرع المغربي أن يكون في يقظة دائمة ويتدخل بسرعة كبيرة كلما وصل إلى علمه طريقة جديدة ابتكرها محترفوا التزوير. 

الأستاذ رشيد وهابي 
المحامي بهيئة الجديدة.






الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة