عقوبة المجاهرة بالإفطار في رمضان بين الفقه الإسلامي وتشريعات الدول الإسلامية
قد يصاب البعض بالذهول حين يعرفون أن نصوص القرآن والحديث، ليست بهما أية إشارة إلى عقاب المجاهر بالإفطار في رمضان، وهذا جعل الفقهاء يختلفون من حيث الآثار في من يُفطر بسبب عذر شرعي كالسفر أو المرض ومن يفطر عمدا، فمنهم من قال بضرورة أن يؤدي الفدية متى أفطر بعذر شرعي، ومن قال بواجب الكفارة لمن أفطر عمدا متعمدا، وتتمثل في إطعام 60 مسكيناً بوجبتين تكون بمثل ما يأكله المُكفر. ولكن اتفق الكثير من العلماء بما أن الصيام هو الركن الخامس من أركان الإسلام، على اعتبار صيام رمضان يعتبر فريضة، على المسلم أن يلتزم بها، مع استثناء المرضى ومن هم على سفر والمرأة الحامل، وبعض الحلات المحددة من الصيام، ولذلك فالإفطار في رمضان لم يرد عن الخلف أن اقترافه قد يجعل من اقترفه يواجه بعقوبة الحد، ولكن كان بإمكان الحاكم تحديد عقوبات تعزيرية على المفطرين المجاهرين.
ولكن قد نجد بعض الفقهاء الحاليين ممن يعتمدون على الفقه المقاصدي، ( ومنهم الدكتور أحمد الرسوني الذي دعى في ندوة نظمها “مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق” بقطر، إلى إلغاء الفصل 222 من القانون الجنائي الذي يعاقب المفطرين علنا في رمضان) مدعما مع فقهاء آخرين مطالب بعض النشطاء المغاربة الداعين لإلغاء الفصل 222 من القانون الجنائي المغربي. مدعما طرحه بالقول: (لماذا أتدخل فيه (المفطر) وآخذه إلى مخفر الشرطة وأحقق معه وأرسله إلى النيابة العامة؟) .
مؤكدا أن الفصل 222 من القانون الجنائي المغربي الذي يعاقب المجاهر المفطر لا محل له من الإعراب ولا في الفقه الإسلامي ولا في نصوص الشرع، داعيا إلى ترك المواطنين والمجتمع لتفاعلاتهم المدنية التلقائية ولدينهم.
وذهولنا سيكبر أكبر حين نعلم أن أغلب التشريعات الإسلامية لا تعاقب على فعل المجاهرة بالإفطار في رمضان، وأن حتى بعض الدول التي تعاقب على هذا الفعل، ليست لديها نصوص صريحة في معاقبة هذا الفعل، ولكنها تعتمد نصوص عامة لعقاب هذا الفعل، ونستثني فقط تشريعات المغرب والإمارات والكويت التي تنص بشكل واضح وصريح على معاقبة فعل المجاهرة في رمضان في تشريعاتها الجنائية، ولكن الدول الإسلامية التي تعاقب على الفعل سواء كان مجرما بشكل صريح أو باعتماد القياس على فعل آخر مجرم للخروج من شرنقة عدم تجريم الفعل في نصوصها التشريعية التي لا تعاقب على فعل الإفطار متى تم بعيدا عن العين أو في المنزل ولم يُثر باقي الصائمين، ولكن تتدخل هذه التشريعات لعقاب من يُجاهر بالإفطار في رمضان بدون عذر شرعي، كالإفطار في الأماكن العمومية بدون وجود عذر شرعي.
والآن ننتقل للقيام بإطلالة سريعة على بعض الدول الإسلامية التي تعاقب على المجاهرة بالإفطار في رمضان والعقوبات التي تحددها لهذه الجريمة
أولا : الدول التي تعاقب بعقوبات قاسية على الإفطار في رمضان
في جزر القمر والصومال، وفي بعض المحاكم الإسلامية بها، حين سيطرت بعض الجماعات الإسلامية على السلطة فيها، كانت تعاقب على الإفطار في رمضان بعقوبات قد تصل إلى الإعدام، مع العلم أن باقي المناطق في هذه الدول، لا توجد بها نصوص قانونية تعاقب على هذه الجريمة، أما في السعودية فهذه العقوبة يحددها القاضي حسب ظروف كل حالة، وفق ضوابط وقوانين تكون مستنبطة من أحكام الشرع، تتراوح هذه العقوبة بين الجلد، التي يحددها القاضي أو عقوبة السجن ويحددها كذلك القاضي بتنسيق مع وزارة الداخلية واللجنة القضائية أو تنتهي بالإبعاد خارج المملكة العربية السعودية وتكون هذه العقوبة خاصة بغير السعوديين.
ثانيا : الدول التي تعاقب بعقوبات سجنية بشهر أو أكثر على الإفطار في رمضان
المشرع المغربي عاقب على المجاهرة بالإفطار في رمضان في الفصل 222 من القانون الجنائي بقوله (كل من عُرف باعتناقه الدين الإسلامي، وتجاهر بالإفطار في نهار رمضان، في مكان عمومي، دون عذر شرعي، يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة مائتي درهم).
وهذا الفصل، يشترط أن يكون المفطر معروف باعتناقه للدين الإسلامي كشرط وعنصر من عناصر الجريمة، لكي يُطبق عليه هذا الفصل ويتابع ويُحاكم أمام المحاكم المغربية بهذه الجريمة، لذلك فنجد أن بعض المفطرين المجاهرين بالإفطار في رمضان، ممن تمت متابعتهم بهذه التهمة، قد دفعوا خلال محاكمتهم بأنهم غير مسلمين أو أنهم مرضى أو كانوا في سفر من مدينة تبعد عن المدينة التي ضُبطوا مفطرين بها، وأن هذا النص يطبق على المسلمين فقط، كذلك يطلب هذا الفصل توافر عنصر مهم لكي تتم متابعة المفطر في رمضان، وهو عنصر الجهر بالإفطار، أي أن عملية الإفطار لا تتم في مكان مستور بل في فضاء مكشوف، وأن هذا يشكل استفزازا كبيرا لباقي الصائمين، فحق الإفطار بشكل سري كفعل، غير معاقب عليه في القانون الجنائي، ولكن متى تم فعل الإفطار بشكل علني، هنا تتدخل الضابطة القضائية لتجري الأبحاث تحت إشراف النيابة العامة التي يمكنها أن تتابع أو تحفظ الملف بناء على معطيات البحث التمهيدي.
والقانون الجنائي يُجرم فعل المجاهرة في رمضان، لأن القانون الجنائي يجرم كل فعل يمكن أن يحدث اضطرابا اجتماعيا، وبما أن صيام شهر رمضان في المغرب وفي الكثير من الدول الإسلامية له قدسية كبيرة، ويحترم شعائره الصغير قبل الكبير، وحتى من لهم عذر شرعي يفطرون في سرية تامة وبمعزل عن الصائمين، فإن من يخالف هذا السلوك الديني في رمضان ويقوم بالإفطار علنا قد يتسبب في اضطراب اجتماعي متمثل في استفزاز الصائمين، وقد يؤدي التوتر والنقاشات والتنابز الذي قد يقع بين الصائمين والمفطر في رمضان إلى وقوع جرائم نحن في غنى عنها، لذلك كان تدخل المشرع المغربي وباقي التشريعات لكي تجعل هذا الفعل معاقب ويشكل جريمة فيه حكمة كبيرة لحفظ النظام العام.
أما في البحرين فرغم أنه ليس هناك نص صريح يعاقب على فعل الإفطار في رمضان لكن هذا الفعل يتم اعتباره تعرضا للآداب العامة، ويعتبر بذلك القانون البحريني هو أقسى القوانين التي تعاقب المجاهرين بالإفطار في رمضان حيث تنص المادة 208 في فقرتها الأولى بما يلي: ( يُعاقب على التعرض للآداب العامة بإحدى الوسائل المذكورة في الفقرة الأولى من المادة 208 بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات)
أما في قطر فالمادة 267 من القانون القطري رقم 11 لسنة 2004 تُجرم الأكل في نهار رمضان وتعاقب المخالف بالحبس لمدة لا تتجاوز 3 أشهر وبغرامة لا تزيد عن " آلاف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين، ولكن المثير هو أن القانون القطري لم يخص هذه العقوبة بالمسلمين فقط مما يعني أن كل مفطر علنا في رمضان كيفما كانت ديانته، يمكن أن يقع تحت طائلة هذا الفصل.
أما في الأردن حسب الفصل 274 من قانون العقوبات الأردني رقم 16/1960 فيعاقب المفطر المسلم علنا بالحبس لمدة شهر وغرامة مالية بقيمة 25 دينار، كذلك نجد أن القانون العراقي في المادة 240 من قانون العقوبات يعاقب المجاهر بالإفطار خلال شهر رمضان بعقوبة السجن أو دفع غرامة مالية، كما أن عقوبة السجن قد تصل لمدة 6 أشهر كحد أقصى في حين تتراوح الغرامة المالية بين 250 ألف دينار إلى مليونين".
أما في باكستان ففي تعديلات للقانون الجنائي التي كانت سنة 2017، أصبحت عقوبة من يجاهر بتناول الطعام أو التدخين في رمضان تتراوح بين السجن لمدة تصل إلى 3 أشهر بالإضافة إلى غرامة مالية تصل قيمتها ـ500 روبية.
ثالثا : الدول التي تعاقب بعقوبات سجنية تقل عن شهر عن الإفطار في رمضان
نبدأ بالإمارات العربية المتحدة فحسب الفصل 313 من قانون العقوبات يعاقب على الإفطار في رمضان بالحبس مدة لا تزيد عن شهر أو بغرامة لا تتجاوز 2000 درهم لكل من جاهر في مكان عام بتناول الأطعمة أو المشروبات أو غير ذلك من المواد المفطرة، وكل من أجبر أو حرض أو ساعد على تلك المجاهرة ويجوز إغلاق المحل العام الذي يستخدم لهذا الغرض مدة لا تجاوز شهر، وهي بذلك تاكون من بين الدول القليلة التي لا تعاقب فقط المفطر، بل تعاقب كذلك من حرضه أو ساعده أو أجبره على الإفطار، ولا تفرق في العقاب بين المسلم وغير المسلم ويمكن أن تقوم بإغلاق المحلات التي قدمت أكلا للمفطر في رمضان، ولكن قريبا ستعمل الإمارات على معاقبة المفطرين في رمضان بعقوبة العمل لمدة 240 ساعة في خدمة المجتمع. اما في الكويت فحسب المادة 273 من القانون رقم 44 لسنة 1968 فإن المجاهرة بالإفطار أو الإجبار أو التحريض أو المساعدة على تلك المجاهرة في مكان عام تعتبر جريمة يعاقب عليها القانون بغرامة لا تتجاوز مائة دينار وبالحبس مدة لا تتجاوز شهرا، مع جواز إضافة عقوبة غلق المحل الذي يستخدم لهذا الغرض مدة لا تتجاوز الشهرين، والدولة الثانية التي تعاقب بالإضافة الى الإفطار، تعاقب من ساعد المفطر أو أجبر أو ساعده، وتتفق في فعل التجريم والعقاب لامع دولة الإمارات، قبل أن تعمل علة تعديل عقوبة هذه الجريمة.
أما في مصر ورغم عدم وجود نص صريح يعاقب على فعل الإفطار العلني في رمضان
فإن بعد ضبط المفطرين يتم إلقاء القبض عليهم من قبل الشرطة ويتم تقديمهم أمام النيابة العامة، وتقوم الأخيرة بإطلاق سراحهم، بعد متابعتهم بعقوبة الفعل الفاضح في الطريق العام وتناول المشروبات الكحولية في غير الأماكن المخصصة لذلك، والتي قد تصل عقوبتها الى الحبس مدة لا تقل عن 3 أيام، وغرامة لا تقل عن 100 جنيه، ولكن في مصر بيمكن أن يُحكم بالحبس لمدة قد تصل لشهر لمن يفتح مطعما، أو يسهل تناول الطعام جهارا في نهار رمضان.
ثالثا : الدول التي تعاقب بعقوبات أخرى عن الإفطار في رمضان
نجد مثلا أن القانون العماني ينص في المادة 321/10 للقانون الجزائي رقم 7/1974 يعاقب بما سماه العقوبة التكديرية أو الغرامة من ريال إلى خمسة ريالات أو بإحدى هاتين العقوبتين، والعقوبة تمس كل مسلم أقدم على الإفطار علنا في رمضان دون عذر شرعي، والعقوبة التكديرية تعني حسب القانون العماني السجن من أربعة وعشرين ساعة إلى عشرة أيام والغرامة من ريال إلى عشر ريالات، وهذه العقوبات يمكن للقاضي أن يجعلها موقوفة التنفيذ.
ثالثا : الدول الإسلامية التي لا تعاقب على الإفطار في رمضان
في اليمن لا يوجد قانون يعاقب على الإفطار العلني في رمضان، لكن يمكن للشرطة أن تعتقل أي شخص يفطر في رمضان وتتم متابعته بالقيام بفعل فاضح في الطريق العام أو بتهمة ازدراء الأديان.
وفي لبنان كذلك لا يوجد نص قانوني يجرّم الإفطار العلني في رمضان، ولكن غالبية الطوائف المسلمة تغلق المطاعم، ويتم النظر الى المفطرين علنا في رمضان أمام الصائمين نظرة ازدراء، ويعتبر فعلهم غير مقبول اجتماعيا.
كذلك في فلسطين ليس هناك أي نص قانوني يجرم الإفطار العلني في شهر رمضان. لكن في كل رمضان. في الضفة الغربية التابعة لحركة فتح تصدر السلطات لوائح تمنع فيها الإفطار العلني في رمضان وتقوم بتغريم المفطر علناً أو تعمل على توقيفه لفترة قصيرة، وكذلك الأمر بالنسبة لقطاع غزة.
أما في سوريا فليس هناك أي نص قانوني يعاقب على فعل الإفطار العلني في رمضان، وكان القضاة يطلقون من يعتقلون بهذه التهمة بدعوى عدم وجود نص قانوني يعاقب على هذا الفعل، قبل أن يتدخل لوزير العدل السابق السيد مصطفى الزرقا في حديث له مؤكدا ( علمنا أن بعض قضاة الصلح يتهاونون في الدعاوى التي تقام على المفطرين في شهر رمضان وأن البعض الآخر يطلقون سراح المقبوض عليهم بالجرم المشهود بحجة أن لا عقوبة على الإفطار علناً رغم أن القضاء تدخل باجتهادات تعاقب المفطرين في رمضان ) وبعدها بدأت المحاكم السورية في غياب نص قانوني تعاقب على هذا الفعل اعتمادا على المادة 517 من قانون العقوبات التي تنص على ما يلي : ( يُعاقب على التعرض للآداب العامة بإحدى الوسائل المذكورة في الفقرة الأولى من المادة 208 بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات ) .
في تونس أيضا لا يوجد أي نص قانوني يعاقب على فعل الإفطار العلني في رمضان.
كذلك ففي ليبيا وفي جيبوتي ليس هناك أي نص قانوني يجرم الإفطار العلني في رمضان، ولكن هذا الفعل مستهجن عند الليبيين.
أما في السودان فقد كان الإفطار العلني مجرما. ولكن بعد توقيع اتفاقية السلام بين السودان والجنوب سنة 2006، وبعد تغيير القوانين أصبح هذا الفعل غير مجرم.
ونفس الأمر بالنسبة للجزائر فليس هناك أي نص قانوني ينص على تجريم فعل الإفطار في رمضان.
في موريطانيا كذلك ليس هناك أي نص قانوني يعاقب على فعل الإفطار العلني في رمضان.
في تركيا أيضا يعتبر فعل الإفطار غير معاقب عليه في تشريعاتها الجنائية، وتكون كل محلات الأكلات مفتوحة خلال شهر رمضان، ويتم تناول الطعام في واضحة نهار شهر رمضان بدون مشاكل أو قيود.
في أفغانستان حسب علمنا ليس هناك نص قانوني يجرم هذا الفعل، ولكن المفطر في رمضان يتعرض للضرب المبرح.
إذن ما يمكن أن نخلص إليه من خلال مقالنا السريع هذا، هو أن لا القرآن ولا السنة النبوية الشريفة حوت نصوصا صريحة تعاقب المفطرين في رمضان، كما أن أغلب التشريعات الإسلامية لا تعاقب على فعل الإفطار العلني في رمضان، وسلطاتها تغض الطرف عن من يأتون هذا الفعل، لكن هناك بعض الدول التي رغم أن نصوصها الجزائية لا تنص بشكل صريح على تجريم فعل الإطار في شهر رمضان فإنها تستند على تجريم هذا الفعل على نصوص أخرى، وتحدد عقوبات خفيفة على هذا الفعل، ومسلكها في تجريم الفعل رغم عدم وجد نص صريح يعاقب على الفعل في تشريعاتها راجع لاستهجان الفعل من طرف الصائمين ومسه بشعائرهم وشعورهم، واتقاء أن ينجم عن ذلك اضراب اجتماعي يمكن أن تصل حدته إلى وقوع جرائم كرد فعل من قبل بعض الصائمين اتجاه المفطرين.
وتبقى الدول الإسلامية التي تنص تشريعاتها الجنائية بشكل صريح وواضح على تجريم فعل المجاهرة بالإفطار في رمضان هي سبعة دول عربية فقط من أصل خمسة وعشرين دولة، وهذه الدول هي المملكة المغربية والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن وقطر والكويت وعمان، تضاف إليهم دولة باكستان الإسلامية.
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة