الإقصاء القانوني للكتاب العموميين: انعكاسات كارثية على سوق العقارات والبناء العشوائي بالجديدة
في خطوة مفاجئة، قرر المشرع المغربي سنة 2012 ،منح حق تحرير عقود البيع العرفية للأراضي المعدة للبناء والفلاحية ومنازل السكن حصريًا للمحامين المقبولين لدى المجلس الأعلى للقضاء، وهو ما أثار جدلاً واسعًا بين مختلف فئات المجتمع، خصوصًا الكتاب العموميين ومحرري العقود الذين كانوا يشكلون حلقة وصل مهمة في تحرير هذه العقود. هذه الخطوة كان لها تبعات كبيرة على ممارسات السوق العقاري، وأسهمت بشكل غير مباشر في تعزيز ظاهرة البناء العشوائي في العديد من المناطق، لا سيما بمدينة الجديدة.
ارتفاع تكاليف تحرير العقود:
أحد أبرز نتائج هذا التحول القانوني هو الارتفاع الكبير في تكاليف تحرير العقود. إذ أصبح المحامون هم الجهة الوحيدة المخولة بتحرير هذه الوثائق، وفرضوا أسعارًا مبالغًا فيها تتناسب مع القيمة القانونية التي يكتسبها العقد بعد تصديقه. هذا الارتفاع في التكاليف جعل العديد من المواطنين، خاصة الفئات المتوسطة والفقيرة، يواجهون صعوبة في إتمام معاملاتهم العقارية. ومع تزايد التكاليف، بات العديد من المواطنين يفضلون اللجوء إلى الطرق غير القانونية لتوثيق عقودهم، مما يساهم في انتشار البناء العشوائي.
*رفض كتابة الضبط تأشير العقود:
من جهة أخرى، تسببت القوانين الجديدة في تعقيدات إضافية، حيث أصبح من غير الممكن للمواطنين توثيق العقود التي حررها المحامون لدى كتابة الضبط، أو الحصول على تأشيرة المصادقة على التوقيع وختم المحامي. هذا الرفض من قبل كتابة الضبط يعزز من حالة التشويش القانونية التي يعيشها سوق العقارات ويؤدي إلى حدوث فوضى في معاملات البيع والشراء، مما يعقد الوضع أكثر بالنسبة للمديريات المعنية بالتسجيل والضرائب، وعلى الرغم من أن العقود المحررة من قبل المحامين تلقى شرعية أكبر، فإن مديرية الضرائب والتسجيل لا تستفيد بما فيه الكفاية من هذه العقود، بسبب العقبات التي تواجها هذه الوثائق في عمليات التصديق والتسجيل. هذا الوضع يعرقل بشكل كبير أي محاولات لتطوير وتنظيم سوق العقارات، ويزيد من المخاطر القانونية والمالية المرتبطة بها.
انعكاسات الوضع على البناء العشوائي بالجديدة:
بالنسبة لمدينة الجديدة، فقد أسهمت هذه التطورات بشكل مباشر في انتشار البناء العشوائي. إذ يفضل العديد من الأفراد عدم توثيق العقود بشكل رسمي بسبب التعقيدات القانونية والمالية، ما يساهم في تزايد الظواهر السلبية المرتبطة بالبناء العشوائي من خلال تزويد بعض الأشخاص بأراضٍ غير مرخصة أو عقود غير قانونية.
إن حرمان الكتاب العموميين ومحرري العقود من القيام بدورهم في تحرير العقود العرفية للأراضي والبناء الفلاحي والسكني كان له تأثيرات خطيرة على السوق العقاري، مع تداعيات سلبية على عمليات التسجيل، والضرائب، وتنظيم البناء في المغرب. إذا لم يتم إيجاد حلول عاجلة لهذه المعضلة، فإن الوضع قد يستمر في التدهور، مما يضر بالمواطنين ويزيد من تعقيد الأمور القانونية والمالية.
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة