أخي القارئ هب أن فتاة تريدك زوجا لها فتقدمت إليك لتصارحك؟ هل تكبر أو تصغر في عينيك كونها أرادت الاقتران بك؟ فقد جرت العادات أن نتبع ما ألفنا عليه آباءنا وما وجدنا عليه أجدادنا، أن تصارح أنت الفتاة التي ترغب بالزواج منها وليس العكس، ماذا لو أن هذه الفتاة قالت لك أنا معجبة بك وأريد الارتباط بك على سنة الله ورسوله، فماذا سيكون إحساسك وقتها؟ وماذا ستقول؟ وماذا ستفعل؟ و ماهو موقف أهل البنت، وما هو رأيالدين في هذه المسالة؟ وماذا يقول الناس من الجنسين ومن مختلف الأعمار والأجيال؟ دعونا نستوضح الأمر في هذا التحقيق ونستعرض هذه القضية الساخنة التي رغم ندرتها فإنها في تنامي ملحوظ، ابقوا معنا....
تحرير/ محمد الماطي
كنت قبل أسبوع في زيارة خاطفة إلى إحدى المدن، وكان ضمن برنامجي زيارة بعض الحالات الإنسانية وكنت بالموازاة مع ذلك أحاول التقاط بعض من الصور، وفي طريقي بالقرب من احد الدكاكين التي تبيع المسمن والشاي المنعنع طلبت مني إحدى المتسولات أن اشتري لابنها رغيفا، لم أتردد لحظة في قبول الطلب احتساب الوجه الله الكريم، كانت الفرصة متاحة ومناسبة لأن أتوجه إليها بالأسئلة وكان صاحب الدكان شابة في عقدها الثالث وبالداخل شابتين وشاب آخر جميعهم منهمك بتناول المسمن وشرب الشاي، وجميعهم تابعوا بفضول زائد الحوار الذي دار بيني وبين تلك المتسولة الفقيرة وما أن علموا بالمهمة الصحفية حتى انقلوني للحديث عن ظاهرة خطبة بعض من النساء لبعض الشباب والزواج بهم هكذا وبدون مقدمات حكوا لي شهادات وروايات طريفة في الموضوع، وقد يصعب تصديق مثل هذه الشهادات أو اعتبارها من باب المزح ليس إلا بالنسبة إليك أخي القارئ، ولكنها الحقيقة التي يؤكدها جميعهم، وكثيرة هي الحالات التي سمعت عنها وربما قد تنتشر أكثر خاصة أن الشريعة الإسلامية لم تحرم أو ترفض ذلك، فربما كانت الأعراف والتقاليد المغربية والعربية عامة هي الحجرة العثرة في طريق تقدم الفتاة بطلب يد شاب أعجبت به، فقد يعجب الرجل بفتاة في أخلاقها وتدينها وكل شيء فيها فيصارح أهله بذلك ليسير إلى خطبتها والزواج منها وهذا شيء طبيعي،ولكن ما هو مؤكد وأكيد أن هناك الكثير من الفتيات يعجبن بشخص لطيبوبته وأخلاقه أو لمركزه الاجتماعي الخ من الصفات التي تكون حافزا قويا لتتمناه زوجا ولا يستطعن البوح بمكنوناتهن التي تبقى تتصاعد في صدورهن، وبخلاف هذا الطرح يوجد أخريات لا يجدن أي حرج في طلب الزواج من الذي يرون فيه زوجا مثاليا أو صالحا أو حتى زوج مصلحة كما سمعت من مستجوبات كثيرات ، ومع تغيرات الحياة وتبدلاتها بمختلف تجلياتها الاقتصادية والاجتماعية أصبح الأمر ممكنا، تقول رجاء عاملة بأحد المعامل 32 عاما داخل محل بيع المسمن والشاي أنها هي التي بادرت بتقديم طلب الزواج من زوجها حين كان عاطلا عن الشغل وأنها كانت تكدح من اجل سعادتهما وأضافت فما الضير في المسألة خاصة في ضل تنامي ظاهرة العنوسة وقلة فرص الشغل، ـ وكثيرة هي الحالات التي تطلب فيها الفتاة الزواج من شخص أعجبت به في تجاوز مثير لما هو مألوف، أتذكر حين كنت أتابع دراستي بكلية الحقوق بمدينة مراكش في الثمانينيات تقدمت شابة محترمة وبجرأة إلى زميل لها بطلب الزواج منه، وكان هو الأخر على جانب كبير من حسن الأخلاق والسلوك، وبالرغم من صعوبة هذا الاختيار بسبب الظروف المادية التي كان يعيشها كل طلاب الجامعات إلا أنه وقبل تخرجهما من الكلية التي كانا يدرسان فيها اجتمعا تحت سقف واحد وهما اليوم يشتغلان في سلك التعليم و يعيشان بسعادة لا يفسد صفو حياتهما شئ وكان قد رزقا ببنت وهما لا زالا يتابعان دراستهما، ولتسليط الضوء أكثر على هذا الموضوع وسبر أغواره عرضناه في البداية علي أساتذة الدين للتعرف علي رأيهم في هذه القضية.
رأي الدين في هذه القضية
يقول الدكتور احمد العمراني أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة أن الزواج سنة من سنن الأنبياء والمرسلين ، ومباح في شريعة رب العالمين، وهو من أعظم المشاريع التي يجب التفكير فيها من أجل أن يبنى البيت المسلم بناء متينا سليما ، ويعطي الثمار المرجوة منه في الحياة وبعد الممات، لهذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نختار لنطفنا ، فقال " تنكح المرأة لأربع ، لدينها ولحسبها ولجمالها ولمالها، فاظفر بذات الدين تربتيداك".، وإذا قيل هذا في المرأة فمن باب الأولى أن يقال في الرجل ، فكما يختار الرجل المرأة التي ستشاركه حياته ، فللمرأة أن توافق أو لا توافق على الرجلالذي تقدم لخطبتها إن لم تتوفر فيه المواصفات المرجوة، بل يحق لوليها أن يختار لها من يصلح زوجا لها، وكذا يحق للمرأة العاقلة المميزة أن تختار الزوج المناسب لها ،وتقوم بخطبته لنفسها تلميحا أو تصريحا لحفظ دينها وشرفها وعفتها، وقد جاء في الأمثال المغربية :" اخطب لبنتك ولا تخطب لولدك".، وهذا ليس أمرا غريبا ، بل هو من الأمور المعينة والمساعدة على إنجاح الزواج ،فكم من فتاة مثلا يطول بها العمر وهي تنتظر العريس القادم ، فيتأخر ، وحين حضوره ، ولطول عمرها ، وخوفها من العنوسة تقبل به دون شرط أو بحث . وقد ينجح الزواج وقد يفشل ، ففي مثل هذه الحالة لو اتفقت الفتاة مع أخيها أو أختها أو والدتها على أن يختارا من أبناء الحي أو العائلة من يصلح لها زوجا ، ثم قاما بالإلماح له بقبولها وبرغبتها في الزواج به دون تعقيدات أو صعوبات ،فبالتأكيد هو أحسن بكثير من الأمر الأول لو جاءها متأخرا ، ودون أن تعرف عنه أي شي، ولعل بعض الأمثلة من تاريخ الحياة الإنسانية التي ذكر القرآن بعضها ، أو تمثلت في سيرة الصحابة الكرام ، تؤكد هذا الاتجاه الذي بدأ ينتشر وله إيجابياته طالما لم يخالف شرع الله ، ولم يكن القصد فيه غير الزواج، فالقرآن الكريم قص علينا من قصص الأنبياء قصة ابنة شعيب في سورة القصص : قال تعالى :" قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين ".فشعيب لما رأى من أخلاق الرجل وشهامته وقوته وأمانته ، اصطفاه ليكون زوجا لإحدى بناته .ورأى من تلميح ابنته له في قوله تعالى :" قالت يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين "، عمر الفاروق ابن الخطاب مع ابنته حفصة ، حيث عرضها مرة على أبي بكر الصديق ، ومرة على عثمان بن عفان ، فسكتا لأنهما كانا يعلمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكرها ولا يريدان إفشاء سره ثم تزوج بها الحبيب عليه الصلاة والسلام، ولم الذهاب بعيدا عن بيت النبوة ، فهذه خديجة زوجة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، هي من خطبت الرسول لزواجها ، وهي أمثلة كافية للدلالة على أن هذا الفعل محمود إن كان القصد منه بالطبع تحقيق حصانة المرأة المسلمة ، وصيانة عفتها ، وحفظها من الوقوع في الحرام .وتم وفق الشروط والأركان المعتمدة في الزواج.
ماذا يقول الناس؟
تقول السيدة بشرى 30عاما صاحبة محل تجاري في مدينة ازمور: نعم أنا مع خطبة المرأة بنفسها للرجل، أليس هذا جائز شرعا؟ أن أخطب الرجل الذي أحبه وأريفيه الرجل المناسب و لن أتأخر بمصارحته بمشاعري تجاهه فإن قبل فهذا يسعدني وإن رفض أكون قد تأكدت من حقيقة مشاعره وابتعد عن طريقه، وتقول خديجة 22 عاما عاملة: أقول نعم وما الذي يمنع غير الخجل، لا أخفيك سرا أني عشت هذه التجربة، كان قد شغل بالي شابا وسيما وعاطلا عن العمل وتفقنا على الزواج وكنت أنا صاحبة المبادرة ، تقدمت له بطلب يده فوافق فما العيب في هذه أليس أفضل من أن اربط معه علاقة آثمةوكثير ما تخسر المرأة لما يكون لهامعه علاقةخاصة؟ فانا اشتغل واكدح لأساعد زوجي إلى أن يحين الفرج ، بينما تري فتيحة 34 عاما موظفة: أن خطبة الفتاة للشاب جرأة زائدة بل ووقاحة غير مأمونة العواقب، وتضيف: لا أعتقد أن هناك فتاة عاقلة تقبل أن تعرض نفسها على رجل بأن يتزوجها أكيد أنه سوف يقلل من احترامها، ويري شعيب 36عاما العكس ويقول: أن تتقدم فتاة لخطبتي على سنة الله ورسوله فلأنها وصلت لمرحلة من الحب والإخلاص الذي لاتستطيع معه المقاومة ولو وجدت فيها أدنى المواصفات التي أريدها وبخاصة الأخلاق فلن أتردد بالزواج منها، وتقول مليكه 30 عاما شابة عاطلة: أنا أعرف صديقة لي طلب من زوجها هذا الطلب قبل الزواج وكانت هذه البادرة منها وهما الآن متزوجان ولديهم أبناء وكانت تخشي أن يصرخ في وجهها بأنها هيالتي خطبته قبل أن يخطبها ولكن تقول إنه كان في مستوى الطيبوبة والأخلاق، وتري احدي الفتيات المتزوجات انه لايعقل من الفتاة أن تخطب الرجل بشكل غير مباشر أي أن ترسل صديقتها مثلاً لتجس نبضه هل سيقبل الزواج بها أو لا، أما أن تقول له بصريح العبارة أخطبني فهذا غير معقول ولا أعتقد أن أي فتاة عاقلة تقوم بمثل هذاالسلوك، ويقول أحمد شاب من مدينة ازمور: هناك فتيات يخطبن لأنفسهن وقد تزوجن بهذه الطريقة وان اغلبهن تزوجن شبابا عاطل وهن يكدحن اليوم على أزواجهن، وتقول إحدى زهرة 32 عاما موظفة قطاع عام : أري أن خطبة الفتاة لنفسها عادية لكن المجتمع يرفض ذلك بحجة العادات والتقاليد خصوصاً مع تزايد نسبة العنوسة، لو تسمح لي الأسرة بأن أقوم بالبحث عن الزوج المناسب وخطبته لما ترددت، وتقول فتيحة 24 عاما طالبة جامعية: عن نفسي لن أتقدم لرجل ليتزوج مني بطريقة مباشرة ولو قضيت حياتي كلها من غير زواج ولكن سأسعى لذلك بشكل غير مباشر حتى أوفر علي نفسي الإحراج إذا لم يقبل بي الرجلً، ويري الشباب عبد الرحيم 26 عاما طالب بالمدرسة التطبيقية هذه قد تكون شجاعة من الفتيات وقد تكون خطبة المرأة لنفسها خيراً لأنها تريد أن تحصن نفسها، ولكن المشكلة تكمن في كيف يتقبل المخطوب فبعضالرجال قد يرون فيها نزقا ،أما نزهة 16 التلميذة فتقول: أنا ضد الفكرة،لأني أرى انه حين يقع خصام أو شنآن بين الزوج والزوجة وقتها سيقول أنت التي تقدمت لخطبتي وهذا سبب يجعلني من باب الاحتياط أن ارفض مثل هذا النوع من الزواج جملة وتفصيلا، وتقول سمية ربة منزل ومتعلمة 45 عاما: أنا أأيد أن تحيى السنة على أحسن وجه وليس أية عقدة في هذا الباب لكن على شرط أن يكون المخطوب ذا دين وأخلاق عالية يقول صلعم ( زوجوا من ترضون دينه وخلقه)، ويرى الأستاذ شعيب32 عاما: انه يمكن أن يكون في هذا خير خاصة إذا كانت البنت محترمة و اعتقد أني اقبل بهذا الطلب إذا ما لمست فيها ما يجذبني إليها والرسول عليه الصلاة والسلام والمتم لمكارم الأخلاق قد تقدمت له الكثير من النساء المسلمات خاطبات طالبات للزواج فلم يرفض لهن طلب .
و ما موقف الآباء ؟
الكثير من الآباء والأمهات وأولياء الأمور الذين قمنا بطرح هذا السؤال عليهم يؤكدون أنهم لن يوافقوا على ذلك ولن يقبلوا البتة هذا السلوك من ابنتهم لأنه من قبيل الخروج عن المألوف ومخالفة للسائد في المجتمع المغربي الذي هو استمرار للسلوك والمواقف التقليدية المتأصلة ويرفضون كل دعوة للتحلل منها، بل كان بعضهم أكثر تشددا في هذه المسائل فاعتبر أن قدوم البنت على مثل هذا الفعل يعد تفسخا أخلاقيا فيما اعتبره آخرون مجازفة محفوفة بالمخاطر وغير محمودة العواقب ويعزون السبب إلى أن المجتمع المغربي يعتبران الرجل هو الذي يتقدم للمرأة لخطبتها وليس العكس، وبعكس وجهات النظر هاته هناك حالات فتيات واجهن أسرهن بالفعل بخطبتهن لشباب في الجامعة وفي العمل و كان موقف أسرهن ايجابيا مادام الشاب الذي تقدمت ابنتهن للزواج به بعد علاقة زمالة في العمل أو الجامعة شاب متخلق يحترم المرأة ويقدس الحياة الزوجية، كما أن هناك نساء واجهن أسرهن وأرغمنهن عل تقبل الأمر الواقع بطلب الزواج من شاب عاطل أو رجل قصد الزواج ليسلمن من كلام الناس ويصن إعراضهن أو خفن من تأخر قطار الزواج، تقول نادية 36 عاما موظفة قطاع خاص: لماذا يحق للرجل أن يختار من البنات ما يرغب ويشاء ويخطب ويفسخ ويتزوج ويطلق ولا حرج عليه في ذلك ولماذا تؤنب البنت وتوبخ وتعنف حتى أن قالت أنا أريد فلان زوجا، لماذا تفوت عليها فرص الزواج مع انتشار ظاهرة العزوف عن الزواج وارتفاع نسبة العنوسة بسبب مشاكل الحياة اليومية لماذا تقوم الدنيا ولا تقعد إن هي واجهت البنت أهلها برغبتها بالزواج من زميل لها وسرعان ما تهطل عليها الاسئله الغزيرة عن كيفية التعرف بعضهما البعض أو التقائهما،أين ومتى وكيف ولماذا الخ ......
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة