الجديدة مدينة هادئة ونظيفة، يتوافد عليها السياح والزوار من داخل وخارج أرض الوطن على امتداد فصول السنة. لكنه في السنوات الأخيرة و للاسف أصبحت تعاني، ليس فقط من غياب الحدائق و الفضاءات الخضراء، بل أيضا من مراحيض للعموم، تقي المدينة شر التغوط والتبول على أسوارها التاريخية وخلف فنادقها الفاخرة.
رغم أن أحياء عاصمة دكالة وتجمعاتها السكنية ظلت على غرار سكانها، إلى غاية ثمانينيات القرن الماضي، محدودة، فإن انشغالات القائمين على الشأن المحلي العام في ذلك الوقت كانت تهتم كثيرا بجمالية المدينة، وفضاءاتها الخضراء، بالاضافة الى شواطئها الجميلة، بما فيها إقامة المراحيض العمومية التي زادت، عن 20 مرحاضا آنذاك حيث كانت متوزعة بشكل معقلن، على امتداد أهم شوارعها وأحيائها ودروبها.
وكان المكلفون بنظافتها، يعمدون إلى تنقية فضاءاتها الداخلية والخارجية، على مدار الساعة، سيما أنها كانت مربوطة بشبكة الماء والكهرباء. إلا أن هذه المراحيض أصبحت، في السنوات الاخيرة بل و مع مطلع تسعينيات القرن الماضي، عرضة للإهمال واللامبالاة، ما مهد الطريق لإزالتها تدريجيا قبل أن يحكم عليها بالانقراض من المشهد العام لمدينة الجديدة.
أين يقضي الزوار حاجتهم الطبيعية؟
يكاد المرء يصاب بالتلف والهستيريا، وهو يبحث عن مرحاض، لقضاء حاجته الطبيعية الطارئة في مدينة من حجم الجديدة، مدينة عرفت إقلاعا اقتصاديا وصناعيا، واكبه نمو ديمغرافي مضطرد، وتوسع عمراني ومعماري "أخطبوطيا"، ما بات يؤهلها لأن تكون ثاني قطب اقتصادي بالمملكة، بعد العاصمة الاقتصادية، الدارالبيضاء. ناهيك عن أن ثمة بنيات سياحية ضخمة، ضمنها "الكولف"، ومحطة مزغان بيتش "الفرعونية"، التي شيدت بكلفة بلغت 4 ملايير درهم، غير أن المجالس الجماعية التي تعاقبت على بلدية الجديدة، لم تكلف نفسها البتة عناء التفكير في إدراج نقطة فريدة في جدول أعمالها ودوراتها العادية والاستثنائية، و التي تقضي ببناء مراحيض بالجديدة، سيما على الوعاء العقاري والملك العمومي الذي بات عرضة للاحتلال، وباتت أرضية الأرصفة المخصصة للراجلين، تكتسحها محلات تجارية (كيوسات) عشوائية، لأشخاص نافذين، دون أن يحرك ذلك ساكنا لدى السلطات المحلية والإقليمية، التي تبقى في وضعية "الشرود"، أو "خارج التغطية" عاجزة عن التصدي لهذه الظاهرة المشينة للمظهر العام للمدينة وجماليتها.
واستغرب مواطنون كون مدينة من حجم الجديدة، التي تتوفر على بنايات وبنيات تحتية سياحية، وعلى ساحل شاطئي يمتد على طول 120 كيلومتر، وينتظر أن تساهم في استقطاب 10 ملايين سائح، لا تتوفر على مراحيض عمومية، وعزوا ذلك إلى أن بعض المسؤولين لا يلمون بحاجيات المواطنين الآنية، وبمعاناتهم اليومية. فبعضهم من طينة خاصة، لا يضع قدميه في الشارع، ولا يزدحم في الأماكن العمومية مع عامة المواطنين، ما يتنافى وممارسة سياسة القرب والمفهوم الجديد للسلطة. وتكاد بالمناسبة حالة عاصمة دكالة لا تشكل الاستثناء في المغرب، فالعديد من مدن المملكة تفتقر إلى مراحيض عمومية..
ورغم بساطة هذا الأمر، فإن عواقبه قد تكون مصيرية، أو كارثية على مستقبل وسمعة البلاد، وهنا نستحضر إقصاء المغرب، من معرض "Expo 2012". ويكمن السبب ببساطة، في عدم توفر مدينة طنجة، والتي كانت مرشحة لاستضافة هذه التظاهرة الدولية على مراحيض عمومية، الأمر الذي وقفت عليه لجنة التحكيم الدولية، التي كانت حلت بطنجة، وتذرعت بهذا السبب الواقعي والوجيه، لسحب البساط عن المغرب.
من جهة أخرى، فإن سكان الجديدة، ناهيك عن الزوار المغاربة، والسياح الأجانب والذي يتوافدون على عاصمة دكالة، سيما مع انطلاق موسم الاصطياف، الذين يناهزون، خلال فصل الصيف، مليوني نسمة، حسب بعض التقديرات، فإنهم يعانون الأمرين، في البحث عن مراحيض عمومية بتراب المدار الحضري لعاصمة دكالة.
ما يحدو ببعضهم إلى اللجوء مكرهين إلى مراحيض الإدارات العمومية والخاصة، أو المقاهي، والحانات، والمؤدى عن خدماتها. بيد أن آخرين، ممن لا يقوون على تحمل عبء حاجتهم الطبيعية الطارئة، يضطرون للتخلص منها في الحدائق العمومية وعلى جدار البنايات وعلى أسوار الحي البرتغالي، والذي صنفته منظمة اليونسكو، سنة 2005، تراثا حضاريا وإنسانيا.
فضلات بشرية في الشارع، إضافة إلى أماكن عمومية بالجديدة، تكتسي أرضيتها، الفضلات البشرية من غائط وبول، وتنبعث منها روائح كريهة، تزكم الأنوف على بعد العشرات من الأمتار.
وحسب المصادر ، فإن قمة الغرابة أن تحتضن عاصمة دكالة، مهرجان دولي من حجم "جوهرة "، أكبر تظاهرة فنية وثقافية في تاريخ الإقليم، والتي تتزامن سنويا مع موسم مولاي عبد الله أمغار، الذي يستقطب حوالي 400 ألف زائر، دون أن تفكر السلطات الإقليمية والجهات الوصية، في إعداد مراحيض عمومية، بمختلف نقاط المدار الحضري، بالنظر إلى الكم الهائل من الزوار المغاربة، والسياح الأجانب الذين يتقاطرون، طيلة فترة الصيف، على الجديدة، للتمتع بشواطئها و مناطقها السياحية.
الجديدة مدينة سياحية طالها النسيان في مرافقها السياحية
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة