موطور الخطر أو حائط الموت أو علي بن الحسين هي مرادفات لمعنى واحد، لعائلة قنيطرية اختارت أن تنتزع لقمة العيش من أنياب الموت، نحن كمتفرجين نلج الحلبة الخشبية ونستمع بحركات بهلوانية على متن دراجة نارية تملأ المكان صخبا، نصفق على البطل وبعد الفراجة نقفل راجعين بعد أن نترك البطل في غمرة مشاكل لا حصر لها، يرويها لنا البطل أحمد با يحيى.
رأى أحمد با يحيى 55 سنة النور أول مرة على أرض عاصمة الغرب القنيطرة هو شخص بسحنة أهل الجنوب، متزوج وأب لسبعة أبناء أكبرهم هشام 23 سنة وأصغرهم في السنة الثانية من عمره.
في بداية عهده بعالم الشغل امتهن عدة حرف من بينها ميكانيني ثم سكليس وهي الحرفة التي جعلته يوميا باحتكاك دائم بالدراجات النارية وعالمها الغريب.
ومع مرور الأيام وكباقي الشباب كان السيرك مكانا مفضلا للجميع لأنه الفضاء الذي كان يوفر الفرجة والترفيه للأطفال خاصة، وكان با أحمد يستهويه في السيرك مكان واحد، هو موطور الخطر أو حائط الموت، هو يذكر أنه كباقي الشباب كانت تستهويه كلمات منبعثة من مكبر الصوت "إيوا إيوا الفراجة غادا تبدا لي ما عندو ورقة ما عندو بلاصا ها البطل علي بن الحسين ما شادو خيط، ما شادو شريط".
كباقي المغاربة ارتبط موطور الخطر بشخص اسمه علي بن الحسين، هذا الشخص يقول عنه با أحمد أنه بربري قدم من تيزنيت في مرحلة الحماية الفرنسية على بلادنا، ولأن ألعاب الدراجة النارية محفوفة بالمخاطر، كان أن كلفه الفرنسيون بتأديتها في سيرك كانوا يمتلكونه ويجوبون به أماكن عديدة بالمملكة.
علي بن الحسين يضيف با أحمد هو أول مغربي خبر عالم الخطر وكان من أبرز الأسماء العالمية فيه، وهو الأستاذ الذي تعلم على يده هذه الحرفة كثيرون كعبد القادر الوجدي وعبد النبي الرباطي ومصطفى زبيدة وأحمد الزيطي ويوسف البيضاوي وحسن البيضاوي وعلال المكناسي وعمر البيضاوي وعثمان الدكالي.
وللحقيقة والتاريخ فإن "موطور الخطر" هي لعبة بهلوانية، أدخلها المعمرون إلى بلادنا في الحقبة الاستعمارية، لكن علي بن الحسين استطاع أن يكون أول مغربي يحافظ على هذه اللعبة وينقلها إلى أجيال متعددة.
لكن يضيف با أحمد أن علي بن الحسين الذي توفي في السنة الماضية، عن سن 70 سنة، بمنزله بالمعاريف، مات وفي قلبه غصة من هذا الزمن الذي لا يعترف بالأبطال، مات ولم يحن من هذه الرياضة نظير الفرجة التي كان ينشرها في عموم المهووسين بألعابه البهلوانية مات ولكن رجع صدى أماكن عديدة من هذه البلاد لازال يتردد هاهو علي بن الحسين قالوا مات ولكن هاهو باقي في الحياة".
أحمد با يحيى يذكر أنه في سنة 1975 وبالضبط في أجواء المسيرة الخضراء، كانت بدايته مع موطور الخطر، ولم يكن يدري أنها الحرفة التي ستلازمه إلى النهاية.
قال لنا عندما ركبت أول مرة موطور الخطر، كان إحساسي وشعوري هو إحساس شخص باحث عن الشهرة والتصفيقات وإعجاب الجمهور الذي يطل عليه من الحلية الخشبية.
يذكر با أحمد أنه أول مرة، وهو يمتطي هذه الدراجة العجيبة، قرأ سورا من القرآن الكريم وتوكل على الله، وكانت آخر كلمات من فم علي بن الحسين تحته على رباطة الجأش ومخاصمة الخوف والإيمان بأن الإنسان لا يموت إلا مرة واحدة.
مرت الأيام سريعة وفي كل مرة يقول با أحمد بدأت أكتسب تجربة ومع مرور الأيام كذلك بدأت أحس أن ركوب الخطر ليس في حد ذاته شهرة بل هو وسيلة لكسب لقمة العيش.
فأنا يضيف با أحمد أركب الموت، لأكتسب مدخولا أدبر به مصاريف إعالة عائلة مكونة من 7 أبناء ووالدتهم، إذا لم أركب الخطر لا أحد، يدق بابي ويمدني ولو بكسرة خبز فحائط الموت إذا كان بالنسبة للناس هو للفرجة على شخص يهب نفسه للموت، فإنه بالنسبة لي مكاني المفضل لكسب دريهمات لإعالة الأبناء.
وبعد أن يرتشف جرعة شاي لأنه مهووس بشرب الشاي، يلتفت با أحمد يمينا وشمالا ليتأكد من خلو المكان من ممثل باطرون السيرك. ليضيف دعوني أتحدث إليكم بصراحة، فأنا وأبنائي نشتغل في حلبة الموت، وهذه المداخيل التي ترونها وهي بقيمة 5 دراهم للشخص الواحد، ليس لدينا فيها إلى 25%من المدخول الصافي بعد أن يزيل صاحب السيرك كافة المصاريف من كراء الأراضي التي يقام عليها والضوء والماء وغيرها، ويسلمنا مبلغا "هو الذي ندبر به بقية السنة، وهو مبلغ لا يكفي لأنني "أتسلف" لشراء كبش الأضحية، ولولا أختي التي وضعت رهن إشارتي منزلا لها أقطنه بليساسفة، لتعرضت عائلتي للتشرد.
الآن يستطرد با أحمد بعد أن بلغت من العمر 55 سنة، اعتزلت هذه الحرفة على مستوى الركوب، ولكن الذي عوضني على صهوة الموطور ابني هشام 23 سنة، والآن تحولت أنا إلى مكلف بالميكروفون للمناداة على الناس وتحبيب الفرجة إليهم، قبل أن يضحك أنا صاحب الماركوتينغ ديال الموت
يواصل با أحمد القنيطري حكيه عن موطور الخطر، ويقول أنه ورثه من علي بن الحسين وكان ذلك بالنسبة له تم في مرحلة الشباب أما اليوم فهو كان يتمنى أن يسلك أبناؤه
طريقا آخر غير طريق هذه الحرفة التي لا تضبطها قوانين من حيث التأمين وكذلك الضمان الاجتماعي.
يقول با أحمد كنت أنصح أبنائي بالابتعاد عن الحلبة الخشبية وامتهان حرف أخرى، إلا أنهم طبقوا المثال المغربي المشهور "اتبع حرفة بوك ليغلبوك".
فهشام ابني 23 سنة هو البطل الحالي الذي عوضني في البطولة وفي الطريق كذلك تبدو ملامح بطل قادم هو أخوه الصغير، وليس ذلك غريبا فحتى زوجتي عزيزة القنيطرية كانت تركب دراجة الموت، وهي فخورة بكونها أول مغربية تفعل ذلك والآن مر على اعتزالها مدة 4 سنوات تاركة المشعل لنساء أخريات كحسناء بنعيسى ونعيمة البيضاوية التي لازالت تمارس إلى حد الآن.
ثقوا بي أنني وأبنائي وزوجتي نكون عائلة تركب الموت وتعيش منه ونحن فخورون بذلك.
مرة أخرى يلتفت با أحمد ليمشط المكان بنظراته ليتأكد من جديد بأنه يتحدث إلينا بعيدا عن آذان مصغية، وبهمسات خفيفة يسر إلينا بخبر مفاده أنه منذ علي بن الحسين إلى هشام القنيطري الابن فجميع الأبطال غير مؤمنين نهائيا على ما يمكن أن يلحقهم من حوادث، فهم بحسب با أحمد "في يد الله وصافي".
ويواصل أن شركات التأمين ربما لا تريد حسب فهمه تأمين هذا النوع من الألعاب الخطيرة، قبل أن يضحك مرددا 'لي مات مشى على عينو ضبابة".
ليس فقط التأمين هو المشكل في عالم السيرك، فهناك كذلك عدم التصريح بالعاملين به لدى الضمان الاجتماعي، حتى تتمكن هذه الشريحة العاملة من المجتمع من الاستفادة من امتيازات اجتماعية وصحية، علما يضيف با أحمد أن السيرك يدخل أموالا خيالية لا تتصور.
وفي غياب التأمين تبقى العناية الإلهية هي التي تحرص الأبطال إذ لم يسجل منذ بداية حائط الموت في المغرب أي حادث كان وراء وفاة، فعلي بن الحسين والمكناسي توفيا على فراش المرض.
يصدر با أحمد زفرات عميقة ويتابع أن هذه اللعبة ليس فيها تقاعد فأنا لو لم أجد ابني هشام الذي أراحني منها في سن 55 سنة، لكنت مضطرا تحت ضغط الحاجة إلى إعالة العيال، إلى الاستمرار في الركوب إلى أكثر من 60 سنة كما فعل الكثير من الأبطال، ولدي إحساس كبير أنه حتى ابني الذي يبلغ الآن سنتين سيكون هو الآخر بطلا في الموت لأن الطفل الذي ولد وسط أجيج الدراجة النارية وصداعها لا يمكن إلا أن يتبع هو الآخر خطوات الوالدين.
با أحمد القنيطري يعرف حق المعرفة أنه حتى للدعاية للموت طقوسها وأعرافها، وفي هذا الصدد يقول لقد كنت طلبت من صاحب السيرك أن يستبدل شعار "حائط الموت" بشعار "ألعاب بهلوانية على الدراجة النارية" لكنه لم يعر لطلبي أدنى اهتمام.
لقد كنت طالبت بهذا التغيير حتى نزيل صفة الموت عن حلبتنا الخشبية التي تزن 16 طن من الخشب، وثانيا لأنه شعار لا ينمي مداخيلنا فالكثير من الآباء يأتون بأطفالهم إلى أمام الحلبة، ونظرا لقلة مداخليهم ورغبة في عدم تلبية رغبة الأبناء في الدخول، فإنهم يخوفونهم من الحلبة ويقولون لهم "أش غادين تشوفوا الموت".
دعوني أقول لكم أننا نلاحظ اليوم في الكثير من أزقة المدن وشوارعها، شبابا على متن دراجات نارية يمارسون ألعابا بهلوانية أو ما يعرف الكابراج، هؤلاء حينما ندخلهم حلية الموت حتما سيسقطون ويتعرضون إلى الكثير من المخاطر، فالكابراج ليس هو التوازن والتحكم في دراجة نارية تسير بسرعة 120 كلم في الساعة في حلبة خشبية دائرية يكفي أدنى حركة غير محسوبة لتتحول الفرجة إلى مأساة.
فمع فجر الاستقلال دأب أبطال رياضة الموت وفي مقدمتهم علي بن الحسين على استعمال دراجات نارية في أغلبها من نوع سوزوكي اليابانية الصنع ثم تم استعمال دراجات جافا وأنديانا ويماها وهارلي وب.م دوبلفي الألمانية، وهذه دراجات سريعة وقادرة على التوازن.
فبطل حائط الموت مطالب بالسرعة والتوازن وكذلك بوضع رايات على عينيه، ولا أخفيكم سرا أنها رايات من ثوب لا يحجب الرؤيا نهائيا، بل إن البطل يواصل من وراء تلك الرايات التحكم في محيط الحلبة، وهو كذلك مطالب بأن يكون خفيف الحركة بانتزاع نقود أو ما شابه ذلك من يد المتفرجين وهذه أمور لا يقدر عليها شباب يمارسون الكابراج.
وتأسف با أحمد عن غياب الإعلام المرئي لتصوير لحظات من هذه الرياضة الشيقة، التي هي جزء من رياضات متعددة تمارس بواسطة الدراجات النارية على نحو ما هو الشأن برالي الرمال الخاص بالدراجات، وقال في هذا الصدد أن إعلامنا لم يوثق بالصورة والصوت للبطل علي بن الحسين ذلك البربري الذي تجاوزت شهرته الأبطال الأوربيين مثل لورينزو ورك
يعتبر با أحمد الفرنسيين هم من أدخلوا السيرك إلى المغرب وإفريقيا وباقي المستعمرات التي بسطوا عليها نفوذهم الاستعماري، وهو يؤكد بأن موطور الخطر دخل المغرب كذلك في فترة الحماية على يد أبطال كلورينزو وركي ولكن يعود الفضل إلى علي بن الحسين الذي كون الأجيال المتعاقبة من الأبطال المغاربة.
ويؤكد با أحمد أن موطور الخطر ليس ظاهرة عالمية، بل هو مقصور على بلدان مثل المغرب وفرنسا ومصر والجزائر واليونان والهند، لذلك فالمتفرجون الذين يأتون من بلدان غير هذه البلدان المذكورة، يكونون متعطشين لمشاهدة هذه الألعاب الخطيرة.
وبحسبه فخشبة الموت هي أهم ما في السيرك من ألعاب، وسيرك بدونها كطعام بدون ملح.
وأعتقد أن سكان دكالة وبن احمد وبرشيد ومكناس والدار البيضاء، لهم عشق تاريخي مع أبطال حائط الموت، فنحن نحطم أرقاما قياسية في المشاهدة في موسم مولاي عبد الله أمغار على سبيل المثال لا الحصر، فسكان المناطق التي ذكرناها "كي حماقوا على الموطور".
لقد حاول علي بن الحسين رحمه الله أن يستقل بنفسه للتنقل بحلبته الخشبية، إلا أنه لا يمكن فصل موطور الخطر عن السيرك ولا السيرك عن موطور الخطر، ومرة يضيف با أحمد فكرت أن أرحل خارج المغرب لأمارس هوايتي هاته، وكانت وجهتي الجزائر الشقيقة، لكن بكل صراحة المغاربة هم هواة السيرك ويشجعوننا على الاستمرار في محيطه لذلك قررت العودة إلى المغرب، وعشت مرحلة عطالة اشتغلت فيها مياوما بقطاع البناء أحمل "البغلي" على كتفي قبل أن أعود إلى عالم الدراجة النارية ومخاطره ولكن هذه المرة بواسطة ابني هشام في حين أتكفل أنا ووالدته ببيع الأوراق وحمل مكبر الصوت والدعاية للبطل الصاعد.
في الماضي كان السيرك لا يخرج من الدار البيضاء نحو مدن أخرى إلا لماما، وذلك نظرا لوجود مساحات فارغة لإقامته بمختلف ربوع العاصمة الاقتصادية، لكن اليوم زحف البناء والعقار لم يترك للسيرك المساحات التي كانت له في الماضي، لذلك بدأنا نقصد مدنا أخرى كالجديدة التي نمكث فيها قرابة 3 أشهر.
والآن لدي مشروع كان بدأه المرحوم علي بن الحسين، وهو مشروع سيارة صغيرة ذات محرك دفع قوي، هذه السيارة التاريخية هي للبطل المذكور، أقوم الآن بتركيبها لاستعمالها بالتناوب في خشبة الموت إلى جانب الدراجة النارية وقريبا ستشاهدون ابني هشام على متن سيارة الموت.
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة