قضايا يكثر الحديث عنها حول أضحية العيد
قضايا يكثر الحديث عنها حول أضحية العيد

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي محمد الأمين :

يرتبط المسلمون عموما، والمغاربة خصوصا بسنة الأضحية ارتباطا وثيقا، إما باعتبارها شعيرة ربانية، وسنة إبراهيمية محمدية، أو لأنها عادة لابد من الاحتفال بها لأسباب كثيرة لا مجال للحديث عنها. وبهذه المناسبة يستفسر الكثير من الناس حول أمور تستدعي الإجابة عنها لرفع الحرج عنهم وتقريب فقهها إليهم. من هذه الأسئلة ما يلي:

 

-الاشتراك في الأضحية:

جاءت السنة النبوية بنصوص حديثية أخذ منها بعض العلماء جواز الاشتراك في الأضحية ورفضها البعض الآخر، منها:

-ما رواه الامام مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ : نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ.وفي رواية عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَحَرْنَا الْبَعِيرَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ". رقم:"1818.وروى أبو داود  عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ ، وَالْجَزُورُ- أي : البعير -عَنْ سَبْعَة". رقم: 2808. وصححه الألباني .

-وما رواه الامام أحمد عن أَبي الأَشَدِّ السُّلَمِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كُنْتُ سَابِعَ سَبْعَةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَأَمَرَنَا نَجْمَعُ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنَّا دِرْهَمًا، فَاشْتَرَيْنَا أُضْحِيَّةً بِسَبْعِ الدَّرَاهِمِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ أَغْلَيْنَا بِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم": إِنَّ أَفْضَلَ الضَّحَايَا أَغْلاَهَا وَأَسْمَنُهَا." وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذَ رَجُلٌ بِرِجْلٍ، وَرَجُلٌ بِرِجْلٍ، وَرَجُلٌ بِيَدٍ، وَرَجُلٌ بِيَدٍ، وَرَجُلٌ بِقَرْنٍ، وَرَجُلٌ بِقَرْنٍ، وَذَبَحَهَا السَّابِعُ، وَكَبَّرْنَا عَلَيْهَا جَمِيعًا. والحديث ضعفه شعيب الأرناؤووط.

 

وبناء على هذه النصوص نسوق أقوال العلماء، ونفصل في بعض الحالات:

 

 أ-اشتراك الابن مع والده:

-أن يكون الولد له دخل مالي مستقل بنفقته عن والده ينفق على نفسه، فهذا يشرع له أضحية خاصة به ولا يشمله ثواب أضحية والده سواء كان مخالطا للوالد في السكن أو لا.

-أن يكون الولد ليس له دخل مالي مستقل وهو تابع لأبيه في النفقة ينفق عليه، فهذا لا يشرع له أضحية خاصة ويكون تابعا لوالده في ثواب الأضحية ولا يشارك والده في الأصل في الأضحية. والسنة أن تكون جميع الأضحية من مال الوالد، لكن يجوز للولد ولغيره من أهل البيت أن يشارك والده عند الحاجة في ثمن الشاة، ويكون هذا منه بمنزلة التبرع والإعانة، أما ثواب الأضحية أصالة فتكون لوالده ويدخل هو وباقي البيت تبعا في الثواب.

 

ب-اشتراك الإخوة في بيت واحد: وقد وضع العلماء شروطا ثلاثة لقبول الاشتراك في الأضحية بين الأقربينهي: القرابة والمساكنة والإنفاق، وإلا امتنع التشريك. فإذا كان صاحب الأضحية هو المنفق جاز له أن يشركهم معه في أضحيته، وأجزأت عنهم جميعاً. ولكل واحد منهم أجر أضحية، وصاحب الأضحية أكثر أجراً لأنه أنفق وهم لم ينفقوا.

 

ج-اشتراك الأصدقاء في الأضحية: 

وعلماء الأمة رحمهم الله في هذا الأمر اختلفوا على قولين:

 

*-جواز الاشتراك: وبه قالت الحنفيةبدائع الصنائع :5/105، والشافعيةالمجموع: 8/397.، والحنابلة المغني: 13/392.، وابن حزمالمحلى: 7/381.. ومما استدلوا به: ما أخرجه مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة. قالوا: وتقاس عليه الأضاحي. وقالوا: إن اشتراك السبعة في الجزور أو البقرة هو المشهور عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.شرح معاني الآثار :4/175، والمحلى :7/382.

 

*-عدم الجواز: وهو قول المالكيةالمعونة: 1/663، المنتقى: 3/95.، ومما استدلوا به: أن الأصل عدم جواز التشريك، والقياس لا يصح.فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء: 11/396.. وقالوا: إنه حيوان يضحى به، فلم يجزئ إلا عن واحد كالشاة، ولأن كل واحد يصير مخرجاً للحم بعض بدنة أو بقرة، وذلك لا يكون أضحية، كما لو اشترى لحماً، ولأن كل إنسان مخاطب بفعل ما يسمى أضحية، وهذا الاسم ينطلق على الدم دون اللحم، ولأنه اشتراك في دم، فوجب ألا يجزئ مريد القربة.المعونة :1/663.

-أما التشريك بالثواب فهذا أمر واسع سهل فيه الشرع، فيجوز للمضحي أن يدخل في ثواب أضحيته من شاء من المسلمين الأحياء والأموات والأصل في ذلك ما أخرجه أحمد من رواية أبي سعيد رضي الله عنه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى يوم النحر بكبشين أملحين، فذبح أحدهما فقال: هذا عن محمد وأهل بيته، وذبح الآخر فقال: هذا عمن لم يضح من أمتي".

 

2- العيب في الأضحية قبل شرائها وبعد التعيين:

 

العيوب التي تمنع من الإجزاء بينها النبي عليه الصلاة والسلام في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أربعة لا تجوز في الأضاحي المريضة البين مرضها والعوراء البين عورها والعرجاء البين ضلعها والكبيرة أو الهزيلة أو العجفاء التي لا مخ فيها ".

هذه هي العيوب الأربعة التي لا تمنع من الإجزاء، ولا تجزئ الأضحية إذا كانت البهيمة متصفةً بهذه العيوب الأربعة وما كان بمعناها أو مثلها فهو مثلها في الحكم؛

-فالعوراء البين عورها هي التي يتبين لمن رآها أنها عوراء بحيث تكون العين ناتئةً أو غائرةً أو عليها بياضٌ بيِّن يتبين لمن رآها بأنها عوراء، وأما إذا كانت العين قائمة وهي لا تبصر بها فإنها لا تمنع من الإجزاء. ومثل العوراء العمياء لا تجزئ في الأضحية.

-أما المريضة البين مرضها؛ فهي التي يظهر عليها آثار المرض، بأن تكون غير نشيطة ولا تأكل وما أشبه ذلك. ومثل المريضة البين مرضها الحامل إذا أخذها الطلق فإنها لا تجزئ حتى تصح وتمشي ومثل ذلك أيضاً التي بشمت( يعني أكلت تمراً وانبشمت بحيث انسد دبرها فلا تتنفس وينتفخ بطنها) من تمر أو غيره فإنها لا تجزئ حتى تفرغ لأنها معرضة للخطر.

-والعرجاء البين ضلعها: هي التي لا تستطيع المشي مع الصحيحة، أما التي تستطيع المشي مع الصحيحة وتباريها وإن كانت تعرج، فإنها لا بأس بها. ومثل العرجاء البين ضلعها ما قطع إحدى أعضائها وكذلك لو كانت زَمْنى لا تمشي أبداً فإنها لا تجزئ.

-أما الهزيلة التي لا مخ فيها: فهي التي لا يكون في أعضائها مخ لأنها تكون غالباً غير طيبة اللحم، لهذا نهى عنها النبي عليه الصلاة والسلام.

-أما ما كانت فيها عيب في أذنها أو في قرنها أو في سنها أو في ذيلها فإنها تجزئ ولكن غيرها أحسن منها وأفضل.

 

وقد اختلف العلماء في ذلك على قولين:

 

أ-إذا تعيبت بعد أن أوجبها، فإنها تجزئ إذا لم يكن ذلك العيب بفعله أو تفريط منه. وهو قول المالكيةالمدونة:2/504. في الأضاحي دون الهدي، والشافعيةالأم :2/352، والحنابلةمسائل صالح :ص281، شرح الزركشي :4/301.. ومما استدلوا به: حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ابتعنا كبشاً نضحي به، فأصاب الذئب من أليته أو أذنه، فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم: فأمر أن نضحي به(أخرجه أحمد  وابن ماجه والبيهقي وضعفه الألباني ). قالوا: وذلك لأن فقد الألية عيب يمنع الإجزاء، لكنه لما كان هذا العيب بعد التعيين وليس بتفريط منه ولا بفعله فإنه أمين، ولا ضمان عليه(الشرح الممتع :7/516.). وبحديث ابن عباس، قال موسى بن سلمة الهذلي: انطلقت أنا وسنان بن سلمة معتمرين، قال: وانطلق سنان معه ببدنة يسوقها، فُأزحِفت عليه بالطريق فَعَيِيَ بشأنها، إن هي أُبدِعَت كيف يأتي بها، فقال: لئن قدمت البلد لأستحفينّ عن ذلك، قال فأضحيت فلما نزلنا البطحاء قال: انطلق إلى ابن عباس نتحدث إليه، قال: فذكر له شأن بدنته فقال: على الخبير سقطت، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بست عشرة بدنة مع رجل وأمَّره فيها، قال: فمضى ثم رجع، فقال: يا رسول الله، كيف أصنع بما أُبْدِع عليَّ منها؟ قال:" انحرها، ثم اصبغ نعليها في دمها، ثم اجعله على صفحتها، ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أهل رفقتك"(أخرجه مسلم في الحج، باب: ما يفعل بالهدي إذا عطب في الطريق :1325.

ب-إنها لا تجزئ، وإليه ذهبت الحنفية(بدائع الصنائع :5/76.). لأن الأضحية عندهم واجبة، فلا يبرأ منها إلا بإراقة دمها سليمة، كما لو أوجبها في ذمته ثم عينها فعابت. قال ابن تيمية رحمه الله:" وأما إذا اشترى أضحية، فتعيبت قبل الذبح، ذبحها في أحد قولي العلماء، وإن تعيبت عند الذبح أجزأ في الموضعين".(مجموع الفتاوى :26/304.)

 

3- الاستدانة من أجل الأضحية:

الأضحية سنة، ولكن في حق القادر عليها، وأما العاجز عنها فلا تسن في حقه، قال الشيخ خليل في مختصره: (سن لحر غير حاج بمنى ضحية لا تجحف)، ومعناه أن الأضحية تسن في حق القادر عليها وهو المراد بقوله الذي لا تجحف به، قال العلامة الخرشي شارحاً له: (يعني أن الأضحية يشترط فيها أن لا تجحف بمال المضحي، فإن أجحفت بماله من غير تحديد فإنه لا يخاطب بها). ولا يقترض من أجل أن يحصل على الأضحية، قال العلامة الخرشي معلقا على الفقرة السابقة من كلام الشيخ خليل رحمهما الله تعالى: " ويفهم من كلام المؤلف وكلام ابن بشير أن من ليس معه شيء لا يتسلف"...

وقد سئل ابن تيمية رحمه الله عمن لا يقدر على الأضحية، هل يستدين؟. فقال:" الحمد لله رب العالمين، إن كان له وفاء فاستدان ما يضحي به فحسن، ولا يجب عليه أن يفعل ذلك، والله أعلم".(مجموع الفتاوى:26/305).

 

 

الدكتور احمد العمراني رئيس المجلس العلمي لسيدي بنور

 

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة