إبان فترة الاستبداد و سنوات الرصاص التي عرفها المغرب سابقا, كان المواطنون يسعون باستمرار للبحث عن مظلة تحمي صاحبها من بطش سلطة المخزن حيث كان المواطن أنداك يساوره شعور قوي بأنه متهم حتى تثبت براءته وأي عنصر من عناصر القوة العمومية في نظره يجسد المخزن ويملك سلطة الاتهام.
هذه الوضعية خلقت الحاجة إلى الاحتماء من المخزن بالانخراط في نسقه الإداري العام من خلال مجموعة من المتمثلات. بحيث كان مثلا من يريد قضاء مصلحة إدارية، ما عليه إلا أن يرتدي زيه المخزني الرسمي أو يعلن عن مهنته الوظيفية عند مدخل الإدارة أو يرافق موظفا عموميا معروفا إلى مصلحة ما …
بالتأكيد، هذا الزمن انقضى وولى في ظل تحول اجتماعي وسياسي يشهده المغرب، ويتضمنه دستور جديد بمقومات حديثة تسير نحو تكافئ فرص العيش الكريم، وما جاء به من تحقيق للمعادلة الاجتماعية.
وإذا كانت الدولة قد بادرت إلى حذف الإعلان عن مهنة المواطن في البطاقة الوطنية تنزيلا لمبدأ المساواة وحرصا على ضمان حقوق الأفراد والجماعات في الحياة والتنقل وقطع الطريق على المتاجرين بالتمييز المهني …فان البعض لا زال يصر على وضع شارات مختلفة الحجم )مثلثة و مكعبة و دائرية (على واجهة السيارات تحمل عبارات واضحة لا لبس فيها :
"يجب احترام وتقدير حامل هذه البطاقة" وموقعة من طرف هيئة "الرابطة الوطنية للشرفاء الأدارسة وأبناء عمومتهم بالمغرب".
ومنطوق العبارة حسب زعمهم، تسهيل المرور في الطرقات دون تمكن رجال الأمن و الدرك من ضبط أصحابها أو مؤاخذتهم في حال ارتكابهم المخالفات و غير ذلك من المآرب الأخرى... وهي إشارة ضمنية و صريحة على أن هذا الصنف من المواطنين لا ينبغي توقيف مركبته أو الاستفسار عن مخالفته...
وقد تطرقت العديد من وسائل الأعلام إلى الاستغلال البشع من طرف أشخاص يدعون انتماءهم لشرفاء المغرب، وهم في الأصل سوى سماسرة يستغلون نسبهم العائلي، من خلال بيع بطاقات النسب والشرف و المتاجرة فيها بمبالغ مهمة و التي تضمن لصاحبها الاحترام والتقدير حسب زعمهم والتملص من غرامات مخالفات قوانين المرور الجديدة.
وهناك فئات أخرى من السيارات تجوب المدينة أمام أعين شرطة المرور و حواجز الدرك الملكي تعلن عن وجودها المتميز عبر وضع "شارات" على الزجاج الأمامي للسيارات تحدد الانتساب المهني لوظائف معينة (طبيب ، محامي ،شرطي ،مستشار ، صحفي …(دون أن تتمكن الجهات المعنية من التحقق من هوية مالك العربة و مدى مصداقية و قانونية الشارة وان اقتضى الحال الجهة المانحة لها وذلك لوضع حد لهذه الظاهرة التي تزيد من هوة الفوارق الاجتماعية والتمييز بين المواطنين .
فلا وجود لنص قانوني يلزم مالك العربة بالكشف عن مهنته أو مهامه السياسية أو الإدارية ..باستثناء ما يتعلق بسيارات الدولة والجيش والدرك والأمن التي تتحدد هويتها في صفيحتها المعدنية.
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة