خلق الله تعالى آدم بيده، ونفخ فيه من روحه، وخلق له زوجه حواء، منحهما الخالق سكنا في الجنة، وامتحنهما بعدم الأكل من شجرة فيها، لكن شاء الله تعالى وبعد غواية من الشيطان أن يهبطا إلى الأرض لتحمل الأمانة وتحقيق العبودية والخلافة والعمارة.

وعبر الأزمان وبدعوة الأنبياء والمرسلين التي قامت في المجتمعات الإنسانية، وبدعوة خاتم المرسلين (محمد) صلى الله عليه وسلم، تمت رعاية البشرية من كل أنواع الشرور، من أجل تحقيق  سعادة الدنيا والآخرة بالعودة إلى الجنة.

لكن، لأن الحياة البشرية لا تسلم من ثنائيات في كل الأشياء، الحياة والموت، الصحة والمرض، الشباب والهرم، السعادة والبؤس، العدل والظلم، استقامة وانحراف. لم تسلم من انحراف عن عدالة السماء عبر العصور، وأوقعت كثيرا من الظلم علىمجتمعاتها هنا وهناك، وكان من أبشع الظلم العنف ضد المرأة التي تعد نصف المجتمع وولدت النصف الثاني :" ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمةإن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون".

وصار هذا العنف ظاهرة تختفي بين السرية والعلنية، والعلني قليل أمامما لا يعلم وما يجري خفية تحت ستار العادات والتقاليد والأعراف والقوانين، خلافا للتوجيه الإسلامي والتشريع الإلهي والنور الرباني والعقل المستنير الإنساني.

وقبل الحديث عن هذه الظاهرة  الخطيرة، وعرض بعض أسبابها واقتراح حلول لها، لا بأس من تقديم تعريف للعنف .

ماهية العنف:

هو كل فعل أو تهديد، يتضمناستخدام القوة بهدف إلحاق الأذى والضرر بالنفس أو بالآخرين وبممتلكاتهم .

وهو ظاهرة متفشية في المجتمع، ويشمل حياة الإنسان كلها كما يشمل كل أفراد المجتمع؛ يشمل عنف الزوج تجاه زوجته، والزوجة تجاه زوجها، والآباء ضد أبنائهم، والأولاد ضد آبائهم، ورب العمل تجاه عماله، وهلم جرا...

وحديثي سينصب في هذه الإشارات الموجزة حول العنف ضد المرأة، الذي تم تعريفه في الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة والذي وقعتة الأمم المتحدة سنة 1993 بأنه:" أي فعل عنيف قائم على أساس الجنس ينجم عنه أو يحتمل أن ينجم عنه أذى أو معاناة جسمية أو جنسية أو نفسية للمرأة، بما في ذلك التهديد باقتراف مثل هذا الفعل أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء أوقع ذلك في الحياة العامة أو الخاصة ".

أنواع العنف:

للعنف أنواع كثيرة وعديدة، منه المادي المحسوس والملموس النتائج، الواضحعلى الضحية، ومنه المعنوي الذي لا نجد آثاره في بادئ الأمر على هيئة الضحية، لأنهلا يترك أثراً واضحاً على الجسد وإنما آثاره تكون في النفس.وفيما يليأستعرض بعض أنواع العنف مع ذكر أمثلة عليها:

-العنف المادي: ومنه الإيذاء الجسدي:وهو كل ما قد يؤذي الجسد ويضره نتيجة تعرضه للعنف، مهماكانت درجة الضرر، وقد يكون بالضرب والجرح والاغتصاب والقتل.

-العنف المعنوي والحسي: وقد يكون لفظيا، وهو عبارة عن كل ما يؤذي مشاعر الضحية من شتموسب أو أي كلام يحمل التجريح، أو وصف الضحية بصفات مزرية مما يشعرها بالامتهان أوالانتقاص من قدرها.

الأسباب الموقعة في العنف:

فما هي يا ترى الأسباب الموقعة في هذا العنف؟.

يمكن تلخيص أسباب العنف بإجمال فيما يلي:

1-دوافع اجتماعية: تتمثل في سوء التربية والبيئة والنشأة في بيئة تقليدية تعتمد العنف كوسيلة من وسائل التربية. وهذا النوع من الدوافع يتمثل في العادات والتقاليد التي اعتادها مجتمع ما والتي تتطلب من الرجل -حسب مقتضيات هذه التقاليد- قدراً من الرجولة بحيث لا يتوسل في قيادة أسرته بغير العنف، والقوة، باعتبارهما المقياس الذي يمكن من خلالهما معرفة المقدار الذي يتصف به الإنسان من الرجولة، وإلاّ فهو ساقط من عداد الرجال. إضافة إلى تدخل الأسرة في الحياة الزوجية لابنتهما أو ولدهما.

2-سوء الاختيار وعدم التناسب والكفاءة بين الزوجين: إضافة إلى الجهل بأسس الحياة الزوجية والحقوق والواجباتالمترتبة على الزوجين.

3-غياب ثقافة الحوار والتشاور داخل الأسرة.

4- ظروف المعيشة الصعبة كالفقر والبطالة، مما يدفع ببعض أفرادها لتفريغ شحنات معاناتهم السلبية نتيجةالضغوط المعيشية، فتكون النتيجة تعرض بعض أفراد الأسرة للعنف.

5-انتشار الثقافة السلبية في حق المرأة وخاصة الأمثال الشعبية:

فالأمثال لها دورها في المخزون الثقافي الشعبي، واستعمالها يعبر عن النظرة الحقيقية التي كونها الرجل عن المرأة، فمثلا حتى حين أراد المثل إظهار أهمية الدور الذي تلعبه المرأة في بيت الزوجية لم يجد أحسن من الحمارة، نظرا لما تمثله هذه الأخيرة من البلادة والقدرة على تحمل الضرب وأعمال السخرة، " مولات الدار عمارة ولو كانت حمارة"، وللدلالة على ضرورة ربطها حتى لا تنفلت من عقالها تشبه النساء في عدد من الأمثال الشعبية بالبهيمة عندما نجد" المرا كتربط من لسانها، والبهيمة تُربط من لجامها"، كما تشبه المرأة القصيرة بالبطة إن ازداد وزنها وبالقطة إذا خف "البنت القصيرة إذا سمانت بطة وإلى ضعافت قطة"، وتنزل مكانة القرد" سعد البلدة كيرد العروسة قردة، والعكوزة جلدة"، وقد تسلك سلوك الديك "اصبح الديك على الفريك، وصبحت العمشا على الكُحل"، بل وينزل هذا التشبيه إلى الحضيض ليتوسل بالحشرات، " اللوسة سوسة وَخا تكُون فحال الخنفوسة".

ويعتبر دخول المرأة للقفص الذهبي علامة فارقة تنهي عهدا وتدشن آخرا، فقبل الزواج تختلف الزوايا التي يتقمصها المجتمع ليرى الفتاة، فقد تكون هذه النظرة إيجابية كما في هذا المثل: (اللي ما عندو بنات ما عرفو حد باش مات) حيث تعتبر الفتاة أمينة أسرار أمها، لهذا فالمرأة التي ليس لها بنات، ستحمل معها أسرارها إلى دار البقاء عندما تموت، غير أن الأمثال ترسم، أحيانا صورة متناقضة للبنت، فهي من جهة أساس البيت: (البنات عمارة الدار) لأن كل المسؤوليات المنزلية ملقاة على كاهلها. في حين الولد يتفرغ للهو وللعب خارج البيت للتمتع بطفولته. ولكن من جهة أخرى، فإن البنت حتى وهي تنهض بأعمال البيت، يظل عملها غير مقنع: ( البنت تأكل ما تشبع وتخدم ما تقنع) كما أن الرهان على البنت، هو رهان على الفراغ: (دار البنات خاوية) لأن البنت منذورة للزواج، وسرعان ما ستغادر البيت إلى بيت الزوجية.

كما يمارس خطاب الأمثال الشعبية ديكتاتورية صريحة ضد الفتاة بهضم أبسط حقوقها في التعليم والتمدرس، عندما يقول " البنت لا تعلمها حروف ولا تسكنها غروف"، لأنه يدعم الاستقلالية ويقوي الشخصية، ويفتح أبواب الانحراف والضياع: (الفكوسة تتعوج من الصغر).من منطلق أن التعليم يجر إلى المعرفة. وينبغي في المنظور الشعبي الحسم في مسألة تربية الفتاة، والتعامل معها بصرامة، وحتى قدراتها العقلية في  يد الرجل هو الذي يأمر بإغلاقها أو بفتحها، ومثلما يفضل إغلاق الباب في الأوساط الشعبية، التي تتعامل مع البيت باعتباره الحرمة ينبغي حجبها عن أعين الاجانب، كذلك الشأن بالنسبة إلى عقل العاتق، ينبغي حجبه عن العلم والمعرفة.(الدفة بالقفل والعاتق بالعقل)، وحتى التربية السليمة لا تربى عليها إلا نكاية في الأعداء (ربي بناتك تنكي حسادك)، رغم أن هذه التربية ليست إلا تقليدية ولا تركز إلا على إعداد البنت لدور الزوجة وربة البيت، لدرجة أن الأم تكون مطالبة، في لحظة ما، بالتنحي عن عالم الأنوثة، لتفسح المجال لبناتها: (اللي فاتك خليه لبناتك). وحسب المنظور الشعبي فليس هناك خيار أمام البنت سوى الزواج: ( البنت إما رجلها وإما قبرها) أي أن المكان الطبيعي للفتاة التي بلغت سن الزواج هو بيت زوجها، بل إن بقاءها في بيت العائلة قد يجلب العار والفضيحة (العاتق في الدار عار)، أو على الأقل قد يتسبب في إثارة المشاكل: (شدو علينا ولادكم ره بنتنا قهرتنا) ، حتى أنه ينظر إلى البنت التي بلغت سن الزواج كما لو أنها في محنة ينبغي إخراجها منها: (البنت وصلات عتقوها بالزواج). ثم إنه غالبا ما ينظر إلى المرأة الصغيرة في السن على أنها سهلة الانقياد والخضوع لسلطة الرجل وبالتالي فهي مصدر خير بالنسبة إليه:( اللي يتزوج المرا صغيرة كيحوز الخير والتدبيرة). وبدخول الزوجين حياة جديدة بعدما أخذا كل الترتيبات اللازمة قبل الإقدام على الزواج (زواج ليلة تدبيرو عام)، يبقى بالإمكان أن تتحدد صورة المرأة المتزوجة حتى قبل الزواج، خاصة لدى الرجل الذي يمنحه المجتمع حق تحديد مواصفات شريكة حياته. ومن المواصفات التي يتم التأكيد عليها بقوة نجد مسألة الأصل والنسب: (خذ المرا الأصيلة ونم على الحصيرة) لأن المرأة ذات الأصول سند للرجل في الأيام العصيبة ومفخرة له أمام الآخرين: (إلا تتزوج تزوج الأصول ما يجبر العدو ما يقول)، وإذا لم تلد كانت دون قيمة: (لمرا بلا ولاد بحال الخيمة بلا وتاد) . أما إذا فشلت تجربة الزواج، فإن النظرة السلبية تلاحق المرأة المطلقة أينما حلت وارتحلت، وبما أن نظرة المجتمع التقليدي للمرأة تختزل في الجسد فقط فإن" صلاحيته " تنتهي بمجرد الطلاق: ( لحم الهجالة مسوس وخا دير لو الملحة قلبي عافو)، ولن تتخلص من ثقل هذه النظرة أو النظرات إلا إذا تزوجت من جديد، وهو ما يؤكد" إن كرامة المرأة واحترام الواقع لها مشروطان بارتباطها الشرعي برجل يحميها ويحافظ عليها" مهما بلغت قساوة العيش " تحت" ظهرانيه، وبالتالي فبقدر ما نجد أمثالا تمجد المرأة وترفع من شأنها، بقدر ما نجد أمثالا أخرى تحط من مكانتها وتقلل من قيمتها، حتى أننا قد نصادف أحيانا تعايش التناقض في المثل الواحد (الخير مرا والشر مرا"، "الربح من لمرا والزلط من لمرا"،" مرا تعليك ومرا تعريك"). .

هذه التشبيهات وغيرها إن دلت على شيء، فإنما تدل على أن الأمثال الشعبية لعبت وتلعب دورا هاما وخطيرا في إذكاء العنف ضد المرأة، وعدم إعطائها المكانة الحقيقية التي حباها إياها الشارع الحكيم.

6-ضعف الوازع الديني وسوء الفهم للنصوص الشرعية: وهو العنصر الذي يهمني الحديث عنه في هذا العرض الموجز، باعتبار الآثار السلبية التي أذكتها مجموعة من المفاهيم السلبية للنصوص القرآنية، وكذلك استعمال مجموعة من الأحاديث النبوية الضعيفة والموضوعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حق المرأة، من أجل التنقيص منها، ومن قيمتها والحط من قدرها. إضافة إلى الوقوع في المحرمات التي تساعد على إشعال فتيل العنف، من خمر ومخدرات .

أ-مكانة المرأة في الاسلام:

ديننا الحنيف ونصوصه وتفسيراتها كثيرا ما يتهم بأنه أحد مصادر العنف ضد المرأة، لكن، هذا ينبئ عن جهل تام بروح هذا الدين، فأين نحن من قوله تعالى:" إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصادِقَاتِ وَالصّابِرِينَوَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَوَالْمُتَصَدِّقَاتِ والصَّائِمِينَ والصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْوَالْحَافِظَاتِ وَالذَاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَاكِرَتِ أَعَدَّ اللَّهُ لهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيما".وأين نحن من قوله صلى الله عليه وسلم:" إن النساء شقائق الرجال". وقوله:" استوصوا بالنساء خيراً". وقوله:" لا يفرَكْ مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلُقاً رضي منها آخر". (صحيح مسلم)، كما وضع الإسلام للعلاقة بين الرجل والمرأة في الحياة الزوجيّة والأسرة عموماً قاعدةً ثابتة، وهي قاعدة «المعروف»، فقال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، وقال: {فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريح بإحسان}، حيث يُمكن أن تشكّل قاعدةً شرعيّةً يُمكن أن تنفتح على أكثر من حُكمٍ شرعيّ يُنهي الزواج إذا تحوّل ضدّ «المعروف».

كما أعطى الإسلام المرأة في إطار الزواج استقلاليتها المطلقة عن الرجل من الناحية المادّية؛ فليس للرجل أن يستولي على أموالها الخاصّة، أو أن يتدخّل في تجارتها أو مصالحها التي لا تتعلّق به كزوج، أو لا تتعلّق بالأسرة التي يتحمّل مسؤوليّة إدارتها. وأكّد على موقع المرأة إلى جانب الرجل في الإنسانيّة والعقل والمسؤوليّة ونتائجها، وأسّس الحياة الزوجيّة على أساسٍ من المودّة والرحمة، ممّا يمنح الأسرة بُعداً إنسانيّاً يتفاعل فيه أفرادها بعيداً عن المفردات الحقوقيّة القانونيّة التي تعيش الجمود والجفاف الروحي والعاطفي؛ وهذا ما يمنح الغنى الروحي والتوازن النفسي والرقيّ الثقافي والفكري للإنسان كلّه، رجلاً كان أو امرأة، فرداً كان أو مجتمعاً.

ب-المفاهيم الخاطئة لنصوص القرآن:

من هذه المفاهيم الخاطئة ما يتحدث به الكثير من الناس حين يقرأون قوله تعالى:"  الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ، وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ، وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ، وَاضْرِبُوهُنَّ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (".النساء/34. فيلجأون إلى الضرب عند أول خصام أو اختلاف ، مع أن الضرب ورد في الآية بعد الموعظة والهجر، فأين هو الزوج الذي إن اختلفت معه زوجته أو نشزت عنه وعظها.ثم إن الضرب المتحدث عنه فسره أهل الاختصاص ومنهم ابن عباس كما جاء في تفسير الطبري  بقوله:" الضرب بالسواك وشبهه". والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:" اضربوهن ولن يضرب خياركم". وقال:" خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي".

ب-الأحاديث الصحيحة والفهم الخاطئ:

*أخرج البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ".[1] ﻭفي ﺭﻭﺍﻴﺔ ﻟﻤﺴﻠﻡ ﻴﻘﻭل:" إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا، كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا»[2].

وشتان بين نص الحديث، وبين المثل الشعبي القائل:" المرا ضلعة عوجاء"، الحديث يقول:" خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه".هذا ما أخبر به، وهذا أمر غيبي قد أخبر الله-تعالى- به نبيه-صلى الله عليه وسلم- كما أخبره غيره من الغيبيات التي يؤمن بها المسلم، فليس فيه أي إساءة إلى المرأة، فهل مثلا عندما يخبرنا الله-عز وجل- أنه خلق الإنسان من طين، هل معنى ذلك أن الإسلام يهين الإنسان؟ كلا، إنما هو مجرد إخبار عن حقيقة غيبية لا يعلمها إلا الخالق-سبحانه- وليس علينا إلا التصديق.

إضافة إلى أن إخبار النبي-صلى الله عليه وسلم- عن حقيقة خلق المرأة من ضلع آدم-عليه السلام- كما صرح بذلك القرآن الكريم:" يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها". (النساء/1) يوجهنا إلى حقيقة العلاقة بين الرجل والمرأة وأنها علاقة تكامل وتقارب، فالرجل من المرأة والمرأة من الرجل، كما قال الله-عز وجل-"بعضكم من بعض"(آل عمران/ 195).وهذا الإخبار النبوي يأتي في سياق وصية الرجال بالنساء، أن يستوصوا بهن خيرا، وأن يعاملوهن بالمعروف، وأن يصبروا عليهن، لأن طبيعة المرأة هي طبيعة يغلب عليها العاطفة، بحكم خلقهن الذي لا يعلم مبدأه إلا الله-سبحانه. والولد الذي رأى الحداد يأخذ عيدان الحديد المستقيمة، فيلويها ويُعْوِجها، فقال الولد لأبيه: لماذا لا يترك الحداد عيدان الحديد على استقامتها؟ فعلَّمه الوالد أن هذه العيدان لا تؤدي مهمتها إلا باعوجاجه ، وتأمل مثلاً الخطَّاف وآلة جمع الثمار من على الأشجار، إنها لو كانت مستقيمة لما أدَّتْ مهمتها .فحين تتأمل الضلوع في قفصك الصدري تجد أنها لا تؤدي مهمتها في حماية القلب والرئتين إلا بهذه الهيئة المعْوَجة التي تحنو على أهم عضوين في جسمك، فكأن هذا الاعوجاج رأفة وحُنُو وحماية، وهكذا مهمة المرأة في الحياة، ألاَ تراها في أثناء الحمل مثلاً تترفق بحملها وتحافظ عليه، وتحميه حتى إذا وضعتْه كانت أشدَّ رفقاً، وأكثر حناناً عليه؟. إذن: هذا الوصف من رسول الله ليس سُبَّة في حق النساء، ولا إنقاصاً من شأنهن؛ لأن هذا الاعوجاج في طبيعة المرأة هو المتمم لمهمتها؛ لذلك نجد أن حنان المرأة أغلب من استواء عقله ،ومهمة المرأة تقتضي هذه الطبيعة، أما الرجل فعقله أغلب ليناسب مهمته في الحياة، حيث يُنَاط به العمل وترتيب الأمور فيما وُلِّي عليه. إذن: خلق الله كلاً لمهمة ، وفي كل مِنَّا مهما كان فيه من نقص ظاهر.

*عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى المُصَلَّى، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ» فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ[3]، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ» ، قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَلَيْسَ شَهَادَةُ المَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ» قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: «فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ» قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: «فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا»[4]. وهذا الحديث لا يمكن فهمه بمعزل عن آية الدَّيْن التي تتضمن نصاب الشهادة. في قوله تعالى:" واستَشْهدوا شهيدين من رِجالِكم، فإن لم يكونا رَجُلَيْن فرَجُلٌ وامرأتان مِمَّن تَرضَوْن من الشُّهداء، أنْ تَضِلَّ إحداهما فَتُذَكِّرَ إحداهما الأخرى". البقرة/ 282 . حيث يبدو لهؤلاء الذين يتيهون طرباً باتهام الإسلام أنه يعتبر المرأة ناقصة عقل، وأن نقص العقل هو نقص في القدرات العقلية، ولو أنهم تدبّروا الحديث لوجدوا أن هذا الفهم لا يمكن أن يستوي، وأنه يتناقض مع واقع الحديث نفسه، وذلك للملاحظات التالية:

- ذكر الحديث أن امرأة منهن جَزْلة ناقشت الرسول، والجزلة كما قال العلماء، هي ذات العقل والرأي والوقار، فكيف تكون هذه ناقصة عقل وذات عقل ووقار في نفس الوقت؟ أليس هذا مدعاة إلى التناقض؟.

-تعجب الرسول صلى الله عليه وسلم من قدرة النساء وأن الواحدة منهن تغلب ذا اللب أي الرجل الذكي جدا، فكيف تغلب ناقصة العقل رجلا ذكيا جدا؟.

-أن هذا الخطاب موجه لنساء مسلمات، وهو يتعلق بأحكام إسلامية هي نصاب الشهادة والصلاة والصوم، فهل يا ترى لو أن امرأة كافرة ذكية وأسلمت، فهل تصير ناقصة عقل بدخولها في الإسلام؟!.

وقد سئل فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله عن معنى أن النساء ناقصات عقل ودين...؟ فكانت إجابته كما يلي:

ما هو العقل أولاً؟. العقل من العقال، بمعنى أن تمسك الشيء وتربطه، فلا تعمل كل ما تريد. فالعقل يعني أن تمنع نوازعك من الانفلات، ولا تعمل إلا المطلوب فقط. إذن فالعقل جاء لعرض الآراء ، واختيار الرأي الأفضل. وآفة اختيار الآراء الهوى والعاطفة ، والمرأة تتميز بالعاطفة، لأنها معرضة لحمل الجنين ، واحتضان الوليد ، الذي لا يستطيع أن يعبر عن حاجته، فالصفة والملكة الغالبة في المرأة هي العاطفة، وهذا يفسد الرأي. ولأن عاطفة المرأة أقوى، فإنها تحكم على الأشياء متأثرة بعاطفتها الطبيعية، وهذا أمر مطلوب لمهمة المرأة. إذن فالعقل هو الذي يحكم الهوى والعاطفة، وبذلك فالنساء ناقصات عقل ، لأن عاطفتهن أزيد، فنحن نجد الأب عندما يقسو على الولد ليحمله على منهج تربوي فإن الأم تهرع لتمنعه بحكم طبيعتها. والإنسان يحتاج إلى الحنان والعاطفة من الأم، وإلى العقل من الأب. وأكبر دليل على عاطفة الأم تحملها لمتاعب الحمل والولادة والسهر على رعاية طفلها ، ولا يمكن لرجل أن يتحمل ما تتحمله الأم، ونحن جميعاً نشهد بذلك. أما ناقصات دين فمعنى ذلك أنها تعفى من أشياء لا يعفى منها الرجل أبداً. فالرجل لا يعفى من الصلاة، وهي تعفى منها في فترات شهرية. والرجل لا يعفى من الصيام بينما هي تعفى كذلك عدة أيام في الشهر. والرجل لا يعفى من الجهاد والجماعة وصلاة الجمعة. وبذلك فإن مطلوبات المرأة الدينية أقل من المطلوب من الرجل. وهذا تقدير من الله سبحانه وتعالى لمهمتها وطبيعتها. وليس لنقص فيها، ولذلك حكم الله سبحانه وتعالى فقال:" للرجال نصيب مما كسبوا، وللنساء نصيب مما اكتسبن " النساء / 32.

فلا تقول: إن المرأة غير صائمة لعذر شرعي فليس ذلك ذماً فيها ، لأن المشرع هو الذي طلب عدم صيامها هنا ، كذلك أعفاها من الصلاة في تلك الفترة، إذن فهذا ليس نقصاً في المرأة ولا ذماً، ولكنه وصف لطبيعتها.

ج-الأحاديث النبوية المنكرة والموضوعة في حق المرأة: وهي نصوص كثيرة أحصى منها العلماء أكثر من مائتي حديث كلها تحط من قيمة المرأة ومن كرامتها، وكم من مرة استمعنا إلى بعض هذه الأحاديث في خطب الجمعة أو دروس الوعظ والإرشاد، وسأقتصر على بعض ما اشتهر على ألسنة الناس من هذه الأحاديث، سواء كانت لصالح المرأة أو ضدها. ومن ذلك:

*-"الحمد لله، دفن البنات من المكرمات".[5]

*-"شاوروهن - يعنى النساء - وخالفوهن".[6]

*-" طاعة المرأة ندامة".[7]

*-"النساء لعب فتخيروا ".[8]

*-أخروهن من حيث أخرهن الله. يعني النساء".[9]

*-النساء على ثلاثة أصناف، صنف كالوعاء تحمل وتضع، وصنف كالعر- وهو الجرب -، وصنف ودود ولود، تعين زوجها على إيمانه، فهي خير له من الكنز".[10]

*-ليس للنساء سلام ولا عليهن سلام".[11]

*-"لا تسكنوهن الغرف، ولا تعلموهن الكتابة، وعلموهن المغزل وسورة النور".[12]

*-"للنساء عشر عورات، فإذا زوجت المرأة ستر الزوج عورة، وإذا ماتت المرأة سترالقبر تسع عورات".[13]

*-"إن من النساء عيا وعورة، فكفوا عيهن بالسكوت، وواروا عوراتهن بالبيوت". [14]

*-" ما أكرم النساء إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم".[15]

اقتراحات وتوصيات:

وأكتفي هنا بالتوصيات التي تهم المجال العلمي والديني، مع استفادتنا من التوصيات التي ورد ذكرها من طرف المحاضرين الكرام، سواء تعلق الأمر بالتوصيات المتعلقة بالأمور القانونية أو الإعلامية أو التربوية ...فبالنسبة للعلماءفهم ورثة الأنبياء، لهذا يتمثل دورهم في إيصال هذا الإرث النبوي إلى الناس كافة، عبر خطب الجمعة، ودروس الوعظ والإرشاد، وعبر البرامج السمعية والبصرية. فما دام الجهل بالدين وحقيقته، وما دامت الأمية متفشية في الأمة، وما دامت الأعراف والتقاليد البالية تجثم على قلوب وعقول أبناء الأمة، فلن نستطيع تغيير العقليات ولا الطبائع ولا الأفعال المشينة التي تنتشر في مجتمعنا.

لهذا ينبغي أن تسهم البرامج الدينية عبر الأجهزة السمعية والبصرية ، وكذا خطب الجمعة وبرامج الوعظ والإرشاد في التقليل من هذه الظاهرة في المجتمع، لأن نتائجها لا تتوقف عند المرأة ، بل تنتقل طبيعيا إلى الطفل والأسرة والمجتمع.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

د/ أحمد بن محمد العمراني

رئيس المجلس العلمي لسيدي بنور