عندما نمر فوق برج الحي البرتغالي في رحلة استكشافية لمعالمه التاريخية ، فجأة نصادف 4 مدخنات تنفث دخانا ينبعث من مكان أرضي ، يدفعنا فضولنا لمعرفة مصدر الدخان المنبعث بكثافة ، فنكتشف فرانا بهالة تاريخية واضحة على جدرانه وكل مرافقه التي ظلت مخلصة للماضي شكل كبير وواضح الأمر يتعلق بفران تقليدي عمره 500 سنة أو5 قرون بالتمام والكمال.
فحسب الروايات المتواترة فإن فران الحي البرتغالي الذي نحن بصدد الحديث عنه يعود إلى سنة 1514 ، وتذكر المصادر أنه كان أول مرة عبارة عن فران لأغراض عسكرية برتغالية تتعلق بتذويب الحديد لصناعة الكور أو قذائف كروية الشكل كانت تستخدم في المدافع المنبتتة في نقط مختلفة من السور المحيط بالحي البرتغالي .
ولم تستبعد الروايات أنه خلال تواجد الطغمة العسكرية البرتغالية بالبريجة ، تم تسخير الفران المذكورلأغراض طهاية الخبز ومأكولات أخرى إلى حين الجلاء عن المدينة سنة 1769 لتتحول وظيفته بصفة دائمة إلى فران حومة الملاح وبذلك يكون أول وأقدم فران بالجديدة وتعدى ذلك ليكون الأقدم على الصعيد الوطني .
ورغبة في الاقتراب أكثر من هذه المعلمة التاريخية الوازنة ، فإن الفران به 4 مدخنات ومخزن للأخشاب المستعملة في بيت النار ومكان لترتيب وصلات الخبز وله فتحة كبيرة على البحر ، يحكى أنه في سبعينات القرن الماضي فاض منها البحر على وصلات الخبز وأغرقها .
كان الفران سالف الذكر مرفقا حيويا لساكنة الحي البرتغالي و"الرجيلة" وغيرها من أماكن محيطة به ، وكان ثمن طهو الخبزة الواحدة لا يتعدى 4 ريالات ليصل الآن إلى درهم واحد للخبزة ، وبالإضافة إلى ذلك كان الفران يقوم بعجن وطهو أزيد من 800 خبزة موجهة للبيع في "السوق القديم" ، وكانت بعض طاكسيات الأجرة الكبيرة ذات اللون الأخضر تنقل الخبز البلدي من الفران موضوع حديثنا إلى أسواق أسبوعية كسوق سبت أولاد احسين. وحاليا لايطهو الفران إلا 200 خبزة موجهة للبيع أمام ظهور أفرنة أخرى انتشرت عبر تراب المدينة كفران "ولد الحاجة" قبالة حمام "الدريجات" وفران "ولد الوركة" قبالة بنك المغرب، حيث أصبح اليوم فندق أرت سويس للقادري، وفران "الحرشة" وفران "الحاج أحمد" بدرب البركاوي و فران "فريدو" بحي الصفاء.
وتذكر مصادرنا أن فران الحي البرتغالي كان مفضلا لدى عائلات كثيرة بالحي المذكور نظير عائلات القدميري والمحفوظ والحطاب والنيازي وعبدالله الصوار وزياد والعدول وقلعي ومولاي صالح ووسقي والقيري وبياضي وموسى بلقوينصو وزنيتر وعائلات أخرى نعتذر عن ذكرها .
وكان الحي البرتغالي موطن العديد من العائلات اليهودية التي تعايشت بشكل لافت للانتباه مع الساكنة المسلمة ، ووقع احتكاك كبير بينهما وخاصة على مستوى فن الطبخ الذي كان اليهود بارعين فيه ، وكان فران الحي البرتغالي عشية كل جمعة يستقبل أكلات "السخينة" (الصورة في المرفقات) التي تفنن في إعدادها اليهود ، وعادة يحضرونها إلى الفران يوم الجمعة لتكون جاهزة يوم السبت لأن من عادة اليهود الكف عن إضرام النار بمواقد منازلهم يوم السبت .
و"السخينة" أكلة شهية مكونة من القمح المفسخ ولحم الملج ورأس الحانوت والزعفران شعرة والزبدة والزيت العود والثوم والبصل والعسل والبطاطس الحلوة والرومية والبيض المصلوق بقشوره واللوز والكركاع وتوضع كل هذه الأشياء في طنجية دائرية الشكل ويتم إحكام إغلاقها بواسطة ثوب يطلى بجبص أبيض ، ويحرص على طهايتها في الرماد الساخن لفران الحي البرتغالي وتقدم وجبة شهية .
وتذكر مصادرنا أن عائلات يهودية اشتهرت بها ونقلتها إلى عائلات مغربية مسلمة ، ومن العائلات اليهودية ميير أبرجيل والخياط عاقوقا ووالد الحاخام" اوحيون لازار إيلي" و"لاريدو" الذي كان بارعا في لارمونيكا وعائلة ماكس .
توقفت اليوم عند هذا الفران المعلمة الذي لم يلق التفاتة من المسئولين بحجم حمولته التاريخية ، وحز في نفسي أن منازل بقر ومداشر مربوطة بالتيار الكهربائي وأن هذا الفران لحد الساعة وكأنه في بدايته سنة 1514 لازال بدون كهرباء محكوم عليه أن يقفل أبوابه في وجه المخلصين والسياح الذين يزورونه كلما أذنت الشمس بالمغيب .
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة