على إثر مصرع مواطن أجنبي يتحدر من إيطاليا، منتصف الليلة الماضية بالجديدة، في ظروف غامضة، طفحت مجددا فوق السطح معضلة دينية وفقهية، تتعلق بنقل جثث غير المسلمين. إشكالية أحرجت السلطات الأمنية والمحلية، في ظل غياب سيارة لنقل جثت الأموات غير المسلمين، الملحدين منهم أو الذين يدينون بمعتقدات وضعية أو ديانات سماوية غير الإسلام.
وبالمناسبة، كان درب البركاوي بالجديدة اهتز، خلال العشرية السابقة، على وقع جريمة دم بشعة، راح ضحيتها شاذ أجنبي. حيث عمدت السلطات وقتها إلى نقل جثته إلى مستشفى محمد الخامس، على متن سيارة نقل أموات المسلمين. ما أثار وقتها ردود فعل متباينة.
وحسب وقائع النازلة، فإن قاطنا بعمارة سكنية تطل على شارع محمد السادس بعاصمة دكالة، تفاجأ عند عودته، في حدود منتصف ليلة أمس الأربعاء، بشيء ممد في "لاكور"، لم يستطع نحديد طبيعته، نظرا للظلام الدامس الذي كان يعم المكان. ما حدا به إلى طلب تدخل أحد الجيران، ليصدم الاثنان بجثة رجل، نصفه العلوي يلامس أطرافه السفلى. وكان حافي القدمين، ومرتديا لباس النوم، وبجسده بقع من الدم.
وفور إشعارها، انتقلت إلى مكان الحادث المستهدف بالتدخل، دوريات راكبة تابعة للمصلحة الإقليمية للشرطة القضائية، وتقنيو مسرح الجريمة، وعناصر من فرقة الدراجيين "الصقور"، والدائرة الأمنية التي كانت تؤمن مهام مصلحة المداومة، والفرقة السياحية.ناهيك عن السلطة المحلية ذات الاختصاص الترابي، ممثلة في قائد المقاطعة الحضرية الثالثة.
هذا، وأجرت الضابطة القضائية المعاينات، وباشرت التحريات التي أبانت أن الضحية من جنسية إيطالية، في عقده السابع، وكان يقطن بمفرده قيد حياته بالطابق العلوي(الرابع) من العمارة. ولم يمض بعد على إقامة الهالك في الشقة شهرين، بعد أن كان اكتراها من وكالة عقارية خاصة، لمدة 10 أشهر، دفع أجرها مسبقا.
وحسب مصدر مطلع، فإن الأجنبي هوى من "بالكون" سكنه بالطابق الرابع، من علو يناهز 35 مترا. لكن أسباب سقوطه القاتل، تظل غامضة. إذ تتأرجح بين السقوط العرضي، رغم أن هذه فرضية جد مستبعدة، وبين الانتحار، وفعل فاعل.
وحسب شهادة استقتها الجريدة من الحارس الليلي، فإن الضحية كان يعيش بمفرده، ولم يكن يتردد عليه أحد، نافيا بذلك أن تكون له ميولات جنسية شاذة. وأضاف الحارس الذي يجيد الحديث باللغة الإيطالية، بحكم كونه كان يقيم بالديار الإيطالية، قبل طرده من ترابها، أن الضحية أسر له أنه يخشى العودة إلى إيطاليا، لسبب أو أسباب لم يفصح عنها. وكان الهالك طلب منه اصطحابه إلى مقر أمن الجديدة، إثر ضياع جواز سفره،حسب تصريح المصدر نفسه.
هذا، وعقب الانتهاء من الإجراءات المسطرية والقانونية التي باشرتها الضابطة القضائية في "مسرح الجريمة"، حضرت "سيارة نقل الأموات المسلمين"، لكي تقل جثة الضحية الإيطالي إلى مستودع حفظ الأموات بالمركز الاستشفائي الإقليمي. لكن سائق السيارة سرعان ما انصرف إلى حال سبيله، بعد أن راوده الشك في صلاحية وشرعية نقل جثة الأجنبي غير المسلم على متن سيارة نقل أموات المسلمين.
وبعد مضي وقت بغير القصير، حضرت سيارة إسعاف تابعة للوقاية المدنية، وبعدها سيارة إسعاف أوفدتها عمالة إقليم الجديدة، تابعة ل"المبادرة الوطنية للتنمية البشرية". لكن سائقا العربتين فطنا إلى كونه لا يحق لهما في أي حال من الأحوال، نقل جثة الإيطالي، على متن سيارتي الإسعاف المكلفين بقيادتهما، بحكم أنهما مهيأتان خصيصا لنقل المرضى والمصابين. ما جعلهما يغادران بدورهما المكان. وهكذا، بقيت جثة الضحية الإيطالي غير المسلم عالقة.
وقد مكنت تدخلات قائد المقاطعة الحضرية الثالثة، والذي يعتبر تجسيدا حيا للمفهوم الجديد للسلطة، من حل الأزمة. حيث حصل، بعد مضي حوالي 3 ساعات من البحث وتكثيف الاتصالات، واستعمال علاقاته الخاصة، على عربة من نوع "فوركونيت" تابعة لبلدية الجديدة، جرى إخراجها من "أرشيف" المصالح الجماعية.
وعمد رجال الوقاية المدنية إلى نقل الجثة، بعد لفها في قطعة بلاستيكية كبيرة، ووضعها في العربة الجماعية، التي انطلقت لتوها، في حدود الساعة الثالثة والنصف من صبيحة اليوم (الخميس)، إلى وجهتها المحددة (المستشفى).
هذا، وكان للجريدة اتصال بالفقيه الجليل عبد الله شاكر، رئيس المجلس العلمي بالجديدة، لاستفساره، رفعا للبس والالتباس، عن مدى شرعية نقل جثة غير المسلم، على متن سيارة نقل أموات المسلمين. فكان جوابه أن أحل ذلك، معللا الأمر بكون الأجنبي، عندما كان حيا يرزق، وفي كامل قواه البدنية والعقلية، فإنه كان مسؤولا عن دينه وعقيدته وأعماله تصرفاته، وعلاقته مع الله تعالى. وعندما وافته المنية، وأصبح جثة هامدة، عاجزا عن الحركة، فقد أصبحنا نحن بني البشر مسؤولين عنه. ومن ثمة، فمن حقه علينا كبشر، ومن واجبنا عليه كبشر، أن نتكفل، في حال تعذر الأمر على أسرته وذويه، وفي غياب وسيلة سيارة لنقل الأموات غير المسلمين، (أن نتكفل) بنقله في سيارة نقل أموات المسلمين، إلى بيته، أو إلى مستودع حفظ الأموات، أو لدفنه في مقبرة الأجانب، وذلك حتى لا تبقى جثته عرضة للحيوانات المفترسة، التي قد تنهش جسده ولحمه، ، في حال إذا ما حدثت الوفاة في أرض خلاء. والشيء ذاته، يتعين أن نقوم به، في حال وفاته داخل مسكنه، حتى لا تتحلل جثته.
وأضاف الفقيه الجليل عبد الله شاكر أن ما لا يجب قطعا القيام به، هو انتشال جثة غير المسلم من مثواها في المقبرة، ونقلها إلى مكان آخر، على متن سيارة نقل أموات المسلمين.
وبالرجوع إلى ديننا الحنيف، فإننا لا نجد البتة، سواء بصريح العبارة أو ضمنيا، لا في القرآن، ولا في الحديث والسنة، ولا حتى في اجتهاد الفقه والعلماء المسلمين، ما يحرم نقل جثثت غير المسلمين على متن وسائل النقل ذاتها المخصصة لنقل أموات المسلمين.
والأكثر من ذلك أن الإسلام كرم بني البشر حتى بعد حياته، مصداقا للحديث النبوي الشريف: "إكرام الميت دفنه". حديث لم يخصص الميت لا بذكر جنسيته، أو جنسه، أو لون بشرته، أو انتمائه، أو أي شيء من هذا القبيل.
وبالمناسبة، فإن ثمة 3 أشياء محرمة على المسلمين، وهي: غسل الميت غير المسلم، وإقامة صلاة الجنازة عليه، ومواراتهالثرى في مقبرة المسلمين.
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة