أعمدة الرأي
  • ...
    السلطة القضائية واضرابات المحامين

      في أول سابقة من نوعها في المغرب، اختار المحامون المغاربة عبر جمعية هيئات المحامين بالمغرب يوم الجمعة 32/ 10/2024 من مدينة طنجة، أن يحملوا عصا التصعيد، بعد أن استمروا طيلة أسابيع مضت، وعبر إشارات خفيفة لم تلتقط أو تم تجاهلها من قبل السيد رئيس الحكومة والسيد وزير العدل،  ووصلت سياسة المهادنة والحفاظ على الشراكة الطويلة والتعاون المتين بين وزارة العدل وكل هيئات المحامين بالمغرب، وقتا لا بأس به و أرسلت الجمعية غمزات واضحة للتحضير للقاء لحل المشاكل ومواصلة التعاون والتشارك ،  معتقدين أن أقصى ما يمكن أن يفعله المحامون قد فعلوه، وأنهم لا شك سيعودن للمحاكم وللعمل ، لأن المهنة  حسب ما خيل إليهم أنها مهنة حرة ، ومقاطعة العمل والاضراب عن العمل هو يعني سد صنبور الأتعاب الذي كان يسقي تكاليف مكاتبهم الشهرية وكان يغذي كل حاجات أسرهم وذويهم ، وأنه لا صبر لهم على استمرارهم في قفل هذا الصنبور ، ولم يدر بمخيلتهم أن تصعد جمعيتهم الجبل كما يقال ، وتقاطع كل الجلسات والإجراءات القضائية ، وتخلي ساحات ومكاتب المحاكم من رجال الدفاع ودعاة الحق والعدالة، فالسادة المحامون مضطرون لأن يقاطعوا ليس دفاعا عن مهنتهم وكلمتهم التي يجب أن تكون مسموعة ومحترمة، بل كذلك عن  حقوق ملايين المتقاضين المغاربة الذين سيجدون أنفسهم محرمين من استئناف حكم يتعلق بهم أو طلب نقض قرار أضر بمصالهم، لا لشيء سوى لأن طلبهم لم يصل قيمة المبلغ الذي حددته الحكومة لكي يكون قابلا للطعن بالاستئناف والنق ، ونحن نضرب بهذا الشكل غير المسبوق، لا يجب أن ننسى أن هناك حقوقا لمتقاضين نزاعاتهم تجري أطوارها أمام محاكمنا،  ويحتاجون فيها إلى مؤازرة محامي أو مذكرة محامي لتبين عدالة قضيتهم، فمن سيكفل له حقه في الدفاع حتى يتمكن محاميه من الحضور إلى جانبه، وهو في نفس الوقت ملزم باحترام قرار مؤسساتهم بالإضراب عن العمل، ومن سيحمل هذه المسؤولية التاريخية التي لن تنسى في  تطبيق نصوص الدستور، والعمل على حماية حقوق المتقاضين في وجود الدفاع الى جانبهم، لنتكلم بكل وضوح ونقول أن السلطة القضائية ممثلة  رؤسائها وفي السادة القضاة مدعوون الى الانحياز بشكل كامل لحق الدفاع ، وتطبيق نصوص الدستور الضامنة لحق الدفاع والمحاكمة العادلة ، وهم يجدون أنفسهم صدفة أمام هذا المستجد الذي لم يكونوا في يوم من الأيام يعتقدون أنه سيصدمون به، والسيد الرئيس المنتدب للسلطة القضائية ومعه السيد رئيس النيابة العامة المحترمين، والذين تجمعهم علاقة احترام  وتعاون كبير مع ممثلي المحامين، مدعوون في هذه اللحظة التاريخية، الى أن يستحضروا كيف دافع السادة المحامين على السادة القضاة في كل مؤتمراتهم وفي كل حين ومنذ زمن بعيد لتحسين وضعيتهم المالية وتكريس استقلاليتهم ، وقد ساهم نضال السادة المحامين في أن تتبوأ السلطة القضائية الدرجة التي تستحقها ، لذلك فالجسد والجناح الواحد، يجب أن ينحاز لحمى كل طرف منه ويعمل على انتظار جاهزية جناح العدالة الآخر لكي تطير السلطة القضائية بجناحين ويكون طيرانها سليما وحقيقيا بهدف تحقيق العدالة  كما أن السادة القضاة هم مواطنين، لديهم نزاعاتهم ونزاعات أسرهم أمام المحاكم المغربية، ومعركة المحامين هذه هي معركة للدفاع عن حقهم وحق أقربائهم في طلب استئناف الأحكام وطلب نقضها مهما كانت قيمة الطلب فيها، كما أنها تهمهم كذلك، لأن أغلب السادة القضاة أصبحوا يلتحقون بالمحاماة بعد تقاعدهم الكامل أو النسبي، مرحب بين ذويهم ، فهم بوقوفهم الى جانب المحامين في معركتهم سيدافعون عن مستقبل المغاربة  في ضمان حق الطعن ومستقبلهم في أن يلتحقوا بمهنة قوية موحدة مدافعة ومنافحة عن حقوق المغاربة وعن وضعيتها الاعتبارية ، وتكون كلمتها وحضورها مسموعا واقتراحتها ينظر إليها بعين التشارك لا بمنطق التغافل .    لذلك فالسادة القضاة عليهم أن يعملوا على ضمان حق المحامين كما تنص على ذلك المادة 29 من الدستور من خلال تأخير الملفات حتى يتمكن المتقاضون من الحضور مع دفاعهم، ولا شك أنهم يعلمون أن حقوق المتقاضين المغاربة وحسن سير العدالة كركائز للمحاكمة العادلة منصوص عليها في الباب السابع من الدستور المتعلق بالسلطة القضائية التي تعتبر بحكم الدستور والواقع مستقلة عن السلطة التنفيذية والتشريعية، والمادة 120 منه تنص  على أنه لكل شخص الحق في محاكمة عادلة، وجود المحامي الى جانب المتقاضي أو المتهم كما هو متعارف عليه دوليا أكبر ضمانة وأكبر تيمة التي بدونها لن تكون المحاكمة عادلة، كما حقوق الدفاع مضمونة أمام جميع المحاكم. كما أن العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، نص في المادة 14 منه على حق الدفاع، وهذا الحق يعني حق كل شخص في الاستعانة بمحامي للدفاع عنه، إن كان له مال يمكن به أداء أتعاب هذا المحامي الذي سيدافع عنه، فإن لم يكن له مال، فيمكنه الحصول على دفاع أو مؤازوة محامي على نفقة الدولة أو بمساعدة من نقابة المحامين كما هو الشأن بالمغرب.  إذن فإضرابات المحامين تحفها ضمانتين دستوريتين كبرتين، أولهما الحق في الإضراب، وحق كل شخص في الدفاع الذي لا يعني غير شيء واحد هو استعانته بمحامي للدفاع عنه،  فالسلطة القضائية كسلطة تسعى بكل قوة وتجرد وحياد، لإقامة العدل والحكم بين الناس بالقسطاط بواسطة القضاة المنضوين تحت لوائها، وتعتمد بشكل كبير في الوصول إلى ذلك على كتابات ومرافعات ودفاع السادة المحامين اللذين يقدمون لها النزاعات في أبسط صورة ويسلطون الضوء على كل جوانبها حتى تتضح للقاضي الصورة بشكل تجعله متبينا وملما بشكل شبة كامل بالنزاع، مما يسهل عليه أمر البث فيه وإصدار حكم عادل فيه. كما أن معظم الأنظمة القضائية لدول مختلفة تعتبر وجود المحامي الى جانب المتقاضي من الحقوق الأساسية التي يجب ضمانها، وتعتبر أن المحاكمة لا يمكن أن تكون سليمة وعادلة ومغطاة برداء الدفاع القانوني المختص الذي يمثله المحامي، إلا بوجود هذا المحامي الذي أوكل له المشرع الدفاع عن المتقاضي.  أتمنى بكل صدق أن تسعى السلطة القضائية بكل مكوناتها لضمان حق الدفاع بحث السادة القضاة على تأخير الملفات على الحالة حتى يتم حلحلة هذا الملف وينتبه السيد رئيس الحكومة ووزيره في العدل الى أصوات المحامين ويسارعان لدعوة ممثليهم لطاولة الحوار والسعي لتقريب وجهات النظر والعمل بمقترحاتهم مؤسساتهم.  الأستاذ وهابي رشيدالمحامي بهيئة الجديدة

  • ...
    سبب اهتمام الإسلاميون بالأنثروبولوجي محمد الطوزي

    حضر محمد الطوزي كأحد أهم الشخصيات الأكاديمية في الندوة الفكرية التي نظمها حزب العدالة والتنمية لتقييم حصيلة وتجربة الحزب على المستوى السياسي، واستشراف آفاق عمله وأدواره المستقبلية، وذلك استعدادا لمؤتمره الوطني التاسع المقرر يومي السبت 26 والأحد 27 أبريل 2025، وقال أن الحزب لايزال يمتلك أيديولوجيا صلبة...  يُولي الإسلاميون اهتماماً بالغا لكل ما يقوله محمد الطوزي، إما في مواضيع سياسية عامة أو في تفسير ظاهرة الإسلام السياسي، كما يلقى حضوراً كبيراً داخل مقراتها. هذا الاهتمام غير نابع من حب الإسلاميين للعلوم الاجتماعية والإنسانية ومحاولة الاستفادة منها في الخروج من الأزمات التي يمرون بها، بل لديهم من الفقه وعلم الكلام القديم، ولديهم من المنظرين مثل محمد قطب والسيد قطب وخالص جلبي والريسوني والقرضاوي ما يكفي من أجل فهم الواقع ولو وفق تصورات قديمة.  رغم أن الطوزي لا يقدم أي تفسير جديد للحقل الإسلامي، وكل كلامه قديم لازال يردده حول ظاهرة الإسلام السياسي، كلام لا يخرج عما كتبه بارتريك هايني في كتابه "إسلام السوق"، يحاول توظيف المنهج الإثنوغرافي الذي يبحث في مظاهر اللباس لدى الأخوات والإخوان وطرية تنظيم الجلوس وطريقة تنظيم المؤتمرات ونوع الآيات القرآنية والأغاني والشعارات التي يرددها الإخوان. يقول أن الإخوان تغيروا كثيراً، إلا أنه عند ينظر في النص الديني فإنه يتراجع عن كلامه فيقول أنهم "أصوليون وجوهرانيون ومتصلبون" لا يتبدلون ولا يتغيرون. كان يكفي أن يقرأ الإسلاميون لآصف بيات أو غوشيه أو أليفيي روا أو عزمي بشارة ليستفيدوا أكثر. أيضاً الطوزي ضعيف جداً في البحث العلمي، فقط الكتابة والتدريس باللغة الفرنسية هي من أعطته هذه المكانة، كتب مرة أن عبد السلام ياسين ليس لديه أبناء، وأنه يريد من يجعل من نادية ياسين نموذج فاطمة الزهراء بنت الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبة الحسن والحسين. ولا يدري الطوزي معلومة بسيطة أن الشيخ ياسين لديه أبناء ذكور أيضاً.  إن اهتمام الإسلاميين بالطوزي مرتبط بالأساس ببعض المواقف الإيجابية التي بناها عن التسع سنوات من حكم العدالة والتنمية، بالنسبة له مكنت المغرب من الخروج من مأزق لا يحمد عقباه، قدمت العدالة والتنمية خيارات مهمة للنظام كما أمدته بنخب جديدة لم تتشوه صورتها السياسية، ثم يقول عن جماعة العدل والإحسان أن لها تكوين متين ومرجعية مؤسسة، ذات انتماء مغربي محلي، ومهما كان الاختلاف مع الشيخ ياسين فهو مؤسس مرجعية إسلامية مغربية الهوية، بل إن الجماعة حليف موضوعي للنظام. أيضاً قال الطوزي في أوج أزمة البلوكاج أن بنكران يمثل قفاز الشعب بينما يمثل أخنوش قفاز السلطة. إلا أنه إذا ما نظرنا إلى الطوزي من خلال مواقفه العامة اتجاه النظام السياسي، فإننا نجده يدعم السلطوية ولا يخرج عنها، وأنه في أوج الربيع العربي قال كلام يوضح خيانة المثقف، قال أنه يتألم جداً عندما يرى الملك يتقاسم سلطته مع الإسلاميين، ثم قال أن الإسلاميين ليس لديهم مشروع سياسي. أيضاً نجد الطوزي ضمن لجنة النموذج التنموي التي لقيت انتقادات واسعة، من هي وما صفتها؟ وما الشرعية التي أنتجتها؟ والتي وصف صاحبها بنموسى في حضرة الإسلاميين بالفرنكفوني التي لا يثقن اللغة العربية. إلا أنه انضم للجنة ولم يقدم أي ملاحظات عن النموذج التنموي. كما أنه لا يقدم أية ملاحظات أو مواقف اتجاه قضايا زواج المال والسلطة أو انتهاك حرية الصحافة وحرية التعبير وحرية التجمع. في حين نجد لزميله في المهنة عبد الله حمودي مواقف جد مشرفة حول قضايا كثيرة تهم المغرب.  تبقى وظيفة الطوزي تلك الشَعرة-شعرة معاوية- التي يحافظ من خلالها النظام السياسي على علاقته بالحركات الإسلامية. فهو الأنثروبولوجي الذي درس الإسلاميين الثمانينات حيث اشتهر بكتابه "الملكيّة والإسلام السياسي بالمغرب" الذي نشر سنة 1997. إلا أنه لم يجدد معارفه منذ تلك اللحظة ولازال يعتبر الحركة الإسلامية تنظيم صلب لا يخضع للتغيرات الاجتماعية والسياسية، فموقفها من الديمقراطية والتعددية والحرية موقف ثابت لا يتبدل ولا يتغير. يركز في ذلك على النصوص مثل ما تفعل الدراسات الاستشراقية في حين يُغيب الواقع والممارسات السياسية. عبد الرحيم بودلال: باحث في علم الاجتماع

  • ...
    مسؤولون إيرانيون قد يكونون في دائرة الاستهداف بالرد الإسرائيلي على طهران

    ما من شك أن  الضربة التي استهدفت بطائرة مسيرة، السبت 19 أكتوبر 2024، رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) وزوجته،  في "عقر داره"، بمدينة قيساريا جنوب حيفا، قد تكون حملت إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة الأمريكية، على إعادة النظر في خطة الردع، وتأجيل الرد (la riposte)، الذي كان "وشيكا"، والذي تكون تفاصيله أحيطت بسرية تامة، حتى على ربان المقاتلات الحربية، الموكول  لهم القيام بالمهمة، التي تدربوا عليها بدقة، والذين قد يكونون يخضعون لإقامة  من نوع "VIP"، في القاعدة العسكرية، في انفصال تام عن العالم الخارجي، بفرض قيود على تواصلهم واتصالهم مع محيطهم العائلي القريب، عبر وسائل التكنولوجيا المتاحة،  والذي قد يكون بترخيص، وتحت المراقبة. إذ أن ربان الطائرات الحربية المشاركة، لن يأخذوا علما بالضربة وبأدق تفاصيلها، وبساعة الصفر (00) لتنفيذها، بحلول اليوم (J)، إلا في آخر لحظات التدخل، على غرار ما حصل عند تنفيذ عملية اغتيال زعيم حزب الله (حسن نصر الله).  هذا، فإن المسيرة المتطورة، التي انطلقت، السبت الماضي، من لبنان، واستهدفت بدقة، بعد أن قطعت 70 كيلومترا، بيت رئيس الوزراء الإسرائيلي، وتحديدا غرفة  نومه، وفق ما سمحت بنشره الرقابة العسكرية في إسرائيل، لم تتمكن  الطائرات المروحية، التي لاحقتها في أجواء إسرائيل، عقب رصدها، من إسقاطها قبل إصابة الهدف. وقد انتظر (نتنياهو)  حتى اليوم الموالي (الأحد)، للظهور من حديقة، مرتديا "تي شورت"، في "فيديو" مقتضب،  للتعبير عن شعوره بالفخر.. وبكون شخصه لم يستثن من دفع "الثمن" في "الحرب الوجودية" التي تخوضها إسرائيل ضد إيران. هذه الخرجة اعتبرت بكونها قصد الدعاية والاستهلاك الإعلامي، ولتلميع صورة (بنيمين) في الداخل الإسرائيلي، وكسب التعاطف والشرعية.. هو الذي ما فتئ  يحاول الظهور  في جلدة   "دافيد بن غوريون" (1886 – 1973)،  "البطل القومي"، في نظر الإسرائيليين، والذي كان شغل منصب  أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني،  أرسى قواعد الحرب في إسرائيل، والتي حددها في " نقلها إلى ميدان العدو"، و"مباغتته، من خلال سرعة الضربة الاستباقية".  وبالمناسبة، فقد ارتفعت أصوات من داخل إسرائيل، عقب محاولة تصفية (نتنياهو)،  أججت نيران غضبها منابر إعلامية داعمة للحكومة اليمينية المتطرفة، حكومة الحرب، بعد أن وجهت بقوة أصابع الاتهام إلى  طهران، للضغط من أجل الرد "انتقاما" من محاولة الاغتيال، ومن الضربة الصاروخية، التي استهدفت بها إيران، في 27 غشت 2024، العمق الإسرائيلي،  تحت عنوان "الرد الصادق 2"، أو "عملية يوم الأربعين"، التي جاءت ردا على اغتيال  (فؤاد شكر)، القائد العسكري في حزب الله،  في غارة جوية نفذتها مقاتلة إسرائيلية، على مبنى حارة حريك، بالضاحية الجنوبية لبيروت. وقد تلا الضربة الصاروخية التي نفذتها إيران بحوالي 200 صاروخ، هجوم صاروخي آخر "غير مسبوق"، استهدف بدقة  في قلب إسرائيل،  قاعدة عسكرية، بجنوب حيفا، وكبد وحدة النخبة الإسرائيلية "غولاني"،   4 قتلى و70 جريحا، بعضهم إصاباتهم حرجة.  هذا، فإن توجيه الاتهام والتركيز على محاولة اغتيال (نتنياهو)، بالطائرة التي استهدفته في "عقر داره"، يأتي عقب الفشل المتتالي، منذ ال7 أكتوبر 2023، في حسم الحرب على غزة، وتفكيك حركة حماس،  والقضاء على حزب الله، رغم ما تلقى تنظيمه وقيادته وقيادييه، من ضربات موجعة، باستهدافهم في مقرات إقامتهم وتجمعاتهم، بالضاحية الجنوبية لبيروت؛ هذا الاستهداف الذي جاء عقب اغتيال  (إسماعيل هنية)، رئيس المكتب السياسي  لحركة حماس، في 31 يوليوز 2024، في العاصمة طهران، عندما كان في زيارة للمشاركة في مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، (مسعود بزشكيان)، الذي خلف الرئيس السابق، (إبراهيم رئيسي)، الذي لقي مع وزير خارجيته، (حسين أمير عبد اللهيان)، حتفهما، إلى جانب مسؤولين وشخصيات إيرانية أخرى، إثر سقوط طائرتهم المروحية. وقد شنت بالمناسبة إسرائيل حربا إلكترونية، دشنتها، لأول مرة في تاريخ الحروب "غير التقليدية"، بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي (IA)، والتي استهدفت بها عناصر حزب الله، بتفخيخ أجهزة الاتصال اللاسلكي "البيجر"، بكمية محدودة من "TNT"،  تم زرعها في قطعة "أي سي" (IC).. ثم أجهزة "تولكي ولكي".  وقد نفت طهران علاقتها بمحاولة تصفية رئيس الوزراء الإسرائيلي؛ كما لم يتبناها لا جماعة أنصار الله اليمنية (الحوثيون)، ولا حركة حماس،  ولا تنظيمات المقاومة الفلسطينية، ولا حزب الله العراق، الذين يعتبرون أذرع إيران، في الشرق الأوسط.. قبل أن يعلن حزب الله، بعد أن لزم الصمت مدة 3 أيام، عن مسؤوليته في الاستهداف، الذي حمل بالمناسبة رسالة مفادها: "إذا كان بإمكانكم استهداف قادتنا وقياديينا بأسلحة متطورة ودقة عالية، فإن بإمكاننا كذلك استهداف قادتكم وقيادييكم بالأسلحة المتطورة وبالطريقة الدقيقة ذاتها.. حتى في عقر بيوتهم، ومن مسافات جد بعيدة".  لقد سعت إسرائيل، رغم إقرار حزب الله، إلى تحميل إيران مسؤولية محاولة اغتيال (نتنياهو)، التي جاءت ب3 أيام بعد استشهاد قائد حماس (يحي السنوار). حيث إن تصفيته قد وثقت لها عن كثب  بالصورة الحية عالية الدقة (HD)،  "درون" إسرائيلية،  كانت تقوم بترصد وتتبع (السنوار)، وتخلد  من حيث لا تدري، لحظاته البطولية الأخيرة، وهو يهاجم "مقبلا غير مدبر" بسلاح بدائي "عصا"، المسيرة المتطورة،  ويلقي بقنبلتين يدويتين على الجيش  المدجج بالمدفعيات والرشاشات، ويصيب أحدهم بجروح بليغة.  هذا، فإن الضربة الوشيكة، التي ستشنها إسرائيل، والتي ستكون مباغتة ومتزامنة، ستنطلق من جهات مختلفة؛ وقد تستهدف في الآن ذاته أهدافا متنوعة، ثابتة ومتحركة، ضمنها مواقع حساسة، محصنة تحت الأرض أو في الجبال أو في البحر، تشمل مفاعلات نووية، ومواقع إطلاق الصواريخ، وقواعد عسكرية للحرس الثوري، وقد تكون أضيفت، عقب محاولة اغتيال  (نتنياهو)، التي نجا منها، أسماء مسؤولين إلى دائرة الاستهداف؛ ناهيك عن  إشعال فتيل ثورة أو فتنة طائفية، الذي يظل احتمالا واردا. رد إسرائيل، بتنسيق مع حليفتها أمريكا، والذي الذي  قد ينطلق من أجواء إسرائيل،  أو من البحر، أو قد يكون أيضا من  تراب  "دول حليفة وصديقة"، وقد تستعمل فيه صواريخ عالية الدقة، تطلقها، علاوة على المقاتلات الحربية،  حاملات الطائرات ومدمرات  وغواصات،  قد يعتبر "رد الفرصة الأخيرة" (the last chance)، لطي ملف إيران النووي، وتهديداتها الأبدية للكيان الصهيوني. رد قد يكون شبيها بال"apocalypse"، يندرج في  حروب "الخيال العلمي"، التي يمكن التفرج عليها من داخل إحدى قاعات "ميغاراما"، والتي تستعمل فيها أقمار التجسس وأنظمة تحديد المواقع عالية الدقة، التي تعرف وتحدد كل كبيرة وصغيرة، وأسلحة دمار شامل جد متطورة، من صواريخ "فرصوتية" وقنابل فتاكة، موجهة بدقة  الأشعة، لم تجرب قط؛ إذ لا يعلم  مدى قوة وحجم تدميرها ودمارها سوى "العقول التي ابتكرتها"، وخلقتها وأخرجتها للوجود، من داخل المختبرات والقواعد العسكرية المصنفة "TOP SECRET".  حيث إن هذا الرد الذي قد لم يكن البتة له ما قبله، قد يكون من غاياته وتبعاته توجيه رسالة ردع  إلى دول تعتبرها أمريكا "مارقة". ما قد يدخل "التاريخ" الرئيس الأمريكي (بايدن)، المنتهية ولايته وصلاحيته، ومعه رئيس الوزراء الإسرائيلي، في حالة نجاح هذه الضربة "غير المسبوقة".  وبالمناسبة، فإن الرد الإسرائيلي الذي بات "وشيكا"، قد يتم تنفيذه مباشرة بعد انتهاء الأعياد الدينية التي يحييها اليهود، وعلى أبعد تقدير، قبل إجراء الانتخابات الرئاسية، التي ستعرفها الولايات الامريكية، الثلاثاء 05  نونبر 2024، سيما أن هذا الرد يندرج في إطار معادلة الانتخابات الرئاسية، التي تخوضها (كامالا هاريس)، عن الحزب الديمقراطي، في مواجهة (دونالد ترامب)، عن الحزب الجمهوري. إلى ذلك، وبالرجوع إلى  (السنوار)، الذي انتقل إلى جوار ربه، بعد أن نال الشهادة في سبيل الوطن وفي سبيل الله،  فقد دخل "التاريخ" من بابه الواسع، كما دخله من قبله البطل القومي الليبي (عمر المختار)، الذي أعدمه الاحتلال الإيطالي، في ال18 شتنبر 1931، ولم يتزعزع  لحظة إعدامه بحبل المشنقة؛ حيث ظل منتصب القامة، شامخا كالجبل.. أو كالرئيس العراقي (صدام حسين)، الذي لم يطأطئ الرأس أو ينحني لجلاديه، خلال محاكمته الجائرة، وحتى عندما كان حبل المشنقة ملفوفا حول عنقه،  وظل  شامخا شموخ الجبل؛ حكم بالإعدام جرى بالمناسبة تنفيذه في حق الرئيس العراقي الشرعي (صدام حسين)، في ال30 ديسمبر 2006، والذي أريد، في رسالة مذلة للمسلمين والعرب، أن يتزامن مع ال10 ذي الحجة من سنة 1427،  مع الوقت الذي كانت فيه الأمة الإسلامية تنحر كبش الفداء. كما ان الشهادة التي نالها، قد جعلت من (السنوار)، وعلى غرار المناضل الأرجنتيني (أرنستو تشي غيفارا).  رمزا وأيقونة في العالم، للشعوب المستضعفة، التي تئن تحت  قيود الاحتلال، والتي تتوق إلى الحرية والتحرر،  هذا، فإن الجهة العسكرية التي تكون نشرت تفاصيل استشهاد  (السنوار)، تكون  قد حرمت بنية أو بدون نية  (نتنياهو)، من الانتعاش بالنصر الذي طالما حلم به. (نتنياهو) الذي وصفه حليفه في الحكومة اليمينية المتطرفة، وزير الأمن القومي (إيتمار  بن غفير)،  ب"شكران بن شكران"، ما يعني باللغة العبرية "كذاب بن كذاب"، نسبة إلى والده، الذي يتهم بتحريف تاريخ اليهود وإسرائيل. فكم تكون "عظيمة" حسرة (نتنياهو) لاستشهاد البطل التاريخي، (يحيى السنوار) ! ولكم يكون تمنى لو أنه تم  اعتقاله، بعد الفشل في "اغتياله"، وتقديمه للمحاكمة أمام محاكم إسرائيل، تنقل فصولها مباشرة على الهواء، على القنوات الفضائية العالمية، وفي كبريات الجرائد والصحف والمواقع الإلكترونية! محاكمة قد يريدها أن تكون "مذلة"، تنتهي حتما بحكم بالإعدام، وربما بحرق وإحراق "جثمانه الطاهر. محاكمة قد يكون  (نتنياهو) يحلم ويتمنى أن تكون شبيهة بمحاكمتي العصر، اللتين عرفهما العالم وإسرائيل، في القرن العشرين:   الأولى كانت محاكمة القادة النازيين الألمان، المتهمين بجرائم الحرب، والتي عرفت ب"محاكمات جرائم ما بعد الحرب"،  أمام "المحكمة العسكرية الدولية"، التي فتحت أبوابها رسميا في 20 نونبر 1945، أي 6 أشهر بعد استسلام ألمانيا، في مدينة "نورنبرغ"، التي عرفت باسمها (محكمة نورنبرغ).  والثانية، كانت محاكمة النازي "أدولف أيخمان"، الذي اعتبرته إسرائيل "مرتكب الهولوكوست الرئيسي"، بعد ان اختطفه عملاء،  في 11 ماي 1960، من الأرجنتين، ونقلوه، بعد تخديره، وتغيير ملامح وجهه بالماكياج (..)، على متن طائرة خاصة، إلى إسرائيل، حيث بدأت محاكمته في ال11 أبريل 1961، وتم نقل فصولها على التلفاز؛ إذ تم إعدامه شنقا في 31 ماي  1962، بسجن الرملة.  هذا، ووصف الكاتب والمحلل السياسي الإسرائيلي (أفرايم غانور) في مقال له  في صحيفة "معاريف" القيادة الإسرائيلية بأنها  "تعاني  من جمود عقلي وغطرسة تحت وهم  أن الردع يتحقق  بمجرد امتلاك التفوق العسكري. وهذا الاعتقاد الخاطئ أدى  إلى الشعور بالراحة الزائفة.". إلى ذلك، فإن  الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي يتقلد فيها "أعلى سلطة'"، (علي خامنئي)، قائد الثورة الإسلامية، أو و"الولي الفقيه"، وفق الدستور الإيراني، والمعروف إعلاميا ب"المرشد الأعلى للثورة الإسلامية"،  يعتبر الجهة التي تحدد السياسات العامة، وتشرف على سير السلطات الثلاثة في إيران، في حين يعتبر مجلس الشورى الإيراني الجهة  المخولة دستوريا لسن القوانين والتشريعات؛ فيما تعتبر رئاسة الجمهورية الجهة المنفذة لتلك القوانين. هذا، فيما يوجد القائد (حسن سلامي) على رأس فيلق حرس الثورة الإسلامية "سياه باسداران"، بالفارسية؛ حيث يوكل إلى ما يعرف أيضا بالحرس الثوري الإسلامي،  وفق الدستور الإيراني، الدفاع عن الحدود الإيرانية، وحفظ النظام الداخلي، وحماية نظام الجمهورية الإسلامية، في الداخل والخارج.  لقد دخلت  إيران، التي غيرت فيها الثورة الإسلامية، عام 1979، بزعامة (الإمام آسية الله الخميني)، نظام الحكم الذي كان سائدا تحت حكم (محمد رضا بهلوي)، آخر شاه في إيران،  (دخلت) في صراع مع أمريكا التي ما فتئت تعتبرها "الشيطان الأكبر"، وتهدد إسرائيل بإزالتها من الوجود، ومحوها من على الخريطة. إيران التي يخوض حربا بالوكالة عنها (guerre par procuration)، حزب الله في لبنان، وحركة حماس، وتنظيمات المقاومة الفلسطينية، وحزب الله العراق،  وجماعة أنصار الله اليمنية، الذين يعتبرون "أذرع  إيران" في الشرق الأوسط؛ بيد أن أمريكا وإسرائيل تعتبرانهم "محور الشر". أحمد مصباح .

  • ...
    التطور العمراني بمدينة الجديدة يسير نحو الفوضى

    عرفت الجديدة  توسعا عمرانيا كبيرا منذ  سبعينات القرن الماضي  وارتفعت وتيرته في السنين الاخيرة نتيجة عدة عوامل ساهمت في زيادة عدد السكان في النصف الأخير من القرن 20 ، حيث انتقل عدد السكان حسب الاحصاءات الرسمية  من 55501 نسمة سنة 1971  الى 194934 سنة 2014 وهي الفترة التي عرفت فيها الجديدة ومحيطها  تغييرات اقتصادية واجتماعية جوهرية اذ تم  توطين  عدة مشاريع اقتصادية وصناعية  وتعليمية   وخدماتية وسياحية  بالمدينة ومحيطها  ابتدأت بميناء الجرف الاصفر والمركب الصناعي  للمكتب الشريف للفوسفاط  وفتح جامعة شعيب الدكالي وبناء مؤسسات ومدارس عليا ملحقة بها ،كان لها الاثر الكبير في التحاق عدد كبير من الطلبة من اقاليم اخرى والاهم من ذلك التوسع المضطرد للأحياء الصناعية سواء بالجرف الاصفر و المدينة والنواحي  كل هذه العناصر  وغيرها من مختلف اوجه الدينامية التي عرفتها المنطقة كان  سببا في توافد عدد كبير من المواطنين والمواطنات للاستقرار بها  قادمين اليها  من القرى والمراكز والمدن المجاورة ومن مختلف مناطق المغرب ، هذا التوافد المكثف اضافة الى التزايد السكاني الطبيعي لأهل المنطقة  صاحبه تمدد متسارع للمدينة وتوسع في العمران، واقبال كبير على شراء الاراضي  مما ادى الى ارتفاع مضطرد  لأثمنة العقارات نتيجة الضغط المتزايد للطلب من أجل تغطية حاجيات السكن  وبناء المرافق والتجهيزات الضرورية . أصبح  معها  المسؤول العمومي مرغما على إيجاد أوعية عقارية لإنجاز مشاريع متنوعة: سكنية؛ تجهيزات؛ مرافق عمومية؛ تهيئات حضرية و غيرها من أجل سد الخصاص وتلبية للطلب المتزايد على العقار الحضري. وغالبا ما كان تتم تلبية الاحتياجات باستحداث تصاميم تهيئة ومخططات جديدة تهدف بالأساس إلى اقتطاع مساحات مهمة من الأراضي الفلاحية و إلحاقها بالمدار الحضري بابخس الاثمان ليعاد تجهيزها وتسويقها بأثمنة خيالية من طرف النخبة التي تمتلك المعلومة وتتحكم في المسار العمراني للمدينة . لقد ترتب عن هذا النمو المفاجئ والمتسارع  عدة مشاكل منها ما هو مرتبط بتدبير هذا التوسع الذي تحكمت فيه جهات محدودة  تنتمي للقطاع الخاص  والقطاع العمومي ،  استحوذت على مساحات كبيرة من الوعاء العقاري بالجديدة  بأثمنة هزيلة  وجعلت عشرات الالاف من الاسر تختار امام الارتفاع الصاروخي للأثمان الالتجاء للسكن العشوائي بجوار المدينة الذي تطور بشكل فاضح  قائم على شبهة الفساد والرشوة  على شكل تجمعات سكانية غير منظمة  ودواوير عشوائية تحيط بالجديدة  شمالا وجنوبا وشرقا ، هذه التجمعات اصبحت احدى التحديات الكبيرة لأنها من جهة غير مستفيدة من الخدمات الاساسية من تعليم ومرافق صحية وربط بشبكة التطهير والماء والكهرباء وهو ما تطلب مجهودات جبارة لمحاولة اعادة  هيكلتها وادماجها في النسيج الحضري  وهي العملية التي لا زالت مطروحة لحد الان ويبدو وجود  اكراهات وعراقيل  تحول دون ايجاد حل لها على المدى القريب . ومن جهة اخرى  ستحاصر  هذه الدواوير اي توسع مندمج ومنسجم  للمدينة في المستقبل . ان  تفاقم ظاهرة  السكن العشوائي بجماعتي مولاي عبدالله والحوزية  ما زال مستمرا  لحد الان ويزحف بسرعة في اتجاه مدينة الجديدة ويحاصرها من مختلف الضواحي المحيطة بها الأمر الذي سيثقل كاهلها مستقبلا وذلك بمجرد توسيع المدار الحضري حيث ان تأهيل وادماج هذه الاحياء العشوائية في النسيج العمراني الحضري للمدينة سيتطلب توفير موارد مالية هائلة تتجاوز  الامكانيات الذاتية للمدينة ،ولعل المشاكل والتباطؤ في تأهيل واعادة اسكان الدواوير الخمسة عشر 15 (الغربة المسيرة،لشهب....الخ) هو خير مثال على حجم المصاعب التي يشكلها انتشار السكن العشوائي في جنبات المدينة بكل من الحوزية ومولاي عبدالله ،وذلك بسبب شبهة التغاضي  وتهاون السلطات المحلية والمجالس المنتخبة في محاربة هذه الظاهرةومن المشاكل العويصة  الاخرى التي ترتبت عن التمدد المتسارع لمدينة الجديدة  غياب النظرة الشمولية عند المسؤولين فقد اطلقوا العنان للخواص وبعض مؤسسات الدولة الذين تحكموا  في توسع عمراني مضمونه تجهيز احياء ومساحات لإسكان اكبر عدد ممكن من الناس دون التفكير في المرافق الاساسية من مؤسسات  ادارية وتعليمية وصحية وفضاءات خضراء واسواق وملاعب رياضية ودور الشباب ومواقف للسيارات  وغيرها من الخدمات التي يحتاجها المواطن في حياته اليومية وهو ما سينتج عنه عدة ظواهر سلبية ومشاكل عويصة تقتضي مجهودا كبيرا  للتقليل من انعكاساتها على جودة الحياة بالمدينة. وحتى ذاك الحد الادنى من المساحات الذي برمج لهذا الغرض  بقي حبرا على ورق مما سمح لملاك الارض الاصليين  باسترجاع بعضها بعد مرور 10 سنوات القانونية كما ساهمت بعض القرارات الاستثنائية الملتبسة في ما يتم الحديث عنه ويقتضي التحقيق فيه شبهة  تفويت  بعض المساحات ومشاريع حدائق صغيرة بالأحياء  الى  الخواص  ناهيك عن  غياب تصور عام يراعي الجوانب الاجتماعية والثقافية والحضارية لمجتمعنا فقد فصلت الجديدة بطريقة غير منسجمة  تزرع التفرقة بين المواطنين  وتضعف  اي تفاعل اجتماعي وانساني بين الاحياء  فالساكن بحي المطار يجد نفسه غريبا اجتماعيا عند دخوله حي كدية بندريس او البلاتو مثلا  كما  اصبحنا نلاحظ أن العمارات تنمو بكثافة سكانية عالية  ستشكل لا شك بؤرا لكل الظواهر السلبية  والأمراض الاجتماعية  بسبب جشع المنعشين العقاريين الذين يستفيدون من التواطئات  التي  تأول القانون بما يخدم هؤلاء المنعشين الذين لا يهمهم ما سيقع في المستقبل  الامر الذي سيزيد الامر تعقيدا وسيضاعف من مشاكل قاطني هاته العمارات وستزداد معها مسؤولية القائمين على الشأن المحلي بالمدينة .وزاد من تشويه التطور العمراني بالمدينة عدم الالتزام بتنفيذ تفاصيل المشاريع المسطرة والمتفق عليها   وذلك بالقيام بتغييرات   في البناء الاصلي  وتغيير لأهداف استغلاله بدون ترخيص بسبب غياب اليات التتبع  والتقييم والمراقبة وزجر المخالفات كنتيجة لتعدد الأنظمة القانونية، وتعقد مقتضياتها، وتعدد المتدخلين فيها، وتداخل الاختصاصات أحيانا الشيء الذي نجم عنه صعوبة في التنسيق وضعف في التشاور وتهاون في المراقبة و تطبيق القانون. وابرز مثال على ذلك بالنسبة للمشاريع الكبرى هو تهيئة حي المطار بالجديدة من طرف الشركة العامة العقارية فالمتتبع لإنجاز المشروع يلاحظ ان الأهداف المتوخاة منه لم تنجز بالكامل فقد بني المشروع على التزامات لم تنفذ كإحداث نواة حضرية مندمجة في المحيط مع برنامج متنوع (سكن- ادارات-تجهيزات عمومية...) واحداث القطب الاداري لمدينة الجديدة الذي كان من المفترض ان ينجز بجوار  الساحة الكبيرة لحي المطار   من اجل تحرير كورنيش  مدينة الجديدة من الادارات العمومية لتخصيص تلك الفضاءات  للمشاريع السياحية مع احداث روابط قوية بين مختلف الاحياء وتهيئ احزمة خضراء وتهيئة مطرح النفايات القديم وتحويله لمنطقة للترفيه كل ذلك تم اهماله وتم الاكتفاء بإنجاز عدد من المجموعات السكنية على شكل عمارات ذات كثافة سكانية عالية لا تتماشى وما   عرفه المغاربة منذ القدم في  ثقافة البناء والعمران ولا تنسجم مع موروثهم  التراثي و الحضاري حيث غابت  عن المشروع صور الجمال و الإبداع الفني و الرقي على مستوى تنظيم الوظائف والمهام بهذا الحي الذي اصبح غابة اسمنتية  فاقدة لأية  هوية  ومستنبتا لكل الظواهر السلبية التي تنمو بسرعة  وستشكل تحديا كبيرا في المستقبل على المستوى الامني بالخصوص وجودة الحياة بشكل عام.  وبأحياء اخرى تم الترخيص بتهيئة تجزئات سكنية بخلفية واحدة هي تكديس المزيد من الشقق والمحلات التجارية باقل تكلفة ممكنة على مستوى التجهيزات الاساسية من انارة وفضاءات خضراء ومواقف للسيارات ....الخ فلا لون يعلو فوق لون الاسمنت و لون صباغة الاسوار اذا نادرا ما يصادف المرء بعض الشجيرات المتفرقة وبعض المساحات الصغيرة مخصصة في الاصل كفضاء اخضر  تتكدس بجنباتها  النفايات وتنمو بها بعض الشجيرات والاعشاب بشكل عشوائي  . من المشاكل الملاحظة ايضا  عدم احترام  الوثائق التي على اساسها  تم الترخيص لأحداث بعض التجزئات السكنية  ،  و بعض تراخيص البناء حيث يحدث المنعشون العقاريون  والخواص تغييرات  غير موجودة في التصاميم وتتغافل عنها لجن المراقبة ورخصة السكن وشهادات المطابقة  التي تغمض هذه اللجن عيونها  عن ذلك.كما ان المسؤولين  عن التعمير والمجالس البلدية  المتعاقبة على تسيير المدينة  كثيرا  ما تجاهلوا  او تحايلوا  على قوانين التعمير خصوصا  القانون رقم 25-90المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات .حيث تنص المادة 18 منه على انه لا يجوز الاذن في احداث تجزئات عقارية الا اذا كانت مشاريعها تنص على عدة شروط من بينها  تهيئة المساحات غير المبنية كالساحات والمناطق الخضراء والملاعب ، وهو قليلا ما يتم فواقع  الحال يثبت العكس ، حيث وصل الامر الى الاستحواذ على  المساحات التي خصصت في البداية كمساحات خضراء  و  المساحات التي تدخل ضمن الاسقاطات العمومية   والتي غالبا ما تكون مساحات مجددة ومعلومة بتصميم المسوحات الطبوغرافية الأصلية للمدينة ، فيتم التحايل عليها لتتحول إلى ملكيات في اسم أشخاص بقدرة قادر .ومن ابرز الاختلالات  كذلك عدم احترام مخططات التهيئة وعدم تنفيذ المشاريع المقررة  فعلى مستوى المساحات الخضراء مثلا  كان من المفروض ان تتوفر الجديدة على ما يناهز 500 هكتار من الحدائق العمومية والمساحات  الخضراء وهو مجموع  ما برمج منذ الاستقلال الى الان (بما فيها الشريط الاخضر لوقاية المدينة من اثار التلوث  وتحويل المطرح القديم لمنتزه..) اذ ان حصيلة ما انجز هو ما يقارب 25 هكتارا جله ورث عن الاستعمار (حديقة محمد الخامس – الحسن الثاني – سيدي الضاوي ....الخ) وفي نفس السياق تم تسجيل عدة مخالفات كبيرة كالترخيص بإنجاز بنايات على مساحات مخصصة لإنجاز شارع مبرمج بمخطط تهيئة المدينة (حي السلام ). وفي ضل الفوضى والعشوائية التي طبعت تسيير الشان العام منذ ثمانينات القرن الماضي الى الان تم  الترخيص بانجاز تجزئات سكنية  لم تراع  الضوابط القانونية مما جعلها تعيش مشاكل عويصة يصعب حلها  .هذا المنتوج الاسمنتي يزداد به الوضع سوءا  ويمكن ان نذكر في هذا الصدد على سبيل المثال لا احصر   فتح  ابواب بأسوار الشقق السفلية لبعض العمارات وتحويل اجزاء منها لمحلات تجارية لبيع الحرشة والمسمن وترييش الدجاج وغيرها من الحرف بدون اي ترخيص  واضافة بنايات باسطح المنازل  يقع كل ذلك امام اعين المسؤولين  وبتواطئ  تام مع  بعضهم من  منعدمي الضمير مقابل اتاوات ورشاوي ، بل ان بعض المنتخبين ببلدية الجديدة خصوصا في المراحل السابقة تاجروا بعدة ترخيصات هنا وهناك فتحولت مناضر بعض الزقاق والاحياء الى مشهد بشع وفضاء يتعالى منه الضجيج والضوضاء مما يضر براحة السكان وهدوء المكان.كما لا يجب ان ننس الاشارة الى استنزاف الوعاء العقاري اما بتفويته لإنجاز مشاريع تجارية وخدماتية  خاصة بدون دراسة المردودية المستدامة والحقيقية لفائدة المدينة وعموم ساكنتها . و غياب اي  ابداع لاستغلال امثل للساحات والفضاءات العمومية فساحة البريجة وكورنيش الجديدة مثلا كان من الممكن انشاء طابق تحت ارضي بهما لركن السيارات (مثال ما انجز في طنجة) علما ان ركن السيارات خصوصا في فصل الصيف اصبح مشكلا يؤرق زوار المدينة وساكنتها ...  الم يحن الوقت بعد لايقاف النزييف اصلاح  ما يمكن إصلاحه ؟محمد فتحي

  • ...
    لوحة الجمال والعار

    توجهت أمس لزنقة المرابطين بحي الصفاء لزيارة أحد أصدقاء الطفولة العسري عبدالإلاه، صديق وأخ يشتغل بمدينة "دارمشتات" بألمانيا حضر لتوه قصد صلة الرحم كعادته مع أهل البلدة والأقرباء والأحبة ، قرب المنزل شدت نظري لوحة فنية في غاية الجمال رسمت على جدار "دار Politier " الطبيب الفرنسي الذي غادر البيت والعيادة منذ زمن بعيد إلى دار البقاء ، دار تبعد عن المندوبية الإقليمية لوزارة الثقافة ببضعة أمتار ، سألت  " إبراهيم" عن المبدع صاحب اللوحة باعتبار دكانه يرقد مقابل باب بيت الدكتور الذي لم يعد تسكنه سوى أشجار باسقة وأسراب طيور شادية ، فأكد لي أن الأمر متعلق بشاب يافع قضى زهاء نصف يوم كامل لإنجاز هذه التحفة الفنية ، كان منهمكا في العمل ولا يكلم أحدا، من حين لآخر يعانق قنينة ماء ثم يعود للفرشاة والصباغة.عجيب أمر هذا الشاب، لماذا اختار هذا الفضاء المهجور؟، لماذا الجدار  المحادي لهذه البوابة المقفلة منذ سنين؟  لماذا اختار اللعب بالألوان وسط هذا الركام من الأزبال؟ هل هي فلسفة جديدة في علم الجمال؟ ما أعرفه هو فلسفة "الفن للفن أو الفن للحياة" ، هل هو تمرد من فيض الإبداع على ما آلت إليه المدينة العامرة المهجورة؟ هل أراد هذا الشاب أن يقول لأهل الحل والعقد :  صحيح حيثما وليت وجهي فتمة أزبال لكنكم لن تفسدوا ذوقي، ولن تكبحوا جماح مخيلتي،  أنا هنا صامد بريشتي وألواني وحبي لجدران وتربة وذاكرة مدينتي، لن تطمسوا رونقها، ولن تحطموا كبريائها، ولن تقتلوا عنفوانها . تمعنوا اللوحة كاملة باستحضار محيطها ، تأملوها جيدا ، تأملوها ثانية وثالثة، ألا تشعرون بانتصار الجمال على الأزبال؟ انتصار تقاسيم وجه هذه الأميرة الجميلة رغم حزنها الدفين؟ أكيد دفين إلى حين، تقاسيم وجه رغم الهم والكدر والألم فهي تحمل في كبرياء مساحيق وردية فواحة وتسريحة شعر أخاذة لتقول : سأنتصر، وسأظل بهية فاتنة ساحرة عطرة، وسيذهب من "زبل" المدينة لمزبلة التاريخ ، فعوراتهم مكشوفة .درسك بليغ أيها الشاب  المبدع الجميل(A B) صاحب لوحة "الجمال والعار"،  دامت لك البلاغة .

  • ...
    مداخل إصلاح مدونة الأسرة بين القانون والتعليم والاقتصاد

    غالبا ما يتم التركيز على الجانب القانوني في إصلاح الأسرة، وينظر إلى الاختلالات الاجتماعية التي واكبت مدونة 2004 أنها مشاكل تشريعية محضة، فيتم اغفال دور الاقتصاد والتعليم والسياسة. كما أن النظام السياسي يعزل النقاش العمومي حول المدونة عن حالة التنمية ومستوى التعلم وحجم وفعالية مؤسسات التضامن والرعاية ومنسوب الديمقراطية، كما يعزل مدونة الأسرة عن باقي المدونات التشريعية الأخرى. لهذا الذين يودون التقدم بالمجتمع إلى الأمام يرون أن القانون والتعليم والاقتصاد كلها مداخل يمكن أن تساهم في تنمية المجتمع، بينما الذين يودون الحفاظ على الشكل الحالي للمجتمع أو الرجوع به إلى الوراء يعزلون الإصلاح القانوني عن التعليم والاقتصاد، أو هم بطريقة غير واعية يرون أن التنمية أمراً مختلفاً عما نظرت له العلوم الاجتماعية، يعزلون الاحتكام لقوانين الدين عن الاقتصاد وتقدم المجتمع، وأن التشريعات الإسلامية هي من يمكن أن تساهم في تقدم المجتمع وأن شروط النهضة العربية مرتبطة بسؤال "لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم". في حين أن القانون والتعليم والاقتصاد كلها مداخل متكاملة لتطور المجتمعات، وأن تقدم المجتمعات يكون في تحقيق مزيد من الحريات العامة والشخصية، وأن التنمية بتعبير أمارتيا سين حرية. يتم تفسير كثرة حالات الطلاق التي وقعت بعد مدونة 2004 في الزيادة التي عرفتها حرية المرأة، ولحل مشكلة الطلاق يجب الحجر على المرأة من جديد ومنعها من حقها في طلب الطلاق والولاية. لكن إذا ما رجعنا إلى الحالة الأولى ومنعنا المرأة من الحق في الطلاق فإنه بذلك لم نتمكن من معالجة وضعية المرأة، بل نكون قد كرسنا مزيداً من الخضوع ومارسنا مزيداً من القمع على المرأة، وقمنا بالتستر على حالات العنف الزوجي والظلم الذي يمارسه المجتمع. من خلال نظرة المجتمعات الحديثة فإن الطلاق هو حرية للمرأة، وهو خروج من استبداد الزوج ومن ذكورية المجتمع، به نساهم في تحرير المرأة وخلق حالة التنمية والاستقلال وعدم التبعية، وأنهم كلما كثرة نسب الطلاق إلا وكان المجتمع أكثر تحرراً. إلا أن ارتفاع حالات الطلاق يضعنا في نقاش جديد يتعلق بظهور أنماط جديدة من الأسر لم تكن موجودة، وهي أسر بأم وأبناء دون وجود الأب. لكن هذا النمط الجديد من الأسر يتم اتهامه من طرف المحافظين أنه لا يضمن استقرار الأسرة ولا يوفر الجانب العاطفي والتوازن النفسي للأبناء. إذن التفكير في الطلاق بأنه مشكلة وليس حرية سيرجعنا إلى وضعية المرأة التقليدية ويحفظ لنا نمط الأسرة الأبوية ويمنعنا في التفكير في مداخل أخرى لإصلاح المشاكل المترتبة على الطلاق، فنختزل كل النقاش في مقولة " كم حاجة قضيناها بتركها". لا تستطيع الأم التي لا تعمل توفير القوت اليومي للأطفال، كما لا يستطيع الأب العاطل عن العمل توفير مصاريف النفقة بعد الطلاق لهذا يفضل السجن. إن انخفاض المستوى المعيشي للأسرة المغربية عموماً، وانخفاض مستوى الدخل الفردي وغياب فرص الشغل وضعف التنمية، أو أن فرص الشغل المتوفرة للمرأة فرص هشة، حيث تعمل المرأة في الغالب في قطاع الزراعة لكن دون عقد أو ضمان اجتماعي، كل هذا ساهم في هشاشة الأسرة المغربية وأفقدها تماسكها. أيضاً يتم اختصار حل زواج القاصرات في البعد القانوني لوحده في اغفال للبعد الاقتصادي والتعليمي. إذا كان الزواج المبكر يحرم الفتاة من فرصة التعلم وتحقيق الذات وخلق التنمية. فإن زواج القاصرات في المغرب حسب رئاسة النيابة العامة؛ 86 في المئة منه يتم بعد الانقطاع عن الدراسة، وأغلب الفتيات انقطعن في مرحلة الابتدائي، وأكثر من 13 في المئة منهن لم يلتحقن بالمدرسة. فالذي يسمح بانتشار زواج القاصرات هو فشل المدرسة في ادماج الإناث وفي محاربة الهدر المدرسي، وأن فشل التعليم هو ما يجعل الفتاة تبحث عن بديل إما الزواج المبكر أو العمل في المنازل والحقول. بالإضافة لضعف المستوى المعيشي لدى أسر البوادي مما يجعلهم يبحثون عن موارد أخرى فيقومون بتشغيل أبنائهم في سن مبكرة. لا يتم دائماً حل مشاكل المجتمع بالتشريعات القانونية، وإن كان المطلوب تجديد القوانين من أجل الدفع في اتجاه مزيد من الحرية، فإن الاقتصاد والتعليم والسياسية يجب أن تواكب تقدم تلك القوانين وإلا كانت مجرد حبراً على ورق. لقد اتخذ النقاش العمومي حول إصلاح مدونة الأسرة نقاشاً نصوصياً بين مرجعتين، مرجعية حداثية تنهل من نصوص القوانين والمواثيق الدولية، ومرجية محافظة تنهل من النصوص الدينية، في حين تم إغفال المؤشرات الاجتماعية ودور الاقتصاد وتأثير التحديث والقيم الكونية على القيم المحلية وحجم التغير الاجتماعي. لهذا ينطلق البحث السوسيولوجي من الواقع المتمثل في المؤشرات والمتغيرات السياقية ليقدم قراءة موضوعية في إمكانية تحقيق مزيد من الحريات الشخصية وإمكانية تجاوز الروابط التقليدية لصالح روابط حديثة، وذلك في البحث إلى حجم التغير الذي فرضه التحديث الاقتصادي والتنمية، وما يمكن أن يسمح به من مساواة وفردانية، فيتم تكييف القوانين مع المتغيرات الجديدة الاقتصادية والاجتماعية دون احداث أي اختلالات جانبية، ثم مراعاة الشكل النسقي لتداخل المجالات وتأثيرها على بعضها البعض، كما يسمح البحث السوسيولوجي بفهم الظواهر الاجتماعية والباثولوجيا من أجل معالجتها معالجة صحيحة.    في موضوع الإرث مثلاً فإنه يجب البحث في حجم استقلالية الأسرة النووية عن الأسرة الممتدة، وهل لازالت قيم التضامن والتكافل موجودة، أم أن الجد والأعمام يحضرون فقط عند تقسيم الإرث. ثم البحث في شكل الزواج هل يقوم على الحب والعقلانية والمصلحة الفردية أم يقوم على مصلحة الأسرة الممتدة والاعتبارات التقليدية من الشرف والمكانة، فشكل الزواج يحدد شكل الأسرة النووية وإن كانت الأسرة الممتدة لها استراتيجيات مختلفة، حيث قد تسمح بالزواج العصري أحياناً لكنها لا تتسامح في فقدان بعض من رأسمالها الرمزي.كما يسمح البحث في استقلالية المرأة اقتصادياً وحجم التعليم ووجودها في المراكز العليا بفهم حقوقها القانونية وفهم تداعيات الطلاق، وإمكانيات تدبير المشاكل والاستقلال بالأطفال وبناء أسرة جديدة وحجم المسؤولية المنوطة بها. يلاحظ مثلاً أنه العقد الأخير أصبحت الطالبات يتفوقن على الطلبة في التعليم، وازدياد حجم الإناث داخل الفصول على حساب الذكور، وخرجت المرأة للعمل وساهمت في الإنفاق على أسرتها، كما ساهم نسبياً الانتقال من الأسرة الممتدة إلى الأسرة النووية في تحقيق مزيد من الفردانية بالبحث والاستقلال الذاتي والبحث عن الحميمية وتأكيد الحياة الخاصة للأفراد. الذي لا يعني القطيعة النهائية، بل في الغالب تستمر العلاقة مع الأسرة الممتدة من خلال التواصل في الأفراح والأحزان وتبادل التهاني وطلب المشاورة في الأمور الصعبة، لكن دون وجود علاقات مادية. كل هذا يؤدي إلى استنتاج أن دور المرأة قد تغير وهو في تغير مستمر، ويوضح تقلص المجتمع الذكوري لمجتمع الإنصاف والمساواة، لهذا يجب تكييف القوانين لمسايرة التغيرات الاجتماعية.

  • ...
    عقوبة المجاهرة بالإفطار في رمضان بين الفقه الإسلامي وتشريعات الدول الإسلامية

    قد يصاب البعض بالذهول حين يعرفون أن نصوص القرآن والحديث، ليست بهما أية إشارة إلى عقاب المجاهر بالإفطار في رمضان، وهذا جعل الفقهاء يختلفون من حيث الآثار في من يُفطر بسبب عذر شرعي كالسفر أو المرض ومن يفطر عمدا، فمنهم من قال بضرورة أن يؤدي الفدية متى أفطر بعذر شرعي، ومن قال بواجب الكفارة لمن أفطر عمدا متعمدا، وتتمثل في إطعام 60 مسكيناً بوجبتين تكون بمثل ما يأكله المُكفر. ولكن اتفق الكثير من العلماء بما أن الصيام هو الركن الخامس من أركان الإسلام، على اعتبار صيام رمضان يعتبر فريضة، على المسلم أن يلتزم بها، مع استثناء المرضى ومن هم على سفر والمرأة الحامل، وبعض الحلات المحددة من الصيام، ولذلك فالإفطار في رمضان لم يرد عن الخلف أن اقترافه قد يجعل من اقترفه يواجه بعقوبة الحد، ولكن كان بإمكان الحاكم تحديد عقوبات تعزيرية على المفطرين المجاهرين. ولكن قد نجد بعض الفقهاء الحاليين ممن يعتمدون على الفقه المقاصدي، ( ومنهم الدكتور أحمد الرسوني الذي دعى في  ندوة نظمها “مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق” بقطر، إلى إلغاء الفصل 222 من القانون الجنائي الذي يعاقب المفطرين علنا في رمضان) مدعما مع فقهاء آخرين مطالب بعض النشطاء المغاربة الداعين لإلغاء الفصل 222 من القانون الجنائي المغربي. مدعما طرحه بالقول: (لماذا أتدخل فيه (المفطر) وآخذه إلى مخفر الشرطة وأحقق معه وأرسله إلى النيابة العامة؟) .مؤكدا أن الفصل 222 من القانون الجنائي المغربي الذي يعاقب المجاهر المفطر لا محل له من الإعراب ولا في الفقه الإسلامي ولا في نصوص الشرع، داعيا إلى ترك المواطنين والمجتمع لتفاعلاتهم المدنية التلقائية ولدينهم.وذهولنا سيكبر أكبر حين نعلم أن أغلب التشريعات الإسلامية لا تعاقب على فعل المجاهرة  بالإفطار في رمضان، وأن حتى بعض  الدول التي تعاقب على هذا الفعل، ليست لديها نصوص صريحة في معاقبة هذا الفعل، ولكنها تعتمد نصوص عامة لعقاب هذا الفعل، ونستثني فقط تشريعات المغرب والإمارات والكويت التي تنص بشكل واضح وصريح على معاقبة فعل المجاهرة في رمضان في تشريعاتها الجنائية، ولكن الدول الإسلامية التي تعاقب على الفعل سواء كان مجرما بشكل صريح أو باعتماد القياس على فعل آخر مجرم للخروج من شرنقة عدم تجريم الفعل في نصوصها التشريعية التي لا تعاقب على فعل الإفطار متى تم بعيدا عن العين أو في المنزل ولم يُثر باقي الصائمين، ولكن تتدخل هذه التشريعات لعقاب من يُجاهر بالإفطار في رمضان بدون عذر شرعي، كالإفطار في الأماكن العمومية بدون وجود عذر شرعي.والآن ننتقل للقيام بإطلالة سريعة على بعض الدول الإسلامية التي تعاقب على المجاهرة بالإفطار في رمضان والعقوبات التي تحددها لهذه الجريمةأولا : الدول التي تعاقب بعقوبات قاسية على الإفطار في رمضان في جزر القمر والصومال، وفي بعض المحاكم الإسلامية بها، حين سيطرت بعض الجماعات الإسلامية على السلطة فيها، كانت تعاقب على الإفطار في رمضان بعقوبات قد تصل إلى الإعدام، مع العلم أن باقي المناطق في هذه الدول، لا توجد بها نصوص قانونية تعاقب على هذه الجريمة، أما في السعودية فهذه العقوبة يحددها القاضي حسب ظروف كل حالة، وفق ضوابط وقوانين تكون مستنبطة من أحكام الشرع، تتراوح هذه العقوبة بين الجلد، التي يحددها القاضي أو عقوبة السجن ويحددها كذلك القاضي بتنسيق مع وزارة الداخلية واللجنة القضائية أو تنتهي بالإبعاد خارج المملكة العربية السعودية وتكون هذه العقوبة خاصة بغير السعوديين. ثانيا : الدول التي تعاقب بعقوبات سجنية بشهر أو أكثر على الإفطار في رمضانالمشرع المغربي عاقب على المجاهرة بالإفطار في رمضان في الفصل 222 من القانون الجنائي بقوله (كل من عُرف باعتناقه الدين الإسلامي، وتجاهر بالإفطار في نهار رمضان، في مكان عمومي، دون عذر شرعي، يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة مائتي درهم).وهذا الفصل، يشترط أن يكون المفطر معروف باعتناقه للدين الإسلامي كشرط وعنصر من عناصر الجريمة، لكي يُطبق عليه هذا الفصل ويتابع ويُحاكم أمام المحاكم المغربية بهذه الجريمة، لذلك فنجد أن بعض المفطرين المجاهرين بالإفطار في رمضان، ممن تمت متابعتهم بهذه التهمة، قد دفعوا خلال محاكمتهم  بأنهم غير مسلمين أو أنهم مرضى  أو  كانوا في سفر من مدينة تبعد عن المدينة التي ضُبطوا  مفطرين بها، وأن هذا النص يطبق على المسلمين فقط، كذلك يطلب هذا الفصل توافر عنصر مهم لكي تتم متابعة المفطر  في رمضان، وهو عنصر الجهر بالإفطار، أي أن عملية الإفطار لا تتم في مكان مستور بل في فضاء مكشوف، وأن هذا يشكل استفزازا كبيرا  لباقي الصائمين، فحق الإفطار بشكل سري كفعل، غير معاقب عليه في القانون الجنائي، ولكن متى تم فعل الإفطار بشكل علني، هنا تتدخل الضابطة القضائية لتجري الأبحاث تحت إشراف النيابة العامة التي يمكنها أن تتابع أو تحفظ الملف بناء على معطيات البحث التمهيدي. والقانون الجنائي يُجرم فعل المجاهرة في رمضان، لأن القانون الجنائي يجرم كل فعل يمكن أن يحدث اضطرابا اجتماعيا، وبما أن صيام شهر رمضان في المغرب وفي الكثير من الدول الإسلامية له قدسية كبيرة، ويحترم شعائره الصغير قبل الكبير، وحتى من لهم عذر شرعي يفطرون في سرية تامة وبمعزل عن الصائمين، فإن من يخالف هذا السلوك الديني في رمضان ويقوم بالإفطار علنا قد يتسبب في اضطراب اجتماعي متمثل في استفزاز الصائمين، وقد يؤدي التوتر والنقاشات والتنابز الذي قد يقع بين الصائمين والمفطر في رمضان إلى وقوع جرائم نحن في غنى عنها، لذلك كان تدخل المشرع المغربي وباقي التشريعات لكي تجعل هذا الفعل معاقب ويشكل جريمة فيه حكمة كبيرة لحفظ النظام العام.أما في البحرين فرغم أنه ليس هناك نص صريح يعاقب على فعل الإفطار في رمضان لكن هذا الفعل يتم اعتباره تعرضا للآداب العامة، ويعتبر بذلك القانون البحريني هو أقسى القوانين التي تعاقب المجاهرين بالإفطار في رمضان حيث تنص المادة 208 في فقرتها الأولى بما يلي: ( يُعاقب على التعرض للآداب العامة بإحدى الوسائل المذكورة في الفقرة الأولى من المادة 208 بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات)أما في قطر فالمادة 267 من القانون القطري رقم 11 لسنة 2004 تُجرم الأكل في نهار رمضان وتعاقب المخالف بالحبس لمدة لا تتجاوز 3 أشهر وبغرامة لا تزيد عن " آلاف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين، ولكن المثير هو أن القانون القطري لم يخص هذه العقوبة بالمسلمين فقط مما يعني أن كل مفطر علنا في رمضان كيفما كانت ديانته، يمكن أن يقع تحت طائلة هذا الفصل. أما في الأردن حسب الفصل 274 من قانون العقوبات الأردني رقم 16/1960 فيعاقب المفطر المسلم علنا بالحبس لمدة شهر وغرامة مالية بقيمة 25 دينار، كذلك نجد أن القانون العراقي في المادة 240 من قانون العقوبات يعاقب المجاهر بالإفطار خلال شهر رمضان بعقوبة السجن أو دفع غرامة مالية، كما أن عقوبة السجن قد تصل لمدة 6 أشهر كحد أقصى في حين تتراوح الغرامة المالية بين 250 ألف دينار إلى مليونين".  أما في باكستان ففي تعديلات للقانون الجنائي التي كانت سنة 2017، أصبحت عقوبة من يجاهر بتناول الطعام أو التدخين في رمضان تتراوح بين السجن لمدة تصل إلى 3 أشهر بالإضافة إلى غرامة مالية تصل قيمتها ـ500 روبية. ثالثا : الدول التي تعاقب بعقوبات سجنية تقل عن شهر عن الإفطار في رمضان نبدأ بالإمارات العربية المتحدة  فحسب الفصل 313 من قانون العقوبات يعاقب على الإفطار في رمضان بالحبس مدة لا تزيد عن شهر أو بغرامة لا تتجاوز 2000 درهم لكل من جاهر في مكان عام بتناول الأطعمة أو المشروبات أو غير ذلك من المواد المفطرة، وكل من أجبر أو حرض أو ساعد على تلك المجاهرة ويجوز إغلاق المحل العام الذي يستخدم لهذا الغرض مدة لا تجاوز شهر، وهي بذلك تاكون من بين الدول القليلة التي لا تعاقب فقط المفطر، بل تعاقب كذلك من حرضه أو ساعده أو أجبره  على الإفطار، ولا تفرق في العقاب بين المسلم وغير المسلم ويمكن أن تقوم بإغلاق المحلات التي قدمت أكلا للمفطر في رمضان، ولكن قريبا ستعمل الإمارات على معاقبة المفطرين في رمضان بعقوبة العمل لمدة 240 ساعة في خدمة المجتمع. اما في الكويت فحسب المادة 273 من القانون رقم 44 لسنة 1968 فإن المجاهرة بالإفطار أو الإجبار أو التحريض أو المساعدة على تلك المجاهرة في مكان عام تعتبر جريمة يعاقب عليها القانون بغرامة لا تتجاوز مائة دينار وبالحبس مدة لا تتجاوز شهرا، مع جواز إضافة عقوبة غلق المحل الذي يستخدم لهذا الغرض مدة لا تتجاوز الشهرين، والدولة الثانية التي تعاقب بالإضافة الى الإفطار، تعاقب من ساعد المفطر أو أجبر أو ساعده، وتتفق في فعل التجريم والعقاب لامع دولة الإمارات، قبل أن تعمل علة تعديل عقوبة هذه الجريمة. أما في مصر ورغم عدم وجود نص صريح يعاقب على فعل الإفطار العلني في رمضانفإن بعد ضبط المفطرين يتم إلقاء القبض عليهم من قبل الشرطة ويتم تقديمهم أمام النيابة العامة، وتقوم الأخيرة بإطلاق سراحهم، بعد متابعتهم بعقوبة الفعل الفاضح في الطريق العام وتناول المشروبات الكحولية في غير الأماكن المخصصة لذلك، والتي قد تصل عقوبتها الى الحبس مدة لا تقل عن 3 أيام، وغرامة لا تقل عن 100 جنيه، ولكن في مصر بيمكن أن يُحكم بالحبس لمدة قد تصل لشهر لمن يفتح مطعما، أو يسهل تناول الطعام جهارا في نهار رمضان.  ثالثا : الدول التي تعاقب بعقوبات أخرى عن الإفطار في رمضان نجد مثلا أن القانون العماني ينص في المادة 321/10 للقانون الجزائي رقم 7/1974 يعاقب بما سماه العقوبة التكديرية أو الغرامة من ريال إلى خمسة ريالات أو بإحدى هاتين العقوبتين، والعقوبة تمس كل مسلم أقدم على الإفطار علنا في رمضان دون عذر شرعي، والعقوبة التكديرية تعني حسب القانون العماني السجن من أربعة وعشرين ساعة إلى عشرة أيام والغرامة من ريال إلى عشر ريالات، وهذه العقوبات يمكن للقاضي أن يجعلها موقوفة التنفيذ.ثالثا : الدول الإسلامية التي لا تعاقب على الإفطار في رمضانفي اليمن لا يوجد قانون يعاقب على الإفطار العلني في رمضان، لكن يمكن للشرطة أن تعتقل أي شخص يفطر في رمضان وتتم متابعته بالقيام بفعل فاضح في الطريق العام أو بتهمة ازدراء الأديان.وفي لبنان كذلك لا يوجد نص قانوني يجرّم الإفطار العلني في رمضان، ولكن غالبية الطوائف المسلمة تغلق المطاعم، ويتم النظر الى المفطرين علنا في رمضان أمام الصائمين نظرة ازدراء، ويعتبر فعلهم غير مقبول اجتماعيا.كذلك في فلسطين ليس هناك أي نص قانوني يجرم الإفطار العلني في شهر رمضان. لكن في كل رمضان.  في الضفة الغربية التابعة لحركة فتح تصدر السلطات لوائح تمنع فيها الإفطار العلني في رمضان وتقوم بتغريم المفطر علناً أو تعمل على توقيفه لفترة قصيرة، وكذلك الأمر بالنسبة لقطاع غزة.أما في سوريا فليس هناك أي نص قانوني يعاقب على فعل الإفطار العلني في رمضان،  وكان القضاة يطلقون من يعتقلون بهذه التهمة بدعوى عدم وجود نص قانوني يعاقب على هذا الفعل، قبل أن يتدخل لوزير العدل السابق السيد مصطفى الزرقا  في حديث له مؤكدا ( علمنا أن بعض قضاة الصلح يتهاونون في الدعاوى التي تقام على المفطرين في شهر رمضان وأن البعض الآخر يطلقون سراح المقبوض عليهم بالجرم المشهود بحجة أن لا عقوبة على الإفطار علناً رغم أن  القضاء تدخل باجتهادات تعاقب المفطرين في رمضان ) وبعدها بدأت المحاكم السورية في غياب نص قانوني تعاقب على هذا الفعل اعتمادا على المادة 517 من قانون العقوبات التي تنص على ما يلي : ( يُعاقب على التعرض للآداب العامة بإحدى الوسائل المذكورة في الفقرة الأولى من المادة 208 بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات ) .في تونس أيضا لا يوجد أي نص قانوني يعاقب على فعل الإفطار العلني في رمضان.كذلك ففي ليبيا وفي جيبوتي ليس هناك أي نص قانوني يجرم الإفطار العلني في رمضان، ولكن هذا الفعل مستهجن عند الليبيين.أما في السودان فقد كان الإفطار العلني مجرما. ولكن بعد توقيع اتفاقية السلام بين السودان والجنوب سنة 2006، وبعد تغيير القوانين أصبح هذا الفعل غير مجرم.ونفس الأمر بالنسبة للجزائر فليس هناك أي نص قانوني ينص على تجريم فعل الإفطار في رمضان.في موريطانيا كذلك ليس هناك أي نص قانوني يعاقب على فعل الإفطار العلني في رمضان.في تركيا أيضا يعتبر فعل الإفطار غير معاقب عليه في تشريعاتها الجنائية، وتكون كل محلات الأكلات مفتوحة خلال شهر رمضان، ويتم تناول الطعام في واضحة نهار شهر رمضان بدون مشاكل أو قيود. في أفغانستان حسب علمنا ليس هناك نص قانوني يجرم هذا الفعل، ولكن المفطر في رمضان يتعرض للضرب المبرح.إذن ما يمكن أن نخلص إليه من خلال مقالنا السريع هذا، هو أن لا القرآن ولا السنة النبوية الشريفة حوت نصوصا صريحة تعاقب المفطرين في  رمضان، كما أن أغلب التشريعات الإسلامية لا تعاقب على فعل الإفطار العلني في رمضان، وسلطاتها تغض الطرف عن من يأتون هذا الفعل، لكن هناك بعض الدول التي رغم أن نصوصها الجزائية لا تنص بشكل صريح على تجريم فعل الإطار في شهر رمضان فإنها تستند على تجريم هذا الفعل على نصوص أخرى، وتحدد عقوبات خفيفة على هذا الفعل، ومسلكها في تجريم الفعل رغم عدم وجد نص صريح يعاقب على الفعل في تشريعاتها راجع لاستهجان الفعل من طرف الصائمين ومسه بشعائرهم وشعورهم، واتقاء أن ينجم عن ذلك اضراب اجتماعي يمكن أن تصل حدته إلى وقوع جرائم كرد فعل من قبل بعض الصائمين اتجاه المفطرين.   وتبقى الدول الإسلامية التي تنص تشريعاتها الجنائية بشكل صريح وواضح على تجريم فعل المجاهرة بالإفطار في رمضان هي سبعة دول عربية فقط من أصل خمسة وعشرين دولة، وهذه الدول هي المملكة المغربية والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن وقطر والكويت وعمان، تضاف إليهم دولة باكستان الإسلامية.

  • ...
    التنسيقية بديل عن العمل النقابي

    نجحت التنسيقيات مؤخراً في قطاع التعليم فيما أخفقت فيه النقابات، لقد استطاعت تأطير نساء ورجال التعليم في محطات نضالية كبرى آخرها المسيرة الاحتجاجية التي ضمت أكثر من 30 ألف مشارك بالعاصمة الرباط، رافعة بذلك شعار "اسقاط النظام الأساسي وتحقيق العدالة الاجتماعية". لم تنجح فقط في قطاع التعليم بل في قطاعات أخرى عديدة واستطاعت تحقيق أهداف مهمة، مما يضعها كبديل عن العمل النقابي. كل هذا يطرح أسئلة كثيرة متعلقة بطبيعة التأطير النقابي للعمال والموظفين والاستقطابات البديلة ومن يمثل المطالب الحقيقية. في حراك الريف بالمغرب سقطت كل الوسائط بين المتظاهرين والنظام المغربي "المخزن"، جسد هذا السقوط تعبير المواطن الريفي البسيط في جملة "ما عندي بو الوقت"، وذلك عندما أراد المسؤول المغربي احتواءه. يعني كلامه نهاية زمن التنظيمات التقليدية ونهاية عصر الزعامات، لذلك خاطب ناصر الزفافي ممثل حراك الريف أعلى سلطة في البلد دون وسائط مطالباً إياها بالتدخل السريع لحل مشاكل المنطقة. لقد فشلت في هذه اللحظة كل الأحزاب السياسية في تأطير الجماهير ابتداء بفشلها في القيام بالتنمية، وفشلها مرة ثانية في محاولات احتواء الحراك. في هذه الفترة ظهر خبراء كثر يدقون ناقوس الخطر وينذرون النظام السياسي بخطورة غياب الوساطة بين الجماهير والدولة. في العمل النقابي أيضا ظهرت تنسيقيات كثيرة ابتداء من سنة 2016 في المغرب، في قطاع الطب والتعليم بالخصوص، وهي تنسيقيات تنشط وتؤطر الجماهير عبر مواقع التواصل الاجتماعي قبل النزول إلى الميدان. لهذا ظهور التنسيقيات عموماً هو دلالة على وجود تحول كبير مس الجسم النقابي الذي كان يعتبر المعني الأول من تبني حقوق الشغيلة والدفاع عنها، وهو عجز التنظيمات الكلاسيكية أحزاب ونقابات عن تحقيق مطالب ملموسة للشغيلة. حيث تعني كلمة التنسيقية القيام بمبادرات وتظاهرات من أجل توجيه مجموعة أعضاء لديهم نفس المطالب نحو تحقيق أهداف محددة بدقة، حيث تسعى إلى تأطيرهم كفاعلين لهم نفس الاهتمامات ويشغلهم المصير المشترك.   إن الذي أدى إلى ظهور التنسيقيات هي مواقع التواصل الاجتماعي بالخصوص التي تتيح التواصل الأفقي الديمقراطي بدل التقيد بالهيكل التنظيمي الموجود داخل النقابات، فغياب الديمقراطية الداخلية لدى النقابات وغياب التواصل الفعال يكبح التجاوب مع الأحداث السريعة ويمنع الطاقات الجديدة من الوصول لمراتب المسؤولية، لهذا تأتي التنسيقية كانفراج عن هذا الكبح والمنع للديمقراطية. لا يعني ذلك ضمن نظريات السياسة الليبرالية أن التنسيقيات بديل عن التنظيمات الكلاسيكية أو تعويضاً عنها، بل هي تنظيم جديد ما بعد حداثي له بنيته وطريقته في النضال مختلفة عن السابق، تتبنى في الغالب ملفات خاصة تدافع عنها بطرق مشروعة، تكون هي السبيل الوحيد للحصول على المطالب وتحقيق الذات العاملة عبر عمل جماعي قوامه الحوار والتفاوض، وليس الانحياز لخيارات تفرضها الحكومة أو الباطرونا. تتخذ التنسيقيات القرارات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي خصوصاً الواتساب لأنه الأكثر حصانة، وذلك بتعبير أفقي وشكل توافقي يفرضه النقاش وما يؤول إليه التواصل الافتراضي. إن الذي جعل التنسيقيات تنجح على حساب النقابات هي ما تفرضه من دينامية نضالية يفرضها الواقع المتجدد على حساب الولاء المطلق للزعيم، ثم بحث الموظفين عن إطار يحقق مطالبهم أكثر من بحثهم عن قناعات سياسية وأيديولوجيات بائدة. كما أن الطريقة البيروقراطية والانفراد بالقرارات وعدم الانفتاح على القواعد جعل دور النقابة يتراجع بكثرة، ثم غياب التأطير والتكوين دخل مقرات النقابة وخوف الزعامات على مكانتها من صعود الكفاءات الجديدة أدى لظهور مزيد من التنسيقيات المنفتحة على الأفكار والمواهب الجديدة.

  • ...
    النظام الأساسي أو نظام المآسي ؟

     بعد الإعلان عن النظام الأساسي و إصداره في الجريدة الرسمية بعد سلسلة حوارات  دامت لشهور  عدة بين  النقابات الأكثر تمثيلية  و الوزارة الوصية ، لم يكن متوقعا أن يجعل هذا النظام  الذي توعدت به الوزارة  ليكون نظاما تحفيزيا لجميع العاملين بهذا القطاع، أن  يصبر مصدرا لاحتقان الشغيلة والشارع أيضا . فبعد الاطلاع عليه والتفحص في حيثياته، استشاط الأساتذة غضبا بعدما علموا أن هذا النظام جاء للنيل من مكتسباتهم ،بل نص بنودا لا يمكن نعثها إلا بالجائرة .لم يستصغ  الأساتذة الظلم والحيف الذي لحق بهم مما جعلهم يقررون الخوض في إضرابات متتالية دفاعا عن حقوقهم المشروعة . وبالحديث عن جور هذا النظام الذي اعتبره الأساتذة نظاما مأساويا بما تحمله الكلمة من معنى، والذي يقتضي : _اقصاؤهم من لائحة المستفيدين من الزيادات في الأجرة  والتي وعدت بها الحكومة خلال مرحلة الانتخابات  ،بل تم  تهميشهم وإقصاؤهم بشكل مقصود ،في حين تم الرفع من أجور بعض الفئات ،الشيء الذي جعلهم يشعرون بالإقصاء  رغم مشاق مهامهم و صعوبة عملهم . _تهميش ملف أطر الأكاديميات والذين لم يتم إدراجهم بصفة نهائية وواضحة ضمن الوظيفة العمومية._إدراج مهام جديدة خارج المهام المعتادة ، والغريب في الأمر أنه غير مؤدا  عنها. _ الإجهاز عن حقهم في العطل وذلك بدافع التكوين والذي يكون مسطرا له داخل اوقات العمل بالنسبة لباقي القطاعات التي تمتاز بيوم السبت كيوم عطلة ._ تسطير جملة من العقوبات التأديبية التي لا يمكن ان نفسرها إلا بتعريض أطر التدريس والدعم لسلسلة من الإهانات  والتهديدات .كما يندد الأساتذة   بسوء تسيير الوزير   مؤكدين أنه مسؤول  غير ملم بما يجري في القطاع ، فبعد تصريحاته الغريبة في الآونة الاخيرة، اتضح أن الوزير المحترم  بعيد كل البعد عن الواقع .ويؤكد الأساتذة  العاملون بالقطاع العام أنهم وبعد نجاح الإضراب  خلال الأسبوعين الفارطين ، لن يتراجعوا عن الدفاع عن حقوقهم التي أصبحت ترتبط بكرامتهم بشكل مباشر،  رغم الإقتطاع من أجورهم الهزيلة ، وأنهم ماضون قدما في مواجهة كل تهديدات الوزارة إلى حين تحقيق كل مطالبهم المشروعة . و في ظل الضبابية التي تنهجها الوزارة الوصية في التعاطي مع هذا الملف ، يحمل الأساتذة المسؤولية الكاملة للوزارة  والتي أصبحت تنهج سياسة التهميش لقطاع التعليم العمومي بدعوة انه يرهق كاهل الدولة  و تتعامل معه على  أنه قطاع يثقل الميزانية ،الشيء الذي يجعلنا ندرك أن خوصصة التعليم تلوح في الأفق  والتي لا تخدم الفئات الهشة التي تعاني  أساسا من غلاء المعيشة و ارتفاع الأسعار ... بقلم مفتوح جهاد

  • ...
    نحتاج مدونة جديدة وهؤلاء القضاة والدعاة

    قبل أن أتكلم عن موضوع الرسالة الملكية السامية الموجهة لرئيس الحكومة، والتي يدعوه من خلالها الى فتح ورش إصلاح مدونة الأسرة، لا يمكنني أن أمر على حوار دار بيني وبين موكلة، تعمل في مهنة حرة  محترمة بمكتبي، فقد حضرت الى مكتبي لكي تستشير معي، بعد تعرضها لوعكة صحية خطيرة كادت أن تودي بحياتها، وبما أنها مطلقة ولديها فقط بنات من زيجتها، وكانت ستجري عملية جراحية خطيرة، أخبرتني أنها سلمت الوثائق المهمة والقن السري لبطائقها البنكية لبناتها، مؤمنة بأنها يمكن أن تفارقهم أثناء إجراء العملية أو بعدها بسبب مضاعفات العملية الغير المنتظرة ، لكن مرت أمورها بشكل جيد، ولكن خوفها من الموت ومن مستقبل بناتها بعد وفاتها، جعلها تفكر بشكل آخر واستباقي، فهي  تريد معرفة كيف يمكنها أن تنقل أملاكها إلى بناتها، مخافة أن تودع  الحياة فجأة، وتصبح بناتها في مواجهة عفاريت من الذكور سيخرجهم قمقم التعصيب ويصبحون ورثة شرهون الى جانبها بقوة نصوص المدونة، مشيرة الى أن هناك من أشار إليها بكتابة عقد هبة لهم وهناك من طلب منها كتابة عقد صدقة، وآخرون ممن يحترسون، ويخافون مما ستبديه الأيام طلبوا منها كتابة عقود بيع بينها وبين بناتها، لتهريب التركة المفترضة من كف من سيضع أصبعه فيها بالتعصيب، وهي تائهة ولا تعرف ماذا ستفعل، طبطبت عليها بكلمات نزلت عليها بردا وسلاما، حين قلت لها هوني عليك، ألم تسمعي بأمر الرسالة الملكية الموجهة لرئيس الحكومة والتي يدعوه فيها إلى إصلاح قانون مدونة الأسرة فتعجبت وقالت سمعت شيئا في وسائل الإعلام، لكنني لم أفهم مغزاه  وأبعاده، قلت لها، كوني متفائلة لأن موضوع التعصيب الذي يؤرق بال كل أسرة مغربية لديها بنات فقط ، سيتم حله باجتهاد الفقهاء والعلماء ورجال القانون، وزدتها من البيت شعرا، حين قلت لها بأن صبحك قريب جدا، لأن ملك البلاد حدد للجنة المكلفة ستة أشهر فقط لوضع التعديلات، ففرحت كثيرا، موجهة الكلام لي: إذن علي أن لا أتسرع وأنتظر، قائلة أطلب من الله أن يطيل في عمري حتى يتم حل هذا المشكل في مدونة الأسرة القادمة، فطمأنتها وقلت لها اصبري قليلا، وإن شاء الله بشائر الإصلاح لا بدا لها أن تبشرنا بتعطيل مسألة التعصيب في بالنسخة المقبلة، من مدونة الأسرة، فمازحتها بالقول أنني سأكتب في الموضوع وقد أتطرق الى الحديث الذي دار بيننا، فطلبت مني بإلحاح أن أنشره بكل تفاصيله، لكي يعلم كل المغاربة ما تعانيه بعض الأسر التي لم يرزقها الله بذكر مع مسألة التعصيب.وأعود الآن الى الحديث عن رسالة الملك محمد السادس حفظه الله، التي وجهها لرئيس الحكومة، بعد مرور 19 سنة على تطبيق مدونة الأسرة، الداعية لضرورة إصلاح مدونة الأسرة، التي مثلت قفزة كبيرة في القوانين المتعلقة بالأسرة في المغرب، وتميزت بها كذلك عن كل الدول العربية والإسلامية، فلا شك أن هذه الفترة كانت كافية لظهور مشاكل في تطبيق مدونة الأسرة، وارتفاع أصوات مختلفة داعية لضرورة انفتاح نصوص المدونة بشكل أكثر لإنصاف كل أفراد الأسرة وفي مقدمتهم المرأة والأبناء والآباء كذلك ، فاستجاب الملك لنبض النساء والرجال والبنات والأبناء المكونين لنواة الأسرة المغربية، فلم يكتفي بالدعوة لفتح ورش الإصلاح بل حدد للجنة المكلفة، ستة أشهر لوضع المقترحات، وهو ما يعني أن الإرادة الملكية متجهة لخروج القانون الجديد لمدونة الأسرة بعد مرور عشرين سنة من تطبيق مدونة الأسرة وبدأ العمل بنصوصها، وقد تطرقنا في مقالات متعددة لمشاكل في تطبيق مدونة الأسرة وطلبنا من خلال تلك المقالات أن يتدخل المشرع، لكي يجري تعديلات مستعجلة لرفع الظلم عن أحد أفراد الأسرة في حالات كثيرة، تبقى نصوص المدونة الحالية غير كافية لحلها،  وتحقيق العدل بلين خصومها، وسنعود بإذن الله للتطرق لبعض المشاكل التي عرفها تطبيق مدونة الأسرة ، لكي نساهم كباحثين وممارسين، في تقديم  رؤيتنا ومفاتيحنا البحثية والاقتراحية  لمجموعة من الإشكاليات التي يجب أن يقف على أبوابها المكلفون بتعديل وإصلاح مدونة الأسرة.ولكن  يجب أن لا ننسى شيئا مهما ومفصليا في كل إصلاح ستعرفه مدونة الأسرة، فمدونة الأسرة المتطورة والمعدلة غير كافية لوحدها، لرفع التحدي في تجويد قوانين الأسرة الذي  أصبح يرفعه ملك البلاد كل عقدين، بل يجب أن نستثمر في قضاة شباب، لهم رؤيا جديدة ومجتهدة في تحليل النوازل ووضع الحل الذي يتماشى مع القانون ومع مستجدات المجتمع وتطوراته الحالية، فالقاضي المحافظ الذي يجرنا إلى اجتهادات قرون مضت، ويمر على جسد  النص القانوني الحاضر الموجود ويتركه جثة هامدة لا حياة قانونية لها، ولا يطبقه ويفضل عليه رأي أو اجتهاد قضائي أو فقهي كان له وقته وناسه، مع ما لذلك من تأثير على التوجه القضائي في محاكم المملكة كلها خصوصا  خصوصا ذا كان القرار صادرا عن محكمة النقض، لن يصبح  مع هكذا واقع لأي نص قانوني جديد أي معنى، لأن حنين القضاة المحافظون  للماضي واجتهاد السلف، سيجعلهم يبحثون ويجتهدون بالرجوع لأقوال السلف دائما  لكي يفرملوا نص القانون الجديد الذي ينبعث ويُخلق من واقع جديد، ويفرغوه من محتواه،  مستخدين مفتاح الفصل 400 من مدونة الأسرة ، لذلك أنا لا أدعوا فقط الى تغيير نصوص مدونة الأسرة، بل إلى  الاستثمار في قضاة شباب يؤمنون بروح العصر التي لا تخالف بشكل فج روح الأصالة والنصوص القرآنية الصريحة الدلالة ولكنهم يجتهدون، ويبحثون في استنباط روح النص الذي تم تعديله، ويجتهدون لتطويره وتجويده وفق قوانين مدونة الأسرة المعدلة والقوانين الدولية المقارنة والاتفاقيات الدولية، قضاة شباب يجب أن لا نتركهم فقط في المحاكم الابتدائية، بل نزرع بذرتهم في محاكم الاستئناف والغرفة الشرعية بمحكمة النقض، ونشكر القضاة المحافظون على عملهم وتفانيهم، ونكرمهم بتقاعد وتكريم وشكر جزيل، ونخبرهم بأن التوجهات الجديدة في الاجتهاد في أمور الأسرة قد لا تعجبهم ولا يستريحون لها، وقد يثقل عليهم السير على ديدنها، لذلك فهم مخيرون بين ركوب قطار التجديد أو الاجتهاد أو الوقوف في أول محطة لمغادرة القطار الذي يسير بفكر وتصور جديد ووجهة ثاقبة الى الأمام، تضمن حقوق الجميع رجال ونساء وأبناء بشكل عادل ومتوازن.ونعود الآن إلى توجيه هذه السهام النقدية إلى من يمكن أن تعلوا أصواتهم مخالفين ومعارضين لتعديل قوانين الأسرة، ومطلقي صفارات الإنذار بأن هذه التعديلات ستهدم الأسرة المغربية وتمس الدين والشريعة، وقس عليها من الترهات التي لا تقدم من حل ولا من رأي، ولا تتقن سوى فن الفرملة والتخويف والتكفير وجر المجتمع وأفراده لآراء مضت عليها قرون لأشخاص غير مقدسين اجتهدوا في وقت من الأوقات، أناس كانوا يعيشون حياة تختلف عن حياتنا وعيشتنا، فأقول لهؤلاء،  إن إبراهيم النظام المعتزلي يقول بأن حجية الاجماع ليست في كثرة المجتهدين بل في منطقية ومعقولية الرأي والاجتهاد، فرأي مرصوص ومقدم بشكل منطقي ومتزن في ٍرأينا، حتى لو كان متبنيه أحدا، فهو الرأي الذي يمكن أن نقول عنه اجتهاد، وهذا ليس رأيي فقط ، فالمتلقي للرأي في القرون الماضية الذي كان يتلقف الرأي والاجتهاد ويبتلعه دون تمحيص وتفكير من الخطيب أو الفقيه أو العالم، معتبرا إياه منتهى القول وصفوته، ليس هو متلقي القرن الواحد العشرين الذي أصبح يسافر في كل دقيقة وثانية بين آراء المنتقدين، منتقدين كانوا في الماضي، إذا انتقدوا شيئا في الدين أو خالفوا الجمهور في رأي متفق عليه، حتى ولو كان انتقادهم واختلافهم مع الجمهور بالدليل والحجة الشرعية،  كانوا في الماضي يُقتلون ويُكفرون أو يتم نفيهم،  فمتلقي يومنا، حتى من أطفالنا، أصبح يمحص ويغربل ، ولا يمكن أن يتقبل أي رأي أو اجتهاد أ, قول، إلا إذا اقتنع به وأقنعته بصحة مبناه ومرماه ، وقد يقول لك، عن رأي لا يتماشى مع فكره وتربيته وعصره، هذا غير معقول وغير مفهوم ولا يمكن أن نقبله في عصرنا الحالي، حتى ولو تبناه أعلم المجتهدين والفقهاء، فمتلقي الرأي والاجتهاد والحل في عصرنا هذا ذكي وواعي ومفرق كبير بين ما هو معقول ومقبول وما هو غير مقبول وغير معقول، حتى ولو تم تغليفه بغلاف الدين. فجعل الاجتهاد محصورا في كلام السلف وقولهم، مزايدين على المجتهدين الجدد بمخالفة الدين والشريعة، حتى يصل جهل بعضهم الى حد التكفير، متمسكين بتلابيب الآراء التراثية ومحاربين كل من أراد التجديد متمسكين ببعض المقولات كتلك التي تقول، الأصيل في التليد، وأن البدع في الجديد، فلماذا لا يبحث علمائنا الجُدد من هؤلاء المتيممين بفقه السلف واجتهادهم   ولا يردون أن ينفكوا عنه، لماذا لا يبحثون عن ثواب الاجتهاد،  ويكتفون بسرد ما اجتهد فيه السلف ونالوا عنه الثواب، فعصرنا حسب بعضهم عصر كثرت فيه الذنوب وساد فيه الحرام حتى كاد يقضي على الحلال ويُظلم نوره، فنحن حسبهم مذنبون أكثر من السلف فلماذا لا يجتهدون لكي يُثقلوا ميزان حسناتهم بالاجتهاد، أم أن تفكيرهم مشلول وغير قادر على الابداع والاجتهاد، فليرجعوا إلى اجتهادات السلف التي تعج بها كتب التراث، والتي ذكرت مثلا أن عمر ابن الخطاب وهو خليفة للمسلمين، عطل تطبيق نص قرآني  صريح الدلالة وهو قطع يد السارق، ومن الشواهد المماثلة في ثراتنا، هناك الكثير مما لا يتسع المقال لسردها، في تراثنا كانت فيها إشارات واضحة تدعوا الخلف للاجتهاد، لكن مع الأسف، كان لدينا خلف في معظمه مشدود الى آراء السلف، لا يريد أن يبذل مجهودا للإبداع والاجتهاد وتحمل المسؤولية في الاجتهاد، فالعالم والفقيه الحالي يجب أن يكون مجددا ومرغبا حتى لا ننفر مسلم القرن العشرين من شريعتنا الغراء خصوصا بعد أن أصبح بعض الملحدين يسددون سهاما سامة وقاتلة، تظهر للمشاهد كأنها منطقية ومعقولة، ومن هنا تبدأ ثورة الشك والتساؤل والتي انتهت بالكثير من أبناء المسلمين في بئر الالحاد. نحتاج الى ثورة اجتهادية كبيرة في موروثنا الديني، نحاول من خلالها تطهيرها من كل ما يمكن أن يحرج أو يظهر أنه غير مقبول، ولتكن لفقهائنا الشجاعة لكي يقولوا عن بعض الأحاديث أو أقوال السلف أنها أصبحت غير مواتية لعصرنا وللمسلم فيه، ولإنسان القرن الواحد والعشرون الذي سندعوه لدخول الإسلام، فقد حان وقت تعلية فقه الأولويات الذي يمتح من ضروريات الواقع، وفي مدونة الأسرة حان وقت الاعتماد في تقديم الحلول لمشاكلها، على رجال القانون الممارسين الذين يواجهون تعرجاتها وتمظهراتها في دروب المحاكم وبين ثنايا الملفات، فهم أقرب لعرض الإشكاليات واقتراح الحلول بحكم واقع ما يجري أمامهم، وهذا طبعا دون أن نغفل مشاركة رجال الفقه المجتهدين المجددين الذي لا يجترعون فقط من آراء السلف ثم يجترونه دون اجتهاد وإبداع، دون أن ننسى مقترحات رجال الفقه من جامعيين  يهتمون بقوانين الأسرة، وآراء الجمعيات المدنية بكل تلاوينها، لنأخذ بمن ظهر أن رأيه ومقترحه موافق لواقع الحال ومنصف ولا يميز فئة على فئة، بل سيرفع الظلم عن فرد من أفراد الأسرة.فشعارنا في كل التعديلات القانونية المقبلة، الذي يجب أن نرفعه، هو: رفع أعيننا الى الأفق والتقدم بخطى ثابته، واثقة، منسجمة الى المنصة التي تقف فوقها الأمم المتقدمة كما فعلنا في كأس العالم الماضي مع شباب واعد ومجدد ومؤمن..