''ثوابت'' الألفية الثالثة بالجديدة يفجرون فضائح أخلاقية من العيار الثقيل
''ثوابت'' الألفية الثالثة بالجديدة يفجرون فضائح أخلاقية من العيار الثقيل

لكل زمان ومكان ومجال "ثابته" أو "ثوابته". حيث إن الثابت أن من هؤلاء "الثوابت" من طالته يد العدالة، مثل الحاج "ثابت"، الذي قضى نحبه تحت "حبل المشتقة". ومنهم من لا يزال "ثابتا" على سلوكاته وأفعاله.

و"الثوابت" أولا وقبل كل شيء بشر من لحم ودم.. ومن غرائز تهيج أحاسيسهم، وقد تنسيهم، في لحظات هوان، طبيعتهم البشرية، وتجردهم من قيمهم وسلوكاتهم الإنسانية، وترمي بهم إلى براثين الرذيلة.. إلى الحضيض والنزول إلى الجحيم (descente aux enfers)..

هذا، فإن التاريخ يشهد، والذاكرة العامة تسجل، والعالم الافتراضي أو الأزرق، عالم "الأنترنيت" الذي جعل من العالم قرية صغيرة، يخلد الأحداث والذكريات، كبيرها وصغيرها. فيكفي مثلا إدخال كلمة "ثابت" إلى محرك البحث الإلكتروني "كوكل"، لتتهاوى عليك مواقع التواصل الاجتماعي بمقالات وتدوينات مستفيضة حول النازلة الأخلاقية التي كانت هزت المغرب واهتز على وقعها، مطلع تسعينيات القرن الماضي، والتي جرت عميدا من سلك الشرطة إلى "حبل المشنقة".

وقد يطلعك كذلك المحرك "كوكل" بالصورة والصوت على ما اعتبرته بعض مواقع التواصل الاجتماعي، "فضيحة أخلاقية"، بطلها قائد استغل منصبه ونفوذه، لابتزاز سيدة متزوجة. وعمدت وزارة الداخلية إلى توقيفه عن العمل.. ويبقى بالمناسبة رجل السلطة هذا، "المتهم"، بريئا إلى أن تثبت إدانته.

إن "الثوابت" بحكم كونهم بشرا.. من لحم ودم ومشاعر وأحاسيس، معرضون بطبيعتهم للنسيان. النسيان الذي قد ينقلب من "نعمة" إلى "نقمة"، قد تنسي بعض أبناء جلدتنا أخذ العبر من الماضي، ومن التجارب المريرة. حيث ينساقون، في لحظات ضعف، وراء غرائزهم البهيمية.. وهي حالة لاشعور ولاوعي، يلتقي فيها الإنسان والحيوان سويا، ويصبحان وجهين لعملة واحدة.. غير أن الحيوان تشفع له "حيوانيته" والطبيعة وطبيعته. فهو لا يقدم على الانجرار وراء غريزته وشهوته الفطرية إلا لضرورة التكاثر (la prolifération)، والإبقاء على الفصيلة التي ينتسب إليها في الطبيعة (la procréation).

"الثوابت" نجدهم في كل زمان ومكان ومجال. فهم يتحدرون من بيئات وأوساط اجتماعية وأسرية مختلفة. فثمة "ثوابت" من عامة الناس، تورطوا في فضائح أخلاقية قمة في الدناءة، أحدهم اغتصب وقتل صغيرة شقيقته (رضيعة) المتحدرة من أزمور، وأحدهم مارس الرذيلة مع شقيقة زوجته، وتكللت علاقتهما بمولود (13 سنة)، في إطار زنا المحارم التي يحرمها الإسلام، ويعتبرها القانون الجنائي المغربي فقط مجرد ظرف مشدد للعقوبة الأصلية. لكن المستهدفين في تحقيقنا الصحفي، هم من طينة خاصة، تتوفر فيهم، في إطار الانتقائية من أجل انتسابهم إلى "نادي الثوابت"، شروط ومعايير تميزهم، ويتميزون بها عن باقي "الثوابت" من الأناس العاديين.

الجديدة لا ولم تشكل البتة الاستثناء للقاعدة العامة، فيما يخص "الثوابت" الذين قد يكون وجودهم وتواجدهم داخل أي مجتمع من المجتمعات، ضروريا، ولو بشكل تناقضي.. للحفاظ، من منطلق "الجدلية" أو "الديالكتيك"، على بعض التوازنات. فالشيء لا يكون ذي قيمة إلا بنقيضه.. أوليس التناقض يؤدي إلى الصراع، والصراع يؤدي إلى التطور؟

هذا، فإن "ثوابت" الجديدة قد تكون لهم مميزات خاصة وخاصيات توحدهم، ويلتقون فيها. لكن ذلك يشكل استثناء، لا يمكن البتة وفي أي حال من الأحوال، أن يعتبر تشهيرا وإساءة مقصودة أو غير مقصودة للجديدة وأهلها (وصاحب التحقيق الصحفي منهم)، أو يمس بكرامة واعتبار أسر "الثوابت"، أو بالهيئات والمرافق التي ينتسبون إليها، بحكم أن المسؤوليات الجنائية والقانونية والأخلاقية، تكون شخصية وفردية، ولا يمكن تعميمها داخل دائرة محددة، على أشخاص آخرين، ذاتيين كانوا أو معنويين، ولو كانوا تربطهم أو على علاقات دم وقرابة أو صداقة أو زمالة مع "الثوابت"، سواء ممن طالتهم يد العدالة، أو من أفلت من قبضتها.

إن الحديث ذو شجون، يجر بعضه إلى بعض، كما يجر "الثوابت" بعضهم إلى بعض. فأحد "الثوابت" في عاصمة دكالة، كان إمام مسجد شهير، مثل في حالة اعتقال، شهر شتنبر 2015، أمام الغرفة الجنائية الابتدائية باستئنافية الجديدة، على خلفية جناية التغرير بفتاة قاصر (16 سنة)، واحتجازها داخل شقة، وهتك عرضها. وقضت في حقه المحكمة ب6 سنوات حبسا نافذا، باعتماد ظروف التشديد، بالنظر إلى المنصب الديني والروحي الذي شغله. وقد خفضت الغرفة الجنائية الاستئنافية العقوبة الحبسية إلى 3 سنوات. وكان هذا "الثابت"، الإمام الشهير، يؤم في المسجد الشهير، بالسلطات وكبار المسؤولين والشخصيات والأعيان.

وقبل هذا "الثابت" (إمام المسجد)، كان ثمة "ثابت" آخر.. مؤذن مسجد في البئر الجديد (50 كيلومترا شمال عاصمة دكالة). وكان، وهو بالمناسبة رب أسرة، اختلى، بعد صلاة العشاء، شهر رمضان الماضي، بسيدة متزوجة داخل بيت الله، حيث مارسا الرذيلة، قبل أن تحاصرهما جموع المواطنين. وقد أدانتهما الغرفة الجنحية بابتدائيةالجديدة، ب4 سنوات حبسا نافذا، سنتين لكل واحد منهما.

 

وفي سياق الفضائح الأخلاقية بالجديدة، التي أبطالها "ثوابت"، هناك مسؤول رفيع المستوى، اشتغل في الحقل الديني، ضبطته دورية تابعة للفرقة الترابية للدرك الملكي بسيدي بوزيد، متلبسا، شهر أبريل 2011، بممارسة الجنس مع تلميذتين، على متن سيارة المصلحة، تابعة للدولة، على الشاطئ الصخري، قبالة المركز الفوسفاطي "سيدي صالح"، حوالي 15 كيلومترا جنوب الجديدة. وصادفت الفاحشة التي ارتكبها المسول الديني، الجمعة.. اليوم الذي كان أقام فيه صلاة الجمعة في المسجد. ورغم تنازل الزوجة عن حقها في متابعة الأخير، شريك حياتها، على خلفية الخيانة الزوجية، أدانته الغرفة الجنحية بابتدائية الجديدة ب3 أشهر حبسا نافذا.

وثمة شخصية رفيعة المستوى، ذو حس فني و"جمالي" رفيعين.. يحب السهر وقضاء الليالي في المنتجع الدولي. وحصل أن كان زير النساء (كازا نوفا) أو (دون خوان)، عائدا، على غرار عادته، من محطته السياحية المفضلة، في ساعة متأخرة من ليلة الأحد 6 ماي 2012، بمعية السيدة الفنانة، بنت الصحراء، على متن سيارته الفارهة وغير المميزة. وبمجرد وصوله عند السد القضائي، أشار إليه ضابط الشرطة القضائية الذي لم يعرفه ولم يتعرف عليه، بالتوقف. وأشار (الضابط) إلى مساعده بمباشرة إجراءات المراقبة الروتينية، غير أن الأخير، وما أن شاهد سائق السيارة "هاي كلاس"، حتى وقف مستقيما، وأدى تحية الاحترام العسكرية للشخصية رفيعة المستوى، الذي أحس بحرج، جراء "إهانته"، بإخضاعه أمام مرافقته السيدة الفنانة، لإجراء المراقبة. وبعض مضي وقت وجيز عن هذا "الحادث"، اختفى "الباراج" القانوني بقدرة قادر من المشهد المألوف، ومن على الخريطة الجغرافية، بعد أن كان قائما منذ سنوات خلت، وكان يعمل بنظام التناوب (3/8)، تحت جميع مواصفاته القانونية، وبموجب قرار مديري (صادر عن المديرية العامة للأمن الوطني)، وبتنسيق مع النيابة العامة.

وكانت بالمناسبة "المخالفة المهنية الجسيمة"، التي ارتكبها ضابط الشرطة، أنه طبق حرفيا القانون الجاري به العمل، وفق ما أملاه عليه الضمير والواجب المهنيان، وتقيدا بتعليمات رؤسائه، وبما تلقاه خلال تداريبه وتكويناته في المعهد الملكي للشرطة، وكذا، التزاما بالدوريات التي مافتئت المديرية المركزية تحيلها على المصالح الأمنية اللاممركزة.

هذا، وما أن تفجرت هذه "الفضيحة" المزلزلة على أعمدة الصفحة الأولى (la une) من جريدة وطنية مستقلة، حتى عاد السد القضائي بسرعة الضوء التي كان أزيل بها من قبل، إلى مكانه الاعتيادي، عند مدخل عاصمة دكالة.

وهناك "ثابت" آخر لا يقل شأنا عن "الثابت" الشهير. فهذا "الثابت" الذي "هو في خريف العمر، وما عندو لا مرة ولا دراري، ويعاني من مرض مزمن"، كان تحرش ذات يوم من شهر رمضان، عندما كانت الشمس في عز حرها، ورئيسه ومرؤوسوه يحللون صيامهم، (كان تحرش) بعاملة نظافة، الفاتنة (ز.). إذ أراد التغرير بها واستدراجها إلى ممارسة الرذيلة معه في مكتبه بالطابق السفلي. ولأن السيدة عفيفة وشريفة وتخاف الله، فقد ثارت في وجه مرتكب كبرى الكبائر في شهر رمضان.

ودخل على الخط المسؤول الأول، ومارس ضغوطات على الضحية، لثنيها عن تسجيل شكاية في موضوع هذه الجناية الكبرى، بغاية طمسها، والتستر على مرؤوسه، ذراعه اليمنى.. غير أن ما أقدم عليه المسول الأول كان أولا وقبل كل شيء، لحماية نفسه من ويلات فضيحة أخلاقية مدوية، قد تضع حدا لمساره المهني، ولطموحاته. وقد رضخت مكرهة "الضحية" (ز.)، عاملة النظافة، المغلوب على أمرها، والتي جرى تنقيلها بعيدا عن مقر المرفق، الذي كان مسرحا للفضيحة الأخلاقية من العيار الثقيل. فضيحة مازالت الألسن تتداولها بسخرية وبمذاق النكتة.

إذ لو أنها كانت تفجرت، لكانت حقا "مزلزلة"، و شبيهة بجميع المقاييس بفضائح "ثابت" الشهير. ولكانت بامتياز فضيحة الألفية الثالثة. وبالمناسبة، "ليس ثمة دخان بدون نار". ومن سيبحث، سيجد، وسيعرف.

هذا، فإن لهم "ثوابتهم"، وللجديدة "ثوابتها". ف"ثوابتهم" قد يكونون أفضل حالا.. ف"ثوابتهم" على الأقل، وعلى رأسهم "ثابتهم" الذي أعدمه الرأي العام والسلطة الرابعة، "صاحبة الجلالة"، كما يسميها المصريون في بلدهم، والذي أقبر معه لغز اختفاء الشريط رقم: 32 خلال محاكمة العصر السريعة (القرن العشرين)، لم يمارس الفواحش في أماكن الصلاة (المساجد)، ولم يدنس بيوت الله، ولم يرتكب كبرى الكبائر في رمضان، شهر العبادة والصيام، ولم يحاول حتى التحرش بسيدة مستضعفة ومغلوب على أمرها، في المرفق الذي كان يعمل فيه.

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة