بتعليمات من وكيل الملك بابتدائية الجديدة، وضعت الضابطة القضائية لدى الدائرة الأولى بأمن الجديدة، ليلة الأربعاء الماضي، "فيدور" تحت تدابير الحراسة النظرية، على خلفية "اعتداء مزعوم" على شرطي، كان بمعية شابة مخمورة داخل مطعم–حانة بعاصمة دكالة.
ولاستجلاء حقيقة ما حدث،
اطلعت الجريدة على تسجيل حي بالصورة (فيديو)، مدته حوالي 20 دقيقة، التقطته عدسة كاميرا
مثبتة على واجهة المطعم–الحانة بالجديدة، الذي يحمل اسم "بوتشيني". حيث تظهر
في ال"فيديو" الذي تنشر الجريدة منه مقطعا مقتضبا (أقل من 5 دقائق)، فتاة
تخرج لتوها من المطعم–الحانة، في حالة هيجان،
وتشرع تحت تأثير السكر، في الاعتداء على "فيدور"، عند بوابة المطعم–الحانة، وضربه بحذائها الذي نزعته من قدمها، دون أن يبدي
الشخص المعتدى عليه أدنى مقاومة.. وبعد ذلك
تظهر وهي تلج إلى المطعم–الحانة. وما هي إلا دقائق معدودة، حتى تظهر ثانية الفتاة وهي
تخرج من "الحانة" من بوابتها الرئيسية، التي تطل على شارع نابل، ويتبعها
مرافقها الذي كان يمسك بال"فيدور" من ملابسه، ويجره بقوة بضعة خطوات إلى
القرب من نخلة على الرصيف. ويظهر "الفيدور"، حسب ال"فيديو" رفقته،
وهو يتخلص من قبضة الشخص الذي كان يحكم الإمساك به من ثيابه، والذي لم يكن إلا شرطيا
بالزي المدني.
وأمام ذهول الفضوليين الذين
تجمهروا في عين المكان، يسقط الشرطي
"عرضيا"، بعد أن يفقد توازنه، على أرضية الرصيف المبللة، بسبب غزارة الأمطار،
في تلك الليلة (ليلة الأربعاء الماضية). فيما تعاود مرافقة الأخير (الفتاة)، كما يظهر
جليا في ال"فيديو" رفقته"، اعتداءها على ال"فيدور"، الذي
ظل دون مقاومة أو ردة فعل.
هذا، ولم يكن لا الشرطي
ولا مرافقته يفطنان إلى عدسة الكاميرا التي كانت ترصد من أعلى واجهة المحل العمومي،
حركاتهما وتحركاتهما.. إلى حين حضور دورية راكبة، أوفدتها مصلحة المداومة التي كانت
الدائرة الأمنية الأولى تؤمن مهامها، ليلة
الأربعاء الماضي.
وبالمناسبة، فإن ثمة شهود
عيان يؤكدون وقائع النازلة التي التقطتها عدسة الكاميرا، والتي اطلعت عليها الجريدة، إذ أبدوا استعدادهم للإدلاء بشهاداتهم وإفاداتهم أمام الضابطة القضائية،
وأمام وكيل الملك، والتي تجمع على أن ال"فيدور" الموقوف، لم يعمد إلى الاعتداء
أو تعنيف الشرطي، أو تعريضه للسرقة، سرقة ماله وهاتفه النقال (...). وقد وثقت الجريدة
بالصورة والصوت، من خلال تسجيل ال"فيديو" رفقته، لشهادة حارس ال"باركين"
بجوار مطعم–حانة "بوتشيني"، والذي أضاف، بعد سرده تفصيليا وقائع النازلة،
أن دورية أمنية حلت في عين المكان، وطلبت تدخل سيارة إسعاف، أقلت الشرطي، ضحية
"الاعتداء المزعوم"، إلى المستشفى الإقليمي محمد الخامس. فيما اقتادت الضابطة
القضائية ال"فيدور" والفتاة التي اعتدت على الأخير، إلى مقر مصلحة المداومة،
حيث تم وضعتهما تحت تدابير الحراسة النظرية.
هذا، وبعد الكشف على الشرطي
داخل قسم المستعجلات، الأربعاء والخميس 23 – 24 نونبر 2016، على التوالي من طرف الدكتور
(خ.)، والدكتور (س.)، تبين أن حالته الصحية
سليمة وعادية، سيما أن نتائج الكشف عليه بالأشعة
(سكانير)، جاءت سلبية. ما يبرر عدم تسليم طبيبي الحراسة إياه شهادة طبية تثبت العجز
"المفترض"، جراء "الاعتداء المزعوم". وهذا ما حدا بالموظف الأمني
إلى الولوج إلى مصحة خاصة بعاصمة دكالة، خدماتها الطبية مؤدى عنها.
وبالمناسبة، فإن هذه النازلة،
خاصة في ما يتعلق بقرار الوضع تحت تدابير الحراسة النظرية، تستدعي التوقف عند ما يبرر
هذا الإجراء من الوجهتين الواقعية والقانونية. فبالنسبة للوجهة القانونية، فقانون المسطرة
الجنائية قد حدد أسباب وظروف وشروط الوضع تحت الحراسة النظرية.. أما من الوجهة الواقعية،
فهل كانت هناك فعلا "حالة التلبس"،
أي تلبس لا لبس ولا التباس فيه بالأفعال المنسوبة إلى كل من ال"فيدور" والفتاة
التي اعتدت عليه، والتي كانت داخل "المطعم–الحانة"؟
فبالنسبة للفتاة، فإن الفعل المرتكب، مبرر من الوجهتين الواقعية والقانونية،
وفق معاينة حالة السكر التي كانت عليها، بجميع مواصفاتها وأعراضها المعروفة، طبقا لمقتضيات
الفصلين 4 و5 من المرسوم الملكي المؤرخ في: 21 يوليوز 1967.
أما بالنسبة لل"فيدور"
الذي تم وضعه تحت تدابير الحراسة النظرية، فهل كانت ثمة حقا وفعلا "حالة التلبس"
علاقة بالنازلة المزعومة، أي التلبس بالفعل الذي يعاقب عليه القانون الجنائي؟ وهل ثمة
شهود عيان (شهود الإثبات)، استمعت الضابطة القضائية إلى شهاداتهم في محاضر قانونية؟ وهل ثمة ما يفيد من الوجهة الطبية أو الصحية، الواقعة
المزعومة، من قبيل الإدلاء بشهادة طبية مضمنة لمدة العجز "المفترض"، الذي
يكون نتيجة فورية ل"الاعتداء المزعوم". شهادة طبية يجب أن تكون مسلمة، درءا
للشبهة في واقعيتها ومصداقيتها، وفي هذه النازلة بالذات، من قبل قطاع الصحة العمومية،
وليس من قبل عيادة أو مصحة خاصتين، سيما أن الشرطي الذي يدعي الاعتداء عليه، أقلته،
بإلحاح منه وطلب من الدورية الأمنية المتدخلة من مصلحة الديمومة، سيارة إسعاف إلى المستشفى
الإقليمي محمد الخامس؟
وهذا ما يقود مباشرة إلى
الخوض في التعليمات النيابية، وقرار الوضع تحت تدابير الحراسة النظرية، ووضعهما تحت
المجهر، بغض النظر عن التطرق إلى السلطة التقديرية التي يخولها القانون في إطار ضيق
ومحدود. هذه الإجراءات التي اتخذها وأصدرها وكيل الملك، ممثل المجتمع والحق العام،
الساهر على سيادة واحترم القانون في منطقة نفوذه الترابي، والذي يعتبر "خصما شريفا"،
والضامن للمحاكمة العادلة، التي يتم تتويجها بأحكام قضائية، تصدر باسم جلالة الملك..
وما يقود كذلك إلى استحضار "الصورة" التي وضعت فيها الضابطة القضائية ممثل
النيابة العامة المختصة، ومدى مطابقة تلك الصورة التقريبية والنسبية، لحقيقة النازلة
ووقائعها وحيثياتها، والمعطيات الأولية، والإجراءات المسطرية والقانونية القبلية، التي
وافته بها، والتي حدت بوكيل الملك إلى اتخاذ قرار يقضي بوضع ال"فيدور" تحت
تدابير الحراسة النظرية ، وتقييد حريته لمدة محددة (48 ساعة).
. الحرية، حرية الإنسان التي تعتبر أسمى الحقوق
الكونية.
ومن جهة أخرى، هل قامت
الضابطة القضائية، خلال البحث القضائي الذي تجريه تحت إشراف وكيل الملك، بتحديد طبيعة
العلاقة ما بين الشرطي والفتاة التي اعتدت على ال"فيدور" (علاقة شرعية...)،
والتي تم وضعها تحت تدابير الحراسة النظرية؟
وبالمناسبة، وفي حال إذا ما اعتبر تبادل إمساك الطرفين أحدهما بالآخر، الشرطي، وال"فيدور" الذي بدا في وضعية من يبحث عن تخليص نفسه من قبضة غريمه، (اعتبر) تبادلا للعنف أو للضرب والجرح، فيتعين وضعهما سويا تحت تدابير الحراسة النظرية، ومتابعتهما إما في حالة اعتقال أو في حالة سراح، وفق مقتضيات القانون الجنائي، وكذا، استحضارا لمبدأ "القاعدة القانونية عامة ومجردة".
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة