عاشت عاصمة دكالة، الجمعة 26 أبريل 2019، حوالي
التاسعة والنصف مساءا، على وقع أحداث عنف خطيرة، أبطالها العشرات من الملثمين
الذين عاثوا خرابا ودمارا في "حي للا زهرة"، غير بعيد من سوق
"بير ابراهيم"، الذي لا تفصله إلا أمتار معدودة عن مقر الدائرة الأمنية
الرابعة.
النازلة "الإجرامية" تناقلت وقائعها تفصيليا
مواقع التواصل الاجتماعي، وأصدرت بشأنها المديرية العامة للأمن الوطني بلاغا مديريا،
تحدث عن توقيف ستة أشخاص، ضمنهم ثلاثة قاصرين، للاشتباه في
تورطهم في أفعال تتعلق بالسرقة
وتبادل العنف بواسطة أسلحة بيضاء، والرشق بالحجارة، وإلحاق خسائر مادية
بممتلكات الغير، وتكسير زجاج عشرات
السيارات والمركبات الخاصة، ضمنها حافلة
للنقل الجماعي للركاب. ومازال البحث جاريا
لتوقيف باقي المتورطين في الأفعال الإجرامية.
فحسب المصادر، فإن ملثمين تتراوح أعدادهم ما بين 40
و50 فردا، جلهم من القاصرين، قدموا من "حي القلعة" بمدينة الجديدة، إلى
"حي للازهرة"، وكانوا مدججين بسيوف وعصي وهراوات، حيث هاجموا واعتدوا بشكل
عشوائي على المواطنين، وعلى المحلات التجارية، والسيارات المستوقفة في الشارع
العام، وزرعوا الرعب. وأضافت المصادر أن الملثمين كانوا حلوا بأعداد أقل، ليلة
الخميس الماضي، بالحي ذاته. وخلال هجومهم الكاسح، كان الملثمون المدججون بالأسلحة
البيضاء، يرددون شعارات تدعو إلى
الانتقام.
وتحدثت المصادر عن ضلوع مشجعين من بعض فصائل
"الإلتراس" (les ultras)، في أعمال الشغب والعنف و"البلطجية"
التي هزت مدينة الجديدة، والتي بلغت حد "الانفلات الأمني"، والتي وثق لها بعضهم بعدسات هواتفهم النقالة.
إلى ذلك، وبعد الخبر الذي استهلكته إعلاميا على نطاق
واسع المواقع الإلكترونية المحلية والوطنية.. فإن الوقت الآن ل"قراءة في ما
وراء الخبر"، حتى يستوعب الدرس المسؤولون والسلطات ومن يهمهم الأمر مركزيا
ومحليا، ويتفادون مستقبلا تكرار مثل هذه النازلة غير محسوبة العواقب، والتي زعزعت
سكينة المواطنين، سيما أن مدينة الجديدة مقبلة على فصل الصيف، الذي تتضاعف فيه
ساكنتها بأزيد من أربع مرات.. وضع تزداد معه حدة الإجرام، ونشاط المجرمين الذي
يتوافدون من خارج عاصمة دكالة.
هذا، فإن أحداث عنف وشغب وفوضى من هذا القبيل، لا
يمكن أن تكون عفوية وأن تحصل بتلقائية، دون التحضير المحكم لها، خاصة بالنظر إلى
طبيعة المتورطين فيها، وكون المكان الذي
انطلقت منه معروف، وهو "حي القلعة" الذي لا يبعد سوى بمسافة محدودة عن
مركز المدينة، عن مقر الأمن الإقليمي، كما أن الضالعين كان عددهم مفضوحا، ويتراوح
ما بين 40 و50 جانحا، جلهم من القاصرين، حسب ما تداولته المصادر، ناهيك عن كونهم
كانت تتوفر لديهم النية الإجرامية المبيتة، لكونهم كانوا مدججين بأسلحة بيضاء، عبارة
عن سيوف وحجارة وعصي وهرواوات.. وكانوا يضعون أقنعة على رؤوسهم، حتى لا يتم التعرف
عليهم، وتحديد هوياتهم، والاهتداء إليهم.
وهنا يدخل الدور الاستباقي للمصلحة الإقليمية
للاستعلامات العامة بأمن الجديدة، والتي من المفترض والمفروض أن تكون أخذت علما
بما كان يتم التخطيط والتحضير له في الخفاء.. والتي كان عليها أن تنسق انطلاقا من
النتائج التي كان عليها أن تتوصل إليها، مع مصالح الأمن العمومي، والشرطة
القضائية، حتى يكون تدخل الأمن وردع الجريمة بشكل استباقي، وليس حتى تقع الواقعة،
ويتم الشروع في عد الخسائر والضحايا، وتقييم خطورة "الانفلات الأمني"،
وانعكاساته السلبية على استقرار الأمن والنظام العام.
فإذا كانت مثل هذه الأمور تحدث، ولا يتم العلم بها من
قبل الاستعلامات العامة إلا بعد حصولها.. فماذا لو حدث الأسوأ، لو حدث أمر من شأنه
أن يهدد أمن الدولة وأمن المجتمع، من قبل الأعمال التخريبية التي تحضر لها
الجماعات الإرهابية، والتي يعود بالمناسبة الفضل إلى مصالح "الديستي" في
تفكيك اثنتين منها، شهر فبراير 2016، وشهر يناير 2017، في اللحظات الحاسمة، من داخل
شقتين سكنيتين بعاصمة دكالة، إحداهما كائنة على مقربة من الثانوية-التأهيلية محمد
الرافعي، غير بعيد من مركز المدينة، والأخرى، في حي الصفاء، على مقربة من المحطة الطرقية
للمسافرين..؟!
وعليه، فإن هذا ما يسائل بقوة وإلحاح رئيس الأمن
الإقليمي عزيز بومهدي، ذي التكوين الاستعلاماتي، والذي يعتبر أصغر مسؤول أمني تم
تعيينه، في تاريخ المديرية العامة للأمن الوطني، على رأس الأمن الإقليمي للجديدة،
والذي استطاع أن يطوي المسافات، ويترقى إلى المراتب والمناصب العليا. وهذا ما
يستشف بالواضح والملموس من مساره المهني المتألق، والذي تورد الجريدة بعضا من
جوانبه.
عزيز
بومهدي الذي استكمل، الخميس 26 أبريل 2019، بالشهر والأسبوع واليوم، سنته الخامسة
على تنصيبه رئيسا للأمن الإقليمي للجديدة. حيث إن هذه الذكرى أو هذا الحدث قد تزامن
مع اندلاع أحداث العنف والشغب في "حي للازهرة". فهو من مواليد 1970، وقد
ولج إلى السلك الشرطة، سنة 1993، بالمعهد الملكي للشرطة بالقنيطرة، حيث فضى سنتين
في التكوين المخصص لفوج عمداء الشرطة. وكان تعيينه في أهم محطات مساره المهني،
بمصالح ولاية أمن الرباط، حيث تقلد مهمة رئيس المصلحة الولائية للاستعلامات
العامة والتقنين. وفي سنة 2012، جرى نقله إلى ولاية أمن فاس.
وقد حالف الحظ عزيز بومهدي في أن يصبح واليا لأمن فاس بالنيابة، بعد أن
أعفت المديرية العامة للأمن الوطني، والي الأمن مصطفى الرواني، الاثنين 31 مارس
2014، بوقت قليل قبيل إحالته رسميا على التقاعد. كما حالف الحظ للمرة الثانية عزيز
بومهدي، عندما أنهت المديرية العامة للأمن الوطني، شهر أبريل 2014، ولاية والي الأمن الإقليمي نورالدين السنوني،
على رأس الأمن الإقليمي للجديدة، والذي لم يكن وقتها أكمل حتى سنته الثالثة، وعمدت
إلى تنقيله إلى ولاية أمن فاس.. ما أتاح تعويضه بشكل طارئ ومفاجئ في منصبه بالجديدة،
بالمسؤول الأمني عزيز بومهدي، الذي كانت ترقيته، سنة 2012، إلى رتبة عميد إقليمي، ثم،
سنة 2015، إلى رتبة مراقب عام.
هذا،
وكان عامل غٌليم الجديدة، معاذ الجامعي، قال في حفل تنصيب عزيز بومهدي، أن رحيل
المسؤول الأمني نورالدين السنوني، يعتبر خسارة للجديدة.
إلى ذلك،
وبغض النظر عن الدور الاستعلاماتي في التصدي لأحداث الشغب والفوضى والعنف التي هزت
عاصمة دكالة، فثمة جانب آخر لا يقل أهمية في ردع تلك الأفعال بشكل استباقي.. وهو
الجانب الموكول للأمن العمومي بمختلف تلويناته، من سيارات النجدة ودوريات راكبة،
وفرق الدراجيين، وغيرهم. فكيف لمنحرفين تتراوح أعدادهم ما بين 40 و50 فردا، ملثمين
ومدججين بالأسلحة البيضاء، أن ينطلقوا من حي القلعة، الذي لا يبعد إلا بأقل من
كيلومتر عن مقر الأمن الإقليمي للجديدة، وأن يعبروا أهم شوارع وأزقة المدينة،
ويقطعوا أقل من كيلومترين، وأن ينتقلوا إلى وجهتهم المحددة، دون أن ترصدهم
الدوريات الشرطية، وأن يعيثوا خرابا ودمارا، ثم يعودوا من حيث أتوا..؟!
هذا ما
يجرنا إلى استحضار الإجراءات والتدابير الأمنية المعتمدة، وفي طليعتها الانتشار والتغطية
الأمنيين بمدينة الجديدة، والتدبير المعقلن للموارد البشرية والحصيص الأمني،
وللدوريات الراجلة والراكبة (..).
وبهذا
الخصوص، فقد استفاد رئيس الأمن عزيز بومهدي من إجازة مدتها 15 يوما، من
الاثنين فاتح أبريل، وإلى غاية الاثنين 15 أبريل 2019، دون احتساب عطلة نهاية
الأسبوع (السبت والأحد 30 – 31 مارس 2019). وقد قام بالنيابة عنه العميد الإقليمي شرف
الدين القسراوي، رئيس المنطقة الأمنية لسيدي بنور.
وعلى
غرار العادة، فقد شكل المسؤولون الأمنيون دوريات راكبة، ضربت حراسة لصيقة على
إقامة رئيس الأمن الإقليمي، خلال إجازاته. حيث ظل أفرادها يرابضون على مدار ساعات
اليوم، في نقطة ثابتة، قبالة إقامته بشارع ابن تومرت، على متن سيارة بيضاء اللون،
تحمل رمز "ش".
وقد عملت
الدوريات التي تم استنفارها، 24 ساعة/24ساعة، و7 أيام/7أيام، بنظام التناوب 8×3.
حيث كان الفوج الأول يستأنف عمله على السادسة صباحا، وإلى غاية الواحدة بعد
الظهر، والفوج الثاني، من الواحدة ظهرا، وإلى غاية التاسعة مساءا، والفوج الثالث،
من التاسعة مساءا، وإلى غاية السادسة صباحا.
وبين
الفينة والأخرى كان أفراد من فرقة الدراجيين المتنقلة وسيارات النجدة، يلتحقون
بالدوريات المرابضة قبالة إقامة رئيس الأمن.
وقد عرف
شارع ابن تومرت، الذي توجد به إقامة رئيس الأمن، في الآونة الأخيرة، ليل–نهار،
تغطية أمنية غير اعتيادية، لا تعرفها حتى النقاط السوداء، والأحياء والتجمعات
السكنية، المترامية الأطرف بعاصمة دكالة.
هذا،
ويخيل للمرء وهو يعاين الحماية الأمنية الخاصة، المضروبة عن قرب على إقامة رئيس
الأمن، أن الأمر يتعلق بإحدى مقرات مؤسسات الدولة، أو الإدارات
"الحساسة" أو البعثات الأجنبية، أو بإقامة شخصية أميرية، أو بشخصية من
دول "البيترودولار"، أو بمسؤول حكومي من العيار الثقيل، أو بشخصية
دبلوماسية لدى السفارات والقنصليات المعتمدة بالمغرب، وليس بموظف أمني عادي، شأنه
كباقي موظفي الدولة، وسكنه لا يختلف في شيء عن سكن سائر المواطنين.
وحتى أن
بعض المرافق العامة، والمؤسسات والإدارات العمومية بالجديدة، لا تحظى بحراسة
أمنية، على غرار الحراسة التي فرضها رئيس الأمن على إقامته الشخصية والخاصة. وحتى أن المسؤول
الترابي محمد الكروج، الذي حظي بثقة الملك محمد السادس، عمد، بعد أن تفضل جلالته
بتعيينه، شهر يونيو 2017، على رأس السلطة الإقليمية الأولى بإقليم الجديدة، في أول خطوة، إلى القطع مع البرتوكولات
والشكليات، ومظاهر التباهي والعظمة. وقد قام بالمناسبة بتقليص عدد أفراد القوات
المساعدة، الذين كانوا مكلفين بحراسة الإقامة العاملية، في عهد العامل السابق،
معاذ الجامعي. كما أنه لا يكلف أية دورية شرطية بحراسة إقامته، خلال إجازاته
العاملية.
وعليه،
فإذا كان المسؤول الأمني يخص إقامته بحراسة مشددة، أليس من حق رعايا صاحب الجلالة،
المواطنين وسكان عاصمة دكالة، ونقاطها السوداء، وأحيائها وتجمعاتها السكنية،
المترامية الأطراف، أن يحظوا بتغطية أمنية، تقيهم ويلات الجريمة، التي باتت تهدد،
إثر استشرائها، حياتهم وسلامتهم الجسدية، وممتلكاتهم.. ؟!
والجدير
بالذكر أن المديرية العامة للأمن الوطني لم تعد توفر منذ سنوات، السكن الوظيفي لكبار أطرها الأمنية، وما يصاحب
ذلك من تكليف حراس الأمن، لحراسة المسؤولين الأمنيين في سكنهم الوظيفي. حيث تخصص
لهم تعويضات مالية عن السكن، وهم يتكلفون بإيجاد السكن الذي يليق بهم، وبمن يحرسه
على نفقتهم الخاصة.
هذا، وأفاد
مسؤول أمني رفيع المستوى، أنه لا يحق لأي مسؤول أمني، كيفما كانت رتبته
ودرجته، أن يسخر دوريات الأمن، والموارد البشرية والمادية وغيرها، من أجل
حراسة إقامته الشخصية والخاصة، خلال فترة إجازته. حيث إن بإمكانه، باعتباره مواطنا
كسائر المواطنين، وسكنه مثله مثل سكن سائر رعايا صاحب الجلالة، أن يكلف من أجل
ذلك، حارسا خاصا على نفقته، أو أحد أقربائه أو معارفه، أو أن يلجأ إلى خدمات
شركات الأمن الخاص (le
gardiennage).
وتجدر
الإشارة إلى أن هذا ما كرسه المسؤولون الأمنيون السابقون (ولاة الأمن مصطفى
الرواني – حسن بومدين – نورالدين السنوني)، الذين تعاقبوا على رأس الأمن الإقليمي
للجديدة، والذين لم يسبق لهم، عند استفادتهم من إجازاتهم، أن استنفروا مرؤوسيهم من
رؤساء المصالح الأمنية، والموارد البشرية والمادية واللوجستيكية، من أجل
حراسة إقاماتهم الشخصية والخاصة.
ومن ثمة،
فإن تسخير الموارد البشرية، وسيارات المديرية العامة للأمن الوطني، وفرض حراسة
أمنية مشددة على إقامته، من قبل رئيس الأمن الإقليمي عزيز بومهدي، يعتبر استنزافا
غير مبرر للموارد والطاقات. كما أن ذلك يتنافى والاستراتيجية المديرية التي
جاء بها عبد اللطيف الحموشي، المدير العام للأمن الوطني، والقاضية بتخليق المرفق
الأمني، وترشيد النفقات، وعقلنة تدبير الموارد البشرية والمالية والمادية
واللوجستيكية.
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة