الحق المطلق الذي سيمنح للسادة الوكلاء العامين بعد أن حُرموا منه لعقود
السادة الوكلاء العامون هم الممثلون الأولون لمؤسسة النيابة العامة داخل دائرتهم ، ويعتبرون رؤساء لنوابهم وللسادة وكلاء الملك ونوابهم وكل ضباط الشرطة القضائية بالدائرة التابعة لهم ، ولهم اختصاصات كثيرة ومتنوعة، ورغم مركزهم المتميز والمهم في الدائرة التي يُشرفون عليها ، كان ولا زال لمرؤوسيهم من السادة وكلاء الملك بصفة دائمة و متواصلة وحتى الآن الحق في إحالة المشتبه فيهه بارتكاب جنح على المحكمة الابتدائية في حالة اعتقال أو سراح حسب ظروف كل قضية، وفي بعض الأحيان إحالة المشتبه فيهم على قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية ويلتمسون منه إيداعه السجن ووضعه رهن الاعتقال الاحتياطي أو اتخاذ ما يراه مناسبا بشأن الاعتقال، ولكن السادة الوكلاء العامين طيلة كل هذه السنوات الممتدة من تطبيق قانون المسطرة الجنائية، وفي القضايا التي تُصنف على أنها جنايات ويكون اختصاصهم فيها أكيد ، كان ممنوع عليهم إحالة المشتبه فيهم بارتكاب جنايات على غرفة الجنايات، في حالة سراح طبقا للمادة 73 من قانون المسطرة الجنائية الحالي، وكانت لهم إمكانيتان فقط ومازالت، الأولى، إذا كانت القضية جاهزة ، أحالوا المشتبه فيه بعد متابعته على غرفة الجنايات في حالة اعتقال، وكانت يدهم مغلولة إلى أقصى حد في إمكانية إحالة أي مشتبه فيه كانت قضيته جاهزة على محكمته الجنايات بعد متابعته في حالة سراح ، لأن المتابعة في حالة سراح كانت بالنسبة للسادة الوكلاء العاميين كانت وما زلت شيئا فريا، وكان أقصى ما يمكنهم فعله أمام مشتبه فيه بارتكاب جناية يتبين من خلال معطيات الملف أنه من العدل أن يتابع في حالة سراح حتى ولو كان مرتكبا لها ، وأنه من الظلم أن يتابع في حالة اعتقال ، من خلال اعتبار القضية غير جاهزة للبث فيها، ويحيلوها على السيد قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف لفتح تحقيق فيها، وتكون ملتمساتهم لينة ليونة إيمانهم بأن المشتبه فيه لا يجب أن يحاكم في حالة اعتقال، وكان للسادة قضاة التحقيق الحق في أن يقرروا التحقيق مع المتهم وهو في حالة سراح أو يقرروا اعتقاله ، وقد بحت حناجر السادة الوكلاء العامين في بعض الندوات وفي مقترحاتهم ومجالسهم العامة على رفع هذا الظلم والحيف الذي كان يحد من سلطاتهم، ويحجر عليهم حتى في حق متابعة المشتبه فيهم بجنايات في حالة سراح ، وما سبب ذلك التوجه الذي سُطر منذ عقود ، هل للأمر علاقة بخطورة الجنايات وشدتها ، ورغبة المشرع في ردع قوي وقاسي يكون باعتقال كل من يرتكب هذه الجرائم أو يُشك أنه مُرتكب لها ، أم أن للأمر علاقة بعدم ثقة المشرع في قرارات السادة الوكلاء العامين والخوف من إطلاق سراح مشتبه بهم بارتكاب جنايات تعتبر في حكم القانون والمنطق والعرف جرائم خطيرة لا يجب التساهل معها، وهو تصور غير مبني على أساس، لأنه من غير المعقول أن تثق في السادة الوكلاء العامون ونوابهم ، وتجعلهم يسهرون على مؤسسة كبيرة ولها اختصاصات متنوعة ودقيقة ومتشعبة ، ويديرون ويسيرون أعمال الشرطة القضائية كلها داخل الإقليم بكل تفاصيلها وإعطاء التعليمات للوصول إلى الحقيقة في كل جناية ترتكب، وفي مقابل كل هذه الثقة الموضوعة في السادة الوكلاء العامين، تمنع عنهم تسطير المتابعة في الجنايات في الحالة سراح ، وتمنح هذا الحق لقاضي التحقيق، الذي لم تكن له معرفة سابقة بالقضية ولم يتتبعها أثناء البحث التمهيدي، ويمكنه في الاستنطاق الابتدائي الذي يسأل فيه المشتبه فيه فقط عن اسمه وسنة وبعض المعلومات العامة، ولا يبدأ في قراءة الملف بشكل تفصيلي أو التحقيق فيه، ليُقرر في نهاية الاستنطاق الابتدائي تركه في حالة سراح أو وضعه رهن الاعتقال الاحتياطي ، فمنطق الأمور والبحوث والتتبع تؤكد على أن السادة الوكلاء العامين مهيئين أكثر بحكم تتبعهم للقضية مع الضابطة القضائية وتقديم المتهم أمامهم واستنطاقه حول ظروف الجريمة وإمكانية الاستماع للمصرحين، لكي يتخذوا قرارا سليما وصحيحا ومبني على أساس ومعطيات أدركوها بمتابعة متهم بجناية في حالة سراح وإحالته على غرفة الجنايات أكثر من السادة قضاة التحقيق، لكن ظروف قوانين خرجت إلى التطبيق قبل عدة عقود لا نعرف أسباب نزولها التاريخي والتي رهنت وحجرت على قرارات السادة الوكلاء العاميين للحق في متابعة مرتكبي الجنايات في حالة سراح ، ومازالت أصبحت لا تتوافق مع الجو العام القضائي الحالي الوطني والعالمي، والذي يتجه لترشيد الإعتقال الاحتياطي، وتكريس قرينة البراءة كقرينة قانونية ودستورية يتمتع بها كل متهم حتى يصبح مدانا بحكم حائز لقوة الشيئي المقضي به.
هذا المنع والحجر الذي منع السادة الوكلاء العامين من متابعة مرتكبي الجنايات اقترب من أن يصبح كابوسا من الماضي، بعد التعديلات التي تم التنصيص عليها في مسودة مشروع المسطرة الجنائية، والتي تنص في مادتها 73 على أنه يمكن للسيد الوكيل العام عند الاقتضاء أن يتابع في حالة سراح أو يخضع المتهم لواحد أو أكثر من التدابير المنصوص عليها في الفصل 161 من المسودة ، ومن هذه التدابير، إغلاق الحدود في وجهه أو سحب جواز السفر أو الوضع تحت المراقبة الالكترونية .... إلخ .
ولكن إذا كان السادة الوكلاء العامون سيصبح من حقهم متابعة المتهمين بارتكاب جنايات في حالة سراح ، وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر، ومادام المتهمون الذي سيقرر السادة الوكلاء العامين إحالتهم على غرفة الجنايات في حالة اعتقال وايداعهم السجن، يمكنهم الطعن في قرار إيداعهم أمام غرفة الجنايات، ويمكن لهذه الغرفة، إذا تبين لها عدم توفر الشروط التي تم الاستناد عليها لإيداع المتهم في السجن من طرف السيد الوكيل العام أن تقرر رفع الاعتقال عنه ، مع الإشارة إلى أنه حتى ولو قررت غرفة الجنايات رفع حالة الاعتقال، يبقى المتهم معتقلا إذا استأنفت النيابة العامة قرار غرفة الجنايات برفع الاعتقال ، ولا يطلق سراحه إلا إذا أيدت غرفة الجنايات الاستئنافية قرار رفع حالة الاعتقال عن المتهم ، والجلسات في هذه الطعون لديها آجال سريعة جدا تتراوح بين 24 ساعة و48 ساعة للبث فيها حسب مقتضيات المادة 73 من مسودة مشروع المسطرة الجنائية.
فحق الطعن في قرار الطعن في قرار الاعتقال الصادر عن السيد الوكيل العام المقرر لفائدة المتهم، والتوجه الجديد لمسودة المسطرة الجنائية في منح السادة الوكلاء العامين حق متابعة المشتبه فيهم بارتكاب جنايات في حالة سراح ، لا يجب معه أن ينسى المشرع منح ضحايا الجريمة حق الطعن في قرار متابعة المتهمين بارتكاب جنايات في حالة سراح من طرف السادة الوكلاء العامين ، حتى يكون هناك توازن بين حقوق المتهمين وضحايا الجريمة ، وحتى تكون قرارات السادة الوكلاء العامين بخصوص المتابعة في حالة سراح تخضع لرقابة القضاء كما هو الأمر بالنسبة لمتابعتهم في حالة اعتقال ، فقانون المسطرة الجنائية المنتظرة غدا يجب أن توازن بين حقوق المتهمين وضحايا الجرائم لا أن تُغلب حقوق المتهمين والضمانات الممنوحة لهم على حقوق ضحايا الجرائم والضمانات الممنوحة لهم ، كما أن النيابة العامة هي طرف في الدعوى وخصم شريف ، ومن حق ضحية اية جريمة في حالة إحساسه او اعتقاده ، أن قرار النيابة العامة بشأن متابعة المعتدي عليه في حالة سراح لم يسكن صائبا، أن يمنح حق الطعن فيه ، ملتمسا متابعة المعتدي عليه في حالة اعتقال والقضاء هو الذي يفصل بين اعتقاد النيابة العامة بخصوص السراح وايمان الضحية بوجوب المتابعة في حالة اعتقال، وما يزكي طرحنا هذا هو أن هناك توجه جديد للمشرع في مسودة المسطرة الجنائية يروم إلى تقوية حضور الضحية في الطعن في الأحكام في الدعوى العمومية في شكاية مباشرة صدر الحكم فيها بالبراءة أمام المحكمة الابتدائية بالاستئناف أو بالنقض، إذا صدر القرار بالبراءة عن محكمة الاستئناف، وعدم انتظار تجاوب النيابة مع مطالب الضحية للطعن في الدعوى العمومية ، وكان عدم تجاوب النيابة العامة في الطعن في مثل هذه الحالات يعني توقف مسيرة الضحية أمام القضاء الجنائي.
بل إن الطعن في قرار الإيداع في السجن الصادر عن النيابة العامة لم يسلم منها حتى السيد وكيل الملك في مسودة مشروع المسطرة الجنائية المنتظر، لأنها منحت المتهم المعتقل بمقتضى المادة 2- 47 حق الطعن من طرف المتهم أمام غرفة ابتدائية مكونة من ثلاثة قضاة في قرار الإيداع بالسجن الصادر منه ، ويطلق سراحه متى قررت الغرفة الابتدائية رفع حالة الاعتقال عنه ، إذا لم تستأنف النيابة القرار ، لكنه يظل رهن الإعتقال إذا استأنفت النيابة حكم رفع حالة الاعتقال عن المتهم ، ولا يطلق سراحه إلا بعد تأييد حكم الرفع من كطرف محكمة الاستئناف أما إذا ألغته محكمة الاستئناف ، وقضت برفضه ، يظل المتهم رهن الإعتقال، ورفض طلب رفع حالة الإعتقال عنه لا يمنع من تجديده وطلبه مرة أخرى. (المواد 47 و1-47).
والطعن المخول للمتهم في قرار إيداعه السجن من طرف السيد وكيل الملك ، يجب أن يمنح كذلك ضحية الجنحة أو المطالب بالحق المدني إذتا تابعت النيابة العامة المتهم في حالة سراح ، حتى لا يصبح المشرع محابي في المساطر الإجرائية للمتهم بارتكاب جناية على ضحية هذه الجريمة .
لذلك وحتى يُتمم المشرع توجهه الثوري في مشروع المسطرة الجنائية، أرى أن عليه منح الحق لضحية الجناية أن يطعن في قرار النيابة العامة بمتابعة مرتكب جناية في حالة سراح، وذلك بإضافة هذ العبارة إلى المادة 2 - 73 من مسودة قانون المسطرة الجنائية ، وذلك بإضافة الفقرة المكتوبة بخط غليظ في آخر المادة كما يلي :
( ويمكن لضحية أية جناية أو المطالب بالحق المدني الطعن بمقرر النيابة العامة بمتابعة المتهم في حالة سراح، خلال أجل 24 ساعة من تاريخ علمه أو تبليغه بقرار متابعة المتهم في حالة سراح ، وتجري المسطرة وفق الكيفية والإجراءات المسطرة أعلاه.
لا يودع المتهم الذي كان متابعا في حالة سراح في السجن، إلا بعد أن يصدر مقرر نهائي عن غرفة الجنايات الاستئنافية بذلك، أو مقرر عن غرفة الجنايات الابتدائية لم يتم استئنافه من المتهم. يأمر بتنفيذ قرار الاعتقال وايداعه السجن السيد الوكيل العام، وتأمر غرفة الجنايات بوضع المتهم رهن الاعتقال وإيداعه السجن أثناء مثوله أمامها في حالة سراح بعد علمها بصدور مقرر نهائي بذلك من طرف النيابة العامة أو الضحية).
ونفس الامر والحق الذي يجب أن يُمنح لضحية أو المطالب بالحق المدني في جريمة جنحية ، لنمكنه من الطعن في متابعة السيد وكيل الملك للمتهم في حالة سراح ، وسبيل ذلك يكمن في تتميم المادة 2-47 من المسودة .
المسودة التي ستشرع للعقود والأجيال القادمة لا يجب أن تنسى ضحايا الجريمة، ويجب أن ترفع إلى نفس الدُرج الحقوق والضمانات التي يجب أن تُمنح لضحايا الجريمة، ويتمتع وسيتمتع بها المتهمون بارتكاب جرائم.
الأستاذ رشيد وهابي
المحامي بهيئة الجديدة
.
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة