تناسل الهلع بشكل كبير بالجديدة كما بباقي شريطها الساحلي الممتد على مسافة 150 كيلومترا، عقب قيام خلية بحث تابعة إلى جامعة شعيب الدكالي، بنشر لوحات تتضمن خطة إخلاء السكان في حال وقوع غضبة بحرية منشؤها زلازل عنيفة في أعماق المحيط الأطلسي، وازدادت المخاوف لتزامن ذلك مع أنباء تتحدث عن تراجع في مياه بحيرة الوليدية، وكأن البحر يستعد لتطبيق المقولة الشهيرة لفلاديمير لينين “خطوة إلى الوراء من أجل تقدم خطوتين إلى الأمام”.
إعداد: عبدالله غيتومي
في ظل صمت الجامعة الوصية التي ترعى منذ 2014 أبحاثا علمية مع فريق خبراء أجانب، تبقى الجديدة وإلى الآن تحت رحمة خوف رهيب عنوانه الكبير “الفتنة أشد من القتل”.
* الجديدة مهددة
تدخل الجديدة كما باقي المدن المغربية الواقعة على الشريط الساحلي الممتد من طنجة شمالا إلى آسفي جنوبا، ضمن حزام خطر مداهمتها من “تسونامي”، ولم يأت ذلك من فراغ ولكن من دراسات علمية اتخذت مخلفات الزلزال العنيف الذي كان ضرب لشبونة عاصمة البرتغال في 1755، وصاحبه علو أمواج غمرت مناطق كثيرة وكانت الحصيلة يومها 100 ألف قتيل، وكانت ترددات هذا الزلزال المدمر وصلت الجديدة.
الواقعة استنفرت جهودا علمية من خلال فريق بحث مشترك بين كلية العلوم بجامعة شعيب الدكالي وخبراء من مونبوليي الفرنسية، وكانت تروم بالأساس التعرف على المناطق الواطئة بالجديدة، والتي هي الأولى التي تغمرها مياه البحر في حال أي “تسونامي” محتمل الوقوع، وظهر من ذلك إقرار ضمني من فريق البحث أن عاصمة دكالة كما شريطها البحري يظل مهددا وباستمرار بزلازل في الأعماق تنتج أمواجا عاتية تأتي على الأخضر واليابس .
وأعد الخبراء بعد فترة شهر قضوها بالجديدة خرائط عن الأحياء المهددة، ووضعوا خطة إخلاء لها من السكان بمجرد الإشارات الأولى القادمة من النظام الإنذاري بباريس، الذي يشعر بخطر مداهمة “تسونامي” ، إذ لديهم مهلة 45 دقيقة، وهي الفترة الزمنية التي تقطعها الأمواج العاتية لتصل إلى أهدافها البرية.
وكان الخبراء ذاتهم قدموا حصيلة عملهم المتميز، أمام العامل السابق للجديدة، معاذ الجامعي، بمدرج المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير وبحضور الوقاية المدنية ومسؤولين أمنيين ومنتخبين ، وكان الحضور في ذلك اليوم ينصتون لهم بنوع من الفتور ، وكأنهم يتحدثون عن موضوع من علم الخيال، لكن توصياتهم أظهرت في حينها قصورا كبيرا في نظام استعداد المدينة والشريط الساحلي لها، لكارثة بحجم “تسونامي”، ومازلت أذكر أن أحد الخبراء ضحك طويلا وهو يخاطب العامل “إن ثكنة الوقاية المدنية بالجديدة توجد في منطقة واطئة على بعد أمتار من تسونامي، وإذا وقعت الواقعة فمن سينقذكم” وهو بذلك كان يضع على عاتق المسؤول الإقليمي مسؤولية جسيمة تتمثل في ضرورة نقل مقر الوقاية المدنية من شارع القاهرة إلى مكان عال أكثر أمانا، وعلى العكس من ذلك ومنذ 2014 وحركة البناء بالثكنة متواصلة بإضافة مرافق جديدة.
كما أن الخبراء شددوا على ضرورة إرساء نظام إنقاذ بكل الأحياء الواطئة، التي هي مفتوحة على البحر وضمنها درب البركاوي والصفاء والرجيلة والقلعة وسيدي الضاوي ودرب غلف وسط المدينة، لأنها التي تغمر قبل غيرها بالمياه العاتية في حال تسونامي، ومقابل ذلك وضعوا مناطق آمنة لعلوها على مستوى البحر، وهي البلاطو والسلام وكدية بندريس، وحددوا بدقة عبر قياس المسافات المدة الكافية لنجاة الناس بأرواحهم قبل أن تلتهمهم أمواج يتجاوز علوها 6 أمتار، كما أنهم تشددوا في ضرورة أن يعمل مسؤولو المدينة على ربطها بنظام الإنذار بالزلازل والتسونامي الموجود بباريس.
* الجامعة وضعف التواصل
تساءل الكثير من سكان الجديدة لماذا اختارت جامعة شعيب الدكالي هذا الوقت لنشر لوحات الإخلاء في حال وقوع تسونامي؟، ولماذا لم يسبق ذلك إخبار عموم المواطنين لجعلهم مستعدين نفسيا لتقبل مثل هذه الأنباء، التي استغلت عكسيا، لإشاعة الهلع وما قد يترتب عن ذلك من انعكاسات سلبية؟
وما وقع يكشف بوضوح ضعف نظام التواصل لدى جامعة شعيب الدكالي، وانغلاقها على نفسها بشكل لافت للانتباه، فقد أدى نشر هذه اللوحات وعددها 17 لوحة بمجموعة من المناطق المعنية بالخطر وخاصة بشاطىء المدينة، إلى ردود أفعال خائفة من السكان الذين بدؤوا تتوقع مجموعة من سيناريوهات الهروب من الخطر، مع ما لذلك طبعا من انعكاسات عكسية على استقرار مناخ الاستثمار بالجديدة ، وضرب لجاذبيتها السياحية في عز فصل الصيف، الذي تعول عليه المدينة لحركية اقتصادية.
* خلية التتبع… طمأنة متأخرة
أمام واقع كهذا، ربطنا الاتصال مباشرة بخالد الخالدي، أستاذ باحث بكلية العلوم بالجديدة والمنسق الوطني لبرنامج ” كوستويف”، الذي ترعاه اللجنة الدولية للمحيطات التابعة لليونسكو، من أجل منح شهادة للمدن التي تنخرط في النظام العالمي للتصدي لتسونامي، وحملنا له مخاوف سكان الجديدة من “تسونامي” يوجد على أبواب مدينتهم، فأكد أن نشر لوحات الإخلاء يندرج ضمن مخطط تدبير الكوارث، الذي بدأ داخل كلية العلوم بالجديدة في 2014، وعرف دينامية قوية من خلال الأبحاث التي تقوم بها جامعة شعيب الدكالي مع اللجنة الدولية للمحيطات المنضوية تحت لواء “اليونسكو”، والتي زار وفد منها الجديدة في 2023 للتنسيق حول مشروع المدن الساحلية المؤهلة فعلا لتدبير المخاطر من نوع “تسونامي”، وكان ذلك يندرج في التعرف على الأشواط التي قطعتها الجديدة للحصول على شهادة التدبير سالف الذكر، وبذلك تكون في حال احترامها وتنزيلها لتوصيات “اليونسكو” ثاني مدينة إفريقية بعد الإسكندرية التي تحصل على “شهادة الأمان” من مخاطر “تسونامي”.
وزاد الخالدي بأن من بين توصيات برنامج “كوستويف” التي تم تنزيلها، تثبيت نظام إنذار مبكر بالجرف الأصفر سنة 2023، وهو جهاز يقيس كل دقيقة سطح مياه البحر وينذر بأي تحول في مستواها من خلال ربطه بجهاز الإنذار الوطني، والذي يستثمر كل المعطيات للإخبار المبكر للسكان في حال تحولات غير طبيعية على مستوى سطح البحر، والتي تعد مؤشرا عادة ما يسبق “تسونامي”، لمنحهم الفرصة لإخلاء الأماكن المهددة بالخطر نحو المناطق الآمنة، وهي التي تبدأ عادة من مسجد العمالة ما يجعل الجديدة تمتلك 90 في المائة من المناطق التي هي بمنأى عن الخطر والتي هي ملاذ السكان في حال وقوع “تسونامي”.
واستطرد الخالدي أنه جرت في وقت سابق تمارين محاكاة بالجرف الأصفر وشاطئ دوفيل بالجديدة، شاركت فيها مجموعة من الأجهزة المعنية بالكوارث، كالداخلية والصحة والتعليم.
وبخصوص ما انتشر حول تراجع مياه بحيرة الوليدية، أوضح الأستاذ الباحث أنه لا داعي لتضخيم الأمور، وأن الأمر يتعلق بظاهرة طبيعية تنجم عن التقاء الشمس بالقمر في علاقة بالضغط الجوي، وتشهدها مناطق متعددة من العالم، وسبق للوليدية أن عرفتها في أوقات سابقة، مضيفا أن ما تعرضت له فعلا لوحات الإخلاء من تعييب وإزالة من قبل أغيار، يدفع إلى تدعيم مسلسل التوعية من خلال المدارس الزرقاء، بتعاون مع مؤسسة محمد السادس للبيئة، دون أن يخفي قلقه أن إزالة اللوحات المذكورة يجعل الجديدة في حال زيارة مرتقبة لخبراء اليونسكو تفقد حظوظها في الحصول على شهادة مدينة مؤهلة للتصدي لتسونامي.
* مخطط «أورسيك» … غياب المواكبة
في ظل صخب الحديث عن إمكانية تعرض الجديدة لغضبة بحرية، والذي لا يمكن فصله تماما عما راج أخيرا، من تحذير صادر عن اللجنة الأوقيانوغرافية الحكومية الدولية التابعة لليونسكو من أن تسونامي يبلغ ارتفاعه أكثر من متر سيضرب البحر المتوسط قي السنوات الثلاثين المقبلة، وهو ما تم تحديده من طرف صحف إسبانية بأنه سيهم المنطقة بين ساحل مالقا وشمال إفريقيا، والتي توقعت علو أمواج يفوق ستة أمتار.
وفي ظل كل هذا الصخب لم تبدر من مسؤولي الجديدة أي محاولة موازية لتحيين المخطط الإقليمي لتدبير الكوارث “مخطط أورسيك”، وهو الذي يستبق كل الاحتمالات ويتخذ كل الإجراءات لجعل المدينة وساحلها، خارج عنصر المفاجأة، بضبط عدد رجال الوقاية المدنية وتجهيزاتهم وعدد أطباء القطاعين العام والخاص وهواتفهم وكل المتدخلين في نظام الإنقاذ في حال وقوع الكارثة، فضلا عن ضبط عدد سيارات الإسعاف المتوفرة بالإقليم وعدد الأسرة بالمستشفيات العمومية والمصحات الخاصة والإحاطة بكل المعلومات المفيدة في تدبير كارثة تسونامي، ويبدو أن مخطط الجديدة “أورسيك” غير محين تماما ولن يعطي إشارات مطمئنة من شأنها تقليص هامش الهلع الكبير، الذي استبد بالسكان مباشرة عقب نشر لوحات إخلاء المناطق المهددة بتسونامي، ولعل أي خطوة إجرائية تلمح لاستعدادات المدينة لتحويل مقر الوقاية المدنية من مجال تسونامي إلى منطقة عالية وآمنة، وحده الذي يشعرنا فعلا أن الجديدة منخرطة فعلا في تمنيع نفسها من التسونامي.
.
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة