الحركة الثقافية بالجديدة ....الى اين
 الحركة الثقافية بالجديدة ....الى اين

المتأمل لأنشطة وفعاليات الحركة الثقافية سوف يلفت انتباهه أنها أصبحت متخمة بالمهرجانات، حتى يمكن القول بإنها حركة ثقافية مهرجانية، تكاد تكون مقصورة على إقامة المهرجانات الفنية "سينما - مسرح -  غناء - فنون شعبية  …..والمناسبات التي تقام لتخليد ذكرى شخصية ما فنية أو ثقافية أو حادثة ما أو  …إلخ"، والتي تأخذ في معظمها سمة الثبات من حيث كونها مهرجانات دورية، هذا فضلاً عن الأنواع التي يتم استحداثها خصيصًا.

ولا يكاد أحد يستطيع حصر عددها من كثرتها وكثرة الضجيج المصاحب لها، فالجرائد اليومية والمجلات الأسبوعية لا تخلو من إشارة أو تغطية صحفية يومية و أسبوعية لهذا المهرجان أو ذاك، وهذا كل ما تخرج به الحركة الثقافية، فهذه المهرجانات أقرب ما تكون إلى الحصص الترفيهية لتلاميذ المرحلة الابتدائية، غير أنها باهظة التكاليف، فالمشكلة ليست في كثرة هذه المهرجانات فقط وعدم جدواها في الأغلب الأعم، ولكن في الأموال الطائلة التي تُنفق عليها، ويمكن أن تؤدي دورًا أكثر فائدة للثقافة وأنشطتها وفعالياتها..
هذه المهرجانات يلتف حولها مسئولون وإعلاميون وفنانون وكتاب ومثقفون من صغار المواهب وموظفون في الهيئات الثقافية؛ حيث اعتادت الكثير من المؤسسات والهيئات الثقافية في الربع الأخير من القرن العشرين على أن تجعل من هذه المهرجانات دليلاً على حركتها ونشاط الشارع الثقافي وتفاعله معها؛ لذا فهي تنفق ببذخ غير مدروس، أو مخطط له إنفاقًا يستحوذ على جلّ الميزانيات المخصصة لها، فعلى سبيل المثال: قد يُقام مهرجان تتجاوز الملايين  ، ميزانية أكثر من مؤسسة وهيئة، فالإقامة غالبًا ما تكون في الفنادق الكبرى ولأعداد كبيرة كالفرق المسرحية والوفود.. وبالطبع هناك و سط زخم المهرجانات غير المقنن ـ مهرجانات تلعب دورًا مهمًّا في تنشيط الحركتين الفنية والثقافية؛ لذا فإن المقصود هنا هو تلك المهرجانات التي تُقام على مدار العام "على الفارغ والمليان" كما يقول المثل المصري..
وقد انعكس هذا الأسلوب المهرجاني في إدارة الحركة الثقافية على التعامل مع المجالات الثقافية الأكثر حيوية وتأثيرًا على مجتمعنا، بل وأدى إلى تدهور الثقافة في الكثير من تكويناتها وعلى اختلاف مستوياتها؛ حيث امتد الأمر من متلقيها إلى منتجها، فارتفعت نسبة الأمية الثقافية ارتفاعًا خطيرًا، وبرز ذلك واضحًا وجليًّا على مستوى الأفراد وسلوكياتهم ونظم حياتهم، ولا تقف هذه الأمية عند فئات الأميين وأنصاف المتعلمين، بل إنها تمتد إلى فئات حملة الرسائل الجامعية والمثقفين والمبدعين، الأمر الذي يهدد بالفعل الحركة الثقافية بالتآكل والهشاشة في حاضرها ومستقبلها.. فالغياب المفروض على فعالية الثقافة كأداة للرقي وتقليص دورها الحقيقي ككيان ناهض داخل المجتمعات مع دخول أدوات عصر الفضائيات والإنترنت وثورة المعلومات ـ أدى إلى موت الكثير من الرواسخ والأصول والقيم الثقافية التي هي جزء من نسيج المجتمع والفرد.
وبالإضافة لكل ما طرح تظل هناك الكثير من السلبيات التي ترتبت عن تفشي ظاهرة المهرجانات وما تستنفده من أموال، نأمل أن يتاح لنا الكشف عنها في مقال آخر، كما نأمل أن يلتفت المسئولون  على حقيقة غياب دور الأنشطة الثقافية الفاعلة  ، وأن تكون هذه الإفاقة صحوة تضع الثقافة  في موضعها الطبيعي داخل مجتمعاتها.

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة