قسم الإنعاش أشبه بـ "مسلخة" وأغلب الآليات معطلة
إذا كان شاعر الحمراء قال في إحدى قصائده إن ما تشان به طنجة هو مطعمها البلدي، الذي يأتيك صاحبه بالطعام والذباب يتبعه، وكالضباب ذباب المطعم البلدي، فمما لاشك فيه أن محمد بنبراهيم لو ظل حيا يرزق، لنظم قصيدة في هجاء مستشفى محمد الخامس الذي صح أن نقول إن به تشان به مدينة الجديدة بسبب رداءة الخدمات التي يقدمها لمرتاديه، للدرجة التي جاز أن نقول إن الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود
شيء من التاريخ
تذكر الفرنسية دولانوي التي شغلت منصب أول مديرة لمستشفى محمد الخامس، أنه بني سنة 1916، وهو من جيل المستشفيات الأولى بالمغرب التي رأت النور مع فرض الحماية على المغرب. وعددت الطبيبة الفرنسية في كتاب يؤرخ للمستشفى، أمراضا كانت منتشرة بشكل كبير بمدينة الجديدة، وفي مقدمتها التيفوس الذي فتك بأعداد كبيرة من السكان، إلى جانب الجرب والسل، ولم تنس أن القمل كان منتشرا بشكل كبير في أوساط السكان وأنه الحشرة الخطيرة الناقلة للأمراض آنذاك. ولم تنس دولا نوي، أو «مدام شابو» كما كان يحلو للجديديين تلقيبها، أن تطعم كتابها القيم بصور لمرضى مغاربة بالمستشفى المذكور يتلقون العلاج بكل الاهتمام الممكن والنظام المطلوب.
تراجع بين دولانوي وعروب
مرت 95 سنة على إدارة دولانوي لمستشفى محمد الخامس، والتي يشرف عليها حاليا الدكتور حكيم عروب، ليتساءل الإنسان عن الأشياء الجديدة التي انضافت إلى المستشفى، ليأتي الجواب سريعا، أن الأمور تطورت نحو الأسوأ. أشخاص كثيرة تم الإجهاز عليها وتراجعت حديقة المستشفى التي كانت متنفسا للمرضى، على حساب إضافة مركبات إسمنتية بطريقة عشوائية حولت المستشفى إلى ما يشبه السجن. ولم يستطع عروب أن يحقق مصالحة سكان الجديدة مع هذه المؤسسة الصحية التي كانوا يلجونها زمن دولانوي بقلوب مرتاحة ومطمئنة لعلاج، وإن كان بطرق أقل تقدما من الآن. كما أن المستشفى الذي لم تنجح فيه سياسة الابتسامة التي كان أطلقها المرحوم عبد الرحيم الهاروشي يوم كان وزيرا للصحة العمومية، سيما أن نساء حوامل ينهرن بشكل لا إنساني ويلدن على عتبة القسم وسط القطط والمواطنين في شهر التوبة والغفران .
حصيلة مرتفعة من الموتى
رسخت الحصيلة المرتفعة من الموتى سنويا لدى الجديديين، صورة لا يمكن محوها من مخيلتهم، أن الداخل إلى مستشفى محمد الخامس مفقود والخارج مولود. فهو المستشفى الذي يسجل نسبة أعلى في وفيات الأمهات أثناء الوضع. متجاوزا المعدل الوطني بشكل كبير، وهو الذي تعطلت فيه معظم الأجهزة الطبية نظير الكشف بالصدى وجهاز كشف سرطان الثدي الماموغرافي وكرسي جراحة الأسنان الذي لم يشغل منذ وضعه بقاعة الفحص قبالة فندق الأندلس قبل 10 سنوات، وهو ما يجعل ذوي الدخل المحدود من المرضى تحت رحمة القطاع الخاص. وهو المستشفى الذي يحشر فيه المختلون عقليا كـ»السردين» في قسم شهد حوادث قتل بين نزلائه، مازالت موضوع قضايا جارية بالمحاكم بسبب المسؤولية التقصيرية. وهو المستشفى كذلك الذي مازال مرضاه من المتشردين ينهشهم القمل بسبب غياب رشاشات صحية. وهو كذلك الذي تسجل به وفيات عديدة ناتجة عن إهمال وأخطاء طبية، إذ لا تزال جنباته تردد رجع الصدى لنواح أقارب شخص من العونات مات متأثرا بالطيطانوس جراء عدم حقنه بسيروم ثمنه 12 درهما، وشاب في 25 من المناقرة بالزمامرة مات بسبب رفض أحد أطباء الكشف بالصدى المجيء إلى المستشفى لإنقاذ حياته، بالإضافة إلى فتاة في سن 24 سنة القادمة من أولاد احسين جاءت إلى المستشفى تمشي على رجليها وعادت جسدا مشلولا على كرسي متحرك، والقائمة طويلة لموتى المستشفى الذين قضوا بسبب تهور طبيب فضل أن يلبي مصحات خاصة بدل تلبية نداء الواجب، حتى أصبح أطباء الحراسة ليلا يملون الوصفات على الممرضين بواسطة الهاتف ويتقاضون نهاية كل سنة تعويضات سمينة عن غيابهم المتواصل!
دراسة سرية أدانت المستشفى
كانت دراسة سرية للجدوى خصص لها مبلغ 90 مليون سنتيم، أسندت لمكتب دراسات زمن المندوب السابق للوزارة عبد السلام الماعوني، أكدت أن مستشفى محمد الخامس لم يعد يؤدي الدور الذي من أجله شيد سنة 1916. وأوصت الدراسة بتوقيف الاستثمار به، مشيرة إلى أن العقليات التي عششت فيه والتي حولت أجنحته إلى محميات طبيعية لبعض الأطباء والممرضين، هي من ينبغي أن تكون موضوع تدخلات تصحيحية صارمة من المسؤول الأول عن القطاع بالمدينة. إلا أنه لسوء حظ المستشفى أن الحبيب الهارودي المندوب الحالي لم يبق له على التقاعد إلا سنتين، لذلك فهو يدبر المرحلة إلى حين الإحالة على المعاش بسن سياسة هدنة مع الجميع ولو على حساب صحة وسلامة المواطنين، الذين نظموا في أكثر من مرة وبمساندة من جمعيات حقوقية وقفات احتجاجية على فساد الوضع الصحي وعدم مواكبته لتطورات البلادّ، وطالبوا بإيفاد مفتشين من الوزارة، كما أن المجلس الإقليمي صادق في إحدى دوراته على تكوين لجنة لتقصي الحقائق بمستشفى محمد الخامس، وتحميل المسؤولية للمندوب ومدير المستشفى.
مستودع الأموات عبارة عن "كرنة"
«هذا ليس قسم إنعاش بل كرنة» كان هذا أصدق وصف أعطاه أحد الأطباء لهذا القسم الذي يفتقر إلى كل شيء، إذ لا يتوفر إلا على 10 أسرة حقيقية، أي بمعدل سرير لكل 60000 مواطن جديدي في إقليم يصل عدد سكانه 600 ألف نسمة. ولنا أن نتصور كيف يكون هذا القسم لما يتجاوز 10 نزلاء، يحتفظ بحادث امرأة من أزمور لما اشتد عليها الحال بسبب داء السكري استقدم لها أهلها فقيها بات يقرأ عليها القرآن الليل كله إلى أن وافاها الأجل المحتوم، في غياب طبيب منعش أقفل هاتفه المحمول وخلد إلى نوم ثقيل.
أما مستودع الأموات، فهو عبارة عن مكان متلاشيات بدون أجهزة تبريد، وكان نقطة سوداء كشفتها القنوات التلفزية العالمية قبل 8 سنوات لما استقبل 51 جثة للسجناء الذين قضوا في حريق سيدي موسى.
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة