شهدت مخيمات تندوف، أواخر ثمانينيات القرن الماضي، ربيعا ديمقراطيا سابقا لزمانه، تمثل في انتفاضة أكتوبر 1988، التي خاضها المحتجزون من أبناء الصحراء المغربية، للتحرر والانعتاق من جبروت البوليساريو، وقادته المتسلطين الاستبداديين، الذين تقف وراءهم الجزائر.
ولتسليط الضوء على هذه المحطة التاريخية، التي شكلت منعطفا هاما في مسار قضية وحدة المغرب الترابية، نظمت "التنسيقية الدولية لدعم الحكم الذاتي بالصحراء المغربية"، بشراكة مع "منتدى دعم مؤيدي الحكم الذاتي بتندوف"، ندوة بمقر بلدية الجديدة، أطرها رئيسة الفرع الجهوي للتنسيقية الدولية لدعم الحكم الذاتي بالصحراء المغربية، أمينة أرسلان، وثلة من القادة المؤسسين لجبهة البوليساريو، بيات الزغيم، ونور الدين بلالي الإدريسي، وسيداتي دافا، والذين كانوا التحقوا بأرض الوطن، استجابة لنداء المغفور له الحسن الثاني "إن الوطن غفور رحيم". وأجمع المتدخلون من العائدين إلى أحضان الوطن، في عروضهم المستفيضة، على أن انتفاضة أكتوبر 1988، التي انحازوا خلالها إلى جانب إخوانهم من أبناء الصحراء المحتجزين في مخيمات العار بتندوف، جاءت لتعري عن الوجه الحقيقي البشع لقادة البوليساريو، وزيف النزاع المفتعل الذي تقف وراءه الجزائر، ومخابراتها العسكرية، كما جاءت لتكرس عدالة القضية الوطنية. وحسب نورالدين بلالي الإدريسي، فإن انتفاضة 1988 تزامنت مع أحداث تاريخية شهدها العالم، ومنطقة شمال إفريقيا، كان أهمها بداية تكسير جدار برلين، وانطلاق الوحدة بين اليمن الجنوبي والشمالي، وكذا، انتفاضة الشعب الجزائري في أكتوبر 1988، والتي قال الإدريسي أنها كانت "ربيعا عربيا متقدما"، واجهه النظام الجزائري بالنار والرصاص، ما خلف 30 ألف شهيد.
إن انتفاضة 1988 التي جاءت، يضيف نورالدين بلالي الإدريسي، لتكسر الحصار المضروب على أبناء الصحراء، واجهها قادة البوليساريو بالرصاص والحديد، وبالتنكيل والتعذيب، والزج بالمئات في السجون، بإيعاز من الجزائر، التي أبدت وقتها استعدادها للتدخل بجنودها وآلياتها العسكرية، في حال فشل شرذمة قادة الانفصاليين في قمع الانتفاضة العارمة.
وذكر نورالدين بلالي الإدريسي بحقبة الاستعمار الإسباني الذي ظل جاثما لمدة 120 سنة، على الصحراء، لكنه رغم ذلك، لم يسجل التاريخ أي عمل دموي للإسبان في حق أبناء الصحراء، عكس ما فعل قادة جبهة البوليساريو والمتحكمين فيهم، والذين زجوا ب 700 امرأة في السجن، خلال انتفاضة 1988، وأذاقوهن أشد العذاب، وجردوا بعضهن من لباسهن، في طقس شتائي بلغ 6 درجات تحت الصفر.
ومن جهته، أوضح بيات الزغيم أنه، على إثر انتفاضة 1988 العارمة، دخل قادة البوليساريو في مفاوضات سياسية مع قادة الحركة التمردية، تكللت بالحصول على عدة مكاسب، ضمنها إطلاق سراح قياديي الانتفاضة البارزين. وكان من نتائج الانتفاضة، الكشف عن حقيقة البوليساريو، وزيف أطروحة الانفصال التي تقف وراءها الجزائر ومخابراتها العسكرية، وانتصار إرادة التغيير المعبر عنها من قبل الشباب والنساء والشيوخ بالأقاليم الجنوبية، بعد التسلط والاستبداد الذي مارسه الانفصاليون لعقود. كما تمكن حوالي 8000 صحراويا من الالتحاق بأرض الوطن، ضمنهم التائبون، الذين استجابوا لنداء المغفور له الحسن الثاني "إن الوطن غفور رحيم". نداء قال بيات الزغيم شمل الجميع، بمن فيهم انقلابيو الصخيرات، مطلع سبعينيات القرن الماضي، وحتى المحكوم عليهم غيابيا بالإعدام، أو الذين كانوا في المنفى، أو يقضون عقوبات بالسجن المؤبد. واستحضر بيات الزغيم قياديا سياسيا مغربيا، شمله "عفو الوطن"، وأصبح وزيرا أول في الحكومة المغربية، على عهد الملك الحسن الثاني، تغمضه الله بواسع رحمته.
وأضاف القيادي السابق في جبهة البوليساريو، أن انتفاضة 1988 ساهمت في بروز نخب سياسية ناضجة، أمثال مصطفى ولد سلمى. نخب قال أنها كانت متعطشة للحرية والتحرر، ولإحداث قطيعة مع إيديولوجيا الانفصال، والدعوة إلى إقرار مشروع الحكم الذاتي، الذي دعا إليه المغرب، وأيدته بلدان العالم، وحتى الدول التي كانت تؤيد الانفصاليين، والتي سحبت جلها اعترافها بهذا الكيان الوهمي. وختم الزغيم مداخلته المستفيضة بخلاصة تاريخية وحتمية، مفادها أنه "رغم كون الانتفاضة قد انتهت، فإنها مازالت متواصلة سياسيا".
ومن داخل قاعة الندوة، جاءت شهادات جنود معتقلين في مخيمات العار بتندوف، ضمنهم العسكري السابق عبد الرزاق لوخناتي (شقيق زميلنا محمد لوخناتي، الصحافي المقتدر في جريدة"L’Opinion" بجهة دكالة–عبدة)، صادمة ومدوية، عرت عن همجية ودموية قادة الانفصاليين، ومن يدعمهم من المخابرات العسكرية الجزائرية، وعن وحشية معتقلاتهم المظلمة، الشبيهة بال"كولاكات" الروسية. وكان الجندي السابق قضى منذ سنة 1981، ربع قرن في التعذيب داخل معتقلات تندوف، إذ كان شاهد عيان على الأساليب الدموية التي واجه بها عبد العزيز المراكشي، ومعه حفنة من القادة المرتزقة، والدولة الجزائرية، الانتفاضة البطولية لأكتوبر 1988، والتي غيرت مجرى ووجه التاريخ.
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة