رسالة صادمة في حقوق الإنسان إلى المنتظم الدولي وإلى سوزان رايس، السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة
رسالة صادمة في حقوق الإنسان إلى المنتظم الدولي وإلى سوزان رايس، السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة

في حديث خص به "الجديدة24"، كشف عبد الرزاق لوخناتي، أسير حرب سابق في سجون البوليساريو، عن معاناته ومعاناة زملاء له من أبناء جلدته، ما فتئت تزداد يوما بعد يوم، بين أحضان الوطن، إثر  التهميش الذي طالهم. هم الذين ضحوا من أجل هذا الوطن الغالي-العزيز. قضوا ربع قرن في غياهب زنزانات مخيمات العار المظلمة، حيث تعرضوا لأبشع أشكال التنكيل والتجويع. خلع الأسير ملابسه من على جسده. كانت آثار التعذيب والرصاص تكتسح كالطفيليات، ظهره وأطرافه العليا والسفلى!

 

بنبرة ملئها الأسى، استهل العائد من جحيم الأسر : " عوض أن نستقبل استقبال الأبطال، خصصوا لنا استقبالا "محتشما". إذ تم التنكر لنا  ولخدماتنا وتضحياتنا الجسام ... لكن الوطن والتاريخ والذاكرة لن يتنكروا لنا. إن عاهل البلاد المفدى سينصفنا ويرد الاعتبار اللائق، إلينا وإلى روح وذاكرة  إخوتنا في السلاح، الذين قضوا نحبهم  في ساحة المعركة، أو في مخيمات العار ".

 

يتوقف الأسير لوخناتي لحظة عن الحكي، لاسترجاع أنفاسه، ثم يضيف : " أصبحنا غرباء ومغتربين بين أحضان وطننا العزيز، الذي ضحينا من أجله ... لنا الشرف أن نحمل مجددا السلاح،  إن اقتضى الحال، والاستشهاد من أجل بلدنا المغرب، ووحدته الترابية من طنجة إلى الكويرة".

 

إن قصة الجندي عبد الرزاق لوخناتي، تعتبر بحق تجسيدا واختزالا لمأساة إنسانية، جرت أطوارها في مخيمات العار بتيندوف، بمباركة من الدولة الجزائرية، واستخباراتها العسكرية، على امتداد ربع قرن من الزمن، أمام أعين العالم الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، والذي كان يرى ويسمع، دون أن يحرك ساكنا، وأمام أنظار جمعيات المجتمع المدني والهيئات الحقوقية والفعاليات الحية العالمية، التي تدعي الدفاع عن كرامة وحقوق الإنسان وعن القيم الكونية.

 

 عبد الرزاق لوخناتي من مواليد 16 دجنبر 1960، بمدينة الصويرة. انخرط بطواعية، سنة 1980، في صفوف القوات المسلحة الملكية. كان دافعه حب الوطن. لم يتعد وقتها عمره 21 ربيعا. تلقى مدة 6 أشهر، تداريب غسكرية بمدينة وجدة، بالفيلق الرابع، التابع للمشاة بالقاعدة العسكرية. شهر يونيو من السنة ذاتها، جرى نقله إلى الأقاليم الجنوبية، وتحديدا إلى بوكراع، حيث تلقى تداريب تكميلية، دامت 6 أشهر. تقلد رتبة جندي، تحت رقم التسجيل العسكري : 18454/80. تشبع بقيم المواطنة، ودافع ببسالة عن العلم الوطني، وعن شعار المملكة الخالد: "الله– الوطن– الملك". عرف الأسر في مخيمات العار بتيندوف، مدة ناهزت ربع قرن. دخل السجن وعمره 21 سنة، وخرج منه وعمره 44 سنة. عانى من التعذيب الجسماني والنفسي، وتعرض لأبشع المعاملات اللاإنسانية، التي مازال جسمه وذاكرته الموشومة يحملان آثارها. لكن، كما يقول الأسير لوخناتي : "كل شيء  يهون في سبيل الوطن".

كان ضمن آخر أفواج أسرى الحرب، الذين أفرج عنهم مرتزقة البوليساريو، بقيادة الدموي عبد العزيز المراكشي. بعد ربع قرن من الفراق والمعاناة، أقلته بمعية زملائه المفرج عنهم، طائرة أقلعت بتاريخ : 23 يونيو 2004،  من مطار تيندوف، إلى مطار أكادير.  وطأت قدماه أرض الوطن الذي ضحى من أجله. كان في استقباله والداه اللذان تقدم بهما السن، وإخوته الذين لم يتعرفوا عليه. امتزجت مشاعر الفرحة بالحزن، والضحك بالبكاء. وكان في استقباله كذلك، عفوا في استقبالهم، ضباط في القوات المسلحة الملكية، كان أكبرهم  برتبة  " كولونيل "!

 

بمنزله الكائن بمدينة الجديدة، التقت "الجديدة24" بالجندي عبد الرزاق لوخناتي، العائد من جحيم الأسر. حكى عن معاناته في زنازين مخيمات العار بتيندوف، وعن محنته  بعد عودته إلى أحضان الوطن، الذي  أحبه وضحى من أجله، بأنفس ما يملك، الحرية. كان يضم إلى صدره فلذة كبده أنس الذي أنجبه من زواج تأجل إلى خمسينيات العمر. أنس الذي جاء ليؤنسه في وحدته، وينسيه ولو للحظات، مآسي الماضي. كان يشد أنفاسه قبل سرد الوقائع والحقائق الأليمة. كنا  نتفادى ما أمكن  إحياء الجراح التي لم تندمل. كان يشعر بنا ... لكنه فضل أن يعاني مرة أخرى، ولو في صمت، حتى يوصل صوته المذوي  إلى قلوب أبناء وطنه، وحتى تكون تجربته المريرة  درسا في المواطنة والوطنية الصادقة، وفي قداسة وقدسية حب الوطن، وحتى يوصل صوته، في هذه الظرفية الاستثنائية والحساسة، إلى العالم بأسره، وإلى المنتظم الدولي الذي أصم أذانه، وإلى السيدة سوزان رايس، سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، والتي سعت جادة بمقترحها الخطير، الرامي إلى توسيع صلاحيات "المينورسو"، لتشمل حقوق الإنسان في الصحراء المغربية، (سعت) إلى التطاول على سيادة المغرب على وحدته الترابية، وأقاليمه الجنوبية.

 

خاض الجندي عبد الرزاق لوخناتي معارك ضارية في الخندق، جنبا إلى جنب مع إخوته في السلاح وفي المغربية والإسلام، ضد مرتزقة البوليساريو المساندين عن قبل الجزائر وكوبا. أبان عن روح قتالية عالية  في معارك طاحنة، دارت  رحاها في "بوكراع" ، ومنطقة "رمزت اللبن"، و"السكن العامر" ... و "كلتة زمور"، التي كانت آخر معركة خاضها، بتاريخ 14 أكتوبر 1981. معركة  ستظل موشومة إلى الأبد، قي ذاكرته وذاكرة عائلته وذويه، وكل من عرفوه أو عاشروه. فقد كانت معركة حامية الوطيس، خاضها داخل وحدته الرابعة. ففي هجوم مباغت وكاسح، حاصرته بمعية رفاقه في السلاح، عصابات مرتزقة البوليساريو المتكونة من 3000 مقاتل، مدججين بأسلحة جد متطورة، روسية الصنع، ضمت دبابات من نوع T62 عيار 62، و لورك سطالين 42 مدفعا، ومدافع عيار 130، وبنادق من نوع "كلاشينكوف" (...).  بعد 3 أيام من القتال ببسالة،  لقي العديد من الجنود المغاربة حتفهم، في حين رمي ب 204 آخرين في قيود الأسر والعبودية. كان ضمنهم  عبد الرزاق لوخناتي. اقتيد سجناء الحرب  إلى مخيمات تيندوف، حيث تعرضوا  للضرب المبرح والتجويع ليل–نهار، ولأبشع المعاملات اللاإنسانية على يد الجنود الجزائريين ومرتزقة البوليساريو. لم تكن المعاملات القاسية  تتوقف عند هذا الحد. فقد كانوا يعمدون باستمرار إلى حقن الدماء من أجساد الأسرى المرهقة، بغية تزويد جنودهم المصابين في المعارك، وكذا، نسائهم الحوامل، ومرضاهم الذين كانوا يعانون من القصور الكلوي، أو فقر في الدم. وعلى غرار ما كان يقوم به النازيون في عهد "الرايخ الثالث"، كان الانفصاليون  يخضعون الأسرى لعمليات جراحية، يقوم بها أطباء جزائريون وكوبيون، من أجل أخذ الأعضاء الحيوية، كالكليتين والقلب وغيرهما، ليتم بيعها بأثمان باهضة، في إطار شبكات مافياوية دولية منظمة، في الأسواق السوداء، تشمل أوربا وآسيا والولايات المتحدة الأمريكية !

 

 وبغية حماية عتادهم ومدرعاتهم من مرمى نيران القوات المسلحة الملكية، كان المرتزقة يجبرون الأسرى على حفر الخنادق والكهوف في المرتفعات الصخرية، تحت وطأة التعذيب والتجويع، ولهيب أشعة الشمس الحارقة. مشاهد أليمة تذكرنا بالأهرام التي شيدت في عهد الفراعنة، على كاهل وأكتاف العبيد. ظروف تبدو أقل قساوة وقسوة من تلك التي عاشها أسرانا المغاربة. وكان مرتزقة عبد العزيز المراكشي يقتادون السجناء إلى أبعد نقطة جغرافية داخل التراب الجزائري (الحدود الجزائرية–المالية)، من أجل جمع أعشاب تعرف ب "السبط"، تصنع منها أدوات تقليدية، من قبيل الحصائر والسلل. وكان العمل يتواصل ليل–نهار. وعندما ينهار الأسير تحت وطأة الحرارة المفرطة أو الجوع،  أو يسقط مغمى عليه، ينهال عليه الحراس بالضرب المبرح حتى الموت!

 

كان الجندي عبد الرزاق لوخناتي شاهد عيان على جرائم حرب، ارتكبت بدم بارد في حق الإنسانية. وهو يبدي استعداده، على غرار إخوته في محنة الأسر، للإدلاء بشهادته أمام المحكمة الجنائية الدولية الخاصة،  في حق المرتزقة الجناة، الذين مازال يتذكر صورهم وأسماءهم، من طينة "محمد فاضل" و"إيسلم" الملقب ب "بوخنشيش" و"سويلم الأكحل" و"الغضف" و"المهيدي"  و"أغلى منهم" و"المخيطير" و"ولد هنية" و"الشريف"، الأخير الذي قام بالمناسبة بصب البنزين على جسم أسير مغربي، امتنع عن تزويد العدو بمعلومات استراتيجية، وأضرم فيه النار، ليظل يحترق ويئن من شدة الألم، إلى أن لفظ أنفاسه. والشهيد المغربي كان معروفا لدى المرتزقة بلقب "ساحل"، لامتناعه حتى عن الإدلاء باسمه الحقيقي. كما كان الجندي لوخناتي شاهد عيان على مقتل العشرات من رفاقه في الأسر، لقوا مصرعهم بدم بارد أمام الملأ، تحت التعذيب، أو رميا بالرصاص في الرأس والقلب. حيث تسنى له معرفة مكان تواجد المقبرة الجماعية بتيندوف، والتي دفن فيها بيديه، يمناه ويسراه، 48 شهيدا مغربيا. أما الآخرون ، فقد دفنوا في مقابر مجهولة !

 

كان الأسرى المغاربة يخضعون لأبشع أشكال التعذيب، أثناء استنطاقهم، بغية معرفة جميع المعلومات عن القوات المسلحة الملكية. لقد تفنن المرتزقة بمساعدة خبراء جزائريين وكوبيين، في جميع أساليب التعذيب الجسدي والنفسي والمعنوي، والتجويع واللسعات الكهربائية. ومن الأسرى من قتلوهم نفسيا، إثر بثر أعضائهم التناسلية، يضيف الجندي بحسرة وأسى

كان لوخناتي الذي اعتقل في ميدان المعركة والسلاح لم يفارق يديه، يحكي عن معاناته في سبيل الوطن. كانت عيناه تحمران بين الفينة والأخرى، وشفتاه ترتعشان. كنا نتحسر لحسرته، ونتألم لألمه. في لحظة، غامرتنا فكرة تأجيل الحديث إلى اليوم الموالي، لكنه استبقنا قائلا بأن الوقت حان للكلام، وفضح المسكوت عنه، فضح "الطابوهات"، فضح التعتيم والحصار المضروب.

 

لقد كان المرتزقة يستقدمون إلى مخيمات تيندوف، الصحافة الموالية لأطروحتهم الانفصالية، مثل جريدتي "النهار" و"الخبر". كان الصحافيون محملين بالكاميرات والأضواء. كان الأسرى يتعرضون للتعذيب المبرح، بهدف  تلاوة بيانات ونصوص دعائية، تمس بالمؤسسة الملكية والنظام، أو تسجيل أفلام وثائقية معادية للوطن، الذي ضحوا من أجله. إلا أنهم كانوا يفضلون الموت على خدش سمعة المغرب.

 

حكى  لوخناتي بكل تواضع، ل "الجديدة24" عن عمل بطولي قام به، شهر فبراير 1997، بمعية ثلاثة من إخوته في  الأسر. حيث تسللوا نهارا من المعتقل تحت الأرض، إلى داخل ثكنة العدو، مستغلين مناسبة عيد الفطر. الثكنة كانت وقتها خالية إلا من 4  حراس. بسرعة خاطفة، شلوا حركتهم، وقيدوهم  بحبال. كان من السهل التنكيل بهم أو قتلهم، لكن الأسرى المغاربة  لم يفعلوا. فقيمهم وإنسانيتهم لم تسمح لهم بذلك. استحوذوا على 14 مسدس رشاش من نوع "كلاشينكوف" روسية الصنع، وعلى صندوق من الذخيرة الحية. فروا على متن عربة رباعية الدفع من نوع "طيوطا". كانت خطة الهرب جد محكمة. فقد كانوا يسيرون بسرعة لا تتجاوز 100 كلم / الساعة، نظرا لكثرة الكثبان الرملية، ووعورة تضاريس الصحراء، وسوء أحوال الجو. لم يبتعدوا سوى ب 200 كلم، حين التقطهم رادار الجنود الجزائريين. ترك الفارون  العربة خلفهم، وتابعوا السير على الأقدام. لكن وحدات من الجيش الجزائري محملة على سيارات رباعية الدفع والشاحنات، لحقت بهم واعتقلتهم.

 

تم إخضاعهم لاستنطاق لاإنساني من قبل عناصر الاستخبارات الجزائرية الشبيهة ب "الكيسطابو" أو وحدة "إس إس" النازية. بعد ذلك، جرى تسليم المحتجزين إلى مرتزقة البوليساريو، الذين ألقوا بهم في غياهب سجن يعرف ب "الدخل". سجن شبيه بالسجون الروسية "كولاك"، المشيدة في صحراء سبيريا الثلجية. فهذا السجن معد خصيصا لعناصر المرتزقة الذين يمتنعون عن القتال ومقاتلة الجيوش المغربية، وكذا، للأسرى الفارين أو الثائرين. فمجرد سماع اسم "الدخل" يصيب المرء بالغثيان (!). ظل الأسرى الأربعة يلقون العذاب والتنكيل في زنازين "الدخل" المظلمة، طيلة 4 أشهر، قضوها مكبلي الأيدي بالأصفاد ليل–نهار. لم يكن المرتزقة يزيلون عنهم القيود إلا لحظة تناول وجبتي الغذاء والعشاء الهزيلتين. أما وجبة الفطور، فكانت  أصلا مغيبة، حتى داخل مخيمات تيندوف !

 

كان الأسرى المغاربة المحتجزون في مخيمات العار بتيندوف، التي تذكرنا بالمعتقلات النازية، عرضة طيلة ربع قرن من الأسر، لأبشع صور التعذيب والتنكيل، من قبل حفنة من مصاصي الدماء والوحوش الآدمية، في انتهاك صارخ للمواثيق والمعاهدات الدولية المتعلقة بالحرب، ومعاملة أسرى الحرب !

 

حسب الشهادات التي استقتها "الجديدة24"، كان قياديو البوليساريو كثيري الحفلات والاحتفالات، يسهرون ويمرحون. وكانوا يسافرون إلى دول العالم، للاسترزاق وجمع الأموال والتبرعات، باسم الشعب المحتجز والمقهور في مخيمات العار. إلا أن الأموال المتحصل عليها كانت تحول إلى حسابات بنكية في الخارج، في اسم كبار المرتزقة، وعلى رأسهم عبد العزيز المراكشي. أما التبرعات العينية والأغذية، فقد كانت تحول إلى بيوتهم، وإلى المقربين منهم وإليهم. أما الشباب الصحراوي، فكانوا يحيلونه على كوبا المساندة للانفصاليين، حيث كانوا يخضعون لغسل الدماغ والتشبع بأيديولوجية العنف والدم، كانوا يضحون من أجلها حتى بالأب والأم !

 

قبيل إطلاق سراحه بتاريخ : 23 يونيو 2004، ضمن آخر أفواج الأسرى المفرج عنهم، حظي الجندي البطل عبد الرزاق لوخناتي بقليل من الحرية داخل مخيم تيندوف. مما سمح له بالاحتكاك بالصحراويين المحتجزين، الذين كان يتحدث إليهم بكيفية مشرفة عن المغرب وعن الحرية والديمقراطية التي ينعم بها المغاربة، داخل أرض الوطن. وكان العسكري الأسير يردد على مسامعهم، أن "الوطن غفور رحيم". مما شجع العديد على اجتياز الحواجز الوهمية، والتسلل إلى أرض الوطن، عبر الجارة موريتانيا.

 

\"\"

 

\"\"

 

\"\"

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة