في الأسبوع الذي ودعناه أوقف السيد مصطفى بودراع قائد المقاطعة الرابعة، جزارا يحمل سقوطا مستقدمة من سوق تابع لأحد الجماعات القروية، وحضرت الشرطة ووجهت إلى الجزار تهمة نقل لحوم في ظروف غير صحية وصودرت منه اللحوم برمتها، قلت مع نفسي شيئ جميل أن يتحرك قائدنا ومعه آليات مراقبة شروط الجودة والسلامة للضرب على أيدي المتربصين بصحة المواطنين .
ومع ذلك قررت هذا الصباح الباكر أن أزور المجزرة البلدية بدرب غلف بمدينتي الجديدة ، لمعاينة جميع المراحل التي تمر منها اللحوم قبل أن تصل إلى جزار الحومة ومنه تستقر في بطوننا .
السيد العامل ، السيد الرئيس ، كنت وجهت إليكما دعوة التسوق من الحمراء ولم تلبيا الدعوة ، ولكن لابأس فقد قررتما نهاية الأسبوع الماضي قرارا لارجعة فيه يقضي بنقل الحمراء إلى تراب جماعة مولاي عبدالله ، واليوم أوجه إليكما دعوة زيارة مفاجئة وغير مرتب لها إلى المجزرة البلدية أو ما يسمى لدى سكان الجديدة ب "الكرنة" ، وحيث أنني أعرف مسبقا أن الأمر يحتاج إلى وقت ، فإنني سأتولى نقلا حيا لواقع هذه "الكرنة" .
السيد العامل ، السيد الرئيس ، الساعة تشير إلى السادسة من صباح هذا اليوم ، لما تسللت إلى هذه المجزرة البلدية ، وجدت قطيعا من الماشية وبعض رؤوس من الأبقار ضمنها ثيران معصوبة الأعين كما لو أنها تنتظر لحظة الإعدام رميا بالرصاص، ولكن فهمت أنها طلبت تعصيب أعينها حتى لاترى أوساخ ونفايات المكان التي ستذبح فيه، وحضرتني واقعة في مصر لما كان عميد الأدب العربي طه حسين أصدر كتاب "مستقبل الثقافة في مصر " وكان يومها وزيرا للتعليم ، جاء متظاهرون إلى الوزارة ورددوا ليسقط الأعمى ، ففتح طه حسين شرفة الوزارة وخاطبهم الحمد لله الذي أعمى بصري حتى لا أرى هذه الوجوه المشوهة، فلا شك أن ثيران "الكرنة" تردد بداخلها الحمد لله الذي عصبت فيه أعيننا حتى لانرى هذه "الكرنة" المشوهة .
ورأيت من بين ما رأيت حظيرة مليئة بالأوحال مثقوبة الحيطان كما لو أنها تشهد فعلا على واقعة صراع تبودلت فيه طلقات رصاص ، وتوقفت عند دورة مياه بدون أبواب يتبرز الناس ويتبولون بمحيطها.
ومن الحظيرة انتقلت إلى داخل "الكرنة" وهناك عاينت جرارات تعلق عليها اللحوم، هي جرارات من المرحلة الفرنسية مليئة بالصدأ ، وغير بعيد، وعلى الأرض وضعت دوارة ثور كبير بالقرب من القاذورات ، جعلتني أفهم فيما بعد لما "التقلية" عادة بنينة ؟؟
وأدركت بعد كل هذا أن الجزار الذي تم توقيفه بالسعادة بمخالفة نقل لحوم بشروط غير صحية، مظلوم لأن "كرنة" الجديدة هي بكاملها في وضعية غير صحية، غادرت "الكرنة " وكم تمنيت منظر الباشا وقواد المقاطعات والعميد المركزي وموسى معتصم ، وهم يتصورون أمام عدسات رقمية بمناسبة إغلاق مقاهي الشيشة ، أن يتصوروا هذه المرة بمناسبة تشميع "الكرنة" وأن يقرأوا بلاغ الإغلاق وأن يكتبوا بأحرف بارزة على بابها "كرنة" مغلقة بسبب عدم توفر شروط السلامة الصحية وإلى أن يحدث ذلك ستظل هذه أمنيتي وأمنية كل ساكنة المدينة .
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة