تطرح إشكالية "ترونسفير" النزلاء غير المحكومين، أو رهن الاعتقال الاحتياطي، من السجن المحلي سيدي موسى بالجديدة، إلى ابتدائية سيدي بنور، إشكالا حقيقيا وخطيرا، يتم تدبره بحلول ترقيعية، تكمن في نقلهم على متن وسائل النقل العمومي، من قبيل عربات النقل المزدوج، أو "الطاكسيات". وثمة حالات عاينتها "الجديدة24"، ووثقت لها بالتقاط صور فوطوغرافية.
فإذا كان القانون يخول للقوة العمومية حق تسخير وسائل النقل العمومي، فإن ذلك يكون في حالات معينة وظرفيات استثنائية، وليس إلى ما لا نهاية. حيث يصبح الاستثناء هو القاعدة المعمول بها. فمنذ إغلاق السجن الإداري بسيدي بنور، في تسعينيات القرن الماضي، لم يتوقف "ترونسفير" المعتقلين من وإلى السجن المحلي بالجديدة.
فرغم أن إقليم سيدي بنور خرج، منذ سنة 2010، من رحم تراب إقليم الجديدة، وبات يحظى بعمالة ومجلس إقليمي منتخب، ومصالح خارجية، ومرافق عمومية إقليمية، واستقلالية في التدبير واتخاذ القرارات المحلية، فإن استقلاليته لم تكتمل، ومازالت تبعيته لإقليم الجديدة قائمة على أكثر من مستوى. حيث يلاحظ غياب مرافق حيوية، وبنيات تحتية أساسية، من قبيل جامعات ومعاهد عليا، ومركز استشفائي إقليمي، وقصر للعدالة، يضم محكمتي الدرجتين الأولى والثانية، وكذا، غياب مؤسسة سجنية، بتراب هذا الإقليم الشاسع، ذي الطابع القروي-الفلاحي، الذي أصبح نفوذه يشمل 25 جماعة محلية، ضمنها جماعتان حضريتان (بلديتا سيدي بنور والزمامرة)، وبات من ثمة يعرف نموا ديمغرافيا مضطردا، وكثافة سكانية مرتفعة.
إن غياب سجن محلي، يعتبر معضلة تواجه إقليم سيدي بنور الفتي. وقد يبدو بالمناسبة طرح المسألة طريفا، وربما مثيرا للسخرية. لكن الأمر في غاية الأهمية والحساسية. فغياب مؤسسة سجنية يشكل مصدر قلق وإكراهات حقيقية، يصعب تدبرها بالنسبة للأسر، وللسلطات القضائية والدركية، ومحكا لوزارة العدل والحريات، ولمديرية الشؤون الجنائية والعفو، وللمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة التأهيل والإدماج، ولمدى نجاعة أجرأة السياسة الجنائية في المغرب، والتزام المغرب ب"حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها كونيا".
فهذا الغياب يطرح حقا إشكالية يصعب تدبرها على أرض الواقع، وتجاوز انعكاساتها وتبعاتها السلبية. فالبعد الجغرافي والترابي، يكلف الأسر عناء التنقل ذهابا وإيابا إلى عاصمة دكالة، لزيارة ذويهم من السجناء المحكومين، والنزلاء غير المحكومين، أو المعتقلين الاحتياطيين في السجن المحلي سيدي موسى، وتجعلهم يتحملون مصاريف إضافية فوق طاقاتهم، تنضاف إلى جحيم المعيش اليومي. ما يعمق الجراح وهوة الفقر المدقع الذي يتخبطون في مستنقعه.
ويطرح كذلك عاملا البعدين الجغرافي والوقتي، مشكل تواصل المحامين في دائرة ابتدائية سيدي بنور، مع موكليهم، سواء المعتقلين الاحتياطيين، أو السجناء المدانين ابتدائيا، والذين يقضون عقوبات سالبة للحرية، ويستأنفون من داخل السجن المحلي، الأحكام الجنحية الصادرة في حقهم، أمام استئنافية الجديدة.
إن إحداث سجن محلي في سيدي بنور، من شأنه أن يحل المشاكل "النوعية" القائمة، ويحد أيضا من الظروف الصعبة ل"ترونسفير" النزلاء، سيما المعتقلين الاحتياطيين، ويجنب نقلهم على متن وسائل النقل العمومي، من قبيل "الطاكسيات"، وعربات النقل المزدوج "عويطة"، والتي هي في حالة ميكانيكية مهترئة، تشكل خطرا محدقا على حياة المعتقلين، والدركيين المكلفين بحراستهم، وعلى أمنهم وسلامتهم الجسدية جميعا. ناهيك عن ظروف الطقس القاسية، وبعد المسافة والإرهاق. وهي ظروف ينعكس جحيمها سلبا على نفسية المعتقلين وراحتهم، وعلى تركيزهم خلال جلسات المحاكمة والتحقيق.
هذا، فإن خلق مؤسسة سجنية في سيدي بنور، سيخفف حتما من العبء الثقيل الملقى على عاتق السجن الفلاحي العدير، الذي يعود بناؤه إلى سنة 1919. وبالمناسبة، كان عامل إقليم الجديدة السابق محمد اليزيد زلو رفع، عقب زيارات تفقدية، تقريرا صادما بشأنه، إلى الجهات الوصية، وعلى رأسها وزير الداخلية، جاء فيه أن هذا السجن يوجد في وضعية، وصفها ب (anarchique).
كما سينعكس إحداث هذا السجن إيجابا على الوضعية العامة في سجن سيدي موسى بالجديدة، الكائن على الطريق المؤدية إلى الجماعة القروية "أولاد حمدان". حيث سيساهم ذلك في تقليص الاكتظاظ المهول الذي يعاني منه سجن الجديدة، الذي شيد، حسب ورقة تقنية،على مسافة 12,9 آر، بمحاذاة أرض خلاء، ويضم 51 زنزانة و118 غرفة، طاقتها الاستيعابية حددت في 700 نزيل، غير أن هذا الرقم بات متجاوزا. إذ يصل أحيانا حد 1600 نزيل.
وسيعمل سجن سيدي بنور كذلك، في حال إحداثه، على رد الاعتبار و"أنسنة" ظروف السجن والاعتقال، ويحسن ظروف عمل واشتغال الحراس والموظفين التابعين للمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة التأهيل والإدماج. وسيساهم تقريب بنايته من المحكمة الابتدائية ذات الاختصاص الترابي والقضائي، في الحد من الإكراهات التي تشوب ظروف نقل النزلاء غير المحكومين، أو رهن الاعتقال الاحتياطي (...).
وبالمناسبة، فإن غياب سجن بتراب سيدي بنور، يجرنا إلى الحديث عن الإجراءات المسطرية والقانونية، التي ينص عليها قانون المسطرة الجنائية، التي تباشرها الجهات المؤهلة، قبل تفعيل مقتضيات القانون الجنائي، في حال عدم حفظ الشكاية، وتحريك الدعوى العمومية في حق المتهم، إما في حالة سراح مؤقت، أو في حالة اعتقال (الاعتقال الاحتياطي).
تنجز الضابطة القضائية لدى المنطقة الأمنية الإقليمية بسيدي بنور، ومفوضية الشرطة بالزمامرة، وسرية الدرك الملكي بسيدي بنور، والفرق الترابية التابعة لها (مراكز الزمامرة، العونات، الوليدية، أولاد عمران، وبني هلال)، الأبحاث التمهيدية علاقة بالوشايات والشكايات المرجعية، وكذا، الأبحاث بمقتضى حالة التلبس بالجنايات والجنح، تحت إشراف النيابة العامة لدى محكمة الدرجة الثانية في الجديدة، ومحكمة الدرجة الأولى في سيدي بنور. وطبقا لمقتضيات قانون المسطرة الجنائية، تتم إحالة الأظناء على النيابة العامة المختصة، إما في حالة سراح مؤقت، أو في حالة اعتقال، بعد انقضاء فترات الحراسة النظرية والمراقبة القضائية.
وتسخر المنطقة الأمنية في سيدي بنور، ومفوضية الشرطة في الزمامرة، سيارات النجدة (PS)، لنقل المشتبه في ارتكابهم جنايات، وإحالتهم على الوكيل العام لدى استئنافية الجديدة. كما تستعمل تلك المصالح الأمنية، سيارات الخدمة المؤمنة ذاتها، في "ترونسفير" المتهمين بالجنح، عند إحالتهم على وكيل الملك لدى ابتدائية سيدي بنور.
وفي مدينة الجديدة، تتكلف عربات "فوركونيت" مؤهلة، تتوفر فيها معايير وشروط السلامة والأمن، تابعة لمصالح أمن الجديدة، وللمندوبية السامية لإدارة السجون وإعادة التأهيل والإدماج، بمهمة النقل الإداري، أو النقل القضائي للمعتقلين الاحتياطيين، إلى قصر العدالة.
ويختلف الأمر في مدينة سيدي بنور (67 كيلومترا جنوب الجديدة)، في غياب وسائل نقل قانونية (النقل القضائي)، بمواصفات قانونية وإنسانية. حيث تعمد مصالح سرية الدرك، والفرق الترابية التابعة لنفوذها الترابي، إلى نقل المتورطين في الجنايات، وإحالتهم على متن "طاكسيات" وسيارات شخصية، على الوكيل العام لدى استئنافية الجديدة. وعاينت "الجديدة 24" دركيين يقودون سيرا على الأقدام أظناء مصفدي الأيدي، إلى النيابة العامة بابتدائية سيدي بنور، وكذا، إخراج معتقلين من النيابة العامة، ومن محبس المحكمة، واقتيادهم تحت مراقبة دركيين وشرطي، إلى سيارة أجرة كبيرة، كانت مستوقفة في الشارع العام (الصورة رفقته)، لكي تقلهم وتنقلهم إلى السجن المحلي بالجديدة.
وتتكلف سرية الدرك الملكي في سيدي بنور، بنقل المتهمين المحكومين ابتدائيا، والأظناء الذين تحيلهم مصالح الأمن والدرك، على النيابة العامة، ويقرر وكيل الملك متابعتهم في حالة اعتقال، إلى جانب المتهمين الذين يقرر قاضي التحقيق الجنحي في المحكمة ذاتها، مباشرة جلسات الاستماع والتحقيقات معهم لاحقا، (تتكلف بنقلهم) إلى السجن المحلي بالجديدة، على متن وسائل النقل العمومي، من قبيل عربات النقل المزدوج "عويطة"، أو "الطاكسيات" "ريكيزيسيوني" بالتناوب، طيلة أيام الأسبوع. إذ يتم إيداع المتهمين رهن الاعتقال الاحتياطي، في انتظار مثولهم أمام الغرفة الجنحية، أو أمام قاضي التحقيق الجنحي لدى محكمة الدرجة الأولى في سيدي بنور.
وكما تمت الإشارة سلفا إلى ذلك، فإن ثمة إكراهات ومشاكل "نوعية" تشوب "ترونسفير" النزلاء غير المحكومين أو رهن الاعتقال الاحتياطي، على متن "وسائل نقل وظروف غير لائقة"، قد تعرض للخطر، سلامتهم وسلامة الدركيين المكلفين بحراستهم، ومرافقتهم من السجن المحلي بالجديدة، إلى ابتدائية سيدي بنور، أو العكس.
وقد ارتأينا في "الجديدة 24"، بعرضنا لبعض الحالات والنازلات (عينة فقط)، إثارة انتباه الجهات الوصية، والمتدخلين والمعنيين، كل من موقع مسؤوليته، بغاية إعادة النظر في مسألة ال"ترونسقير"، والمبادرة بإحداث سجن محلي بسيدي بنور، نظرا لكونهما في غاية الحساسية والأهمية، ومن شأنهما أن يساهما في الالتزام بحقوق الإنسان، ضمنها حق المحاكمة العادلة، التي يجب أن تمر أولا في ظروف لائقة، عكس الظروف التي أوردناها سلفا.
* لقد كانت بالمناسبة الطريق الوطنية رقم:1، الرابطة بين الجديدة ومركز سيدي إسماعيل، وتحديدا على بعد 17 كيلومترا جنوب عاصمة دكالة، مسرحا لحادث مرور مهول، وقع الأربعاء 27 أكتوبر 2010، إثر اصطدام عربتين، إحداهما سيارة مصلحة تابعة للدولة. ونجا دركيان من موت محقق، وكانا عائدين لتوهما من الجديدة، إلى مقر عملهما، على متن عربة من نوع "باسات فوركونيت"، بعد أن أحالا معتقلين على النيابة العامة، على متن السيارة ذاتها.
* وظهر الخميس 19 نونبر 2009، فر 3 سجناء، ضمنهم معتقلان احتياطيان، أحدهما ملقب ب"الخميني"، والآخر "جبيلو"، من المحبس تحت أرضي في محكمة الدرجة الأولى في سيدي بنور. وكانت الضابطة القضائية لدى الدرك الملكي، استقدمتهم في اليوم نفسه، من السجن المحلي في الجديدة، للمثول أمام الغرفة الجنحية. وكانت الفرقة الترابية بخميس الزمامرة، أحالتهم، الأحد 15 نونبر 2009، على وكيل الملك، بمقتضى حالة التلبس، على خلفية "الاتجار في المخدرات".
* وهرب معتقل احتياطي، الاثنين 29 أبريل 2013، من ابتدائية سيدي بنور. وكان 4 دركيين استقدموا إلى المحكمة، 19 معتقلا غير محكومين، من السجن في الجديدة، على متن عربتين للنقل المزدوج "عويطة"، بموجب إذن نيابي بالإحضار. وجرى الاحتفاظ بهم في محبس المحكمة. وعقب الانتهاء، مساء اليوم ذاته، من التقديم، وجلسات المحاكمة، أخرج الدركيون المعتقلين ال19، ناهيك عن 3 معتقلين جدد، أمر وكيل الملك بإيداعهم رهن الاعتقال الاحتياطي. وعندما كانوا يعتزمون نقلهم إلى السجن المحلي بالجديدة، على متن وسيلتي النقل ذاتهما، عربتي "عويطة"، انتهز معتقل احتياطي، أرجأت الغرفة الجنحية محاكمته إلى جلسة لاحقة، الفرصة السانحة، و"تبخر في الطبيعة".
* ولاذ نزيل رهن الاعتقال الاحتياطي بالسجن المحلي سيدي موسى بالجديدة، الاثنين 22 أكتوبر 2013، بالفرار من على متن عربة للنقل المزدوج "عويطة"، كانت تقله إلى ابتدائية سيدي بنور، حيث كان من المقرر أن يمثل أمام الهيئة القضائية لدى الغرفة الجنحية، على خلفية الاتجار في المخدرات. وحسب مصدر مطلع، فإن المعتقل الذي كان تحت حراسة دركيين، أوهمهما أنه يعاني من ضيق في التنفس. وطلب منهما فتح النافذة الخلفية للعربة التي كانت تقله بمعية معتقل آخر. الأمر الذي استجاب له من ثمة الدركيان، مراعاة لظروفه الصحية، وتفاديا لتعريضه لمضاعفات خطيرة، قد يتحملان مسؤولية تبعاتها، في حال عدم إسعافه، سيما أنه بدا في حالة صحية حرجة. واستغل المعتقل تخفيض السائق من السرعة، عند مشارف مركز سيدي إسماعيل (45 كيلومترا جنوب الجديدة)، وكذا، الازدحام واختناق حركات السير والمرور، في الاتجاهين، من الطريق الوطنية1. حيث ارتمى بسرعة فائقة إلى الخارج، عبر النافذة، بعد أن فك أسره وقيده ب "فليل"، من الأصفاد التي كانت تشده إلى معتقل آخر. وأطلق ساقيه للريح، و"تبخر في الطبيعة". وقد استعصى على الدركيين ملاحقته. وتجدر الإشارة إلى أن الضابطة القضائية لدى الفرقة المحلية للشرطة القضائية بالمنطقة الأمنية الإقليمية بسيدي بنور، كانت أحالت، بتاريخ : 19 شتنبر 2013، المعتقل الهارب، الذي يتحدر من جماعة أولاد عمران، على وكيل الملك بابتدائية سيدي بنور، من أجل الاتجار في المخدرات، وهي الجنحة التي كان مطلوبا من أجلها، بموجب مذكرة بحث وتوقيف وطنية.
فعلى عاتق من تقع حقا المسؤولية في حالة الفرار هذه، من على متن عربة النقل المزدوج "عويطة"؟!"مهنيا" و"قانونيا"، تقع المسؤولية على عاتق الدركيين اللذين خضعا للبحث والمساءلة، واللذين كان عليهما تحمل مسؤولية تبعات نقل المعتقل الفار، على متن "عربة غير مؤهلة"، و"في ظروف غير لائقة" ... لكن هل تم ذلك دون علم السلطات القضائية المختصة، التي تصدر "des requisitions"، في حالات "ترونسفير" نزلاء السجن ؟!
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة