القارة العجوز اليوم منهكة، تقاوم نفسها في كل العواصممن خلال ما صنعته وهي تمد عنقها نحو الجنوب والشرق.إلى أين سيهرب الإنسان يا إنسان؟.
كل الجهات ملأى برشاشات كلاشينكوف وبقايا أشلاء الفقراء بعيدا عن آبار البترول ومؤتمرات السلام .وحده التاريخ يختبئ في جيوب الساسة .وحده الإنسان ضد كل الكائنات ،ضد الله ،ضد الإنسان،ضد نفسه،ضد الأنبياء والحياة وكوكب الأرض.ربما سيأتي يوم يرتجف فيه الإنسان قرب سريره دون أمان لا ينام إلا بعد أن يفقد الإحساس بكل أطراف جسده.يا للعجب.؟
اليوم ندين أنفسنا وندين العالم وهو ينحدر نحو نفق آخر،هاربا من أيدي الفلاسفة والعلماء والشعراء والكتاب ونشْرات الأخبار. متنصلا من قيم الجمال التي رسخها الإنسان عبر مختلف الأزمنة في كل القارات منذ اليونان والفراعنة إلى يومنا هذا .ندين عالما جعل الفقراء يمشون حفاة/عراة فوق قطع الثلج وهم ينتظرون خارج حدود (دولتهم الوطنية) تقرير المصير ،يتفرجون على نشْرات الأخبار في أخلاقهم وقد غدت موضوعا للمساومة والمزايدة دون أن تمتد أيديهم الكريمة الباردة إلى مذيعة الأخبار الحلوة كحضارتنا لتشعرها بأن قلب الحضارة الغربية وساستها بارد للغاية.ننتظر أن نبني كائنا كامل القناعات من وراء الحدود ونحن نتنسم رائحة البحر ونتأمل زرقته وهي تغادرنا في جيوبهم.بماذا سيعود هذا الكائن الآتي من جيوب ناهبي الإنسانية ؟
اليوم آلهة الزمن الجديد تهدي في شوارع أوروبا تَنْثُر عينات استهوائية في كل مكان .الحقائق تسير على أرجل من طين والذي يقتل يسير أمام الكاميرات في جنازة الضحايا ويقضي بقية ليلته منتشيا في (حديقة الرؤوس).ماذا حصل في مدينة الأنوار التي استعارت ذات زمن كريستيفا وتودوروف وهتف الطلاب في شوارعها باسم ماركس وطردت مدام دوستايل وفولتير وتعالى صوت الأذان في المساجد وتسترت على جثة المهدي ودوى رصاصها فوق العواصم العربية باسم الحقوق والسلام..هل صار لسانهاوعقلها كومة أعواد إن صحت عبارة السياب،ماذا حصل لعقلها الذي التقط إشارة ضوئية ذات حرب ودفعها إلى تشيد أول بنك في فلسطين لدعم مشروع يُثَوِر شوارعها نحو الأسوأ اليوم .ماذا سيحصل لو قلنا اختلطت علينا وأضحى وجود الإنسان على رمل سائب وأصبح من الصعب القول إننا لم نعد نملك لا الماضي ولا الحاضر ولا المستقبل.إنها الفوضى الخلاقة المنظمة التي خرجت من رحم الفوضى بعد أن استنفدت قوى الاستعمارالقديم/ الجديد عقلها وهي تَحُوز خيرات الشعوب .إنها أخطاء السياسة في قصر الاليزيه ووجهها البشع الذي يختبئ تحت عباءة الديني لخدمة مصالح ذاتية وأخرى أجنبية في الشرق وشمال إفريقيا .حَرْكاتُ الانتخابات التي تتجاهل عدد الفرنسيين الذين يُقاتلون في الشام والعراق، أخطاء السياسة التي لا تدرك أن هذه الطبخة محروقة مثل طبخات كثيرة في أمريكا.إن سكة التاريخ ترفض قطارا كلاسيكيا معطوبا ووهم النزعة الكوسموبوليتية وتلك المركزية التي تقصي الآخر ولا تضمن له حق الوجود والسلامة سواء داخل أرضها أو على امتداد أطماعها في العراق وسوريا وأفغانستان...فهل تطالب أوروبا الاستعمار مرة أخرى بتبني عقل جديد مكان الأخلاق؟ وهل يبررالتقدم العلمي والتقني التنكر لجوهر القيم الكونية التي تلتقي عندها كل الديانات والثقافات والهويات.؟ لا عدالة حقيقية حتى ننتظر حقيقة من يمثلون الجريمة .وكوكبة السياسيين مشغولة بالتحضير لبيع شعوب بأكملها.والإعلام مهما كان حرا أومحقِرا حتى عليه أن يقدر حجم العنف الرمزي الذي يمارسه ضد الاخرين.والمفكر والمثقف عليه أن يفكك ويعيد بناء الواقعة بعيدا عن مصالحه الشخصية ....إن العالم التحف رداء النسبية منذ زمان.وأبان أن الانظمة الشمولية أفرزت لنا تعدد و حوارية باخثين وثورة دودستويفسكي و برنار دشو الذي سخر من تمثال الحرية في قلب أمريكا وأفرزت لنا هذه الأنظمة إنتاجا فنيا وفكريا عربيا غنيا ممانعا، في مقابل الإرهاب والتطرف و النزوع نحو النهب وبلقنة الشرق. وصور السلب هاته تعمقت في الجاهلية (إذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت) وفي القرون الوسطى في أوروبا عندما أعدم العلماء بحقائقهم في عقولهم ...أفرز لنا زمننا الحديث عالما في حاجة إلى حوار وعقل وتعقل وعودة إلى الأصل والجمال و الإنسان بدل عالم تطبخ خرائطه تحت العقل وتسوق الصورة على أنها صناعة أجنبية .لذلك وجب النظر إلى السلوك البشري على أنه إرث ونتاج للإنسانية جمعاء مهما حاولت إنكار امتدادات الفكر العولمي وآثاره.فالحوار الذي تجسد في قلب باريس ضد الارهاب مهما كان مرتكبوه لم يخف حقد و استمرار إلغاء الآخر ،فمن يمثل العقل والأخلاق إذن؟من يحب التعايش...من صنع الطبخة ؟ لننسحب في هدوء لفهم ما يحصل بقراءة المشهد مرات.
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة